تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ... ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله التقوى هاهنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه رواه مسلم ... " .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
سبق الكلام على عدة جمل من هذا الحديث الذي رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وهي قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : لا تحاسدوا ، ولا تناجشوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، أما الجملة الخامسة فهي قوله : ولا يبع بعضكم على بيع بعض : لا يبع بعضكم على بيع بعض ، لأن هذا يؤدي إلى الكراهية والعداوة والبغضاء.
ومثاله ، بيع الإنسان على بيع أخيه : أن يذهب لمن اشترى سلعة من شخص بمائة ، فيقول : أنا أعطيك مثلها بثمانين ، يذهب لشخص اشترى سلعة بمئة ، فيقول : أنا أعطيك مثلها بثمانين ، أو أعطيك أحسن منها بمائة فيرجع المشتري ويفسخ العقد الأول ويعقد مع الثاني ، ففي هذا عدوان ظاهر على حق البائع الأول ، وهذا العدوان يوجب العداوة والبغضاء بين المسلمين.
ومثل ذلك الشراء على شرائه ، الشراء على شرائه : مثل أن يذهب إلي شخص باع سلعة بمائة فيقول له : أنا أشتريها منك بمائة وعشرين، فيذهب البائع ويفسخ العقد ويبيع على الثاني، فهذا أيضاً حرامٌ، لأنه بمعنى البيع على البيع.
ولكن هل هذا خاص في زمن الخيار أو عام ؟
الحديث عام ، أنه لا يحل لك أن تبيع على بيع أخيك سواء في زمن الخيار أو لا، وقال بعض العلماء: " إنه محمول على ما إذا كان ذلك في زمن الخيار، لأنه إذا انتهى زمن الخيار فإنه لا يستطيع أن يفسخ العقد " ، مثال ذلك : رجل باع على شخص سيارة بعشرة آلاف ريال ، وجعل له الخيار ثلاثة أيام ، فذهب شخص إلى المشتري وقال : أنا أعطيك أحسن منها بعشرة آلاف ريال، يسهل على المشترى أن يذهب للبائع ويقول : فسخت العقد، أو يذهب شخص إلى البائع يقول : سمعت أنك بعت سيارتك على فلان بعشرة الآف ريال، أنا أعطيك أحد عشر ألف، فيفسخ البيع ويبيعها للثاني.
أما إذا كان بعد انتهاء المدة فقال بعض العلماء : إنه لا بأس، يعني بعد أن باعه وجعل له الخيار ثلاثة أيام وانتهت الأيام الثلاثة، فلا بأس أن يذهب إلى الشخص الذي اشتراها ويقول : أنا أعطيك مثلها بأقل، أو أحسن منها بالثمن الذي اشتريت به ، وعللوا ذلك بأنه لا يمكنه حينئذٍ أن يفسخ البيع لانتهاء زمن الخيار.
ولكن ظاهر الحديث العموم، لأنه وإن كان لا يمكنه أن يفسخ البيع لانتهاء زمن الخيار فإنه قد يحاول أن يوجد مُفسِداً للعقد، أو على الأقل يندم على شرائه، ويعتقد أن البائع غبنه وأنه لعب عليه، فيحدث له بذلك العداوة والبغضاء وهذا مع قرب المدة، نعم صحيح ، أما إذا طالت المدة فلا بأس به ، لأنه إذا طالت المدة فإنه من المعتذر أو المتعسر كثيراً أن يفسخ العقد .
والحاصل أن لدينا ثلاث حالات :
الحال الأولى : أن يكون البيع أو الشراء على أخيه في زمن الخيار فلا شك في أنه حرام.
والثانية : أن يكون بعد انتهاء زمن الخيار بمدة قريبة، ففيه خلاف بين العلماء، والصحيح أنه حرام.
والحال الثالثة : أن يكون بعد زمن بعيد، كشهر وشهرين وأكثر فهذا لا بأس به، ولا حرج فيه ، لأن الناس يتبادلون السلع فيما بينهم على هذا الوجه، وعلى وجوه أخرى.
