تم نسخ النصتم نسخ العنوان
شرح حديث جابر رضي الله عنه قال : ( استأذنت الح... - الالبانيالشيخ : أما الآتي فهو صحيح ، وقد كنَّا قرأناه بمناسبة حديث مضى في الدرس الماضي فلا بأس من إعادته ، وهو .قوله : عن جابر رضي الله عنه قال :  استأذنَتِ الح...
العالم
طريقة البحث
شرح حديث جابر رضي الله عنه قال : ( استأذنت الحمى على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من هذه قالت أم ملدم فأمر بها إلى أهل قباء فلقوا منها ما يعلم الله فأتوه فشكوا ذلك إليه ... ) .
الشيخ محمد ناصر الالباني
الشيخ : أما الآتي فهو صحيح ، وقد كنَّا قرأناه بمناسبة حديث مضى في الدرس الماضي فلا بأس من إعادته ، وهو .
قوله : عن جابر رضي الله عنه قال : استأذنَتِ الحُمَّى على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : من هذه ؟ قالت : أم ملدم، فأمر بها إلى أهل قبا ، فلقوا منها ما يعلم الله ، فأتوه فشكو ذلك إليه ، فقال : ما شئتم ، إن شئتم دعوتُ الله فكشفها عنكم ، وإن شئتم أن تكون لكم طهورا، قالوا : أو تفعل ؟! قال : نعم، قالوا : فدعها رواه أحمد ورواته رواة الصحيح ، وأبو يعلى ، وابن حبان في صحيحه ، وراه الطبراني بنحوه من حديث سلمان ، وقال فيه : فشكوا الحمى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : ما شئتم ، إن شئتم دعوت الله فدفعها عنكم ، وإن شئتم تركتموها وأُسقِطَت بقيَّة ذنوبكم، قالوا : فدعها يا رسول الله .
فهذا الحديث هنا له روايتان ، الأولى عن جابر والأخرى عن سلمان ، والمهم أن الحديث حديث صحيح ، وفيه غريبة من العلم النبوي الغيبي الذي لا تُدركه العقول مطلقاً مهما سَمَت وعَلَت وهي قوله أن الحمَّى جاءت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : من هذه ؟ قد يتبادر إلى الذهن جاءت لتدخل على النبي صلى الله عليه وسلم في بيته مثلا ، ويمكن أن المقصود تستأذن في الدخول حيث هو في بلدته في المدينة المنورة ، المهم أن العلم الغريب في هذه الرواية أن الحمَّى كأنها شخص ههنا في هذا الحديث ، وما هي إلا كما نعلم مرض حرارة شديدة تُصيب الإنسان، فكيف الحمَّى تأتي ؟ وكيف تستأذن ؟ وكيف الرسول عليه السلام يسأل من هذه ؟ فتقول مجيبا عن سؤال الرسول : أمُّ ملدم، فيأمر الرسول عليه السلام بها إلى أهل قباء ، أي : إن الحمَّى التي استأذنت في الدخول على النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة رفض الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأذن لها ، وإنما أذن لها أن تذهب إلى قباء ، وقباء عبارة عن حارة محلَّة كانت قديما للأنصار الذين آمنوا بالرسول عليه السلام ونصروه ، وهي الآن أصبحت يعني محلَّة من المدينة بسبب اتصال البنيان بينها وبينها ، وهي من الناحية العربية يمكن قصرها ويجوز مدُّها ، فيُمكن أن تقول : " قُبا " ويمكن أن تقول : " قُباء " ، فهنا جاءت بالقصر ليس بالمدِّ ، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر إذ ا الحمَّى أن لا تدخلَ المدينة وإنما تأتى قُبا .
