تم نسخ النصتم نسخ العنوان
تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى ف... - ابن عثيمينالشيخ : والثالث :  ولا تباغضوا  أي : لا يبغض بعضكم بعضاً ، وهذا بالنسبة للمؤمنين بعضهم مع بعض ، فلا يجوز للإنسان أن يُبغض أخاه ، أي : يكرهه في قلبه ، لأ...
العالم
طريقة البحث
تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ... ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله التقوى هاهنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه رواه مسلم ... " .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : والثالث : ولا تباغضوا أي : لا يبغض بعضكم بعضاً ، وهذا بالنسبة للمؤمنين بعضهم مع بعض ، فلا يجوز للإنسان أن يُبغض أخاه ، أي : يكرهه في قلبه ، لأنه أخوه ، ولكن لو كان هذا الأخ من العصاة الفسقة ، فإنه لا يجوز لك أن تبغضه من أجل فسقه ، أن تبغضه بغضاً مطلقاً ، لكن أبغضه على ما فيه من معصية ، وأحبَّه على ما فيه من الإيمان .
ومن المعلوم أننا لو وجدنا رجلاً مسلماً يشرب الخمر، ويشرب الدخان، ويجر ثوبه خيلاء، فإننا لا نبغضه كما نبغض الكافر، فمن أبغضه كما يبغض الكافر فقد انقلب على وجهه، كيف تسوي بين مؤمن عاصٍ فاسق، وبين كافر؟ هذا خطأ عظيم .
ربما بعض الناس يكره المؤمن الذي عنده هذا الفسق أكثر مما يكره الكافر، وهذا والعياذ بالله من انقلاب الفطرة ، المؤمن مهما كان خيرٌ من الكافر .
فأنت أبغضه على ما فيه من المعصية ، وأحبه على ما معه من الإيمان ، فإن قلت : كيف يجتمع حب وكراهة في شيء واحد ؟
فالجواب : نعم ، يمكن يجتمع حب وكراهة في شي واحد، أرأيت لو أن الطبيب وصف لك دواءاً مُراً منتن الرائحة ، ولكن قال : أشربه وتشفى بإذن الله، فهل أنت تحب هذا الدواء على سبيل الإطلاق ؟ لا ، لأنه مر وخبيث الرائحة ، لكن تحبه من جهة أنه سبب للشفاء، وتكرهه لما فيه من الرائحة الخبيثة والطعم المر .
هكذا المؤمن العاصي، أحبَّه على ما معه من الإيمان ، واكرهه على ما معه من المعاصي ، ولا تكرهه مرة ، ثم إن كراهتك إياه لا توجب أن تعرض عن نصيحته ، انصحه ، قد تقول : أنا لا أتحمل أن أواجه هذا الرجل أكره منظره، اغصب نفسك ، واتصل به وانصحهُ ، ولعل الله أن ينفعه على يدك ، ولا تيأس ، كم من إنسان استبعد الإنسان أن يهديه الله فهداه الله عزّ وجلّ ،
والأمثال على هذا كثيرة في وقتنا الحاضر وفيما سبق ، في وقتنا الحاضر يوجد أُناسٌ فسقة يسر الله لهم مَن يدعوهم إلى الحق فاهتدوا ، وصاروا أحسن من الذي دعاهم .
وفيما سبق من الزمان أمثلة كثيرة، فهذا خالد بن الوليد رضي الله عنه ، كان سيفاً مسلولاً على المسلمين، ومواقفه في أُحد مشهورة حيث كرّ هو وفرسان من قريش على المسلمين من عند الجبل ، وحصل ما حصل ، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه كان أكرهَ الناس لما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام ، أو من أكره الناس ، فهداه الله وكان من أولياء الله ، كان الثاني في هذه الأمة ، الثاني في هذه الأمة .
فلا تيأس ، لا تقل : والله هذا الرجل أنا لا أطيقه منظراً لا مسمعاً، ولا يمكن أذهب إليه، اذهب ولا تيأس، فالقلوب بيد الله عزّ وجلّ، نسأل الله أن يهدينا وإياكم صراطه المستقيم .
