تم نسخ النصتم نسخ العنوان
بيان السبيل الصحيح لمعرفة العمل الصالح من غيره. - الالبانيالشيخ : ولذلك فليس سبيل معرفة العمل الصالح هو هوى الأشخاص أو تقاليدهم أو عاداتهم ، وإنما سبيل معرفة ذلك أن نرجع إلى ما كان عليه رسول الله -صلى الله عليه...
العالم
طريقة البحث
بيان السبيل الصحيح لمعرفة العمل الصالح من غيره.
الشيخ محمد ناصر الالباني
الشيخ : ولذلك فليس سبيل معرفة العمل الصالح هو هوى الأشخاص أو تقاليدهم أو عاداتهم ، وإنما سبيل معرفة ذلك أن نرجع إلى ما كان عليه رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ، ومن الدليل على ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم أيضاً في صحيحهما : أنَّ رهطاً مِن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاؤوا إلى نسائه فسألوهن عن عبادته عليه الصلاة والسلام، عن قيامه في الليل ، وصيامه في النهار ، وإتيانه للنساء ، فوصفن لهم ما يعلمنه من ذلك فقلن : إن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- كان يقوم الليل وينام ، وكان يصوم ويفطر ، وكان يأتي النساء ويتزوجهن : ذكرن لهؤلاء الرهط عبادة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ، ومعنى ذلك أنه -عليه الصلاة والسلام- لم يكن راهبًا لم يكن قائمًا الليل كله ولا صائمًا الدهر كلَّه ولا هو مترهب لا يأتي أهله ، وإنما كان يجمع بين هذه الحقوق كلها ، فهو يقوم الليل لكنه ينام ، ويصوم النهار ولكنه لا يصوم الدهر ثم هو يؤتي نفسه حظها الحلال كما أنه يؤتي أهله أيضاً حظهن منه ، لكن الرهط المذكور لما سمعوا الوصف المذكور وجدوا في زعمهم عبادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قليلة ، فقال راوي الحديث وهو أنس بن مالك رضي الله عنه : فتقآلوها أي : وجدوا عبادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قليلة ، وهنا يكمُن الهوى ، ويقترن مع الهوى الخطر ، كيف تكون عبادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قليلةً وهو الذي قام كما جاء في الصحيحين أيضاً من حديث المغيرة بن شعبة وغيره قال : قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى تشققت قدماه ، فقالوا : يا رسول الله قد غفر اللهُ لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر : كأنهم أشفقوا عليه صلى الله عليه وآله وسلم مِن إتعابه لنفسه في عبادته لربه في قيامه لليله ، فكان جوابه صلى الله عليه وآله وسلم : أفلا أكون عبدًا شكورًا ، كيف تكون عبادة هذا النبي الكريم وهذه حاله حتى أشفق عليه أصحابُه العارفين بحقيقة عبادته ، أما الرهط فلجهلهم بالعدل في كل شيءٍ ومنها العبادة لله عز وجل ، قال أنس : وجدوا عبادته صلى الله عليه وآله وسلم قليلةً ، يشيرون إلى أنهم كانوا يتصورون ويتخيلون أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينبغي أن يقوم الليل كله ولا ينام ، وأن يصوم الدهر كله فلا يفطر ، وألا يقترب من النساء ، هكذا كانوا قد تخيلوا النبيَّ الكامل ففوجئوا بوصف نسائه إياه بخلاف ما تخيلوه ، لذلك قالوا بأنها عبادة قليلة ، وعلى ذلك أجابوا عن قلة عبادته -عليه السلام- التي زعموها بتعليلٍ لولا أنهم كانوا مخطئين لكان فيما وَصفوا به النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الفسقُ إن لم يكن هو الكفر بعينه، فقد قالوا : هذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر أما نحن فينبغي أن نسعى وأن نكد وأن نجد حتى ننال مغفرة الله تبارك وتعالى ، ثم خَطُّوا لهم خطة زعموها أنها هي الطريق للوصول إلى مغفرة الله عز وجل ، فقال أحدهم : أمَّا أنا ... وأخبر خبرهم خطب في المسجد وقال : ما بال أقوام يقولون كذا وكذا وكذا حكى عليه الصلاة والسلام مقالة كل منهم : الذي قال أصوم الدهر ، والذي قال أقوم الليل كله ، والذي قال لا أتزوج النساء فكنى عنهم وستر أسماءهم ولم يفضحهم ، تلك سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في وعظه لأصحابه الذين قد يُخطئون في بعض أقوالهم أو أفعالهم ، يؤدبهم ويربيهم دون أن يفضحهم ، بل يستر عليهم كما هي سنته صلى الله عليه وسلم قولًا وفعلًا : ما بال أقوام يقولون كذا وكذا ، أَمَا إني أخشاكم لله وأتقاكم لله ، أمَا إني أصوم وأفطر وأقوم الليل وأنام وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني : ففي هذا الحديث أن الصلاح والتقرب إلى الله تبارك وتعالى في سبيل الوصول أو الحصول على مغفرة الله عز وجل ليس هو بكثرة العبادة وقد سمعتم ما عزم عليه هؤلاء الرهط من الإكثار والاستزادة على عبادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأنكرها عليهم وقال معللًا ما كان عليه السلام من الاقتصاد في العبادات كلها وعدم الغلو فيها قائلاً : أمَا إني أخشاكم لله وأتقاكم لله ، أمَا إني أصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني :
فمن رغب عن سنتي فليس مني : فمعنى هذه الجملة الأخيرة من هذا الحديث الصحيح : أن سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما هي الطريقة التي سار عليها طيلة حياته في كل أفعاله وعباداته ، لا إفراط فيها ولا تفريط ، فمن زاد على ما كان عليه الصلاة والسلام فحينئذٍ يقول : فليس مني ، فمن رغب عن سنتي فليس مني : فهذا الحديث يوجب علينا أن نعرف ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم مِن الدِّين سواءٌ ما كان منه عقيدة أو عبادة أو سلوكاً وأخلاقاً حتى نسير على ذلك ليكون عملنا قد توفرت فيه الشرط الأول من الشرطين اللَّذين أشار ربنا عز وجل في الآية السابقة بقوله : فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملًا صالحًا ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا .

Webiste