شرح قول المصنف : ولا يأمر بالفحشاء ولا يرضى لعباده الكفر ولا يحب الفساد، والعباد فاعلون حقيقة والله خالق أفعالهم
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : " ولا يأمر بالفحشاء " اه؟ قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ،لأنهم إذا فعلوا فاحشة قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا احتجوا بأمرين. - انتبه - إذا فعلوا فاحشة يعني الكفار قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا فاحتجوا بأمرين، فقال الله تعالى : قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ . وسكت عن قولهم : وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا ليش؟ لأن قولهم : وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا حق لا يمكن إبطاله، لكن وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا كذب، ولهذا قال : والله لا يأمر بالفحشاء . ولم يقل : ولم يجدوا عليها آباءهم، لأنهم قد وجدوا عليها آباءهم. طيب.
قال : " ولا يرضى لعباده الكفر ".
إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ . نعم، لا يرضى لعباده أن يكفروا لكن يقدر أن يكفروا، ولا يلزم من تقديره الكفر أن يكون راضياً به سبحانه وتعالى، بل يقدر وهو يكرهه ويسخطه.
" ولا يحب الفساد " اه؟ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ .
كرر المؤلف مثل هذه العبارات ليبين أنه لا يلزم من إرادته الشيء أن يكون محبوباً له، فهمتم؟ ولا يلزم من كراهته للشيء أن لا يكون مراداً له بالإرادة الكونية، بل هو عز وجل يكره الشيء ويريده بالإرادة الكونية. أفهمتم؟ ويوقع الشيء ولا يرضى عنه ولا يحبه ولا يريده بالإرادة الشرعية.
فإن قلت : كيف يوقع ما لا يرضاه وما لا يحبه؟! وهل أحد يكرهه على أن يوقع ما لا يحبه ولا يرضاه؟!
فالجواب : لا، إذن كيف يوقعه وهو لا يرضاه؟ أنت الآن لو لم ترض شيئا ما فعلته، لو لم تحب شيئا ما فعلته.
فالجواب : أن هذا الذي يقع من فعله عز وجل وهو مكروه له هو مكروه له من وجه، محبوب له من وجه آخر، فالله تعالى يوقع هذا الشيء وهو مكروه له، لكن محبوب له من وجه آخر لما يترتب عليه من المصالح العظيمة.
ولنضرب لذلك مثلا. أولا : الإيمان والكفر، الإيمان محبوب لله، والكفر مكروه له، كيف يوقع الكفر وهو مكروه له؟ لمصلحة عظيمة، لأنه لولا وجود الكفر، ما عُرف الإيمان، فإنه بضدها تتبين الأشياء هذا واحد.
لولا وجود الكفر، ما عرف الإنسان قدر نعمة الله عليه بالإيمان.
لولا وجود الكفر، ما قام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأن الناس كلهم يكونون على المعروف.
لولا وجود الكفر، ما قام الجهاد، لأن الجهاد لا يكون إلا مع الكافرين كذا؟
لولا وجود الكفر لكان خلق النار عبثاً، لأن النار مثوى الكافرين، وقد قال الله سبحانه وتعالى لها : إن لك علي ملئك نعم هذه خمسة، فيه بعد؟
لولا وجود الكفر، لكان الناس أمة واحدة، ولم يعرفوا معروفاً ولم ينكروا منكراً، وهذا لا شك أنه يخل بالمجتمع الإنساني.
لولا وجود الكفر، ما عرف أولياء الله في الواقع، لأن من ولاية الله أن تبغض أعداء الله وأن تحب أولياء الله، فمن زعم أنه ولي لله وهو يحب أعداءه فهو كاذب، ولهذا قال ابن القيم :
" أتحب أعداء الحبيب وتدعي *** حبا له ما ذاك في إمكان ".
صحيح ولا لا؟
" أتحب أعداء الحبيب " يعني حبيبك.
" أتحب أعداء الحبيب وتدعي *** حبا له ما ذاك في إمكان ".
ولا يمكن أن يجتمع حب الحبيب وحب عدوه أبدا حتى عند الصبيان، الصبيان إذا عاد واحد منهم الآخر جاء أحدهما للثالث وقال تعال أنت معي ولا معه؟ نعم؟ يقول : أنا معك يقول : طيب. إذن زعل ذاك لا تهرج. لو يسارقه ويروح يهارجه نزل عليه وقال : كيف أنت تقول أنت معي وتروح تهارج ذاك نعم؟ ولا تقول مهارج محمد لأنه مزاعله ما يقدر يذكر اسمه، نعم.
إذن هذا شيء في الفطر، لا يمكن أبدا لإنسان أن يدعي محبة شيء ثم يحب أعداء ذلك الشيء أبدا.
إذن لولا وجود الكفر ما صدقت محبة الإنسان لله عز وجل أبدا، ولا عرف أنها صادقة.
فالمهم أن نقول إن هذا الأمر مكروه لله وما في ذلك شف كان فيه هذه المنافع العظيمة والمصالح العظيمة.
نعم، نأتي إلى غير الإيمان والكفر.
الصحة والمرض، الصحة والمرض، الصحة محبوبة للإنسان، وملائمة له ولا لا؟ ورحمة الله تعالى فيها ظاهرة، لكن المرض؟ المرض مكروه للإنسان، وقد يكون عقوبة من الله له، والله عز وجل يقول في الحديث القدسي : ما ترددته عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره إساءته الشاهد وأكره إساءته ولا بد له منه، الحمد لله. طيب، هذا الأمر الذي يكرهه الله كيف يوقعه الله وهو يكرهه كيف يمرض الله وليه؟ نعم؟ ووليه يكره المرض، والله تعالى يكره إساءته، ويش الجواب؟
الجواب : لما في ذلك من المصالح العظيمة.
