تم نسخ النصتم نسخ العنوان
فوائد قوله تعالى : (( ولقد آتينا موسى الكتاب... - ابن عثيمينفي هذه الآية مِن الفوائد أوَّلًا تأكيد الكلام إذا دعَتْ الحاجة إليه إمَّا لأهَمِّيَّتِه وإمَّا للشَّكِّ فيه وإمَّا لإنكارِه، قال علماء البلاغة: والمخاطَ...
العالم
طريقة البحث
فوائد قوله تعالى : (( ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم وإنهم لفي شك منه مريب )) .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
في هذه الآية مِن الفوائد أوَّلًا تأكيد الكلام إذا دعَتْ الحاجة إليه إمَّا لأهَمِّيَّتِه وإمَّا للشَّكِّ فيه وإمَّا لإنكارِه، قال علماء البلاغة: والمخاطَب له ثلاثُ حالات: الحال الأولى: حالُ ابتداء وهي ألَّا يكون عند المخاطَب عِلْمٌ ولا تردّد ولا إنكار هذا تُلقَى إليه الجملة غير مؤكدة، لأنه لا حاجة للتوكيد مثل أن يقال: قدِم فُلانٌ اليومَ. لإنسان لم يكن في قلبِه شيء من قدومِه إثباتًا ولا نفيًا وتُسمَّى هذه الجملة ابتدائية، الحال الثانية: أن يكون المخاطب متردِّدًا في الأمر شاكًّا فيه لكنه لا ينكِرُه فهذا يحتاج إلى توكيد لكنه ليس بواجب مثل أن تُخاطِبَ رجلًا في أمر يستبعدُه لكنه لا ينكرُه فهنا يحسن أن تُؤَكِّد له الكلام مِن أجل أن يزُول عنه الشك والتردد، الحال الثالثة: أن يكون منكِرًا مكذِّبًا فهذا يتعيَّن توكيد الخبر له، لأنَّ ذلك أبلَغ في إقامَة الحجة عليه وإقناعِه، إذًا أحوال المخاطَب ثلاث: ابتداء وتردُّد وإنكار ولكلِّ حالٍ حكمُها فيما يتعلَّق بالتوكيد فإن قال قائل: يرِدُ على كلامِكم هذا قوله تعالى: ثم إنكم بعد ذلك لميتون * ثم إنكم يوم القيامة تُبعثُون والمراد الجملة الأولى ثم إنكم بعد ذلك لميتون فلا أحدَ ينكِرُ الموت حتى يؤَّكَدَ له أجابوا عن ذلك بأنَّ تكذيبَهم وإنكارَهم واستكبارَهم وتمرُّدَهم يفعلون ذلك فعلَ المنكِر فخُوطِبُوا خطابَ المنكِر وهذا لا شك أنَّه جواب صحيح، طيب الذي معنا الآن ولقد آتينا موسى الكتاب مؤكد بثلاث مؤكِّدَات هل هو لإنكار المخاطَب أو لتردُّدِه أم ماذا؟ قلنا: لِأهمية الموضوع، لأنَّ الموضوع مهِمّ فيحتاج إلى التوكيد لتسليةِ الرسول عليه الصلاة والسلام.
ومن فوائد هذه الآية إثباتُ رسالَةِ موسى تُؤخَذ مِن أين يا أخ؟ وجهُ ذلك؟ ارفع صوتك
الطالب: وجه ذلك أن الكتاب لا يؤتى إلا لنبي

الشيخ : أحسنت وجه ذلك أنَّ الكتاب لا يؤتى إلى لنبي طيب.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة وُجوب الإيمان بأنَّ الله تعالى آتى موسى كتابًا، لأن الله أخبرَ به وخبرُه حقّ، ولأنَّ ذلك مِن الإيمان بكُتُبِ الله.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة أنَّ الخلاف لم يكن بِدعًا في الأمم وقد سبقَ هذه الأمة مَن اختلفُوا في كتبِهم ورسلِهم، لقوله: فاختلف فيه .
ومن فوائد هذه الآية الكريمة تسلية الـمُصَاب بذكْر المشارِك له لأنَّ الغرض مِن ذلك أي نعم الغرض من إخبار أنَّ الله آتى موسى الكتاب فاخْتُلِف فيه تسليةُ النبي صلى الله عليه وسلم وعلى هذا فينبغي تسلِيَة المصاب ومنه ما يُسمَّى بتعزِية المصاب بالموت فمَن أُصِيب بموْت فإنَّ مِن السنة أن يُعَزَّى أي يُقَوَّى على الصبر على المصيبة، إذًا من فوائد الآية تسلية المصاب وهل هذه التسلية سُنَّة أو هي مباحة؟ نقول: هي سنة لِمَا في ذلك مِن رفْع ألم المصيبة عن أخيك المسلم.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة حِكمَةُ الله عز وجل بتأْخِير العذاب عمَّن كذَّبُوا الرسل، لأنَّ الله تعالى جعل لكل شيء قدْرًا فمِن حكمتِه تأخيرُ العذاب عن الأمم لعلَّهم يرجعون.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة تمامُ سلطان الله عز وجل وأنَّه جل وعلا هو المدَبِّر للأُمور أخذًا ورفعًا، لقوله: ولولا كلمة سبقت من ربك .
