بيان عورة المرأة المسلمة وزينتها .
الشيخ محمد ناصر الالباني
السائل : ... الأمسيات الطيبة التي وفَّقنا الله - سبحانه وتعالى - فيها لأن نكون مستمعين ، ونسأل الله - عز وجل - أن يوفِّقنا كذلك لأن نكون عاملين ، فإنه كما تعلمون العلم دون العمل لا ثمرة فيه ، ولذلك نسأل الله - عز وجل - أن نُوفَّق بأن نعمل بما نسمع .
في هذه الأمسية كذلك نستمع إلى كلمة طيِّبة من فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ، ثم كما جرت العادة - أيضًا - نستمع إلى أسئلة الإخوة وأجوبة الشيخ عليها ، فليتفضَّل الشيخ .
الشيخ : إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ، يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالًا كثيرًا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبًا ، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا ، أما بعد :
فقد بدا لي أن أذكِّر إخواننا الحاضرين في هذه الجلسة المباركة - إن شاء الله - ، ومن يبلغهم كلمتي بأمر أظنُّ أن كثيرًا من المسلمين هم عنه من الغافلين ، وليس يخفى على أحدٍ بأن تذكير الناس بما هم عنه غافلون وله جاهلون أولى من أن نُطرقَ مسامعهم بأمورٍ طالما سمعوها من الخطباء ، والمدرسين ، والوعاظ ، ومن الإذاعات ، ونحو ذلك من الوسائل التي يسَّرها الله - عز وجل - في هذا العصر الحاضر ، ولما كان من قوله - عليه الصلاة والسلام - : خير الناس أنفعهم للناس ؛ فلا شك أنَّنا نأخذ منه أن نفع الناس إنما يكون بتعليمهم بما هم له جاهلون ، أو بتذكيرهم بما هم عنه غافلون .
ومن هذا القبيل أن نعلم ما هي عورة المرأة المسلمة بالنسبة للمرأة المسلمة ، فإن من المذكور في بعض الكتب الفقهيَّة أن عورة المرأة أمام المرأة المسلمة هي كعورة الرجل مع الرجل ، أي : من السُّرَّة إلى الركبة ، ومعنى هذا أنه يجوز للمرأة المسلمة أن تظهر أمام أختها المسلمة وقسمها الأعلى نصف بدنها الأعلى عار مكشوف ، وكذلك ما تحت ركبتيها ، فالذي أريد أن أذكِّركم به هو أن نعلم قبل كل شيء أن هذا الحكم ليس له دليل في كتاب الله ، ولا في حديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وشيء آخر أن كتاب الله يدلُّ على خلاف هذا التوسع في تحديد عورة المرأة مع أختها المسلمة ، إن علماء التفسير يذكرون أن هناك بالنسبة للمرأة زينتين ، زينة ظاهرة ، وزينة باطنة ، وأخذوا هذا من آيتين كريمتين :
الآية الأولى : قول ربنا - تبارك وتعالى - : ولا يبدين زينتهنَّ إلا ما ظهر منها ، ولا يبدين زينتهن للرجال الأجانب ، إلا ما ظهر منها ، فالزينة الظاهرة لها علاقة بالأجانب ، والزينة الظاهرة كما ثبت في غير ما حديث مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إنما هو بالنسبة للمرأة الوجه والكفَّان فقط ، وما سوى ذلك فهي الزينة الباطنة ، وهي التي لا يجوز لها أن تُظهر شيئًا منها أمام الغرباء عنها ، أما الزينة الباطنة ؛ فهي مما أباح الله - عز وجل - أن تُظهرها لمحارمها كلهم ، ولنساء المسلمين في الآية المعروفة حين قال ربُّنا - عز وجل - : ولا يبدين زينتهنَّ إلا لبعولتهنَّ أو آبائهنَّ ، وهكذا يَسرد ربنا - عز وجل - تتمَّة المحارم ، حتى يقول : أو نسائهنَّ أو ما ملكت أيمانهنَّ ، فقوله - تبارك وتعالى - : أو نسائهنَّ فيه دِلالة صريحة على أنه يجوز للمرأة المسلمة أن تُظهر من زينتها الباطنة ما تُظهر لأبيها ولأخيها وأختها وغير ذلك من المحارم ، فكذلك عورة المرأة مع المرأة المسلمة محدودة بهذه الزينة الباطنة ، ولِنفهم ما هي الزينة الباطنة يجب أن نرجع إلى ما كان عليه النساء في الجاهلية ، وقبل دخولهنَّ في الإسلام ، وحينما آمنَّا بالله ورسوله وتبنَّوا الإسلام دينًا ؛ جاءت هذه الأحكام تُبيِّن لهم لهذه النسوة ما يجوز لهنَّ بالنسبة للأجانب ، وهو الوجه والكفِّين فقط ؛ فهي الزينة الظاهرة ، وما يجوز لهنَّ بالنسبة للمحارم ، وهي الزينة الباطنة ، فما هي الزينة الباطنة ؟
