تم نسخ النصتم نسخ العنوان
تتمة تفسير قوله تعالى : << إذ قال موسى لأهله... - ابن عثيمين  إِنِّي آنَسْتُ نَارًا [النمل:7] إلى آخر القصة.وهذا من جملة ما يلقاه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من القرآن وهي قصص الأنبياء. وفائدة ذكر هذه...
العالم
طريقة البحث
تتمة تفسير قوله تعالى : << إذ قال موسى لأهله إني ءانست نارا سئاتيكم منها بخبر أو ءاتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون >>
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
إِنِّي آنَسْتُ نَارًا [النمل:7] إلى آخر القصة.
وهذا من جملة ما يلقاه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من القرآن وهي قصص الأنبياء. وفائدة ذكر هذه القصص ما ذكره الله تبارك وتعالى في سورة يوسف: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ [يوسف:111] عبرة نعتبر بها في أحكامها وفي عواقبها.
ولهذا الصحيح أن ما ذُكر من هذه القصص من الأحكام فإنه يجوز لنا أن نتبعه وأن نقتدي به، لقول الله تعالى: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ [الأنعام:90].
كذلك نعتبر لما جرى من العواقب للرسل وأتباعهم، وما جرى من العواقب لمخالفيهم، ومعلومٌ أن عاقبة الأولين عاقبة محمودة وعاقبة الآخرين عاقبةٌ سيئة.
فمن جملة القصص التي كثر ذكرها في القرآن قصة موسى، ولا غرو أن تكثر في السور المدنية، لأن المدينة كان بها طائفة من اليهود حتى يتبين أمرهم، ولهذا فصّلت أحوالهم كثيراً في سورة البقرة، وأما ذكر قصة موسى في السور المكيّة كهذه فإن فائدتها التوطئة والتمهيد للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى يكون على بصيرة من أمره.
وهذا التوجيه وهو الاستعداد للمستقبل سلكه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذاً بتوجيه القرآن حينما قال لمعاذ بن جبل: إنك تأتي قوماً أهل كتاب .
إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ [النمل:7] وأظننا تكلمنا على موسى عليه الصلاة والسلام وأنه موسى ابن عمران، وأنه أفضل أنبياء بني إسرائيل.
" لِأَهْلِهِ زوجته عند مسيرة من مدين إلى مصر ".
يقول: " زوجته " ألا يحتمل أن تكون زوجته وأمه وأباه وما أشبه ذلك؟
الطالب: بعيد.

الشيخ : لماذا؟
الطالب: لأنه خرج من مكة وحيداً

الشيخ : لأنه خرج من مكة وحيداً، خرج وحيداً ثم التقى بالمرأتين ثم اتصل بأبيهما، ثم زوجه على أن يأجره ثمان حجج وانتهت الحجج.
" ثم سار لِأَهْلِهِ زوجته عند مسيرة من مدين إلى مصر ".
وبهذه المناسبة بعض الناس يظنون أن صاحب مدين هو شعيب النبي، وليس كذلك فإنه بينه وبين موسى برهة من الزمن، وإنما صاحب مدين رجلٌ من أهل مدين هذا هو الصحيح بلا شك.قال: " إِنِّي آنَسْتُ أبصرت من بعيد نَارًا [النمل:7] ".
الطالب: ... الرجل هو نبي؟

الشيخ : لا. ليس بنبي.إذ قال: إِنِّي آنَسْتُ [النمل:7] جملة إني آنست هذه مقول القول، ولهذا كُسرت إن وقال: " آنست: أبصرت من بعيد ".
آنس بمعنى أبصر، وكونها من بعيد ما يدل عليه اللفظ في الحقيقة، اللهم إلا أن يقال: إن الإيناس إنه لا يدل على القرب بسبب أنه يدل على الخفاء، والخفاء في النار ما يكون إلا إذا كانت بعيدة.
وقوله: سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ [النمل:7].السين للتنفيس، وقد ذكرنا فيما سبق: أنها إذا دخلت على الجملة وهي طبعاً لا تدخل إلا على المضارع تفيد أمرين هما: القرب والتحقق.
سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ [النمل:7] آتيكم أو أتيكم؟
الطالب: آتي.

الشيخ : ما الفرق بين آتيكم وأتيكم؟آتيكم أي: أعطيكم، وأتيكم بمعنى أجيئكم.هكذا نقول وإلا خطأ؟ أو آتيكم بمعنى أجيئكم؟
الطالب: آتى بمعنى أعطى وأتى بمعنى .....

الشيخ : وآتيكم بمعنى أعطيكم.نصرفها الآن نحن في غير الآية. أتيت مضارعه لأتيت آتي، آتيت أوتي.
إذاً: فآتيكم بمعنى أجيئكم على كل حال. وأول ما يتبادر...
آتيكم بمعنى أجيئكم وهنا قال: سَآتِيكُمْ [النمل:7] وفي آية أخرى: لَعَلِّي آتِيكُمْ [طه:10] فهل بينهما فرق أو هما بمعنى واحد، وإن قلنا بالفرق فما الجمع؟
الطالب: لعلي ترجّي هنا، وهنا للتحقيق .....

