تفسير الآية : (( واللاتي يأتين الفاحشة من نسآئكم فاستشهدوا عليهن أربعةً منكم ... )) .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
ثم قال الله تعالى: واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم ... اللاتي مبتداء ، وخبره جملة: فاستشهدوا وهنا يطلب لماذا اقترنت الفاء في خبر مبتداء ؟ والجواب على ذلك: أنه لما كان المبتداء اسما موصولا كان مشبها لاسم الشرط في العموم فأعطي حكمه ، واقترنت الفاء بخبره ، ومنه قول النحويين في المثال المشهور " الذي يأتيني فله درهم " فإنه نائب مناب قولك " من يأتيني فله درهم " فاسم الموصول لما أشبه اسم الشرط في العموم صار دخول الفاء في خبره كدخول الفاء في جواب الشرط . وقوله: اللاتي يأتين الفاحشة اللاتي جمع ، جمع أيش ؟ جمع " التي " لكنه على ... ، لأن هذه الأسماء غير مشتقة ، وقوله: يأتين الفاحشة الفاحشة ما يستفحش ، ما يستفحش شرعا وعرفا ، والذي يستفحش شرعا يستفحش عرفا في أعراف المسلمين لا في أعراف غير المسلمين ، وإنما قيدنا ذلك لأن الزنا فاحش شرعا وفاحش عرفا في عرف المسلمين لكن في عرف الكفار ليس فاحش ، ومن هنا نعرف أن قول الرسول عليه الصلاة والسلام: الإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس أن هذا خاص بمن ؟ بالمسلم الذي يكره الإثم ويخشى أن يطلع عليه الناس في حال إثمه وإلا فإن الكافر لا يحوك في نفسه الإثم ، قوله: الفاحشة ما المراد بالفاحشة هنا ؟ يعني معنى الفاحشة ما يستفحش معناها ما يستفحش شرعا وعرفا والمراد بها الزنا ، ودليل ذلك قوله تعالى: ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وعلى هذا فتكون " أل " للعهد الذهني ، لأنه لم يذكر لكنه معروف شرعا وإنما قررنا ذلك لرد قول من يقول كأبي مسلم الخراساني قال: إن المراد بها السحاق ، السحاق بين النساء ، ولكن هذا بعيد من الصواب ، ولم يفسر به أحد من الصحابة أو التابعين فيما نعرف ، والصواب أن المراد بالفاحشة الزنا ، والدليل ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة ، وقوله: من نسائكم المراد بها جنس يعني جنس النساء سواء كانت من زوجاتنا أو من غير الزوجات ، وقوله: من نسائكم " من " هذه بيان للموصول لقوله: اللاتي يأتين الفاحشة ، فاستشهدوا عليهن أربعة منكم استشهدوا أي اطلبوا شهادة أربعة ، و أربعة هنا عدد يدل على أن المعدود مذكر ، ما وجهه ؟ نصف أربعة ، يعني فلو جاء مرفوعا لم يكن دالا على أن المعدود مذكر ؟ لأن العدد المؤنث يكون معدوده مذكرا فيما دون عشرة ، فتقول: تسعة رجال ، وتسع نساء ، واضح ؟ طيب أربعة وقوله: أربعة منكم الخطاب للمسلمين لأن من شرط الشهادة ولاسيما في هذا الأمر العظيم أن يكون الشاهد مسلما ، فإن شهدوا يعني شهدوا على فعل الفاحشة فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا أمسكوهن في البيوت الخطاب هنا أمسكوهن عام ،فمن الذي يقصد به ؟ الذي يقصد به ولي الأمر ، ولي الأمر إما الخاص وإما العام ، وقوله: أمسكوهن في البيوت جمع بيت أي أمسكوها في بيتها احبسوها لا تخرج ، لأن ذلك وسيلة إلى تقرير الزنا حيث تبقى محبوسة ببتها لا تخرج فتفتن الناس وتفتتن ، حتى يتوفاهن الموت يتوفاهن يقبضهن ، يقال: توفيت حقي من فلان ، أي قبضته ، وقوله: الموت يعني ملك الموت ، كما قال تعالى: قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكلتم ولكنه يعبر عن ذلك بالموت توسعا ، والموت هو فقد الحياة وذلك بخروج الروح من البدن ، لأن الروح في البدن عارية متى دعيت خرجت ، أو يجعل الله لهن سبيلا " أو " هذه حرف عطف ، و يجعل معطوفة على يتوفى فهي منصوبة ، يجعل الله لهن سبيلا أي يصير لهن سبيلا أي طريقا للخلاص من هذا الإمساك ، وقد جعل الله لهن سبيلا بماذا ؟ بقوله تعالى: الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم فتبين بهذا أن المراد بالسبيل ما شرعه الله تعالى من حد الزاني جلدا وتغريبا أو رجما وتغريبا . ثم قال الله تبارك وتعالى: اللذان يأتيانها منكم فآذوهما اللذان في مقابل " اللاتي " ، تكون للذكور أو للإناث ؟ للذكور ، ولكن المقابلة ليست بتامة ، هنا قال: اللذان وهناك قال: اللاتي فلماذا ؟ قال بعض العلماء: إن المراد باللذان هنا الزاني والزانية ، ولكن الزانية سبق حكمها وهي أنها تحبس في البيت والزاني يؤذن ولا يحبس في البيت ، وقال بعض العلماء: المراد بهما اللوطي يعني الفاعل والمفعول به ، وأضاف الإتيان إلى المفعول به مع أنه مأتي لأن القابل كالفاعل ، القابل الراضي كالفاعل ، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوه الفاعل والمفعول به والصحيح أن اللذان يراد بهما اللائطان ، الرجل يلوط بالرجل ـ والعياذ بالله ـ ، ولكن يبقى نظر آخر ، لماذا عبر في حق النساء بـ اللاتي وفي حق الذكور بـ اللذان ؟ لأن فشو الزنا في النساء أكثر من فشو اللواط في الذكور ، وكانوا في الجاهلية لا يعرفون اللوطية حتى إن بعضهم يقول " لو لا أن الله قص علينا ما قص من نبئ قوم لوط ما كنا نتصور أن هذا يقع " لأنه من يتصور أن رجلا يرضى أن يفعل به كما يفعل بالمرأة ، هذا شيء مستحيل فطرة ومستحيل شرعا .
الفتاوى المشابهة
- الكلام عن فاحشة اللواط مع ذكر عقوبته . - ابن عثيمين
- معنى قوله تعالى :" ولا يخرجن إلا أن يأتين بف... - ابن عثيمين
- قال الله تعالى : << ولوطا إذ قال لقومه إنكم... - ابن عثيمين
- تتمة تفسير الآية : (( وربائبكم اللاتي في حجو... - ابن عثيمين
- باب : إثم الزناة. وقول الله تعالى : (( ولا ي... - ابن عثيمين
- قال الله تعالى : << ولوطا إذ قال لقومه أتأتو... - ابن عثيمين
- مناقشة عن معاني الآيتين : (( واللاتي يأتين ا... - ابن عثيمين
- كيفية الجمع بين قوله تعالى: (واللاتي يأتين ا... - ابن عثيمين
- فوائد الآية : (( واللاتي يأتين الفاحشة من نس... - ابن عثيمين
- تتمة تفسير الآية : (( واللاتي يأتين الفاحشة... - ابن عثيمين
- تفسير الآية : (( واللاتي يأتين الفاحشة من نس... - ابن عثيمين