ومثل ذلك الإجارة على إجاره ، الإجارة على إجارته ، مثل أن يذهب شخص إلى آخر استأجر بيتاً من إنسان السنة بألف ريال ، وقال له : أنا عندي لك بيت أحسن منه بثمان مئة ريال ، هذا حرام ، لأنه عدوان كالبيع على بيعه.
ومثل ذلك أيضاً : السوم على سومه، وقد جاء صريحاً فيما رواه مسلم، يسوم على سومه يعني : إذا سام شخص سلعة من آخر، وركن إليه صاحب السلعة، ولم يبق إلا العقد، مثل أن يقول : بعها علي بألف فيركن إليه البائع، ولكن لم يتم العقد ، يعني يجزم على أنه يبي يبيع عليه، فيأتي إنسان آخر ويقول: أنا أعطيك بها ألفاً ومائة ، فإن هذا لا يجوز، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يسم على سوم أخيه .
ومثل ذلك أيضا في النكاح ، إذا خطب شخص من آخر فلا يحل لأحد أن يخطب على خطبته ، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ولا يخطب على خطبة أخيه .
وكل هذا احتراماً لحقوق المسلمين بعضِهم على بعض ، فلا يحل للإنسان أن يعتدي على حق إخوانه لا ببيع ولا شراء ولا إجارة ولا سوم ولا نكاح ولا غير ذلك من الحقوق ، والله الموفق .
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تحاسدوا ، ولا تناجشوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض ، وكونوا عباد الله إخواناً ، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله ، التقوى هاهنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات ، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كلُّ المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ، رواه مسلم " .
سبق الكلام على عدة جمل من هذا الحديث الذي رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وهي قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : لا تحاسدوا ، ولا تناجشوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، أما الجملة الخامسة فهي قوله : ولا يبع بعضكم على بيع بعض : لا يبع بعضكم على بيع بعض ، لأن هذا يؤدي إلى الكراهية والعداوة والبغضاء.
ومثاله ، بيع الإنسان على بيع أخيه : أن يذهب لمن اشترى سلعة من شخص بمائة ، فيقول : أنا أعطيك مثلها بثمانين ، يذهب لشخص اشترى سلعة بمئة ، فيقول : أنا أعطيك مثلها بثمانين ، أو أعطيك أحسن منها بمائة فيرجع المشتري ويفسخ العقد الأول ويعقد مع الثاني ، ففي هذا عدوان ظاهر على حق البائع الأول ، وهذا العدوان يوجب العداوة والبغضاء بين المسلمين.
ومثل ذلك الشراء على شرائه ، الشراء على شرائه : مثل أن يذهب إلي شخص باع سلعة بمائة فيقول له : أنا أشتريها منك بمائة وعشرين، فيذهب البائع ويفسخ العقد ويبيع على الثاني، فهذا أيضاً حرامٌ، لأنه بمعنى البيع على البيع.
ولكن هل هذا خاص في زمن الخيار أو عام ؟
الحديث عام ، أنه لا يحل لك أن تبيع على بيع أخيك سواء في زمن الخيار أو لا، وقال بعض العلماء: " إنه محمول على ما إذا كان ذلك في زمن الخيار، لأنه إذا انتهى زمن الخيار فإنه لا يستطيع أن يفسخ العقد " ، مثال ذلك : رجل باع على شخص سيارة بعشرة آلاف ريال ، وجعل له الخيار ثلاثة أيام ، فذهب شخص إلى المشتري وقال : أنا أعطيك أحسن منها بعشرة آلاف ريال، يسهل على المشترى أن يذهب للبائع ويقول : فسخت العقد، أو يذهب شخص إلى البائع يقول : سمعت أنك بعت سيارتك على فلان بعشرة الآف ريال، أنا أعطيك أحد عشر ألف، فيفسخ البيع ويبيعها للثاني.