هنا يجب أن نقف قليلًا عند تفسير العلماء لقول الله - تبارك وتعالى - : ولا يبدين زينتهنَّ إلا لبعولتهنَّ الآية ، ما المقصود بهذه الكلمة لا يبدين زينتهنَّ ؟ هل المقصود الزينة نفسها أم موضع الزينة ؟ أي : هل معنى الآية لا يبدين مواضع الزينة ولو لم يكن عليها شيء من الزينة أم المقصود لا يبدين تلك المواضع وعليها الزينة ؟ قولان للعلماء ، ولا شك أن القول الصحيح الذي اعتمدَه علماء التفسير إنما المعنى هو لا يبدين مواضع الزينة ، وليس المقصود لا يبدين الزينة ، ذلك لأن المرأة إذا أخذت عِقدًا تضعه على صدرها في يدها ؛ فقد أبدت الزينة ؛ فهل هذا هو الذي نُهِيَت عنه ؟ الجواب لا ، وإنما نُهِيَت عن إبداء الزينة وهي في موضعها .
فإذًا المقصود من الآية ولا يبدين زينتهنَّ أي : مواضع الزينة إلا لهؤلاء المحارم ثمَّ للنساء المسلمات كما ذكرنا ، ومعنى هذا أننا نستحضر في أذهاننا أن هناك مواطن لم يكن حتى هذه الساعة من عادة النساء أن يضعن زينة عليها ، فمثلًا هل في الفخذ زينة ؟ الجواب لا ، هل في الظهر زينة ؟ الجواب لا ، هل على الثديين زينة ؟ الجواب لا ، هل تحت الإبط زينة ؟ وعدُّوا ما شئتم ، كل الجواب لا لا ، إذًا ربنا - عز وجل - في هذه الآية إنما أباح للنساء أن يُظهرْنَ للمحارم مواضع الزينة من أبدانهنَّ ليس إلا ، مواضع الزينة من أبدانهنَّ لا أكثر من ذلك أبدًا ، ولكي نتأكَّد من هذا المعنى يجب أن نستحضر قول الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - : المرأة عورة ، فإذا خرجت استشرفها الشيطان ، يعني تطلَّع إليها وأوحى إليها بما يُوحي بإفتانها بمثل ما لو قال الشخص لآخر أهلًا وسهلًا ما أجملك ! ما أحسنك ! ما أحلاك ! وهكذا ، المرأة عورة ؛ فإذا خرجت استشرفها الشيطان ، إذًا هذه المرأة التي هي كلها عورة إلا ما استثنى الشارع ، فقد عرفنا من الزينة الظاهرة أن الشارع أكثر ما استثنى بالنسبة لزينتها الظاهرة أمام الأجانب إنما هو الوجه والكفين فقط ، وبالنسبة للمحارم إنما استثنى مواطن الزينة ؛ فما هي مواطن الزينة التي كانت في عهد الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ؟
ذلك محصور في مواضع معروفة ، أول ذلك مثلًا الأساور في المعصم ، ثاني ذلك الدُّملج التي أو الذي كان يُوضع في العَضُد ، في عضد المرأة ، ثالثًا الطَّوْق سلسلة تُوضع على الرقبة وعلى شيء من الصدر ، أخيرًا الخلخال الذي أشار ربنا - عز وجل - إليه وبيَّن أنه من الزينة الباطنة حين قال : ولا يضربن بأرجلهنَّ ليعلم ما يخفين من زينتهنَّ ، فكانت المرأة التي تنحرف ولو بعض الشيء عن الحجاب الشرعي ، والآداب الإسلامية التي يجب على المرأة المسلمة أن تتزيَّن بها وأن تتخلَّق بها ؛ أنها تضرب بأرجلها ليسمعَ الرجال صوت الأجراس التي كانت تُوضع على الخلخال ، فيكون له رنَّة ، فهذه الرَّنَّة تُلْفِت نظر الرجال إليها ، هكذا كان يفعل بعض النساء ، ولا سيَّما في أول الإسلام حينما كانوا حديث عهد به ، فأدَّبهنَّ الله - تبارك وتعالى - بهذه الآية فقال : ولا يضربن بأرجلهنَّ ليعلم ما يخفين من زينتهنَّ .
