تفسير قول الله تعالى : << يسئلونك ماذآ أحل لهم قل أحل لكم الطيبات و ما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا ممآ أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه واتقوا الله إن الله سريع الحساب >>
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
قال الله تعالى: يسألونك ماذا أحل لهم يسألونك الفاعل هم الصحابة ، والصحابة لا يسألون الرسول عليه الصلاة والسلام إلا عن شيء فيه منفعة لهم إما في الدين أو في الدنيا وأيضا هو مشكلة عليهم ، وقد ذكر الله في القرآن حوالي اثني عشر موضعا من سؤال الصحابة له ، فهل أجابهم الرسول ؟ الآية تدل على أنه لم يجبهم بدليل أن الله قال له: قل يعني في جوابهم أحل لكم الطيبات ... ، واعلم أن السؤال تارة يراد به سؤال المال وتارة يراد به الاستفهام، فإذا أريد به سؤال المال نصب مفعولين، وإذا أريد به استفهام نصب مفعولا واحدا ثم عدي إلى الثاني بعن، انتبه، فإذا أردت أن تسأل رجلا درهما تقول: أسألك درهما ، ومنه قول الله تعالى: من يسألني فأعطيه أي من يسألني شيئا ، فالمفعول الثاني محذوف لدلالة السياق عليه ، وإذا أردت أن تسأل عن ضالة ضاعت لك تقول: أسألك عن ضالتي ، وتقول: سألني فلان عن مسألة فلانية ، ويتعدى قلت لكم إلى المفعول الثاني بأيش ؟ بعن . فإن قال قائل: ما الجواب في قوله تعالى: سأل سائل بعذاب واقع ؟ قلنا الجواب عن ذلك مختلف فيه عند العلماء ، فمن قال: إن الفعل إذا تعدى إلى ما لا يتعدى به فإنه يضمن معنى يناسب الحرف الذي تعدى به ، ومنهم من قال: إن الحرف يفسر بالحرف المناسب للفعل ، أنتم فاهمين ذلك ؟ إذا تعدى إلى مفعوله بحرف جرت العادة أنه يتعدى به ، فالأمر واضح، لم تجري العادة أنه يتعدى به فهنا اختلف النحويون هل يفسر الحرف بما يناسب الفعل أو يفسر الفعل بما يناسب الحرف ، فهمتم ؟ نعم ، نشوف ، قال الله تعالى: عينا يشرب بها عباد الله يشرب بها عباد الله ما الذي يناسب يشرب ؟ منها، كما قال تعالى: فشربوا منه إلا قليلا منهم لكن جاءت الآية: يشرب بها على القول بأن الحرف يكون بمعنى الحرف المناسب للفعل ، نقول: الباء في قوله: يشرب بها بمعنى من ، وعلى القول الثاني نلتمس معنى يناسب الباء ، فـ يشرب الفعل الذي يناسب الباء أن نقول إن يشرب تضمن معنى يروى، وحينئذ يكون التقدير: عينا يروى بها عباد الله ، أفهمتم ؟ أيهما أبلغ ؟ الأول ، الثاني ، الثاني أبلغ ، لأن الري يستلزم الشرب ولا عكس ، وحينئذ يكون التجوز بالفعل لا بالحرف ، وهذا مذهب نحاة البصرة وهو الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مقدمة التفسير . نرجع إلى الآية: سأل سائل بعذاب واقع من قال إن التجوز بالحرف يقول الباء هنا بمعنى عن ، ومن قال التجوز بالفعل قال سأل هنا ضمن بمعنى الجواب ، سأل سائل فأجيب بعذاب واقع ، وهذا أصح كما قلنا . الآية التي معنا يسألونك ماذا أحل لهم سؤال أيش ؟ مال أو علم ؟ علم ، ماذا أحل لهم ذا هنا بمعنى الذي ، قال ابن مالك رحمه الله: ومثل ذا بعد ما استفهام ، أي مثل صيغ العموم الموصولة ذا بعد ما استفهام أي بعد ما الاستفهامية، أي ما الذي أحل لهم ، والفاعل ونائب الفاعل يعود على ما ، والمحلل من ؟ الله . قل أحل لكم الطيبات أي احل لكم الأطعمة الطيبات، قال الله تعالى في وصف النبي صلى الله عليه وسلم: يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ، ومعنى الآيتين ـ الله أعلم ـ أن كل ما أحله الله فهو طيب، وكلما حرمه فهو خبيث ، وليس كل خبيث يكون حراما بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم وصف الثوم بأنها شجرة خبيثة ولم يحرمها . وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن يعني وأحل لكم ما صاده ما علمتم من الجوارح ، والجوارح جمع جارحة وهي الكاسبة ، مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله أي معلمين لهن، تعلمونهن مما علمكم الله ويحتمل أن يكون مكلبين أي جارحين يعني أن هذه الكواسب تجرح ما أمسكت ، تعلمونهن أي الجوارح مما علمكم الله أي في كيفية الصيد . فكلوا مما أمسكن عليكم كلوا يعني على وجه الإباحة والأمر هنا للإباحة مما أمسكن عليكم ومن هنا تبعيضية وليست بيانية ، وأمسكن عليكم أي مما أمسكن مضموما إليكم أو مما أمسكن عليكم يعني محملا عليكم ، أو ما أشبه ذلك على القول بتضمين الفعل ، وأما على القول بأن المجاز بالحرف تكون على بمعنى اللام أي مما أمسكن لكم . واذكروا اسم الله عليه اذكروا اسم الله عليه متى ؟ عند الأكل أو عند إرسال الجارحة ؟ كلاهما، الواقع أنه كلاهما ، السنة دلت على أنه يسمي إذا أرسل الجارحة ، والقرآن دل على أنه يسمي إذا أمسك وأراد أن يأكل يسمي ، فيكون التسمية على الأكل والتسمية على الإرسال . واتقوا الله إن الله سريع الحساب اتقوا الله أي اتخذوا وقاية من عذابه وذلك بفعل أوامره واجتناب نواهيه . إن الله سريع الحساب هذه الجملة خبرية مؤكدة بإن، والغرض منها التخويف من اجتناب التقوى، أن من لم يتق الله فإن الله تعالى سيحاسبكم على أعمالكم ، وهو سريع الحساب وهذا يتضمن سرعة التنفيذ من وجه وسرعة الوقت من وجه آخر ، أما سرعة الوقت فما أسرع الدنيا تمضي سريعا وإذا بالإنسان قد انتهى ، وأما سرعة التنفيذ فإن الله تعالى يحاسب الخلائق يوم القيمة على كثرتهم يحاسبهم في نصف يوم ، لقوله تعالى: أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا .
الفتاوى المشابهة
- تتمة الفوائد المستنبطة من الآية الكريمة . - ابن عثيمين
- تفسير قوله تعالى: (قل أتعلمون الله بدينكم. - ابن عثيمين
- باب : وقول الله تعالى : (( كلوا من طيبات ما... - ابن عثيمين
- معنى: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} - ابن باز
- في قوله تعالى " ياأيها الذين آمنوا لا تحلو ش... - ابن عثيمين
- ما تفسير قوله تعالى {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْ... - ابن باز
- تتمة تفسير الآية : (( .... ومن يكفر بآيات ال... - ابن عثيمين
- شرح قوله : (( فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن... - ابن عثيمين
- حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا محمد بن فضيل عن بي... - ابن عثيمين
- باب : إذا أكل الكلب . وقوله تعالى : (( يسألو... - ابن عثيمين
- تفسير قول الله تعالى : << يسئلونك ماذآ أحل ل... - ابن عثيمين