كم من إنسان إذا أسبغ الله عليه النعمة بالبدن والمال والولد والبيت والمركوب، شمخ شمخ بأنفه وتعالى وترفع ورأى أنه مستغن بما أنعم الله به عليه عن طاعة الله عز وجل، كَلَّا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ، وهذه مفسدة ولا مصلحة؟ مفسدة عظيمة، هذا هو الفقر ما الفقر أن لا تجد الدراهم والدنانير هذا الفقر، فقر الإنسان من الذل لله هو الفقر، فإذا أراد الله عز وجل أن يرد هذا الإنسان إلى مكانه، ابتلاه ابتلاه سلبه المال، سلبه الأولاد، انهدم بيته، انكسرت سيارته، زالت صحته، حينئذ ماذا يفعل؟ اه؟ يرجع إلى الله عز وجل، وشاهد هذا قوله تعالى : ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ . شوف كيف المسائل التي يكرهها الله يقدرها الله لكن لمصالح عظيمة، فهي مرادة لذاتها ولا لغيرها؟ اه؟ مرادة لغيرها مرادة لغيرها.
وأنت أيها الإنسان إذا فكرت هذا التفكير الصحيح في تقديرات الله عز وجل، عرفت ما له سبحانه وتعالى من الحكمة فيما يقدره من خير أو شر، وأن الله سبحانه وتعالى يخلق ما يكرهه ويقدر ما يكرهه لمصالح عظيمة، قد تحيط بها أنت، وقد لا تحيط بها ويحيط بها غيرك، وقد لا يحيط بها لا أنت ولا غيرك، لكن نعلم أنها لمصالح.
أنتم الآن أحيانا تريدون شيئا ويحول بينكم وبينه قدر الله، ثم تجد الإنسان يضيق صدره إنه ما حصل هذا الشيء، فإذا به يتبين أنه خير، لا خير ديني فقط، بل خير دنيوي.
رجل مثلا أراد أن يشتري بيتا وفعل الأسباب وزادت القيمة، ويكاد يبيعون عليه، وبعدين جاه إنسان أقوى منه، قال تعال كم يسام؟ قال: مائة ألف، قال: بمائتين ألف قال: مصيبة، بعدين السائم الأول يحزن كيف يفوته، ثم إذا بالبيت يكون مبينا على شفا جرف هار، اه؟ القواعد ما هي راسية، وإذا به ينهدم، ويش صار هذا الذي كان بالأول كرهه؟ صار خير ولا لا؟ صار خيرا، نعم؟ خطب امرأة وكادوا أن يقبلوه، ولكن ردوه فإذا بهذه المرأة تصبح نعم؟ سيئة الخلق أو ناقصة الدين.
إذن يفرح ولا لا؟ يفرح مع أنه كان بالأول كره ذلك، فأنت إذا نظرت إلى تقدير الله عز وجل فأنت كما قال العامة : " لا تحب ولا تكره "، نسأل الله أن يقدر لنا ولكم الخير.
وقد يحب الله ما لايريد، وقد يريد ما لا يحب.
هذه الإرادة الكونية أما الإرادة الشرعية فهي بمعنى المحبة فكل مراد لله شرعا فهو محبوب إليه، وكل ما لا يراد شرعا فليس بمحبوب إليه.
طيب. سبق لنا أن الناس انقسموا في باب أفعال العباد إلى قسمين: أظن سبق أو لا؟ نعم؟ إلى جبرية وقدرية.
القدرية عرفنا أنهم ينقسمون إلى قسمين : غلاة وغير غلاة. غلاة يعني معناهم أنهم بالغوا فيما ذهبوا إليه، وغير غلاة لم يبالغوا.
فالغلاة قالوا إن الله لا يعلم أفعال العباد ولا يشاؤها ولا يقدر عليها ولا يخلقها ولا كتبت في اللوح المحفوظ، أفعال العباد تأتي من قِبَل أنفسهم ولا يعلم الله بها إلا إذا وقعت، وهؤلاء كفار كفرهم السلف.