قال جابر رضي الله عنه وهو من الأنصار : " فلقوا " أي أهل قُبا ، لقوا منها ما يعلم الله يعني من الشِّدَّة ومن المرض الذي يلزم صاحبه بسبب الحرارة الشديدة التي تنتابه، فأتوه رجع أهل قُبا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشكوا ذلك إليه ، يعني كانوا مرتاحين من هذا الوباء من هذا المرض ، فلما الرسول عليه السلام أذن لها أن تأتي إلى قُبا أصيبوا به ولقوا منه الألاقي ، فلما سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم شكواهم خيَّرهم فقال : ما شئتم ، إن شئتم دعوت الله فكشفها عنكم ، لأن هذا من جملة البلاء ، وإن شئتم أن تكون لكم طهورا لذنوبكم فعلت ، قالوا : أو تفعله ؟ قال : نعم، قالوا : فدعها
لما عرف أصحاب الرسول عليه السلام من الأنصار من أهل قُبا أن ببقاء الحمى في بلدتهم أجرا كبيرا وتكفيراً لذنوبهم صبروا ورضوا ، وكذا شأن المسلم يُؤثر ما قد يُتعبُه وما قد يُضنيه حينما يعلم أن له على ذلك أجراً ، وقد كنت ذكرت لكم في قصة أبيِّ بن كعب وهو من الأنصار الذي دعا على نفسه وستأتي قصَّته الآن أنّه لا يزال يعيش مُصاباً بالحمَّى ولكنه طلب في دعائه من ربه عز وجل أن لا تُضنيه ولا تُتعبه أن يظلَّ مستطيعا للجهاد في سبيل الله والخروج إلى المسجد ومسجد الرسول عليه السلام ونحو ذلك فكان أبيُّ بن كعب رضي الله عنه كلَّما مُسَّ في طرفٍ من بدنه فكأن بدنه نار بسبب الحمَّى ، ولكن ما أثَّرت فيه من ناحية الطاعة والعبادة ، وأوردتُ شبهة وإشكالا وأجبتُ عليه بأنَّني ذكرت هذا الحديث الذي فيه هذه القصة بين أهل قُباء وبين النبي صلى الله عليه وسلم حين خيَّرهم بين أن تظلَّ حمَّى ملازمة لهم على أن يكون جزاؤهم عند الله عز وجل مغفرة ذنوبهم وبين أن يرفعها عنهم ، فلمَّا خيَّرهم قالوا شيئا فيه نكتة ، لعل بعضكم ربما لم يتنبَّه لها قالوا : أوتفعله؟ لي؟ إذا كان الرسول يخيِّرهم يقول : إن شئتم دعوتُ الله رفعها عنكم ، وإن شئتم تركتها قالوا : أوتفعله ؟ السبب هو الإشكال الذي أوردتُه في الأمس هو أن المعروف أنَّ المسلم لا يطلب من الله عز وجل البلاء ، بل يطلب منه تبارك وتعالى صرف هذا البلاء عنه ، فالآن هنا الرسول يُخيِّرهم، لذلك استغربوا ، لكن الغرابة تزول حينما نعلم أن هذه الحمَّى ليست مرضا بحيث يصرف المسلم عن القيام بواجباته الدينية ، ثم مع ملازمتها له تكون كفَّارة لذنوبه كما في هذا الحديث، وهو في الأحاديث التي سبقت في الدروس المتقدمة ، فلما قالوا له : أوتفعله؟ أجابهم بالإيجاب ، قال : نعم ، فحينئذٍ قالوا : دَعْها ، اترُكْها عندنا ونحن نصبر على ذلك ، هذا الحديث يذكِّرنا بأن الناس يختلفون من هذه الحيثيَّة من حيثيَّة الصبر وعدم الصبر ، ومنهم الصابرون ومنهم دون ذلك فهؤلاء أهل قُبا صبروا ورضوا بما يُصيبهم من الحمَّى لقاء مغفرة الله عز وجل لذنوبهم.
كذلك مثلاً تلك المرأة وقد مرَّت قصَّتها معنا أيضاً في هذا الباب التي كانت تصرع وتتكشَّف حينما تصرع ، فطلبت من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لها ، فهو خيَّرها إن شاءت دعا لها فعافاه الله وإن شاءت صبرت ولها الجنة ، قالت : إذن أصبر ولي الجنة ، ولكن ادعُ الله لي أن لا أتكشَّف، فدعا الرسول عليه والسلام لها، هكذا الإنسان العاقل يفعل .
بينما تجد ذلك الرجل الآخر الضرير الذي يستدلُّ بقصَّته بعض الناس على ما لا تدل عليه القصة ، الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو أعمى فقال: يا رسول الله، ادعُ الله أن يعافيني، قال : إن شئت دعوت كما قال هنا للأنصار تماما ، وإن شئت صبرت ، وهو خير لك، قال : فادعُ ما عنده صبر ، قال : فادعُ، فقال له عليه السلام : اِيتِي الميضأة وتوضَّأ ، وصلِّ لله ركعتين من غير فريضة ، ثم قل إلى آخر الحديث .
هكذا الناس معادن ، فنسأل الله عز وجل أن يجعل معدننا من خير المعادن ، ومن ذلك أن يصبِّرنا على ما قد يبتلينا من البلايا والمصائب .

Webiste