إذًا هذه آخر زينة معروفة في زمن الإسلام الأول ، فإذا ما علمنا من الآية السابقة أن الله - عز وجل - أباح للنساء أن يُظهرْنَ مواطن الزينة ، وقد عرفنا هذه المواطن ؛ فينكشف لنا بوضوح ما هي المواضع التي يجوز للمرأة أن تظهرَ بها أمام أبيها وأخيها وابن أخيها ، ثم بالنهاية أمام نساء المسلمات .
إذًا عندنا اليد والذِّراع وإلى قريب من العضد حيث كان الدملج ، ثم عندنا الرأس حيث عليه شيء من الزينة في الأذنين والعنق كما ذكرنا ، ثم القدم وشيء من الساق الذي عليه الخلخال هذا ، هذه هي المواطن التي أباح الله - عز وجل - للمرأة أن تكشفها أمام محارمها ، وأيضًا أمام أختها المسلمة .
والأن كيف يعيش المسلمون في بيوتهم ؟ يعيشون بتعرٍّ أشبه ما يكون بتعرِّي النساء اللاتي لا يَعْرِفْن دين الله - تبارك وتعالى - ، لا أدري ما مبلغ هذا التعري في البيوت ؛ لأني حديث عهد بهذه البلاد ، لكن عندنا في سوريا وفي مصر حدِّث ولا حرج عن توسُّع الناس في بيوتهم بالتكشُّف ، تكشُّف المرأة عن شيء كثير من بدنها فوق ما أباح الله لها من إظهاره ؛ ألا وهو مواطن الزينة فقط ، مثلًا قد ابتُلينا باللباس القصير الذي ليس له أكمام - اللباس الداخلي - ، والذي يُسمَّى في لغة العرب القديمة بالتُّبَّان ، ويعرف اليوم بالشورت ، البنطلون الشورت القصير الذي يظهر دونَه الأفخاذ ، فالنساء اليوم تلبس الأم والبنت مثل هذا اللباس القصير ، فتجلس البنت أمام أمِّها ، بل وأمام أخيها الشاب الممتلئ فُتوَّةً وشهوةً ، فترفع رجلها وتضعه على فخذها فيظهر فخذها مشكوفًا عاريًا ، بحجة ماذا ؟ بحجة أنه ما في أحد غريب ، هذا أخوها !! هذا خلاف الآية السابقة لأن الله كما ذكرنا إنما أباح الكشف عن مواضع الزينة ، فالفخذان لم يكونا يومًا ما مواطن للزينة ، وعسى أن لا يكون ذلك أبدًا ، كذلك تخرج المرأة أمام أخيها فضلًا عن أنَّها تخرج كذلك أمام أبيها وهي عارية الزِّندين ، هذا خلاف النص السابق لا يبدين زينتهنَّ إلا لبعولتهنَّ ، فهنا العضد ليس زينة والإبط ليس زينة ، فكل هذا باق على التحريم في حدود تصريح قوله - عليه السلام - : المرأة عورة ، وأكثر من ذلك يقع ؛ تدخل المرأة الأم الحمام - حمام المنزل - ، فتأمر ابنتها بأن تُدلِّك لها ظهرَها ، فتكشف عن ظهرها وعن ثدييها - وهو القسم الأعلى كما قلنا من البدن - ، ولا حَرَج إطلاقًا ، من أين جاء هذا ؟ مع أن الآية صريحة بأنه إنما أجاز ربنا - عز وجل - للمرأة أن تكشفَ فقط عن مواضع الزينة ، والصدر ليس موضعًا للزينة ، والظهر ليس موضعًا للزينة ، لذلك كان سلفنا الصالح - رضي الله عنهم - يعيشون في بيوتهم في حدود السُّترة التي رخَّص الله - عز وجل - لهنَّ بها ، فلم يكن هناك هذا التعرِّي الذي فشا اليوم في البلاد الإسلامية .