لكن القسم الثاني منهم هم الذين أقروا المذهب، واستقر المذهب على قولهم، قالوا: إن الله عالم بأفعال العباد وقادر عليها وكاتبها لكن لا يشاؤها، لا يشاؤها الله عز وجل وليست مخلوقة له، لا يشاؤها وليست مخلوقة له، بل الإنسان هو الذي يشاء وهو الذي يفعل، فهو الشائي حقيقة وهو الفاعل حقيقة. أما الله عز وجل فلا ... هؤلاء لا شك أنهم أهون شرا من الأولين لكنهم أيضا ضالون، ضالون سمعا وعقلا :
أما السمع فسيذكره المؤلف، وأما العقل فلأنكم إذا قلتم بأن الله قد شاءها وخقلها، إذا قلتم بأن الله قد علمها وكتبها ناقضتم قولكم لم يشأها ولم يخلقها، ولهذا قال السلف وعلى رأسهم الشافعي رحمه الله، قالوا : " ناظروهم بالعلم فإن أقروا به خصموا وإن أنكروه كفروا " إن أنكروه كفروا، يعني إذا قالوا إن الله لا يعلم أفعال العباد إلا إذا وقعت كفروا لا شك في ذلك، لكن كيف نقول : إذا أقروا به خصموا؟ نعم، لأنهم إذا أقروا بأن الله عالم بها نقول طيب هل وقعت على خلاف معلومه أو على وفق معلومه؟ إذا قالوا على خلاف معلومه فقد أنكروا العلم فقد أنكروا العلم، وإن قالوا على وفق معلومه قلنا الآن أقررتم على أنفسكم أنها بمشيئته يعني وقعت على وفق ما جاءت به، علم أنها ستقع في الوقت الفلاني فوقعت، إذن هي قد شيئت له لأنه لو كانت بمشيئة مستقلة عن الله ما علم. كيف يعلم ما يشاؤه غيره مشيئة مستقلة؟
فأتانا الجبرية قالوا نحن الذين على الحق، والمعتزلة هؤلاء ضالون، ويش الحق؟ قالوا الحق أن الله خالق كل شيء وبكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وأفعال الإنسان من هذه الأشياء، فهي مخلوقة عند الله مشاءة له مقدورة له مخلوقة له، تنكرون هذا؟ لا، ما ننكر هذا، لأن هذا هو الحق، إذن الإنسان مجبر على عمله يغصب غصب على أن يزني ويسرق ويقتل ويشرب الخمر غصب، يجبر غصب على أن يصلي ويزكي ويصوم، يجبر غصب على أن يأكل ويشرب ويذهب ويرجع غصبا عنه، ما هو باختياره، سبحان الله كيف ... الله خالق كل شيء وفعل الإنسان من الشيء إذن فالله خالقه، ما للإنسان فيه التصرف مثل أنه ليس له تصرف في أن يجعل النار ثابتة أو النهار مظلما ... يقدر هذا ولا لا؟ ما يقدر، إذن هذا نفس الشيء، ما يقدر الإنسان أن يفعل أو أن لا يفعل، فالذي ينزل من السقف إلى الأرض درجة درجة بهدوء حتى يصل الأرض كإنسان دحرج من فوق، يسكه واحد من أعلى درجة ... على وجهه إلى أن يتدحرج ... يقول : كله سواء، ليش؟ لأن الكل ليس له إرادة ولا اختيار ولا قدرة ولا شيء، أحد يوافق على ذلك؟ ما أحد يوافق على هذا، لا أحد يوافق على هذا، لا في تصرفاته الدينية ولا في تصرفاته الدنيوية ولا في تصرفه في نفسه ولا في تصرفه في غيره.
الظاهر لو أن أحدا منكم أمسك واحد منهم وبطش به ضربا قال له: ليش؟ قال: والله مجبر على هذا، ما عندي اختيار، مجبر، يقبله ولا لا؟ ما يقبله، لا أحد يقبل هذا إطلاقا، ليش تقبل هذا بالنسبة إلى ربك؟ ما يمكن أن تقبله بالنسبة إلى ربك ولا تقبله بالنسبة إلى غير الله. ولهذا يذكر أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه رفع إليه سارق فأمر بقطع يده، فقال : مهلا يا أمير المؤمنين، والله ما سرقت إلا بقدر الله، صحيح؟ والله ما سرقت إلا بقدر الله، قال له عمر : طيب، ونحن لا نقطع يدك إلا بقدر الله نعم، فخصم الرجل.
هذا المذهب إذا تأملته وجدته من أفسد المذاهب، ثم قيل لهم: إذا كنتم ترون هذا الرأي، فأي فرق بين المطيع والعاصي، كل منهما مجبر، كيف يثاب المطيع ويعاقب العاصي؟ قالوا: هذا مجرد مشيئة، شاء الله أن يثيب المطيع ويعاقب العاصي، وأفعال الله لا تعلل وليس لها حكمة، يفعل ما يشاء بدون حكمة ويدع ما يشاء من دون حكمة.
قيل لهم : سلمنا لكم ذلك وقلنا إن الله يفعل ما يشاء، ولكن أفلا يكون من الظلم أن يعاقب هذا العاصي وهو الذي أجبره على المعصية؟ أفلا يكون هذا كما قال القائل:
" ألقاه في اليم مكتوفا وقال له ** إياك إياك أن تبتل بالماء "
هذا ألقي في البحر مكتفا وقال اصح اصح أن تبتل بالماء يتبل ولا لا؟ يبتل قال هذا الإنسان مثله أليس هذا ظلما ؟ قالوا: لا، ليس بظلم، لماذا؟ قالوا: لأن الظلم هو التصرف في ملك الغير بغير إذنه، والله عز وجل تصرف في ملكه، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون . طيب الله يقول : إني حرمت الظلم على نفسي ومن يعمل من الصالحات وهم مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما يقولون إن الله حرم على نفسه الظلم الذي هو محرم لذاته، أما هذا فليس بمحرم لذاته فيكون في حق الله جائزا.
طيب هذا المذهب، قلت لكم إنه لا أحد يمكن أن يركن إليه إطلاقا، ولولا الجدل الذي فتح من المتكلمين ونحوهم ما أحد يخطر بباله أن أحدا سيقول هذا، يعني واحد عندنا مريض يقول كذا ... من المرض وواحد آخر ... باختياره، يقولون كلهم كلهم سواء، نعم؟ أنت لو أنك سجدت ... ولا ... أو ... اه؟ غصب عليك غصب عليك ولو عرفت أن تقلد من... اه؟ بإرادتك الناس ... يسألون الناس إلحافا لا تطلب ... يرتعش لأنه مريض، فرق بين هذا الذي يفعل هكذا وبين إنسان أنهكه المرض وصار يرتعش، الحاصل أن مذهب الجبرية باطل يبطله الكتاب والسنة والعقل طيب.
- استمع - يقول : " والعباد فاعلون حقيقة " صحيح هذا؟ " العباد فاعلون حقيقة " أنا مثلا إذا أخذت هذه؟ ها؟ أنا الذي رفعتها، يوافقون المعتزلة على ذلك الذين هم القدرية، العبد فاعل حقيقة ومستقل بفعله، الجبرية يوافقوننا؟ لا، هذا ليس دالا عليه هذا مرغم عليه لكن أضيف إلى العبد من باب التجوز، وإلا الفاعل حقيقة هو الله.
