تتمة التعليق على تفسير الجلالين : (( فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها )) الذي أمر به من فيها من الطاعة والعبادة (( وزينا السماء الدنيا بمصابيح )) بنجوم (( وحفظا )) منصوب بفعله المقدر : أي حفظناها من استراق الشياطين السمع بالشهب (( ذلك تقدير العزيز )) في ملكه (( العليم )) بخلقه .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
وأوحى في كل سماء أمرها الذي أمَرَ به مَن فيها مِن الطاعة والعبادة " مِن هنا نبدأ أوحى في كل سماء أمرها صرَفَ المؤلف رحمه الله الأمْر هنا إلى الأمر الشرعي لا الأمر الكوني ولذلك قال: " أمْرَها الذي أمَرَ به مَن فيها مِن الطاعة والعبادة " ويحتمل أن يكون المراد بالأمْر هنا الشأن: أوحى في كل سماء شأنَها فيشمل أحوال السماء وأحوال مَن فيها وهذا أعَمُّ مما ذكرَه المؤلف رحمه الله وإنَّنا نُقَرر قاعدةً في التفسير: إذا ورَد تفسيران في الآية أحدُهما أعَمّ أخَذْنا بالأعم، لأنَّ الأعمَّ يدخُل فيه الأخَصّ ولا عكس، فإذا قلنا: شأنها صار أعم مِن أن نقول: إنَّه أمرُها الشرعي، لأن هذا أخصّ فالحملُ على الأعَمّ أولى، يقول جل وعلا: زينا السماء الدنيا بمصابيح وهي النجوم زيناها أي جعلناها زَيْنَة تسُرّ مَن نظَرَ إليها ويبتهِجُ بها، " وحفظًا منصوب بفعل مقدر أي حفظْنَاها حفظًا مِن استراق الشياطين السمع بالشهب " إلى آخره، قوله: وحفظا مصدَر عاملُه محذوف التقدير: حفظناها حفظًا، ومِن أي شيء؟ قال الله تبارك وتعالى: ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين * وحفظناها مِن كل شيطانٍ رجيم فيكون المراد بالحِفْظ حِفْظُها مِن الشياطين، لأنَّ القرآن يفَسِّرُ بعضُه بعضًا، وما شأن الشياطين بالنسبة للسماء؟ شأن الشياطين بالنسبة للسماء أنها تصْعَد يرْكَبُ بعضُها بعضا إلى أن تصِلَ إلى السماء فتستَمِع إلى أخبار السماء وما تتحدَّثُ به الملائكة ثم تنزِلُ به إلى الأرض وتُلْقِيه إلى الكُهَّان الذين لِكُلِّ واحد منهم رَئِيٌّ مِن الجن والكاهن يأخُذ هذا الخبر ويُضِيف إليه أخبارًا أخرى ثم يُحَدِّث الناس بذلك، ومِن المعلوم أنَّ ما سُمِعَ في السماء لابد أن يكون فتكُون هذه الكلمة الواحدة صِدْق تكون مثارًا لإعجابِ الناس بالكُهَّان والرجُوع إليهم ولهذا كانوا في الجاهلية يتحَاكُمون إلى الكهان، هذه هي قضية استراق السمع، ثم إنَّ الله تعالى حفِظَ السماء وقتَ بعثَةِ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصارت الشياطين إذا حاولَت الاستماع أرسلَ الله تعالى عليها شهابًا يُحْرِقُها وتهلك وهل بقِيَ هذا الحفظ بعد موت الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو لا؟ يقال: الله أعلم لا ندري لكنها حُفِظَتْ في عهد النبوة مِن استراق السمع أما الآن فالله أعلم قد يكون ذلك وقد لا يكون، لأنه ليس هناك نبِيّ حتى يختلِطَ المسموع المـُسترَق بالوحي الصحيح، يقول عز وجل: ذلك تقدِيرُ العَزِيزِ العليمِ ذلك المشار إليه ما سبق مما تحدَّث الله عنه مِن خَلْقِ السماوات والأرض، تقدير أي مُقَدَّر العزيز العليم أو: تقدير مصْدَر على بابِه ويكون المشار إليه فِعْلُ الله لهذا الشيء، فعندنا الآن كلمة تقدِير مصدر يجوز أن تكُون بمعنى اسم المفعول ويكون المعنى: ذلك مُقَدَّرُ العزيز، ويجوز أن تكون مصدرًا وهو فِعْلُ الله عز وجل ويكون هذا أيضًا معنًى صحيحًا وكلاهما متلازِمَان، لأنه إذا كان هذا الشيء مُقَدَّر الله فهو مِن تقديرِه يعني ناتِجٌ عن تقديرِه، وقوله: العزيز قال: " في ملكه العليم بخلقه" فيها شيء مِن القصور " العزيز في ملكه " والصواب: العزيز يعني بذلك ذا العِزَّة، والعزة قسَّمَها العلماء إلى ثلاثة أقسام وهي:
الطالب: القَدْر والقَهْر والامتناع
الشيخ : عزة القَدْر وعزة القَهْر وعزة الامتناع، معناها عزَّة القدْر:
الطالب: أنَّه ذو قدْرٍ عظيم وشرَفٍ عظيم
الشيخ : نعم أي أنَّه ذو قدْر عظيم وشرف عظيم لا يشارِكُه فيه أحد، عزة القهر؟ القاهر الذي يَغْلِبُ ولا يُغْلَب، طيب عزة الامتناع؟
الطالب: لا يناله سوء يمتنع أن يناله سوء
الشيخ : نعم يمتنع أن يناله سوءٌ أو نقص، أما قوله: العليم فهي صفة مُشَبَّهَة ويجوز أن تكون مِن باب المبالغة، لأن فعيل يصِح أن تكون صفة مشَبَّهَة ويصح أن تكون صيغة مبالغة، ومعناه: ذو العِلْم، وعِلْمُ الله تعالى واسع عالِمٌ بما كان وما يكون لو كان كيف يكون وقد سبق لنا الكلام عليه مرارًا لا حاجة إلى إعادته، فإن أعرضوا نبدأ الآن في فوائد الآيات مِن أين؟ ... طيب
الطالب: القَدْر والقَهْر والامتناع
الشيخ : عزة القَدْر وعزة القَهْر وعزة الامتناع، معناها عزَّة القدْر:
الطالب: أنَّه ذو قدْرٍ عظيم وشرَفٍ عظيم
الشيخ : نعم أي أنَّه ذو قدْر عظيم وشرف عظيم لا يشارِكُه فيه أحد، عزة القهر؟ القاهر الذي يَغْلِبُ ولا يُغْلَب، طيب عزة الامتناع؟
الطالب: لا يناله سوء يمتنع أن يناله سوء
الشيخ : نعم يمتنع أن يناله سوءٌ أو نقص، أما قوله: العليم فهي صفة مُشَبَّهَة ويجوز أن تكون مِن باب المبالغة، لأن فعيل يصِح أن تكون صفة مشَبَّهَة ويصح أن تكون صيغة مبالغة، ومعناه: ذو العِلْم، وعِلْمُ الله تعالى واسع عالِمٌ بما كان وما يكون لو كان كيف يكون وقد سبق لنا الكلام عليه مرارًا لا حاجة إلى إعادته، فإن أعرضوا نبدأ الآن في فوائد الآيات مِن أين؟ ... طيب
الفتاوى المشابهة
- هل يصح أن يقال أن الله في السماء ولكن في كل... - ابن عثيمين
- .شرح قول المصنف : قال البخاري في صحيحه : قال... - ابن عثيمين
- بيان من الشيخ المقصود بالسماء في قوله تعالى :... - الالباني
- تفسير الشيخ للآية " أأمنتم من في السماء " . - الالباني
- ما معنى كون الله - تعالى - في السَّماء ؟ - الالباني
- التعليق على تفسير الجلالين : (( وحفظا )) منص... - ابن عثيمين
- هل صحيح أن الله في السماء ؟ - ابن عثيمين
- تتمة التعليق على تفسير الجلالين : (( ذلك تقد... - ابن عثيمين
- فوائد قوله تعالى : (( وجعل فيها رواسي من فوق... - ابن عثيمين
- التعليق على تفسير الجلالين : (( فقضاهن )) ال... - ابن عثيمين
- تتمة التعليق على تفسير الجلالين : (( فقضاهن... - ابن عثيمين