فأنا أريد أن أذكِّر بهذا المفهوم الصريح في القرآن ، وأن نتأدَّب بأدب القرآن ، ونؤدِّب بذلك نساءنا وبناتنا ، ولا نتأثَّر بالأجواء المحيطة حولنا ؛ لأن هذه الأجواء إنما تحكي تقاليد أوروبية كافرة في الغالب ، وإذًا علينا أن نقفَ عند هذه الآية ولا يبدين زينتهنَّ إلا لبعولتهنَّ ، ثم قال - تعالى - : أو نسائهنَّ ، والنساء هنا هنَّ نساء المسلمات ، ولذلك فهنا أدبٌ آخر يجب أن نتنبَّه له ، وهذا يقع في هذه البلاد التي امتنَّ الله - تبارك وتعالى - عليها بالمال الوفير ، فقد رأيت هذه البلوى حيث لا نراها في البلاد الفقيرة الأخرى ، وهي استكثار المسلمين من استخدام النساء الكافرات فضلًا عن الرجال خَدَمًا لهم في بيوتهم ، فتدخل المرأة الخادم الكافرة إلى غرفة المرأة المسلمة وهي كما تقف أمام زوجها ، هذا لا يجوز ، يجب على المرأة المسلمة أن تتحجَّب أمام المرأة الكافرة كما لو كانت هذه المرأة رجلًا مسلمًا ، فضلًا عن كافر ، فلا يجوز للمرأة المسلمة أن تكشف عن شيء من زينتها الباطنة للمرأة الكافرة ؛ لأن الله - عز وجل - إنما أباح لها أن تكشف عن مواضع الزينة للمرأة المسلمة ، ولذلك فلم يكن عبثًا قول الله - تبارك وتعالى - حين أضاف النساء اللَّاتي يجوز للمرأة أن تظهر أمامها إلى المسلمات فقال : أو نسائهنَّ ، ولم يقل أو النساء ؛ فيشمل حينذاك النساء كلهنَّ ، سواء كنَّ مسلمات أو كافرات ، لم يقل شيئًا من ذلك ، وإنما قال : أو نسائهنَّ ؛ فلا يجوز إذًا للمرأة المسلمة أن تتسامح مع الخادم الكافرة فتظهر أمامها كما تظهر أمام المرأة المسلمة ، وفي هذه الحدود التي ذكرناها من كتاب الله - تبارك وتعالى - .
هذا ما أردت أن أذكِّر به ، والذكرى تنفع المؤمنين ، والآن نتلقَّى ما عندكم من أسئلة لنجيب عنها بما يُيَسِّر الله ، وإذا كان أحد له ملاحظة أو سؤال حول هذه الذكرى ؛ فعسى أن نتعاون في فهم ذلك السؤال أو إزالة ذلك الإشكال .
في هذه الأمسية كذلك نستمع إلى كلمة طيِّبة من فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ، ثم كما جرت العادة - أيضًا - نستمع إلى أسئلة الإخوة وأجوبة الشيخ عليها ، فليتفضَّل الشيخ .