يعني هذا القول يؤدي إلى القول بوحدة الوجود، وأن كل مخلوق هو الله، إذا جعلت فعل المخلوق فعل الله إذن المخلوق هو الله.
ثم يؤدي إلى قول من أبطل الباطل، لأن العباد منهم الزاني ومنهم السارق ومنهم شارب الخمر ومنهم المعتدي بالظلم، هل تقول هذه الأفعال ننسبها إلى الله؟ حاشا وكلا، لكن هم والعياذ بالله من أصلهم الفاسد يقولون إن الفعل للخالق لكن أضيف إلى المخلوق من باب التجوز، ولهذا المؤلف ذكر العبارة ردا عليهم.
قال : " العباد فاعلون حقيقة "
كذلك أيضا يمكن يدخل في الرد على الأشاعرة الذين يقولون إن فعل العبد ليس حقيقة، ولكنه كسب، فهو أمارة وليس سببا، لأنهم مع الأسف ينكرون الأسباب، ينكرون الأسباب يقولون: الأسباب لا تؤثر بذاتها بل المؤثر هو الله وهي جعلت علامة، علامة على أن هذا الشيء الذي قد يقع أثرا منها سيقع.
فمثلا: إذا أرسلت حجرا على زجاجة وكسرها، قالوا إن االزجاجة ليست التي كسرت نعم نعم إن الحجر ليس الذي كسر الزجاجة ايش الي كسره؟ قالوا : الي كسرها هو الله، لكن حصل الكسر عند التقاء الحجر بالزجاجة، عنده لا به.
ألقيت ورقة في النار، ماذا تصير تحترق؟ يقول: الورقة ما احترقت بالنار، لا يمكن، لو جعلت الورقة تحترق بالنار أثبت خالقا مع الله، لأن النار حولتها من ورقة إلى رماد، ولا أحد يستطيع أن يغير الأعيان إلا الله، فأنت إذا جعلت النار محرقة وجعلت الحجر كاسرا، اه؟ فمعناه أنك أثبت خالقا مع الله، أعوذ بالله، لكن نحن نقول لهم هذه كلمة يضحك منها الصبي، إذا قلتم إنه حصل الانكسار عند الحجر لا به نجيب حجر أكبر ما يكون من الأحجار وتقع وقعا على زجاجة اه؟ تنكسر اه؟ لا ما هي ... على الأرض ما تنكسر ما تنكسر. لماذا لا تنكسر مع هذا الحجر الكبير وهي رقيقة، ... زجاجة سميكة أسمك من هذه بمرتين أو ثلاث تنكسر ولا لا؟ تنكسر ... عنده لا به.
النار ما أحرقت _سبحان الله العظيم _ ... ورقة إلى رماد، وهذا لا يكون إلا من الخالق، نقول لهم بكل بساطة: النار قلبت الورقة إلى رماد، لكن بإذن الله، لو شاء الله عز وجل ما أحرقت هذه النار، قال الله لها حين ألقي فيها إبراهيم كوني بردا وسلاما على إبراهيم وكانت بردا وسلاما، ولو قال: كوني بردا على إبراهيم ... البرد لكن قال سلاما ما فيه موت على إبراهيم وصارت هذه النار باردة.
إذن نحن نقول : إنها تؤثر لكن بإذن الله، وحينئذ هل أثبتنا خالقا مع الله؟ لا والله ما أثبتنا بل أثبتنا حكمة الله عز وجل وأنه ربط الأسباب بماذا؟ بالمسببات.
نعود إلى كلام المؤلف، يقول : " والله خالق أفعالهم " صح. " خالق أفعالهم " ايش؟
الطالب : ... .
الشيخ : ... لا الصواب خالقٌ. طيب.
أنا عندي ...
سبق لنا أن أفعال العباد مخلوقة من وجهين :
الوجه الأول أن فعل العبد وصفه ؟ لا ؟ الوجه الأول أن فعل العبد وصفه، وخالق الموصوف خالق للوصف، لأن الصفة تابعة للموصوف، أنت تقول الله خالق العبد إذن أفعال العبد مخلوقة لله لأنها من صفاته، فكما أن الله هو خالق الطول والقصر والبياض والسواد واستدارة الوجه واستطالته وما أشبه ذلك فهو خالق لهذه الأفعال، لأن الفعل فعله.
ثانيا ، نقول الوجه الثاني : أن فعل العبد ناشئ عن أمرين : عزيمة صادقة وإرادة جازمة وقدرة أيضا كاملة، إرادة جازمة وقدرة تامة، إرادة وقدرة.
طيب، من خلق الإرادة والقدرة؟ الله عز وجل، وخالق السبب خالق لما ينتج عنه وهو المسبب، فالله تعالى هو خالق أفعالنا. طيب أنا عندما آتي إلى الخشبة وأنجرها وأنحتها، من الناحت؟ أنا وفعلي مؤثر على الخشبة ولا لا؟ تأثيرا مباشر؟ أي نعم، تأثيرا مباشرا، ومع ذلك ننسبه إلى الله خلقا، ونقول : إن الله هو الذي خلق هذا، لكن باعتبار خلق السبب الذي هو فعل العبد والله خلقكم وما تعملون . طيب قال : " والله خالق أفعالهم "
قال : " ولا يرضى لعباده الكفر ".
إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ . نعم، لا يرضى لعباده أن يكفروا لكن يقدر أن يكفروا، ولا يلزم من تقديره الكفر أن يكون راضياً به سبحانه وتعالى، بل يقدر وهو يكرهه ويسخطه.
" ولا يحب الفساد " اه؟ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ .
كرر المؤلف مثل هذه العبارات ليبين أنه لا يلزم من إرادته الشيء أن يكون محبوباً له، فهمتم؟ ولا يلزم من كراهته للشيء أن لا يكون مراداً له بالإرادة الكونية، بل هو عز وجل يكره الشيء ويريده بالإرادة الكونية. أفهمتم؟ ويوقع الشيء ولا يرضى عنه ولا يحبه ولا يريده بالإرادة الشرعية.
فإن قلت : كيف يوقع ما لا يرضاه وما لا يحبه؟! وهل أحد يكرهه على أن يوقع ما لا يحبه ولا يرضاه؟!
فالجواب : لا، إذن كيف يوقعه وهو لا يرضاه؟ أنت الآن لو لم ترض شيئا ما فعلته، لو لم تحب شيئا ما فعلته.
فالجواب : أن هذا الذي يقع من فعله عز وجل وهو مكروه له هو مكروه له من وجه، محبوب له من وجه آخر، فالله تعالى يوقع هذا الشيء وهو مكروه له، لكن محبوب له من وجه آخر لما يترتب عليه من المصالح العظيمة.
ولنضرب لذلك مثلا. أولا : الإيمان والكفر، الإيمان محبوب لله، والكفر مكروه له، كيف يوقع الكفر وهو مكروه له؟ لمصلحة عظيمة، لأنه لولا وجود الكفر، ما عُرف الإيمان، فإنه بضدها تتبين الأشياء هذا واحد.
لولا وجود الكفر، ما عرف الإنسان قدر نعمة الله عليه بالإيمان.
لولا وجود الكفر، ما قام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأن الناس كلهم يكونون على المعروف.
لولا وجود الكفر، ما قام الجهاد، لأن الجهاد لا يكون إلا مع الكافرين كذا؟
لولا وجود الكفر لكان خلق النار عبثاً، لأن النار مثوى الكافرين، وقد قال الله سبحانه وتعالى لها : إن لك علي ملئك نعم هذه خمسة، فيه بعد؟
لولا وجود الكفر، لكان الناس أمة واحدة، ولم يعرفوا معروفاً ولم ينكروا منكراً، وهذا لا شك أنه يخل بالمجتمع الإنساني.
لولا وجود الكفر، ما عرف أولياء الله في الواقع، لأن من ولاية الله أن تبغض أعداء الله وأن تحب أولياء الله، فمن زعم أنه ولي لله وهو يحب أعداءه فهو كاذب، ولهذا قال ابن القيم :
" أتحب أعداء الحبيب وتدعي *** حبا له ما ذاك في إمكان ".
صحيح ولا لا؟
" أتحب أعداء الحبيب " يعني حبيبك.
" أتحب أعداء الحبيب وتدعي *** حبا له ما ذاك في إمكان ".
ولا يمكن أن يجتمع حب الحبيب وحب عدوه أبدا حتى عند الصبيان، الصبيان إذا عاد واحد منهم الآخر جاء أحدهما للثالث وقال تعال أنت معي ولا معه؟ نعم؟ يقول : أنا معك يقول : طيب. إذن زعل ذاك لا تهرج. لو يسارقه ويروح يهارجه نزل عليه وقال : كيف أنت تقول أنت معي وتروح تهارج ذاك نعم؟ ولا تقول مهارج محمد لأنه مزاعله ما يقدر يذكر اسمه، نعم.
إذن هذا شيء في الفطر، لا يمكن أبدا لإنسان أن يدعي محبة شيء ثم يحب أعداء ذلك الشيء أبدا.
إذن لولا وجود الكفر ما صدقت محبة الإنسان لله عز وجل أبدا، ولا عرف أنها صادقة.
فالمهم أن نقول إن هذا الأمر مكروه لله وما في ذلك شف كان فيه هذه المنافع العظيمة والمصالح العظيمة.
نعم، نأتي إلى غير الإيمان والكفر.
الصحة والمرض، الصحة والمرض، الصحة محبوبة للإنسان، وملائمة له ولا لا؟ ورحمة الله تعالى فيها ظاهرة، لكن المرض؟ المرض مكروه للإنسان، وقد يكون عقوبة من الله له، والله عز وجل يقول في الحديث القدسي : ما ترددته عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره إساءته الشاهد وأكره إساءته ولا بد له منه، الحمد لله. طيب، هذا الأمر الذي يكرهه الله كيف يوقعه الله وهو يكرهه كيف يمرض الله وليه؟ نعم؟ ووليه يكره المرض، والله تعالى يكره إساءته، ويش الجواب؟
الجواب : لما في ذلك من المصالح العظيمة.
كم من إنسان إذا أسبغ الله عليه النعمة بالبدن والمال والولد والبيت والمركوب، شمخ شمخ بأنفه وتعالى وترفع ورأى أنه مستغن بما أنعم الله به عليه عن طاعة الله عز وجل، كَلَّا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ، وهذه مفسدة ولا مصلحة؟ مفسدة عظيمة، هذا هو الفقر ما الفقر أن لا تجد الدراهم والدنانير هذا الفقر، فقر الإنسان من الذل لله هو الفقر، فإذا أراد الله عز وجل أن يرد هذا الإنسان إلى مكانه، ابتلاه ابتلاه سلبه المال، سلبه الأولاد، انهدم بيته، انكسرت سيارته، زالت صحته، حينئذ ماذا يفعل؟ اه؟ يرجع إلى الله عز وجل، وشاهد هذا قوله تعالى : ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ . شوف كيف المسائل التي يكرهها الله يقدرها الله لكن لمصالح عظيمة، فهي مرادة لذاتها ولا لغيرها؟ اه؟ مرادة لغيرها مرادة لغيرها.
