تتمة تفسير قوله تعالى : << ووصينا الإنسان بوالديه حسنا ................ >>
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
قال: وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا الوَصِيَّة معناها العهدُ بالشيء المهم العاهد بالشيء المهم تُسمَّى وصية فمعنى وصيناه أي عهدنَا إليه بأمرٍ مهم لِيقومَ به، وقولُهُ: بِوَالِدَيْهِ أي أمِّه وأبِيه، وقولُه: حُسْنًا مفعول لِوصينا أو منصوب بنزع الخافض أي عهِدْنا إليه بِحُكْم أي بِإحسانٍ إليهما، ولا حاجة إلى ما قاله المؤلف رحمه الله:" أي إيصاءً ذا حُسْنٍ بأن يبرَّهما " بل إن الموصَى به ما هو؟ نفس الحكم وليس الحكم هنا وصفًا للإيصاء، بل هو وصفٌ للمُوصى به، المؤلف يريد مِن التقدير أن يكون الحكم وصفًا لإيصاء الله، والصواب أنه وصفٌ لأي شيء؟ للموصَى به أي وصيناه بأمرٍ ذي إحسَان كما قال تعالى: وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا [الأحقاف :15] وقول المؤلف:" بأن يبرهما " ما هو البِر؟ البِرُّ هو الإحسان .. يُحسِنُ إليهما بالقول وبالفعل وبالمال، والمال في الحقيقة مِن الفعل، فيحسن إليهما بالقول لقوله تعالى: وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا [الإسراء :23] وبالفِعْل وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَة [الإسراء :24] وبالـمَال وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ [الإسراء :26] فمثلًا إذا كَان الإنسان يُحْسِن على والديه بالمال ولا يجعل عليهما قاصِرًا أبدًا قد أغرقَهما إغراقًا بالمال لكنَّه مُجْنِفٌ عنهما مِن قِبَل الكلام ساكت عليهما عبُوس في وجهِهما هل يكون قد قام بالبر؟ لا، كذلك لو كان ضحوكًا إليهما ولَيِّنًا معهما بالقول مُغْدِقًا لهما بالمال لكن لا يخدِمُهما بنفسِه إذا دَعَتِ الحاجة إلى ذلك فإنَّه ليس ببار، فالبرُّ لابُدَّ أن يكون بالقول والفعل والمال، قال: وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِنْ جَاهَدَاكَ أي بَذلا جُهْدَهما، وتعرفون أنَّ الجهاد معناه الإلْزَام والإِرْغَام والإحْرَاج جاهداك على أن تشركا بي يعني أمراك بالشرك وبذلا الجهد في ذلك بالتلْزِيم عليك والإحراج، تارةً بمدح الشرك وتارة بذمِّ التوحيد وتارةً بالإلزام والإرغام وتارةً بالتوَعُّد بالقطيعة إذا جاهدَاك على هذا يقول الله تعالى: فَلا تُطِعْهُمَا لِماذا؟ لأنَّ حقَّ الخالق مقَدَّمٌ على حقِّ المخلوق، والإشراك بالله ظلم في حقِّ الخالق كما قال تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان :13] فلا يجُوز أن تُفَرِّطَ في حق الله مِن أجل حق هؤلاء وقوله: لِتُشْرِكَ بِي جاهدَاك لِتشْرِك هي مثل قوله: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ [لقمان :15] وقوله: أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ [لقمان :15] أي بِإشْرِاكِه علم يقول المؤلف: موافقة للواقع فلا مفهوم له " شوف لاحظ الآية أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ هل يقول قائل: فإن جاهداك على أن تشرك بي ما لك به علم فأطِعْهُما؟ لو أخذنا بظاهر الآية لقلنا: إنَّها تدُلُّ على أنَّ الإشراك بالله ينقسم إلى قسمين: إشراكٌ ليس به علم وإشراك به علم، فالإشراك الذي به علم يجوز والإشراك الذي ليس به علم لا يجوز، قلنا: ليس الأمر كذلك ولكنَّ هذا بَيَانٌ للواقع أنَّ كلَّ شرك بالله فإنه لا علمَ به عند الإنسان قال الله تعالى: وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا [الأعراف :33] وَمَعْلُومٌ أنَّ الله تعالى ما جعل شركًا فيه سلطان كُلُّ الشرك ليس فيه سلطان بل إنَّ الشرك قد قامَ السلطان والعلمُ الصحيح على أنَّه باطل ولَّا لا؟ على أنه باطل فصار معنى قوله: مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ معنَاه أنَّه مُوافقٌ للواقع فيكون كالتعليم لِتحريمِ الشرك كأنَّه يقول: على أن تُشْرِك بي والحال أنَّ الشرك ليس لك به علم فإنَّ الشرك قطعًا لا يمكن أن يقومَ الدليل على وجوده بل إنَّ الدليل الصحيح على انتفائِه فإنَّ الله تعالى لا شريك له، نعم فَلا تُطِعْهُمَا في الإشراك لو قال الوالد والوالدة مثلًا: إذا لم تشرك فإننا نقاطعك ولا نكلمك ولا نأتِي إلى بيتك ... ما تقولُ في هذا؟ ما أطيعهم مهما كان الأمر لأن هذا هو معنى قوله: وَإِنْ جَاهَدَاكَ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [العنكبوت :8] يعني معنَاه ولا تظُنّ أنك بمعصيتك لهما يلحَقُك إثمٌ في هذا فإن مرجعَكُما إليّ متى؟ يوم القيامة فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ والمراد بالإنباء هنا لازمُه وهو المعاقبة والمؤاخذة، فأنت بقِيت على التوحيد فتُجَازَى جزاء الموحد، وهما بَقِيَا على الشرك فيُجَازَيَان جزاءَ المشرك، بل أبلَغ مِن ذلك يجازَيَان جزاء المشرك الداعي إلى الشرك، يعني هما ما جاهَدَاه على الإشراك إلَّا وهما مُقِيمَان عليه ومُصِرَّان عليه فيكون عليهما عقوبتان إحدَاهما عُقُوبة على إشراكِهِما والثانية عقوبة على دعوتِهما إلى الشرك بل ليس دعوة فقط مجاهدة للولد على أن يُشْرِك إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ يعني أنت وهما فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أخبرُكم والمرادُ بالإخبار اش المراد لازمُه ولهذا قال المؤلف: "فأجازِيكُم به "
الفتاوى المشابهة
- كيف الجمع بين قوله تعالى :" كتب عليكم إذا حض... - ابن عثيمين
- أهمية بر الوالدين - ابن باز
- تتمة تفسير قوله تعالى : << قال رجلان من الذي... - ابن عثيمين
- قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما... - ابن عثيمين
- حكم من أخلّ بوصية والده أن يُضَحَّى عنه - ابن باز
- شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما ن... - ابن عثيمين
- الوصية بوجوب بر الوالدين - ابن باز
- تتمة تفسير الآية : (( من بعد وصيةٍ يوصي بها... - ابن عثيمين
- فوائد قوله تعالى : << ووصينا الإنسان بوالديه... - ابن عثيمين
- قال الله تعالى : << ووصينا الإنسان بوالديه ح... - ابن عثيمين
- تتمة تفسير قوله تعالى : << ووصينا الإنسان بو... - ابن عثيمين