الشيخ : إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ، يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالًا كثيرًا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبًا ، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا ، أما بعد :
فقد بدا لي أن أذكِّر إخواننا الحاضرين في هذه الجلسة المباركة - إن شاء الله - ، ومن يبلغهم كلمتي بأمر أظنُّ أن كثيرًا من المسلمين هم عنه من الغافلين ، وليس يخفى على أحدٍ بأن تذكير الناس بما هم عنه غافلون وله جاهلون أولى من أن نُطرقَ مسامعهم بأمورٍ طالما سمعوها من الخطباء ، والمدرسين ، والوعاظ ، ومن الإذاعات ، ونحو ذلك من الوسائل التي يسَّرها الله - عز وجل - في هذا العصر الحاضر ، ولما كان من قوله - عليه الصلاة والسلام - : خير الناس أنفعهم للناس ؛ فلا شك أنَّنا نأخذ منه أن نفع الناس إنما يكون بتعليمهم بما هم له جاهلون ، أو بتذكيرهم بما هم عنه غافلون .
ومن هذا القبيل أن نعلم ما هي عورة المرأة المسلمة بالنسبة للمرأة المسلمة ، فإن من المذكور في بعض الكتب الفقهيَّة أن عورة المرأة أمام المرأة المسلمة هي كعورة الرجل مع الرجل ، أي : من السُّرَّة إلى الركبة ، ومعنى هذا أنه يجوز للمرأة المسلمة أن تظهر أمام أختها المسلمة وقسمها الأعلى نصف بدنها الأعلى عار مكشوف ، وكذلك ما تحت ركبتيها ، فالذي أريد أن أذكِّركم به هو أن نعلم قبل كل شيء أن هذا الحكم ليس له دليل في كتاب الله ، ولا في حديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وشيء آخر أن كتاب الله يدلُّ على خلاف هذا التوسع في تحديد عورة المرأة مع أختها المسلمة ، إن علماء التفسير يذكرون أن هناك بالنسبة للمرأة زينتين ، زينة ظاهرة ، وزينة باطنة ، وأخذوا هذا من آيتين كريمتين :
الآية الأولى : قول ربنا - تبارك وتعالى - : ولا يبدين زينتهنَّ إلا ما ظهر منها ، ولا يبدين زينتهن للرجال الأجانب ، إلا ما ظهر منها ، فالزينة الظاهرة لها علاقة بالأجانب ، والزينة الظاهرة كما ثبت في غير ما حديث مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إنما هو بالنسبة للمرأة الوجه والكفَّان فقط ، وما سوى ذلك فهي الزينة الباطنة ، وهي التي لا يجوز لها أن تُظهر شيئًا منها أمام الغرباء عنها ، أما الزينة الباطنة ؛ فهي مما أباح الله - عز وجل - أن تُظهرها لمحارمها كلهم ، ولنساء المسلمين في الآية المعروفة حين قال ربُّنا - عز وجل - : ولا يبدين زينتهنَّ إلا لبعولتهنَّ أو آبائهنَّ ، وهكذا يَسرد ربنا - عز وجل - تتمَّة المحارم ، حتى يقول : أو نسائهنَّ أو ما ملكت أيمانهنَّ ، فقوله - تبارك وتعالى - : أو نسائهنَّ فيه دِلالة صريحة على أنه يجوز للمرأة المسلمة أن تُظهر من زينتها الباطنة ما تُظهر لأبيها ولأخيها وأختها وغير ذلك من المحارم ، فكذلك عورة المرأة مع المرأة المسلمة محدودة بهذه الزينة الباطنة ، ولِنفهم ما هي الزينة الباطنة يجب أن نرجع إلى ما كان عليه النساء في الجاهلية ، وقبل دخولهنَّ في الإسلام ، وحينما آمنَّا بالله ورسوله وتبنَّوا الإسلام دينًا ؛ جاءت هذه الأحكام تُبيِّن لهم لهذه النسوة ما يجوز لهنَّ بالنسبة للأجانب ، وهو الوجه والكفِّين فقط ؛ فهي الزينة الظاهرة ، وما يجوز لهنَّ بالنسبة للمحارم ، وهي الزينة الباطنة ، فما هي الزينة الباطنة ؟