وأنت أيها الإنسان إذا فكرت هذا التفكير الصحيح في تقديرات الله عز وجل، عرفت ما له سبحانه وتعالى من الحكمة فيما يقدره من خير أو شر، وأن الله سبحانه وتعالى يخلق ما يكرهه ويقدر ما يكرهه لمصالح عظيمة، قد تحيط بها أنت، وقد لا تحيط بها ويحيط بها غيرك، وقد لا يحيط بها لا أنت ولا غيرك، لكن نعلم أنها لمصالح.
أنتم الآن أحيانا تريدون شيئا ويحول بينكم وبينه قدر الله، ثم تجد الإنسان يضيق صدره إنه ما حصل هذا الشيء، فإذا به يتبين أنه خير، لا خير ديني فقط، بل خير دنيوي.
رجل مثلا أراد أن يشتري بيتا وفعل الأسباب وزادت القيمة، ويكاد يبيعون عليه، وبعدين جاه إنسان أقوى منه، قال تعال كم يسام؟ قال: مائة ألف، قال: بمائتين ألف قال: مصيبة، بعدين السائم الأول يحزن كيف يفوته، ثم إذا بالبيت يكون مبينا على شفا جرف هار، اه؟ القواعد ما هي راسية، وإذا به ينهدم، ويش صار هذا الذي كان بالأول كرهه؟ صار خير ولا لا؟ صار خيرا، نعم؟ خطب امرأة وكادوا أن يقبلوه، ولكن ردوه فإذا بهذه المرأة تصبح نعم؟ سيئة الخلق أو ناقصة الدين.
إذن يفرح ولا لا؟ يفرح مع أنه كان بالأول كره ذلك، فأنت إذا نظرت إلى تقدير الله عز وجل فأنت كما قال العامة : " لا تحب ولا تكره "، نسأل الله أن يقدر لنا ولكم الخير.
وقد يحب الله ما لايريد، وقد يريد ما لا يحب.
هذه الإرادة الكونية أما الإرادة الشرعية فهي بمعنى المحبة فكل مراد لله شرعا فهو محبوب إليه، وكل ما لا يراد شرعا فليس بمحبوب إليه.
طيب. سبق لنا أن الناس انقسموا في باب أفعال العباد إلى قسمين: أظن سبق أو لا؟ نعم؟ إلى جبرية وقدرية.
القدرية عرفنا أنهم ينقسمون إلى قسمين : غلاة وغير غلاة. غلاة يعني معناهم أنهم بالغوا فيما ذهبوا إليه، وغير غلاة لم يبالغوا.
فالغلاة قالوا إن الله لا يعلم أفعال العباد ولا يشاؤها ولا يقدر عليها ولا يخلقها ولا كتبت في اللوح المحفوظ، أفعال العباد تأتي من قِبَل أنفسهم ولا يعلم الله بها إلا إذا وقعت، وهؤلاء كفار كفرهم السلف.
لكن القسم الثاني منهم هم الذين أقروا المذهب، واستقر المذهب على قولهم، قالوا: إن الله عالم بأفعال العباد وقادر عليها وكاتبها لكن لا يشاؤها، لا يشاؤها الله عز وجل وليست مخلوقة له، لا يشاؤها وليست مخلوقة له، بل الإنسان هو الذي يشاء وهو الذي يفعل، فهو الشائي حقيقة وهو الفاعل حقيقة. أما الله عز وجل فلا ... هؤلاء لا شك أنهم أهون شرا من الأولين لكنهم أيضا ضالون، ضالون سمعا وعقلا :
أما السمع فسيذكره المؤلف، وأما العقل فلأنكم إذا قلتم بأن الله قد شاءها وخقلها، إذا قلتم بأن الله قد علمها وكتبها ناقضتم قولكم لم يشأها ولم يخلقها، ولهذا قال السلف وعلى رأسهم الشافعي رحمه الله، قالوا : " ناظروهم بالعلم فإن أقروا به خصموا وإن أنكروه كفروا " إن أنكروه كفروا، يعني إذا قالوا إن الله لا يعلم أفعال العباد إلا إذا وقعت كفروا لا شك في ذلك، لكن كيف نقول : إذا أقروا به خصموا؟ نعم، لأنهم إذا أقروا بأن الله عالم بها نقول طيب هل وقعت على خلاف معلومه أو على وفق معلومه؟ إذا قالوا على خلاف معلومه فقد أنكروا العلم فقد أنكروا العلم، وإن قالوا على وفق معلومه قلنا الآن أقررتم على أنفسكم أنها بمشيئته يعني وقعت على وفق ما جاءت به، علم أنها ستقع في الوقت الفلاني فوقعت، إذن هي قد شيئت له لأنه لو كانت بمشيئة مستقلة عن الله ما علم. كيف يعلم ما يشاؤه غيره مشيئة مستقلة؟
فأتانا الجبرية قالوا نحن الذين على الحق، والمعتزلة هؤلاء ضالون، ويش الحق؟ قالوا الحق أن الله خالق كل شيء وبكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وأفعال الإنسان من هذه الأشياء، فهي مخلوقة عند الله مشاءة له مقدورة له مخلوقة له، تنكرون هذا؟ لا، ما ننكر هذا، لأن هذا هو الحق، إذن الإنسان مجبر على عمله يغصب غصب على أن يزني ويسرق ويقتل ويشرب الخمر غصب، يجبر غصب على أن يصلي ويزكي ويصوم، يجبر غصب على أن يأكل ويشرب ويذهب ويرجع غصبا عنه، ما هو باختياره، سبحان الله كيف ... الله خالق كل شيء وفعل الإنسان من الشيء إذن فالله خالقه، ما للإنسان فيه التصرف مثل أنه ليس له تصرف في أن يجعل النار ثابتة أو النهار مظلما ... يقدر هذا ولا لا؟ ما يقدر، إذن هذا نفس الشيء، ما يقدر الإنسان أن يفعل أو أن لا يفعل، فالذي ينزل من السقف إلى الأرض درجة درجة بهدوء حتى يصل الأرض كإنسان دحرج من فوق، يسكه واحد من أعلى درجة ... على وجهه إلى أن يتدحرج ... يقول : كله سواء، ليش؟ لأن الكل ليس له إرادة ولا اختيار ولا قدرة ولا شيء، أحد يوافق على ذلك؟ ما أحد يوافق على هذا، لا أحد يوافق على هذا، لا في تصرفاته الدينية ولا في تصرفاته الدنيوية ولا في تصرفه في نفسه ولا في تصرفه في غيره.