ومن فوائد هذه الآية الكريمة رفعةُ منزلة الرسول عليه الصلاة والسلام عند الله تُؤْخذ يا محمد؟ رفعة منزلته لأنَّه قال: مِن ربك فأضافَ الربوبية إليه وهذه ربوبية خاصة وهي تُفِيد عُلُوَّ منزِلَة المربُوب عند الله عز وجل، وقد اجتمعت الربوبيتان العامة والخاصة في قول السحرة مِن آل فرعون: قالوا آمَنَّا برب العالمين * رب موسى وهارون الأولى رب العالمين عامة والثانية خاصة.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة أنَّ الله تعالى يُكَنِّي عن الشر ببِناء الفعل لِمَا لم يُسَمّ فاعله لقوله: لَقُضِيَ بينهم ولم يقل لَقَضَى بينَهم وهذا هو المطَّرِد في القرآن والغالب، وانظر إلى أدَب الجن حيثُ قالوا: وأنا لا ندري أشَرٌّ أريد بمَن في الأرض أم أرادَ بهم ربُّهم رشدًا أدب عالي وفي الشر قالوا: أريد بمَن في الأرض ولم يُضيفوه إلى الله، وفي الرَّشَد قالوا: أم أراد بهم ربُّهم رشدا ولم يقولوا: أم أريد بهم رشدا بل قالوا أم أراد بهم ربُّهم رشدا وهذا مِن أدَب الجن والجنُّ أحيانًا يكونون آدَب مِن الإنس وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا [الأحقاف:29] أوصَى بعضُهم بعضًا أن يُنصِتُوا حتى يستمعوا استماعًا تامًّا فلما قُضِي قُضِي أيضًا لم يتوقَّفوا أو يكسَلوا ولوا إلى قومهم منذرين بادروا إلى قومِهم منذرين قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابًا إلى آخره.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة أنَّ المكذِّبِين بكتابِ موسى في شَكٍّ مُريب مُوقِعٍ في الريب وهو الشَّكُّ مع القَلَق يعني الفرق بين الريب والشكّ قريب ولهذا يُفسِّر بعض العلماء الريب بالشك ولكنَّ شيخ الإسلام رحمه الله قال: هذا تفسير قريب والرَّيْب أخصُّ مِن مطلق الشك إذْ أنَّ فيه قلقًا مع الرِّيبة وذلك لأنَّ الأمر المشْكُوك فيه إمَّا ألا يكون ذا أهمية فتجِدُ الشاكَّ فيه يقول: ما يهمني ثبَتَ أمْ لم يثبُت، وإمَّا أن يكون ذا أهمية فحينئِذٍ إذا شَكَّ فيه سيكون في قلَق أيُؤمِن بهذا أم يُنكِر لأنَّه أمر هام، فالغالب أنَّ الريبة لا تأتي إلا في الأمور الهامة أما الشك الذي يشك فلانٌ قدِم أو ما قدِم وليس له أهمية في قدومِه أو غيابِه فهذا لا يُوجِب الريبة.
طيب وإنهم لفي شك منه مريب ومن فوائد الآية الكريمة أنَّ الإيمان يجِب ألَّا يُخالطَه شَكّ وأنَّه إذا ورَد على القلب شكّ ولو يسيرًا بشرط ألا يُدافِعَه بل يرْكَنُ إليه فإن هذا مُحبِطٌ للإيمان، أمَّا لو ورد الشك على القلب وطردَه وجاهد نفسَه على دفعِه فهذا لا يضرُّه شيئًا ولهذا أخبرَ النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ الناس يتساءلون مَن خلق كذا مَن خلقَ كذا حتى يقولوا: مَن خلَقَ الله؟ وهذا شكّ ولكنَّ الرسول أخبر قال: فإذا بلغَ أحدكم ذلك -أو كلمة نحوها- فلْيَسْتَعِذ بالله ولْيَنْتَهِ وأخبرَه الصحابة أنهم يجِدُون في نفوسهم ما يحِبُّون أن يكونوا حُمَمة أي فحمَة محترِقَة ولا ينطِقُون به فقال صلى الله عليه وسلم: ذاك صريحُ الإيمان فالحاصل أنَّ الشكَّ الوارِد على القلب إن اطمَئَنَّ به الإنسان وركَن إليه فليعلَم أنَّه ليس بمؤمن، لأنَّ الإيمان ينافيه شيئان الشكّ والإنكار، أما إذا وردَ على القلب وطاردَه وجاهد نفسه على تركِه ففي هذه الحال ايش يضُرُّه أو لا؟ لا يضُرُّه بل هذا صرِيح الإيمان وخالِص الإيمان وذلك أنّ الشيطان لا يُورِدُ مثل هذه الأمور على قلْب ميِّت القلب الميت مستريح منه إنما يُورِدُه على قلبٍ حيٍّ ليُمِيتَه، ولَمَّا ذكرَ اليهود لابن مسعود أو لابن عباس أنَّهم كانوا لا يُوَسْوسُون في صلاتهم يريدون بهذا أن يفتَخِرُوا على المسلمين قال: " صدقُوا وما يصْنَع الشيطان بقلْبٍ خرَاب " كلمة عظيمة يعني يقول إنَّ قلوبَهم خرِبَة والشيطان ماذا يصنَع في قلبٍ خرَاب أيأتي إليه ليُخَرِّبَه؟ الجواب: لا إنما يأتي الشيطان بهذه الوساوس إلى قلبٍ حَيّ ليهْلِكَه أو يُمرِضَه، طيب يقول: وإنهم لفي شك منه مريب

Webiste