تفسير الآية : (( قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ... )) .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
ثم قال الله تعالى: قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله قل الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ، ولكن لا بأس أن يقوله من يحتاج إليه وإن كان غير الرسول صلى الله عليه وسلم . تخفوا ما في صدوركم والذي في الصدور هو ما تكنه القلوب وجعله في الصدور لأن القلوب في الصدور كما قال الله تعالى: فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور وقوله: إن تخفوا ما في صدوركم من أي شيء ؟ من كل شيء من الخير أو من الشر أو العداوة أو الولاية أو غير ذلك كل ما يخفي الإنسان في صدره أو يبديه لمن؟ للناس، قال: أو تبدوه يعلمه الله يعلمه للجزم جوابا للشرط قوله: إن تخفوا يعلمه الله عزوجل، وهو سبحانه وتعالى عالم به قبل أن تخلق الصدور وما فيها، ولكن يعلمه أيضا بعد أن يقع في الصدور علم وقوع، وأما علمه السابق فهو علم بما سيكون، وأما بعد وقوقع الشيء فهو علم بالشيء بعد كونه ، فلله سبحانه وتعالى فيما يكون بالنسبة للعلم اعتباران: الاعتبار الأول باعتبار ما سيكون، والثاني باعتبار ما كان، وبهذا التقدير يزول الإشكال الذي يرد على النفس ويورده كثير من الناس في مثل قوله: ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين فيقول: أليس الله عزوجل قد علم المجاهدين والصابرين من غيرهم في الأزل ؟ الجواب: بلى، لكن علمه في الأزل علم بما سيكون، وعلمه بعد كون الشيء علم به كائنا وفرق بين الأمرين هذا من وجه ومن وجه آخر : أن علمه الأزلية لا يترتب عليه عقاب ولا ثواب، وعلمه بالشيء بعد كونه هو الذي يترتب عليه الثواب والعقاب، فيكون معنى حتى نعلم أي علما يترتب عليه الثواب والعقاب وإلا فالله عالم من قبل أن يبتلينا . قال: يعلمه الله ويعلم ما في السموات وما في الأرض يعلم بالرفع على الاستئناف، والتقدير: وهو يعلم، ولا يجوز في مثل هذا الجزم عطفا على: يعلمه الله بخلاف قوله تعالى: وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر فإنه يجوز فيغفر لمن يشاء ويجوز فيغفر ثلاثة أوجه، لكن في هذه الآية لا يجوز سوى الرفع، لماذا؟ لأننا لو جعلناه بالجزم صار علم الله بما في السموات وبما في الأرض مقيدا بقوله: قل إن تخفوا ما في صدروكم أو تبدوه لأن المعطوف على جواب الشرط له حكم جواب الشرط، وجواب الشرط معلق بماذا؟ بفعل الشرط، وعلى هذا فيتعين في قوله: ويعلمه الاستئناف والرفع ولا يجوز الجزم، ويعلم ما في السموات وما في الأرض ما من صيغ الموصول أو من الأسماء الموصولة ، وكل اسم موصول فإنه يفيد العموم سواء كان من صيغ الجمع كالذين واللائي، أو من صيغ المفرد كالذي والتي، أو من الصيغ المشتركة كما ومن، وعليه فجميع الأسماء الموصولة بأصنافها الثلاثة كلها تفيد العموم، ألم تروا إلى قول الله تعالى: والذي جاء بالصدق وصدق به وين الخبر ؟ أولئك هم المتقون فجعل الخبر جمعا مع أن المبتداء مفرد، لأنه مفرد لكنه عام، طيب هنا ما في السموات وما في الأرض أقول إنه إنما اسم موصول تفيد العموم فكل ما في السموات فهو معلوم لله عزوجل، وكل ما في الأرض فهو معلوم لله عزوجل بعلمه الأزلي القديم قال الله : إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم: أن الله كتب مقادير كل شيء قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ولا يكتب إلا ما كان معلوما عنده عز وجل . والله على كل شيء قدير ختم الآية ببيان عموم قدرته إشارة إلى أن الله تعالى قد وسع كل شيء علما وقدرة وأنه قادر على الانتقام منكم فيما إذا أخفيتم ما لا يرضيه ولكنه لحكمته قد يؤخر الانتقام . قوله: والله على كل شيء قدير الصيغة عامة كما تشاهدون على كل شيء قدير سواء كان ذلك من أفعاله أو من أفعال العباد فهو قادر على كل شيء، وسواء شاء ذلك الشيء أم لم يشأه فهو قادر على كل شيء شاءه أم لم يشأه، وكل شيء شاءه فهو قادر عليه، فلدينا الآن عمومان : العموم الأول في القدرة فنقول هو قادر على كل شيء سواء شاءه أم لم يشأ، والعموم الثاني: المشيئة فكل ما شاء الله فهو قادر عليه كما جاء في الحديث القدسي: إني على ما أشاء قادر .
الفتاوى المشابهة
- تتمة تفسير قول الله تعالى : (( ... إنه عليم... - ابن عثيمين
- التعليق على تفسير الجلالين : (( يعلم )) أي ا... - ابن عثيمين
- قال الله تعالى : << وربك يعلم ما تكن صدورهم... - ابن عثيمين
- تفسير الآية : (( إن الله لا يخفى عليه شيءٌ ف... - ابن عثيمين
- تفسير قوله تعالى : (( لله ما في السموات و ما... - ابن عثيمين
- تفسير قوله تعالى: (وحصل ما في الصدور) - ابن عثيمين
- فوائد قوله تعالى : (( يعلم خائنة الأعين وما... - ابن عثيمين
- تتمة فوائد الآية : (( قل إن تخفوا ما في صدور... - ابن عثيمين
- قوله تعالى : (( قل إن تخفوا ما في صدوركم أو... - ابن عثيمين
- فوائد الآية : (( قل إن تخفوا ما في صدوركم أو... - ابن عثيمين
- تفسير الآية : (( قل إن تخفوا ما في صدوركم أو... - ابن عثيمين