تم نسخ النصتم نسخ العنوان
حكم تولية المرأة أمور الدولة . - الالبانيالسائل : جئت من باكستان ، وأريد أن أسألكم سؤال ، ما الفرق بين حكومة المرأة وبين حكومة العبد ، بين حكومة المرأة وبين حكومة العبد ، بعض العلماء يقولون يعن...
العالم
طريقة البحث
حكم تولية المرأة أمور الدولة .
الشيخ محمد ناصر الالباني
السائل : جئت من باكستان ، وأريد أن أسألكم سؤال ، ما الفرق بين حكومة المرأة وبين حكومة العبد ، بين حكومة المرأة وبين حكومة العبد ، بعض العلماء يقولون يعني لا فرق بين حكومة المرأة وبين حكومة العبد ؟

الشيخ : حكومة ولَّا ... ؟

السائل : حكومة .

الشيخ : يعني أن تتولَّى المرأة ؟

السائل : أن تتولَّى المرأة أو أن يتولَّى العبد ، لا فرق بينهم ، ما رأيكم في هذه المسألة ؟

الشيخ : هذا سؤال شرعي وسياسي ، وهو من مواضيع الساعة فعلًا ، وبخاصة في بعض البلاد الإسلامية التي تحكمها امرأة ، قبل الجواب عن هذا السؤال .
سائل : ... .

الشيخ : نعم ؟

سائل آخر : ما سمع السؤال .

الشيخ : ما الفرق بين أن يحكم الرجال رجل منهم أو أن يحكمهم امرأة منهم ؟ - يعني مسلمة - .

سائل آخر : عبد عبد ؟

الشيخ : عبد يعني رقيق ؟

السائل : نعم رقيق .

الشيخ : هذا ليس له علاقة اليوم ، العلاقة والمشكلة امرأة ورجل ، وين العبيد اليوم ؟

السائل : بعض العلماء يقولون قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن أُمِّر عليكم عبدٌ حبشيٌ يقودكم إلى كتاب الله وسنة رسوله فاتَّبعوه ، هذه المسألة يا أستاذ .

الشيخ : فهمت الآن سؤالك ، ولكن ما علاقة هذا السؤال بأوضاعنا الحاضرة ؟ هل هناك أحرار وعبيد ؟

السائل : يقولون يعني إذا سُلِّطت عليكم المرأة يعني لا بأس ، وكذلك العبد ؟ يعني .