هنا يجب أن نقف قليلًا عند تفسير العلماء لقول الله - تبارك وتعالى - : ولا يبدين زينتهنَّ إلا لبعولتهنَّ الآية ، ما المقصود بهذه الكلمة لا يبدين زينتهنَّ ؟ هل المقصود الزينة نفسها أم موضع الزينة ؟ أي : هل معنى الآية لا يبدين مواضع الزينة ولو لم يكن عليها شيء من الزينة أم المقصود لا يبدين تلك المواضع وعليها الزينة ؟ قولان للعلماء ، ولا شك أن القول الصحيح الذي اعتمدَه علماء التفسير إنما المعنى هو لا يبدين مواضع الزينة ، وليس المقصود لا يبدين الزينة ، ذلك لأن المرأة إذا أخذت عِقدًا تضعه على صدرها في يدها ؛ فقد أبدت الزينة ؛ فهل هذا هو الذي نُهِيَت عنه ؟ الجواب لا ، وإنما نُهِيَت عن إبداء الزينة وهي في موضعها .
فإذًا المقصود من الآية ولا يبدين زينتهنَّ أي : مواضع الزينة إلا لهؤلاء المحارم ثمَّ للنساء المسلمات كما ذكرنا ، ومعنى هذا أننا نستحضر في أذهاننا أن هناك مواطن لم يكن حتى هذه الساعة من عادة النساء أن يضعن زينة عليها ، فمثلًا هل في الفخذ زينة ؟ الجواب لا ، هل في الظهر زينة ؟ الجواب لا ، هل على الثديين زينة ؟ الجواب لا ، هل تحت الإبط زينة ؟ وعدُّوا ما شئتم ، كل الجواب لا لا ، إذًا ربنا - عز وجل - في هذه الآية إنما أباح للنساء أن يُظهرْنَ للمحارم مواضع الزينة من أبدانهنَّ ليس إلا ، مواضع الزينة من أبدانهنَّ لا أكثر من ذلك أبدًا ، ولكي نتأكَّد من هذا المعنى يجب أن نستحضر قول الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - : المرأة عورة ، فإذا خرجت استشرفها الشيطان ، يعني تطلَّع إليها وأوحى إليها بما يُوحي بإفتانها بمثل ما لو قال الشخص لآخر أهلًا وسهلًا ما أجملك ! ما أحسنك ! ما أحلاك ! وهكذا ، المرأة عورة ؛ فإذا خرجت استشرفها الشيطان ، إذًا هذه المرأة التي هي كلها عورة إلا ما استثنى الشارع ، فقد عرفنا من الزينة الظاهرة أن الشارع أكثر ما استثنى بالنسبة لزينتها الظاهرة أمام الأجانب إنما هو الوجه والكفين فقط ، وبالنسبة للمحارم إنما استثنى مواطن الزينة ؛ فما هي مواطن الزينة التي كانت في عهد الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ؟
ذلك محصور في مواضع معروفة ، أول ذلك مثلًا الأساور في المعصم ، ثاني ذلك الدُّملج التي أو الذي كان يُوضع في العَضُد ، في عضد المرأة ، ثالثًا الطَّوْق سلسلة تُوضع على الرقبة وعلى شيء من الصدر ، أخيرًا الخلخال الذي أشار ربنا - عز وجل - إليه وبيَّن أنه من الزينة الباطنة حين قال : ولا يضربن بأرجلهنَّ ليعلم ما يخفين من زينتهنَّ ، فكانت المرأة التي تنحرف ولو بعض الشيء عن الحجاب الشرعي ، والآداب الإسلامية التي يجب على المرأة المسلمة أن تتزيَّن بها وأن تتخلَّق بها ؛ أنها تضرب بأرجلها ليسمعَ الرجال صوت الأجراس التي كانت تُوضع على الخلخال ، فيكون له رنَّة ، فهذه الرَّنَّة تُلْفِت نظر الرجال إليها ، هكذا كان يفعل بعض النساء ، ولا سيَّما في أول الإسلام حينما كانوا حديث عهد به ، فأدَّبهنَّ الله - تبارك وتعالى - بهذه الآية فقال : ولا يضربن بأرجلهنَّ ليعلم ما يخفين من زينتهنَّ .