فإن قال قائل : البغضاء : " انفعال في النفس " ، والأشياء الانفعالية قد لا يطيقها الإنسان ، كالحب مثلاً، الحب ما يملك الإنسان أن يحب شخصاً أو أن يقلل من محبته، أو أن يزيد في محبته إلا بأسباب ، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام وهو يقسم بين زوجاته : اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما لا أملك يعني من المحبة، ومن المعلوم أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يجب عائشة رضي الله عنها أكثر من غيرها من زوجاته، لكن هذا بغير اختيار.
أقول إذا قال قائل : البغضاء انفعال لا يمكن للإنسان أن يسيطر عليه ! فالجواب : أن الانفعال يحصل بفعل ، أنت مثلاً لا تحب شخصاً إلا لأسباب : إيمانه، نفعه الخلق، حسن خلقه، خدمته لك، أشياء كثيرة، اذكر هذه الأسباب فتحبَّه، ولا تكره شخصاً إلا لسبب، اذكر الأسباب التي توجب الكراهة فتكرهه، لكن مع ذلك ينبغي للإنسان أن يعرض عن الأسباب التي توجب البغضاء مع أخيه ، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: لا تباغضوا .
لكنى أقول : إن البغضاء لها أسباب، والمحبة لها أسباب، فإذا أعرضت عن أسباب البغضاء وتناسيتها وغفلت عنها زالت بإذن الله، هذا هو الذي أراده النبي عليه الصلاة والسلام بقوله : لا تباغضوا ، وهو نظير قوله للرجل الذي قال: يا رسول الله أوصني ، قال: لا تغضب ، قال: أوصني، قال : لا تغضب ، قال : اوصني ، قال : لا تغضب ، ردد مراراً قال: لا تغضب .
الغضب قد يقول الإنسان : إنه جمرة يلقيها الشيطان في قلب ابن آدم، كما جاء في الحديث، فلا سبيل له إلى إخمادها، ونقول: بل له سبيل، افعل الأسباب التي تخفف الغضب حتى يزول عنك الغضب.
قال : ولا تدابروا : لا تدابروا هل المراد لا يولي بعضكم دبر بعض ، وهذا تدابر حسي ، يمعني مثلاً في المجالس لا تجلس وتخلي الناس وراءك ، هذا من المدابرة ، ومن المدابرة أيضاً المقاطعة في الكلام ، يتكلم أخوك معك وأنت قد صددت عنه ، أو إذا تكلم وليت وخليته، هذا من التدابر ، وهذا تدابر حسي.
وهناك تدابر معنوي، وهو اختلاف الرأي، بحيث يكون كل واحد منا له رأي مخالف للآخر، هذا تدابر في الرأي ، أيضاً نهي عنه الرسول علي الصلاة والسلام.
وعندي أن من التدابر ما يفعله بعض الإخوة إذا سلم من الصلاة تقدم على الصف مقدار شبر أو نحوه، هذا فيه نوع من التدابر، ولهذا شكا إليَّ بعض الناس هذه الحال، قال بعض الناس إذ سلمنا تقدم شوي ثم يحول بيني وبين الإمام، لا سيما إذا صار فيه درس يحول بينى وبين مشاهدة الإمام، ومعلوم أن الإنسان إذا كان يرى المدرس كان أنبه له وأقرب للفهم والإدراك ، فبعض الناس يكره هذا الشيء، هذا أيضاً ينبغي للإنسان أن يكون ذا بصيرة وفطنة ، كيف تتقدم على إخوانك وتلقيهم وراءك ، إذا كان بودك تتوسع فقم ، تقدم إذا كنت في الصف الأول تقدم بعيداً واجلس ، وإن كنت في الصف الثاني تأخر، أما أن تتقدم على الناس وتلقيهم ظهرك ، فهذا فيه نوع من سوء الأدب ، وفيه نوع من التدابر.
فينبغي في هذه المسألة وفي غيرها أن يتفطن الإنسان لغيره ، أن لا يكون أنانياً يفعل بس ما طرأ على باله فعله، لا شوف الناس، أنظر للناس هل تفعل ما ينتقد عليك أم لا ، والله الموفق.
القارئ : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تحاسدوا ، ولا تناجشوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض ، وكونوا عباد الله إخواناً، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله ، التقوى هاهنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات ، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ، رواه مسلم " .

Webiste