الشيخ : طيب ، ريِّح الآن ، إذًا بعد أن وضَّح أخانا هذا سؤالَه فسأُجيب عنه بعد أن نهدمَ الأصل الذي أقاموه عليه : إن حُكم المرأة في الإسلام مردود بأمرين اثنين :
الأول : يُردُّ بعمل المسلمين طيلة هذه القرون الطويلة التي كان على المسلمين حكَّام كثيرون ، منهم من يطبِّق الإسلام تمامًا ؛ كالخلفاء الراشدين ، ومنهم من يكون قريبًا من ذلك ، وهكذا درجات ؛ أي : إن على مرِّ هذه السِّنين قد كان الإسلام يحكم ، ولو أنه كان بعضهم أحيانًا ينحرف كثيرًا أو قليلًا عن الحكم بالإسلام في بعض الجزئيات ، ولكن - والحمد لله - لم يقع في هذه القرون الطويلة أن امرأةً حكمت المسلمين كما هو الشائع في بعض بلاد الكفار ؛ كالإنجليز ومن قلَّدهم أو تشبَّه بهم ، فجريان عمل المسلمين على عدم تولية المرأة الخلافة ، جريان عمل المسلمين على عدم تولية المرأة الخلافة وما كان قريبًا منها هو الدليل القاطع لمن كان يؤمن بمثل قواه - تبارك وتعالى - : ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبيَّن له الهدى ويتَّبع غير سبيل المؤمنين نولِّه ما تولَّى ونصله جهنم وساءت مصيرًا ، الشاهد من هذه الآية كما تعرَّضنا بشيء من التفصيل في جلسة سابقة إنما هو قوله - تعالى - : ويتبع غير سبيل المؤمنين ، ما اقتصر ربُّ العامين على قوله في هذه الآية : ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبيَّن له الهدى نولِّه ما تولى ، وإنما عطف على مشاققة الرسول ويتَّبع غير سبيل المؤمنين ، فما الحكمة من هذه الجملة المعطوفة على ومن يشاقق الرسول ويتَّبع غير سبيل المؤمنين ؟
الحكمة أن المؤمنين هم الذين ينقلون المنهج الذي سار عليه المسلمون الأوَّلون ، من أجل ذلك جاءت الأحاديث تترى تأمرنا باتِّباع السلف الأول ، ومن أجل ذلك - كما قلنا في محاضرة سبقت - نحن ننتمي إلى السلف الصالح ، وأحدنا يقول عن نفسه إنه سلفي ، ويرجو أن يكون كذلك ؛ لأن قولنا سلفيٌّ كقولنا مؤمن ، لكن هناك فرق كبير بين من يقول مؤمن ؛ فهذه الكلمة في العصر الحاضر تشمل الثلاث والسبعين فرقة ، تشمل حتى القاديانية الذين خرَّبوا عقيدة كثير من المسلمين ، وبخاصة هناك في الهند وفي الباكستان ، حيث أنهم ادَّعوا أن النبوة لم تنتهِ بعد ، وأنه أتى نبيٌّ عندهم - زعمَ ! - ، وأنه سيأتي من بعده أنبياء آخرون ، وكلامهم صحيح بضميمة أنبياء كَذَبَة ؛ وأنَّ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : ألا إن الرسالة والنبوة قد انقطعت ؛ فلا رسولَ ولا نبيَّ بعدي .
الشاهد : السلف نقلوا إلينا ما فعل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - من بيانه للكتاب وللسنة القولية ، فتلقَّى الخَلَف ذلك عن السلف فصار طريقًا للمسلمين ، فحينما لم نجد في كل هذه القرون - وبخاصة الثلاثة المشهود لها بالخيريَّة - امرأة تولَّت حكمًا ، فذلك دليل على أن سبيل المؤمنين أن لا يتولَّاهم امرأة ، هذا هو الدليل الأول ، وهو دليل قويٌّ جدًّا جدًّا لمن يفقه ويَعِي هذه الآية ودلالتها ويتبع غير سبيل المؤمنين ، لقد وصل اهتمام بعض العلماء إلى تقديم السنة العملية التي جرى عليها المسلمون على أقواله - عليه الصلاة والسلام - ، ذلك لأن القولَ قد يحتمل أكثر من وجهٍ من التفسير ، أما الناحية العملية ؛ فلا يمكن أن يُحملَ إلا على وجه واحد ، خُذْ مثلًا قوله - تعالى - : والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ، فلو أن رجلًا جاء إلى هذا النَّصِّ القرآني الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فأتى برأي جديدٍ ، فاقطعوا أيدهما - لا سمح الله - من المنكب ، بماذا نُحاججه ؟ هذه يدٌ ، أو قال من عند المرفق ، - أيضًا - هذه يدٌ ؟
الجواب : السنة العملية التي جرى عليها الرسول - عليه السلام - ، وتبعَه على ذلك أصحابه ، هذه هي الحجَّة القاطعة في تحديد المراد من أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهذه قاعدة هامَّة جدًّا ، فأرجو أن تكون منكم على بالٍ وعلى ذكرٍ ، هذا هو الدليل الأول .
الدليل الثاني : أن الله - عز وجل - قد قدَّر بحكمته البالغة أن نصبَ العجمُ أهلُ فارس بعد وفاة ملكهم امرأةً ، فلما أُخبر النبيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - عن ذلك قال : ما أفلح قومٌ ولَّوا أمرهم امرأة ، ما أفلح قومٌ ولَّوا أمرهم امرأة .