أما إذا كان بعد انتهاء المدة فقال بعض العلماء : إنه لا بأس، يعني بعد أن باعه وجعل له الخيار ثلاثة أيام وانتهت الأيام الثلاثة، فلا بأس أن يذهب إلى الشخص الذي اشتراها ويقول : أنا أعطيك مثلها بأقل، أو أحسن منها بالثمن الذي اشتريت به ، وعللوا ذلك بأنه لا يمكنه حينئذٍ أن يفسخ البيع لانتهاء زمن الخيار.
ولكن ظاهر الحديث العموم، لأنه وإن كان لا يمكنه أن يفسخ البيع لانتهاء زمن الخيار فإنه قد يحاول أن يوجد مُفسِداً للعقد، أو على الأقل يندم على شرائه، ويعتقد أن البائع غبنه وأنه لعب عليه، فيحدث له بذلك العداوة والبغضاء وهذا مع قرب المدة، نعم صحيح ، أما إذا طالت المدة فلا بأس به ، لأنه إذا طالت المدة فإنه من المعتذر أو المتعسر كثيراً أن يفسخ العقد .
والحاصل أن لدينا ثلاث حالات :
الحال الأولى : أن يكون البيع أو الشراء على أخيه في زمن الخيار فلا شك في أنه حرام.
والثانية : أن يكون بعد انتهاء زمن الخيار بمدة قريبة، ففيه خلاف بين العلماء، والصحيح أنه حرام.
والحال الثالثة : أن يكون بعد زمن بعيد، كشهر وشهرين وأكثر فهذا لا بأس به، ولا حرج فيه ، لأن الناس يتبادلون السلع فيما بينهم على هذا الوجه، وعلى وجوه أخرى.
ومثل ذلك الإجارة على إجاره ، الإجارة على إجارته ، مثل أن يذهب شخص إلى آخر استأجر بيتاً من إنسان السنة بألف ريال ، وقال له : أنا عندي لك بيت أحسن منه بثمان مئة ريال ، هذا حرام ، لأنه عدوان كالبيع على بيعه.
ومثل ذلك أيضاً : السوم على سومه، وقد جاء صريحاً فيما رواه مسلم، يسوم على سومه يعني : إذا سام شخص سلعة من آخر، وركن إليه صاحب السلعة، ولم يبق إلا العقد، مثل أن يقول : بعها علي بألف فيركن إليه البائع، ولكن لم يتم العقد ، يعني يجزم على أنه يبي يبيع عليه، فيأتي إنسان آخر ويقول: أنا أعطيك بها ألفاً ومائة ، فإن هذا لا يجوز، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يسم على سوم أخيه .
ومثل ذلك أيضا في النكاح ، إذا خطب شخص من آخر فلا يحل لأحد أن يخطب على خطبته ، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ولا يخطب على خطبة أخيه .
وكل هذا احتراماً لحقوق المسلمين بعضِهم على بعض ، فلا يحل للإنسان أن يعتدي على حق إخوانه لا ببيع ولا شراء ولا إجارة ولا سوم ولا نكاح ولا غير ذلك من الحقوق ، والله الموفق .
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تحاسدوا ، ولا تناجشوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض ، وكونوا عباد الله إخواناً ، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله ، التقوى هاهنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات ، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كلُّ المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ، رواه مسلم " .
الفتاوى المشابهة
- المناقشة حول بيع المسلم على بيع أخيه . - ابن عثيمين
- باب النهي عن التجسس: قال الله تعالى: (( ولا... - ابن عثيمين
- معاملة المسلم للمسلم - اللجنة الدائمة
- وعنه قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم... - ابن عثيمين
- تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى ف... - ابن عثيمين
- شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما ن... - ابن عثيمين
- تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى ف... - ابن عثيمين
- قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما... - ابن عثيمين
- تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى ف... - ابن عثيمين
- قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما... - ابن عثيمين
- تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى ف... - ابن عثيمين