إذًا هذه آخر زينة معروفة في زمن الإسلام الأول ، فإذا ما علمنا من الآية السابقة أن الله - عز وجل - أباح للنساء أن يُظهرْنَ مواطن الزينة ، وقد عرفنا هذه المواطن ؛ فينكشف لنا بوضوح ما هي المواضع التي يجوز للمرأة أن تظهرَ بها أمام أبيها وأخيها وابن أخيها ، ثم بالنهاية أمام نساء المسلمات .
إذًا عندنا اليد والذِّراع وإلى قريب من العضد حيث كان الدملج ، ثم عندنا الرأس حيث عليه شيء من الزينة في الأذنين والعنق كما ذكرنا ، ثم القدم وشيء من الساق الذي عليه الخلخال هذا ، هذه هي المواطن التي أباح الله - عز وجل - للمرأة أن تكشفها أمام محارمها ، وأيضًا أمام أختها المسلمة .
والأن كيف يعيش المسلمون في بيوتهم ؟ يعيشون بتعرٍّ أشبه ما يكون بتعرِّي النساء اللاتي لا يَعْرِفْن دين الله - تبارك وتعالى - ، لا أدري ما مبلغ هذا التعري في البيوت ؛ لأني حديث عهد بهذه البلاد ، لكن عندنا في سوريا وفي مصر حدِّث ولا حرج عن توسُّع الناس في بيوتهم بالتكشُّف ، تكشُّف المرأة عن شيء كثير من بدنها فوق ما أباح الله لها من إظهاره ؛ ألا وهو مواطن الزينة فقط ، مثلًا قد ابتُلينا باللباس القصير الذي ليس له أكمام - اللباس الداخلي - ، والذي يُسمَّى في لغة العرب القديمة بالتُّبَّان ، ويعرف اليوم بالشورت ، البنطلون الشورت القصير الذي يظهر دونَه الأفخاذ ، فالنساء اليوم تلبس الأم والبنت مثل هذا اللباس القصير ، فتجلس البنت أمام أمِّها ، بل وأمام أخيها الشاب الممتلئ فُتوَّةً وشهوةً ، فترفع رجلها وتضعه على فخذها فيظهر فخذها مشكوفًا عاريًا ، بحجة ماذا ؟ بحجة أنه ما في أحد غريب ، هذا أخوها !! هذا خلاف الآية السابقة لأن الله كما ذكرنا إنما أباح الكشف عن مواضع الزينة ، فالفخذان لم يكونا يومًا ما مواطن للزينة ، وعسى أن لا يكون ذلك أبدًا ، كذلك تخرج المرأة أمام أخيها فضلًا عن أنَّها تخرج كذلك أمام أبيها وهي عارية الزِّندين ، هذا خلاف النص السابق لا يبدين زينتهنَّ إلا لبعولتهنَّ ، فهنا العضد ليس زينة والإبط ليس زينة ، فكل هذا باق على التحريم في حدود تصريح قوله - عليه السلام - : المرأة عورة ، وأكثر من ذلك يقع ؛ تدخل المرأة الأم الحمام - حمام المنزل - ، فتأمر ابنتها بأن تُدلِّك لها ظهرَها ، فتكشف عن ظهرها وعن ثدييها - وهو القسم الأعلى كما قلنا من البدن - ، ولا حَرَج إطلاقًا ، من أين جاء هذا ؟ مع أن الآية صريحة بأنه إنما أجاز ربنا - عز وجل - للمرأة أن تكشفَ فقط عن مواضع الزينة ، والصدر ليس موضعًا للزينة ، والظهر ليس موضعًا للزينة ، لذلك كان سلفنا الصالح - رضي الله عنهم - يعيشون في بيوتهم في حدود السُّترة التي رخَّص الله - عز وجل - لهنَّ بها ، فلم يكن هناك هذا التعرِّي الذي فشا اليوم في البلاد الإسلامية .