والحقيقة - يا إخواننا - لو أن المسلم تأمَّل في هذا الحديث وحده لَوجده كافيًا ليصدَّ المسلمين - لو كانوا مؤمنين حقًّا ! - عن أن يُولُّوا عليهم امرأة ؛ لأن معنى ذلك بلسان الحال والأمر كما يقول العلماء " ولسان الحال أنطق من لسان المقال " ؛ أن القضيَّة انعكست في تلك البلاد ، فصارت النساء رجالًا ، والرجال نساءً ؛ لأنهم لم يجدوا من يتولَّى أمرهم ويُدير شؤونهم حسبَ شريعة الله - عز وجل - إلا امرأة ، لا شكَّ أن هذا الواقع وحدَه يكفي أن هؤلاء القوم لا يفلحون ، فكيف وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بهذه العبارة الصريحة : ما أفلح قومٌ ولَّوا أمرهم امرأة ، إذا ثبت - وهو ثابت - إن شاء الله - يقينًا - أنَّه لا يجوز في الإسلام المتوارث عمليًّا ، ولا في الإسلام المؤيِّد هذا العمل بقوله - عليه السلام - أن يتولَّاهم امرأة - ؛ إذا ثبتَ هذا يكون بذلك مقدِّمةً للجواب عن قلب بعض الناس الحقيقة ، وهي قولهم أن النبيَّ - صلى الله عليه و آله وسلم - أجازَ أن يتولَّى أمر المسلمين رجلٌ أعجميٌّ حبشيٌّ ، فنحن نُجيب عن هذا بما قاله أهل العلم جمعًا بين الحديث الذي يتَّكئون عليه وبين الحديث الذي لا يعرِّجون إليه مطلقًا ، وهم بذلك يحشرون أنفسهم في زُمرة أهل الأهواء الذين يأخذون من الإسلام ما يُوافق أهواءَهم ، ويدعون منه ما يُخالف أهواءهم .
نحن نقول : لقد قال - عليه الصلاة والسلام - - كما تواتر ذلك بشهادة أمير المؤمنين أحمد بن حجر العسقلاني - قال : إن قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - : الأئمَّة من قريش ، هذا حديث صحيح ، وليس فقط صحيحًا ، بل وهو متواتر - أيضًا - بشهادة أمير المؤمنين في زمنه ، وبعد زمانه - أيضًا - فيما نعلم ، إذًا رسولنا - صلى الله عليه وآله وسلم - يضع في هذا الحديث شرطًا في الحاكم الذي يُريد أن يحكم المسلمين ، وهو أن يكون قرشيًّا ، وأنا أعلم أن بعض ذوي الأهواء - قديمًا وحديثًا - يتأوَّلون هذا الحديث بما ذكره أحد المؤرِّخين قديمًا أن ذلك كان لأن قريشًا كانت لهم صولة ، وكانت لهم قوَّة ومكانة ومنزلة في العرب ، حيث كانوا يخضعون لهم وراثةً وإجلالًا وتقديرًا لهم ، وعلى هذا جاء قوله - عليه السلام - : الأئمَّة من قريش ، أما بعد أن تفكَّكت هذه الرابطة القبليَّة العربيَّة بين قبيلة قريش وسائر القبائل ؛ لم يبقَ هناك مجال للاستمرار بتحكيم هذا الحديث ؛ لأنه قيل في زعمهم للسبب المذكور آنفًا ، وردُّنا طبعًا لعلمائنا على هذا التأويل الذي هو أشبه بالتعطيل في موضوع آيات الصفات وأحاديث الصفات ، ردُّنا على هذا التأويل بقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - : لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان ، إذًا تأويلهم الحديث الأول بأنَّها كانت على حدِّ تعبيرهم في العصر الأول شريعةً زمنيَّة ، يُبطل هذا التأويل هذا الحديث الصحيح ، إذا عرفنا هذه الحقيقة ومجال الكلام في هذه المسألة واسع - أيضًا - ، نظرًا لظروفنا الحاضرة ، لكن لا بد من ربط - أيضًا - هذه المقدِّمة للإجابة عن الشُّبهة التي ذكرها الأخ الفاضل آنفًا .
لقد جاء في السنن و " مسند أحمد " ومن طرق يقوي بعضُها بَعضًا عن العرباض بن سارية - رضي الله تعالى عنه - عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه خطبَهم يومًا فقالوا : يا رسول الله ، إنَّا نراك ، قالوا : يا رسول الله ، أوصِنا وصيَّة لا نحتاج إلى أحد بعدها أبدًا . قال - عليه السلام - : أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة ، وإن وُلِّي عليكم عبدٌ حبشي ، وإنه مَن يَعِشْ منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا ؛ فعليكم بسنَّتي ، وسنَّة الخلفاء الراشدين المهديِّين من بعدي ، عَضُّوا عليها بالنَّواجذ ، وإيَّاكم ومحدثات الأمور ؛ فإن كلَّ مُحدثةٍ بدعة ، وكلَّ بدعةٍ ضلالة ، وزاد في رواية وهي صحيحة في غير هذا الحديث : وكل ضلالةٍ في النار .
إذًا قوله - عليه السلام - : وإن وُلِّي عليكم عبدٌ حبشي - وله شواهد بعضها في " صحيح مسلم " - لا يعني وإن وُلِّي عليكم من ناسٍ لا يُحكِّمون شريعة الله ، وإنما وُلِّي عليكم من حاكمٍ يحكم بما أنزل الله ؛ لأن هذا الحاكم قد عرفنا ممَّا سبق أنه يُشترط فيه أن يكون عربيًّا قُرشيًّا ، فهذا إذا ولَّى عبدًا حبشيًّا على ولايةٍ ما وجب إطاعته ، لا لأنه عبدٌ حبشي ، وإنما لأنه ولَّاه مسلمٌ قُرشيٌّ له حقُّ الولاية ، وعلى هذا - أيضًا - جرى عمل المسلمين ، فهنا نحن أمام قضيَّتين اثنتين ، لا تنافر ولا تعارض بينهما :
- القضية الأولى الولاية الكبرى ، جرى المسلمون على أنه يشترط فيها أن يكون عربيًّا قُرشيًّا .
- الولاية الصغرى لا يُشترط فيها أن يكون قُرشيًّا ، على هذا - أيضًا - جرى عمل المسلمين .
وإذا عرفنا هذه الحقيقة تمَّ الاستدلال الصحيح على ردِّ دعوى من يتَّخذ حديث : وإن كان عبدُا حبشيًّا دليلًا على أنه يجوز تولية المرأة ، لأننا سنقول إن كان عبدًا حبشيًّا ؛ فهو أولى بالولاية التي تليق به على التفصيل السابق آنفًا ذكره ، أولى من المرأة القرشية ، لأن المرأة القرشيَّة ليس لها ولاية بحكم ما سبق آنفًا ، فبذلك ينتهي ما عندي من الجواب عن ذاك السؤال .

Webiste