الشيخ : إذاً: بينهم فرق، ما الجمع؟ القصة واحدة.
الطالب: نعم. لكن هناك يأمل مع ظن التحقيق.

الشيخ : نعم
الطالب: جملة ....

الشيخ : طيب. وليد!
الطالب: قوله: سَآتِيكُمْ [النمل:7] عندما كان .... أما قوله: لَعَلِّي آتِيكُمْ [طه:10] عندما قرب إليها.

الشيخ : لا. هو خاطب أهله.
الطالب: عندما اقترب من النار؟

الشيخ : لا.
الطالب: أن ....

الشيخ : ما يخالف المعنى يختلف الآن، إذا قلنا هذا للترجي وهذا للتحقيق.
الطالب: .... قال: سَآتِيكُمْ [النمل:7] .... قال: لَعَلِّي آتِيكُمْ [طه:10].

الشيخ : أو بالعكس.
الطالب: إن كان .....

الشيخ : كان بأول يترجى ثم قوي، هكذا قال بعضهم.
لكن يمكن أن تكون بمعنى واحد بدون اختلاف، لأن لعل تأتي للتوقع، ذكرنا فيما سبق في النحو أن لعل تكون للترجي والإشفاق والتعليل والتوقع، إذا صار لك توقع صار معناها التوكيد.
أما إذا قلنا: إن لعل للرجاء. فهو رجا أولاً ثم قوي وجزم به وقطع فيه.
وقوله: " سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ [النمل:7] عن حال الطريق وكان قد ضلها ".
هذا واضح أن الخبر الذي يريد خبر من يدله على الطريق، لأنه عليه الصلاة والسلام كان قد ضلّ.
" أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ [النمل:7] بالإضافة للبيان وتركها " ترك الإضافة يعني قراءتان.
أو آتيكم بشهاب قبس، أو بشهابٍ قبس. أما بشهاب قبس فهي للبيان كما قال المؤلف والإضافة إذا كانت للبيان فهي على تقدير من، مثل ما يقال: خاتم حديد أي: خاتمٌ من حديد.
فهنا شهاب قبس أي: شهابٌ من قبس، لأنها بيانية، وإذا جعلناها شهابٍ قبسٍ صارت قبس صفة لشهاب، صفة مبيّنة أيضاً، فيكون الإضافة والقطع بمعنى واحد.
وفي قوله: سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ [النمل:7] هل أو هذه مانعة جمع أو مانعة خلو؟
الطالب: مانعة خلو.

الشيخ : ايش الفرق بينهم يا محمد؟
الطالب: مانعة الجمع معناها: أنه لا بد أن يحدث أحد هذين الأمرين.

الشيخ : أنه ما يكون إلا أحد الأمرين إما هذا أو هذا. ومانعة الخلو؟
الطالب: مانعة الخلو: أن لا يخلو الأمر لواحدٍ منهما وقد ...

الشيخ : أو منهما جميعاً، تكون معناه أنه ما يخلو الأمر من هذا، أو من واحد منهما، أو منهما جميعاً. وهي تشبه قول النحويين: أو تأتي للإباحة وللتخيير، وهناك قالوا الإباحة والتخيير إذا كانت في سياق الطلب تقول مثلاً: تزوج هنداً أو أختها. هذه أو للتخيير ما تأتي للإباحة.
جالس فلاناً أو فلاناً. هذه للإباحة.
كل خبزاً أو رزاً. للإباحة.
الذي للإباحة ما تمنع الجمع، والذي للتخيير تمنع الجمع، وإذا كانت أو في خبر فإنهم يسمونها مانعة خلو أو مانعة جمع.
إذاً هي مانعة خلو بمعنى أنه يمكن يأتيهم بالأمرين جميعاً، الدلالة والشهاب القبس.
وفهم من هذا الكلام آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ [النمل:7] أن الليلة كانت باردة، وما أحوج الضال للطريق في ليلة باردة ما أحوجه إلى نارٍ يصطلي بها وإلى أهل نارٍ يُخبرونه عن الطريق، لأن النار معلومة أنها ما تكون وحدها، لا بد أن عندها أحد يحرق.
قال: أَوْ آتِيكُمْ " أي: شعلة نار في رأس فتيلة أو عود ".
هذا الشهاب القبس، القبس الذي يُقتبس منه وهذه تكون كما قال المؤلف: " شعلة نار في رأس فتيلة أو عود ".
لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ [النمل:7] لعل هنا ايش معناها؟
الطالب:...

الشيخ : لا. للتعليل. أي: لأجل أن تصطلوا بها.
" والطاء بدل من تاء الافتعال ".اصطلى أصله اصتلى بالتاء على وزن افتعل، لكن أبدلت التاء طاءً، لسببٍ صرفي.
" لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ [النمل:7] والطاء بدل من تاء الافتعال من صلي بالنار بكسر اللام وفتحها -صلى- تستدفئون من البرد ".
وما أهل النار التي يصطلي بها الإنسان فيها البرد، ولهذا يقول المثل: النار فاكهة الشتاء والمكذّب يصطلي. صحيح وهذا مشاهد.
ذهب موسى عليه الصلاة والسلام وبقي أهله في هذا المكان، وذهب هو وحده إلى النار لعلهم يأتيهم بالخبر أو بالشهاب.

Webiste