فأنا أريد أن أذكِّر بهذا المفهوم الصريح في القرآن ، وأن نتأدَّب بأدب القرآن ، ونؤدِّب بذلك نساءنا وبناتنا ، ولا نتأثَّر بالأجواء المحيطة حولنا ؛ لأن هذه الأجواء إنما تحكي تقاليد أوروبية كافرة في الغالب ، وإذًا علينا أن نقفَ عند هذه الآية ولا يبدين زينتهنَّ إلا لبعولتهنَّ ، ثم قال - تعالى - : أو نسائهنَّ ، والنساء هنا هنَّ نساء المسلمات ، ولذلك فهنا أدبٌ آخر يجب أن نتنبَّه له ، وهذا يقع في هذه البلاد التي امتنَّ الله - تبارك وتعالى - عليها بالمال الوفير ، فقد رأيت هذه البلوى حيث لا نراها في البلاد الفقيرة الأخرى ، وهي استكثار المسلمين من استخدام النساء الكافرات فضلًا عن الرجال خَدَمًا لهم في بيوتهم ، فتدخل المرأة الخادم الكافرة إلى غرفة المرأة المسلمة وهي كما تقف أمام زوجها ، هذا لا يجوز ، يجب على المرأة المسلمة أن تتحجَّب أمام المرأة الكافرة كما لو كانت هذه المرأة رجلًا مسلمًا ، فضلًا عن كافر ، فلا يجوز للمرأة المسلمة أن تكشف عن شيء من زينتها الباطنة للمرأة الكافرة ؛ لأن الله - عز وجل - إنما أباح لها أن تكشف عن مواضع الزينة للمرأة المسلمة ، ولذلك فلم يكن عبثًا قول الله - تبارك وتعالى - حين أضاف النساء اللَّاتي يجوز للمرأة أن تظهر أمامها إلى المسلمات فقال : أو نسائهنَّ ، ولم يقل أو النساء ؛ فيشمل حينذاك النساء كلهنَّ ، سواء كنَّ مسلمات أو كافرات ، لم يقل شيئًا من ذلك ، وإنما قال : أو نسائهنَّ ؛ فلا يجوز إذًا للمرأة المسلمة أن تتسامح مع الخادم الكافرة فتظهر أمامها كما تظهر أمام المرأة المسلمة ، وفي هذه الحدود التي ذكرناها من كتاب الله - تبارك وتعالى - .
هذا ما أردت أن أذكِّر به ، والذكرى تنفع المؤمنين ، والآن نتلقَّى ما عندكم من أسئلة لنجيب عنها بما يُيَسِّر الله ، وإذا كان أحد له ملاحظة أو سؤال حول هذه الذكرى ؛ فعسى أن نتعاون في فهم ذلك السؤال أو إزالة ذلك الإشكال .
الفتاوى المشابهة
- ما المراد بزينة المرأة ؟ - ابن عثيمين
- ما هي عورة المرأة مع المرأة .؟ - الالباني
- معنى قوله تعالى : (( ولا يبدين زينتهن إلا ما ظ... - الالباني
- ماالذي يجوز للمرأة المسلمة إبداؤه من زينتها أم... - الالباني
- ما حد عورة المرأة بين النساء ، وما رأيك بالقول... - الالباني
- شرح قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( المرأة عور... - الالباني
- هل من شروط لباس المرأة المسلمة أمام المرأة ألا... - الالباني
- هل صحيح أن عورة المرأة المسلمة أمام أختها المس... - الالباني
- بيان حد عورة المرأة البالغة، ومعنى قوله تعالى:... - الالباني
- بيان حد عورة المرأة البالغة، ومعنى قوله تعالى:... - الالباني
- بيان عورة المرأة المسلمة وزينتها . - الالباني