الظاهر لو أن أحدا منكم أمسك واحد منهم وبطش به ضربا قال له: ليش؟ قال: والله مجبر على هذا، ما عندي اختيار، مجبر، يقبله ولا لا؟ ما يقبله، لا أحد يقبل هذا إطلاقا، ليش تقبل هذا بالنسبة إلى ربك؟ ما يمكن أن تقبله بالنسبة إلى ربك ولا تقبله بالنسبة إلى غير الله. ولهذا يذكر أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه رفع إليه سارق فأمر بقطع يده، فقال : مهلا يا أمير المؤمنين، والله ما سرقت إلا بقدر الله، صحيح؟ والله ما سرقت إلا بقدر الله، قال له عمر : طيب، ونحن لا نقطع يدك إلا بقدر الله نعم، فخصم الرجل.
هذا المذهب إذا تأملته وجدته من أفسد المذاهب، ثم قيل لهم: إذا كنتم ترون هذا الرأي، فأي فرق بين المطيع والعاصي، كل منهما مجبر، كيف يثاب المطيع ويعاقب العاصي؟ قالوا: هذا مجرد مشيئة، شاء الله أن يثيب المطيع ويعاقب العاصي، وأفعال الله لا تعلل وليس لها حكمة، يفعل ما يشاء بدون حكمة ويدع ما يشاء من دون حكمة.
قيل لهم : سلمنا لكم ذلك وقلنا إن الله يفعل ما يشاء، ولكن أفلا يكون من الظلم أن يعاقب هذا العاصي وهو الذي أجبره على المعصية؟ أفلا يكون هذا كما قال القائل:
" ألقاه في اليم مكتوفا وقال له ** إياك إياك أن تبتل بالماء "
هذا ألقي في البحر مكتفا وقال اصح اصح أن تبتل بالماء يتبل ولا لا؟ يبتل قال هذا الإنسان مثله أليس هذا ظلما ؟ قالوا: لا، ليس بظلم، لماذا؟ قالوا: لأن الظلم هو التصرف في ملك الغير بغير إذنه، والله عز وجل تصرف في ملكه، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون . طيب الله يقول : إني حرمت الظلم على نفسي ومن يعمل من الصالحات وهم مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما يقولون إن الله حرم على نفسه الظلم الذي هو محرم لذاته، أما هذا فليس بمحرم لذاته فيكون في حق الله جائزا.
طيب هذا المذهب، قلت لكم إنه لا أحد يمكن أن يركن إليه إطلاقا، ولولا الجدل الذي فتح من المتكلمين ونحوهم ما أحد يخطر بباله أن أحدا سيقول هذا، يعني واحد عندنا مريض يقول كذا ... من المرض وواحد آخر ... باختياره، يقولون كلهم كلهم سواء، نعم؟ أنت لو أنك سجدت ... ولا ... أو ... اه؟ غصب عليك غصب عليك ولو عرفت أن تقلد من... اه؟ بإرادتك الناس ... يسألون الناس إلحافا لا تطلب ... يرتعش لأنه مريض، فرق بين هذا الذي يفعل هكذا وبين إنسان أنهكه المرض وصار يرتعش، الحاصل أن مذهب الجبرية باطل يبطله الكتاب والسنة والعقل طيب.
- استمع - يقول : " والعباد فاعلون حقيقة " صحيح هذا؟ " العباد فاعلون حقيقة " أنا مثلا إذا أخذت هذه؟ ها؟ أنا الذي رفعتها، يوافقون المعتزلة على ذلك الذين هم القدرية، العبد فاعل حقيقة ومستقل بفعله، الجبرية يوافقوننا؟ لا، هذا ليس دالا عليه هذا مرغم عليه لكن أضيف إلى العبد من باب التجوز، وإلا الفاعل حقيقة هو الله.
يعني هذا القول يؤدي إلى القول بوحدة الوجود، وأن كل مخلوق هو الله، إذا جعلت فعل المخلوق فعل الله إذن المخلوق هو الله.
ثم يؤدي إلى قول من أبطل الباطل، لأن العباد منهم الزاني ومنهم السارق ومنهم شارب الخمر ومنهم المعتدي بالظلم، هل تقول هذه الأفعال ننسبها إلى الله؟ حاشا وكلا، لكن هم والعياذ بالله من أصلهم الفاسد يقولون إن الفعل للخالق لكن أضيف إلى المخلوق من باب التجوز، ولهذا المؤلف ذكر العبارة ردا عليهم.
