تم نسخ النصتم نسخ العنوان
فوائد قوله تعالى : (( قل أرأيتم إن كان من عن... - ابن عثيمين مَن أضل ممَّن هو في شِقَاقٍ بعيد  في هذه الآية فيها فوائد: أولا: تحدِّي هؤلاء المكذِّبِين للرسول صلى الله عليه وسلم الكافرين بالقرآن وأنهم بعد أن علموا...
العالم
طريقة البحث
فوائد قوله تعالى : (( قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد )) .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
مَن أضل ممَّن هو في شِقَاقٍ بعيد في هذه الآية فيها فوائد:
أولا: تحدِّي هؤلاء المكذِّبِين للرسول صلى الله عليه وسلم الكافرين بالقرآن وأنهم بعد أن علموا الحق كفرُوا به.
من فوائدها: أنَّ القرآنَ كلام الله لقوله: أرأيتم إن كان مِن عند الله وجهُ ذلك: أنَ القرآن وصْف وصِفَة لا بد أن يقوم بموصوف وإذا كان من عند الله لزِم أن يكون الموصُوف به هو الله عز وجل، انتبه يا أخ! الآن هذه الآية فيها دليل على أنَّ القرآن كلام الله وجهُ ذلك: أنَّ القرآن وصف، لأنَّه كلام والوصف لابد أن يقُوم بموصوف وإذا كان من عند الله فمَن الموصوف به؟ هو الله عز وجل وهذا ما نُؤمن به ويُؤمِن به السلف أهلُ السنة والجماعة بأنَّ القرآن كلامُ الله تكلَّم به حقيقة بحروفٍ وسمِعَه منه جبريل وألقَاه على قلْبِ النبي صلى الله عليه وسلم.
يرى أهلُ التعطيل أنَّ القرآن كلامُ الله لكنه مخلوق ليس وصفًا من صفاته بل هو مخلوقٌ مِن مخلوقاته وهذا رأي الجهمية والمعتزلة، هذا الرأي يُبطِل الأمر والنَّهي ويبطِل الشريعة كلها، لأنه إذا كان كذلك صار مجرَّد أصوات أو مجرد حروف لا مدلُول لها كما نسمع صوت الرعد مثلًا لا نستفيد منه شيئا إنما هو شيء يسمع فقط وليس له معنى، أو حروف خُلِقت على هذا النحو كأنها نقشٌ في جِدَار أو في باب، نُقُوش ليس لها معنى، ولهذا يُعتبر هذا القول مِن أشدِّ الإلحاد، لأنَّه تبطلُ به الشريعة تامة فمثلًا قل إذا قلنا إنها مخلوقة إن رسمتَها في ورقة صارَت صورة كلمَة فقط كأنَّها نقش لأنها مي هي كلام، وإن تكلمت بها فالصوت مخلوق بل والله عز وجل حين تكلم بها وأوحَاها إلى جبريل يعتبَر خلَقَ صوتًا ليس له معنى، لأنَّه مخلوق من المخلوقات والله عز وجل فرَّق بين الخلْق والأمر فقال: ألا له الخلق والأمر وقال: وكذلك أوحَيْنا إليك روحا من أمرنا ولا من خلقنا؟ مِن أمرنا، فالقائلون بأنَّ القرآن كلامُ الله لكنه مخلوق قد عطَّلُوا الشرائع نهائِيًّا إذ أنه ليس هناك أمر ولا نهي، وهناك قول آخر الأشاعرة يقولون: إن القرآن كلام الله لكنَّه -أي الكلام- هو المعنى القائم بنفسِه أما ما سمعَه جبريل فإنه مخلوق، فالقرآن عندهم كلام الله لكن كلام الله هو المعنى القائم بنفسه، وأما ما يسمع من الله عز وجل كمناجاته موسى وكلامه بالوحي إلى جبريل فإنه مخلوق عبارة عن المعنى القائم بالنفس، هذا المعنى أشدّ وأخبث من قول المعتزلة لماذا؟ لأنَّ المعتزلة يقولون: ما نقرَأُهُ في المصاحف كلام الله حقًّا. والأشاعرة يقولون: عبارَةٌ عن كلام الله وليس كلامَ الله، والكل متفقون على أن ما نقرأه في المصاحِف مخلُوق لكن المعتزلة يقولون: هو كلام الله. والأشعرية يقولون: عبارة عن كلام الله. فصاروا من هذه الناحية أخبثَ وأشَرّ مِن المعتزلة والجهمية، أمَّا نحن فنؤمن بأنَّ ما كُتِب في المصاحف وحُفِظ في الصدور فإنه كلام الله وهو غيرُ مخلوق، فإن قال قائل: أرأيت القارئ يقرأ نسمَعُ صوتَه بالقراءة هل هذا الصوت مخلوق أو غير مخلوق؟ فنقول: هو مخلوق، لأنَّ صوت الإنسان وصف من أوصافه فهو مخلُوق كأصلِه، لكن الملفوظ به والمصَوَّتَ به غير مخلوق، وهناك فرق بين الصَّوْت والنُّطْق وبين المصَوَّت به والمنطُوق به أليس كذلك؟ أنا لو قرأت كتاب ألفه عالم من العلماء فأنا أقرأه الصَّوت صوتي لكن المقرُوء للعالم الذي كتب الكتاب، ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله في كتاب العقيدة الواسطية: " الكلام إنما يضاف حقيقةً إلى مَن قاله مبتدئًا لا إلى ما قاله مبلِّغًا مؤديًّا " فصار لو أراد الإنسان يستفصل هل لفظُ الإنسان بالقرآن مخلوق أو لا؟ ماذا نقول؟ نقول: لفظُه الذي هو تلفُّظُه مخلوق، لأنه حركة في لسانه وشفتَيه وصوته، وأما الملفوظ به فإنه كلام الله غير مخلوق، ويدل لهذا أنَّ الله تعالى قال: في القرآن الكريم إنه لقول رسول كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين مَن الرسول هنا؟ جِبْرِيل وقال إنه لقول رسول كريم * وما هو بقول شاعر مَن الرسول هنا؟ محمد عليه الصلاة والسلام، ولا يمكن أن يكون كلامٌ واحد لِمتكلِّمَيْن اثنين لكن أضافه إليهما، لأنهما رسولان مُبلِّغَان عن الله، ولهذا قال: لقول رسول في الآيتين فتنبَّه لهذا وتفطَّن له، ذُكِر عن الإمام أحمد رحمه الله: أنَّ مَن قال: لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي ومَن قال: غير مخلوق فهو مبتدع، هكذا رُوِي عنه، وفي رواية من قال: لفظي بالقرآن مخلوق يُريد القرآن فهو جهمي، ومَن قال: غير مخلوق فهو مبتدع، فالرواية الثانية عنه فسَّرَت الرواية الأولى أي من قال: لفظي بالقرآن مخلوق يريد القرآن الذي هو الملفوظ به، فإن قال قائل: هل يمكن أن يراد باللفظ الملفوظ؟ قلنا: نعم، لأن لفظ مصدر والمصدر يأتي أحيانًا بمعنى اسم المفعول كما في قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردّ ورد بمعنى مردود، وكما في قوله تعالى: وإن كن أولات حمل أي أولات محمُول فالحَمْل مصدر ويُراد به اسم المفعول، على كل حال نحن نقول في كلام الله عز وجل: إنَّه كلامٌ مسموع بحرْف وصوْت وأنَّه غيرُ مخلوق وأنَّه صِفةٌ من صفاته.

Webiste