تم نسخ النصتم نسخ العنوان
فوائد قوله تعالى : << قالوا اطيرنا بك وبمن م... - ابن عثيمينالطالب:...الشيخ : ذكرنا هذا ؟ ذكرنا أن الاستعجال بالسيئة يكون بطلبها أو بالأفعال التي تسببها ذكرنها هذه؟الطالب : بداية الشرح من قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِك...
العالم
طريقة البحث
فوائد قوله تعالى : << قالوا اطيرنا بك وبمن معك قال طآئركم عند الله بل أنتم قوم تفتنون >>
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الطالب:...

الشيخ : ذكرنا هذا ؟ ذكرنا أن الاستعجال بالسيئة يكون بطلبها أو بالأفعال التي تسببها ذكرنها هذه؟
الطالب : بداية الشرح من قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ

الشيخ : قال الله تعالى: قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ [النمل:47].
يؤخذ من هذه الآية: بيان مسلك المكذبين للرسل أنهم يسلكون مسالك التشبيه والتمويه، لقولهم حينئذ أصيبوا بالجدب والقحط: اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ مع أن هذا الأمر من الله سبحانه وتعالى وليس بأسباب النبي، وهكذا أهل الباطل يشبهون ويلبسون على الناس بمثل هذه الأمور.
وفي هذا دليل على أن المصائب التي تصيب الإنسان إنما هي من الله سبحانه وتعالى، لقوله: طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ ولا ينافي هذا قوله تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى:30]، ولا قوله: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [الروم:41] لأن نسبة هذه الأمور إلى الله نسبة خلقٍ وإيجاد، ونسبتها إلى المخلوق نسبة تسبب، فهي تضاف إلى الناس إضافة الشيء إلى سببه، وتضاف إلى الله سبحانه وتعالى إضافة المخلوق إلى خالقه.
وعلى هذا يزول إشكال كثير من الآيات التي ظاهرها التعارض في هذا الباب.
وفي هذا دليل على أنه من الحكمة أن يُرد الباطل بالحق بدون سكوت، لقوله في جوابهم: قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ [النمل:47] أنه لا يُسكت على الباطل بل يُرد عليه ويُذكر، هذه الفائدة.
وفيها الفائدة الرابعة: أنه ينبغي أن يكون الرد من جنس الإيراد، فهنا تطيروا بصالح ومن معه فبيّن أن طيرتهم وشؤمهم بسبب أعمالهم، لكنه قال: طَائِرُكُمْ [النمل:47] يعني: اللفظ مثل اللفظ، فينبغي أن يكون الجواب مثل الإيراد، ويتحرى المجيب حتى اللفظ.
خامساً: أنه ينبغي لمن رد على غيره أو أبطل قوله: أن يأتي بأمرٍ لا جدال فيه، لأن هذا صالح عليه الصلاة والسلام لو قال: هذا الجدب ليس مني وأنا ما أتيت بسببه وما أشبه ذلك، لكان هذا فيه مجال للأخذ والرد، ولكن ينبغي أن يختار المجيب الجواب الذي لا كلام بعده.
نظير هذا: محاجة إبراهيم للذي حاجّه في الله قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ [البقرة:258] ما قال: لا أنت ما تحيي وتميت، ولكنك تقتل من لا يستحق القتل وترفع القتل عمن يستحقه، وهذا ليس بإحياءٍ ولا إماتة، مع أن هذا هو الحقيقة، لكن هذا يكون فيه جدل، إنما أتى بأمرٍ لا جدال فيه ولا يمكنه أن يجادل، ولهذا بُهت الذي كفر.
وهكذا ينبغي للإنسان في محاجة من حاجّه أن يختار الأجوبة التي ما تؤدي إلى النزاع والجدال، لأنه إذا أدّت إلى النزاع والجدال فقد يتغلب الباطل على الحق، بسبب طول الجدال واللف والدوران، لكن يؤتى بشيءٍ لا جدال فيه، وهذه من آداب المناظرة حتى عند الذين يتكلمون بهذه الأمور يرون أنها من آداب المناظرة الأخذ بما لا يمكن الجدل فيه.
الفائدة السادسة: بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ [النمل:47] دليل على أن الله تعالى قد يحدث من الأمور ما يكون سبباً للافتتان بعض الناس، لما جاء صالح وجاء الجدب، في الحقيقة أنه فتنة لبعض الناس، إذ يقول بعض الناس مثلاً: إن هذا من أسباب هذه الرسالة، فيكون سبباً للفتنة لولا عصمة الله تبارك وتعالى، وهذا دائماً يكون في أفعال الله تعالى القدرية والشرعية.
في الشرعية يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ [المائدة:94] حرّم الله الصيد على المحرمين، فبعث الله على الصحابة رضي الله عنهم صيداً تناله أيديهم ورماحهم، يمسكه بيده ما فيه تعب، أو برمحه ما يحتاج ولا إلى قوس.
لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ [المائدة:94] فخافوه بالغيب.
وافتتن الله تعالى قوم موسى بالحيتان تأتيهم يوم سبتهم شرعاً مع تحريم الصيد عليهم، ويوم لا يسبتون لا تأتيهم ولكنهم لم يشكروا، وخادعوا فتحيلوا، وصاروا يضعون الشباك للحيتان في يوم الجمعة، فتأتي الحيتان فتقع فيه يوم السبت، فإذا كان يوم الأحد جاءوا وأخذوه، فقالوا: نحن ما صدنا يوم السبت، فقلبهم الله تعالى قردة فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ [البقرة:65].
فالحاصل أقول: إن الله تعالى قد يفتن الإنسان بالفتن الشرعية والقدرية، لأجل أن يعلم من يخافه بالغيب، ومن يشكر ومن لا يشكر.
أحياناً أيضاً يبتلى المرء بالمصائب وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ [الحج:11]، ومن الناس من يعبد الله تعالى على أساس ما هو على حرف، إن أصابه خيرٌ اطمأن به وشكر عليه، وإن أصابته فتنة صبر حتى ....واضح؟
ويدل عليه هنا قوله: بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ [النمل:47].

Webiste