قال : " العباد فاعلون حقيقة "
كذلك أيضا يمكن يدخل في الرد على الأشاعرة الذين يقولون إن فعل العبد ليس حقيقة، ولكنه كسب، فهو أمارة وليس سببا، لأنهم مع الأسف ينكرون الأسباب، ينكرون الأسباب يقولون: الأسباب لا تؤثر بذاتها بل المؤثر هو الله وهي جعلت علامة، علامة على أن هذا الشيء الذي قد يقع أثرا منها سيقع.
فمثلا: إذا أرسلت حجرا على زجاجة وكسرها، قالوا إن االزجاجة ليست التي كسرت نعم نعم إن الحجر ليس الذي كسر الزجاجة ايش الي كسره؟ قالوا : الي كسرها هو الله، لكن حصل الكسر عند التقاء الحجر بالزجاجة، عنده لا به.
ألقيت ورقة في النار، ماذا تصير تحترق؟ يقول: الورقة ما احترقت بالنار، لا يمكن، لو جعلت الورقة تحترق بالنار أثبت خالقا مع الله، لأن النار حولتها من ورقة إلى رماد، ولا أحد يستطيع أن يغير الأعيان إلا الله، فأنت إذا جعلت النار محرقة وجعلت الحجر كاسرا، اه؟ فمعناه أنك أثبت خالقا مع الله، أعوذ بالله، لكن نحن نقول لهم هذه كلمة يضحك منها الصبي، إذا قلتم إنه حصل الانكسار عند الحجر لا به نجيب حجر أكبر ما يكون من الأحجار وتقع وقعا على زجاجة اه؟ تنكسر اه؟ لا ما هي ... على الأرض ما تنكسر ما تنكسر. لماذا لا تنكسر مع هذا الحجر الكبير وهي رقيقة، ... زجاجة سميكة أسمك من هذه بمرتين أو ثلاث تنكسر ولا لا؟ تنكسر ... عنده لا به.
النار ما أحرقت _سبحان الله العظيم _ ... ورقة إلى رماد، وهذا لا يكون إلا من الخالق، نقول لهم بكل بساطة: النار قلبت الورقة إلى رماد، لكن بإذن الله، لو شاء الله عز وجل ما أحرقت هذه النار، قال الله لها حين ألقي فيها إبراهيم كوني بردا وسلاما على إبراهيم وكانت بردا وسلاما، ولو قال: كوني بردا على إبراهيم ... البرد لكن قال سلاما ما فيه موت على إبراهيم وصارت هذه النار باردة.
إذن نحن نقول : إنها تؤثر لكن بإذن الله، وحينئذ هل أثبتنا خالقا مع الله؟ لا والله ما أثبتنا بل أثبتنا حكمة الله عز وجل وأنه ربط الأسباب بماذا؟ بالمسببات.
نعود إلى كلام المؤلف، يقول : " والله خالق أفعالهم " صح. " خالق أفعالهم " ايش؟
الطالب : ... .
الشيخ : ... لا الصواب خالقٌ. طيب.
أنا عندي ...
سبق لنا أن أفعال العباد مخلوقة من وجهين :
الوجه الأول أن فعل العبد وصفه ؟ لا ؟ الوجه الأول أن فعل العبد وصفه، وخالق الموصوف خالق للوصف، لأن الصفة تابعة للموصوف، أنت تقول الله خالق العبد إذن أفعال العبد مخلوقة لله لأنها من صفاته، فكما أن الله هو خالق الطول والقصر والبياض والسواد واستدارة الوجه واستطالته وما أشبه ذلك فهو خالق لهذه الأفعال، لأن الفعل فعله.
ثانيا ، نقول الوجه الثاني : أن فعل العبد ناشئ عن أمرين : عزيمة صادقة وإرادة جازمة وقدرة أيضا كاملة، إرادة جازمة وقدرة تامة، إرادة وقدرة.
طيب، من خلق الإرادة والقدرة؟ الله عز وجل، وخالق السبب خالق لما ينتج عنه وهو المسبب، فالله تعالى هو خالق أفعالنا. طيب أنا عندما آتي إلى الخشبة وأنجرها وأنحتها، من الناحت؟ أنا وفعلي مؤثر على الخشبة ولا لا؟ تأثيرا مباشر؟ أي نعم، تأثيرا مباشرا، ومع ذلك ننسبه إلى الله خلقا، ونقول : إن الله هو الذي خلق هذا، لكن باعتبار خلق السبب الذي هو فعل العبد والله خلقكم وما تعملون . طيب قال : " والله خالق أفعالهم "
الفتاوى المشابهة
- شرح قول المصنف : لا خالق غيره ولا رب سواه - ابن عثيمين
- شرح قول المصنف : وفي الصحيح عن النبي صلى الل... - ابن عثيمين
- شرح قول المصنف : وأنه سبحانه على كل شيء قدير... - ابن عثيمين
- تتمة .شرح قول المصنف : عن عبادة بن الصامت -... - ابن عثيمين
- التعليق على تفسير الجلالين : (( إن تكفروا فإ... - ابن عثيمين
- ( بيان عقيدة الجهم في نفيه الفعل عن الله وعن... - ابن عثيمين
- تفسير قول الله تعالى : (( إن تكفروا فإن الله... - ابن عثيمين
- تتمة شرح قول المصنف :وهم وسط في باب أفعال ال... - ابن عثيمين
- شرح قول المصنف : لا يكون في ملكه ما لا يريد - ابن عثيمين
- شرح قول المصنف : وللعباد قدرة على أعمالهم ول... - ابن عثيمين
- شرح قول المصنف : ولا يأمر بالفحشاء ولا يرضى... - ابن عثيمين