هل يجب الوضوء على مَن أكل لحم الجزور ؟ أم أنه منسوخ نَسَخَه حديث جابر : " كان آخِرَ الأمرَينِ مِن رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَركُ الوضوءِ ممَّا مسَّتِ النَّارُ " ؟
الشيخ محمد ناصر الالباني
السائل : السؤال التالي : هل يجب الوضوء على مَن أكل لحم الجزور ؟ أم أنه منسوخ نَسَخَه حديث جابر : " كان آخِرَ الأمرَينِ مِن رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَركُ الوضوءِ ممَّا مسَّتِ النَّارُ " ؟
الشيخ : لا نسخَ في الموضوع أو في هذه المسألة إطلاقًا ، كل ما يمكن أن يقال - وليس بالراجح - أن الأمر يُحمل على الاستحباب وليس على الوجوب ، ولكنَّ هذا التأويل مرجوح لدينا ، والصواب أن الأمر بالوضوء من لحم الجزور أمرٌ ثابتٌ مُحكَم إلى يوم الدين ، وما يُدَّعى أنه ناسخ له لا ينهض لإثبات الدعوى ، وذلك لسببين اثنين : السبب الأول : أن حديث جابر المُشار إليه في السؤال هو أوَّلًا نصٌّ عام ، " كان آخر الأمرَين ترك الوضوء من ما مسَّت النار " ، هذا النَّصُّ العام لو كان قولًا صدر من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وليس إخبارًا من جابر عن حادثة معيَّنة أو عن حوادث رآها ؛ لو كان قولًا صدر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لَكان يمكن التوفيق بين هذا القول وبين الأمر بالوضوء من لحم الإبل بأن يُقال : هذا عام وذاك خاص .
أي : كان أمره - عليه السلام - بترك الوضوء مما مسَّتْه النار يُقال : هذا نص عام ، لكن التفصيل الذي جاء في حديث جابر بن سمرة والبراء بن عازب يقضي على هذا النَّصِّ العام ويخصِّصه بغير لحم الجَزُور ، وحديث جابر بن سمرة والبراء بن عازب معروف هذا أوَّلًا في " صحيح مسلم " ، والآخر في " سنن أبي داود " وغيره أن رجلًا قال : يا رسول الله ، أنصلي في مبارك الغنم ؟ قال : صلوا . قال : أنصلي في معاطن الإبل ؟ قال : لا . ثم قال : أنتوضأ من لحوم الإبل ؟ قال : توضؤوا . قال : أنتوضأ من لحوم الغنم ؟ قال : إن شئتم .
فهذا الحديث يفرِّق بين لحم الجزور ولحم الغنم ، فيأمر بالوضوء من لحم الجزور ، ويخيِّر في الوضوء من لحم الغنم ، فقوله : توضؤوا إن شئتم ... للأمر بقوله : إن شئتم ، أما قوله في لحوم الإبل توضؤوا دون أن يكل ذلك إلى مشيئة المكلَّف ؛ فهذا التفريق بين اللحمين دليل قاطع على التفريق بين الحُكمَين ، حكم الوضوء من لحم الجزور هذا على الوجوب ، وحكم الوضوء من غير لحم الجزور فهو على الاختيار والاستحباب .
هذا تفضيل صريح وواضح لهذا الحديث ، فحديث جابر لو كان حكمًا صادرًا من الرسول - عليه السلام - لَكان الجواب عنه بأنه عامٌّ مَخصوص بحديث جابر بن سمرة وبحديث البراء بن عازب ، فكيف وحديث جابر الأول وهو جابر بن عبد الله الأنصاري ليس بيانًا من الرسول - عليه السلام - عن قوله بل ولا عن فعله ؟! كيف يقال بأنه ناسخ لأمره - عليه السلام - ؟ كل ما يمكن أن يقال : هذا إخبار من جابر أن الرسول - عليه السلام - تَرَكَ الوضوء مِن أكله للحوم مطلقًا ، لكن يمكن أن يقال : إن هذا الإخبار قد لا يكون دقيقًا ؛ لأنه إخبار عن مشاهدته هو ، فلعله لم يشاهد فيما بعد الرسول - عليه السلام - أَكَلَ لحم الجزور مطلقًا ، أو لعله لم يشاهد أنه أكل ثم توضأ ، على أننا نذهب إلى ما هو أدق من هذا الجواب فنقول : حديث جابر ليس إخبارًا عن حياة الرسول - عليه السلام - المطلقة فيما يتعلق بأكله لحم الجزور وتركه الوضوء منه ، وإنما هو إخبار عن واقة معيَّنة في يوم معيَّن ، أي : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - دُعِيَ على طعام فأكل من اللحم الذي وُضِعَ وتوضأ بعده ، ثم في نوبة أخرى في ذلك اليوم وُضِعَ له الطعام نفسه فأكل ولم يتوضأ ، فحديث جابر يحدث عن واقعة معيَّنة في يوم معيَّن ولا يتحدث عن كل حياة الرسول - عليه السلام - وأيامه وأكلاته التي أكلها ، فكان في كل مرة يأكل من اللحم ولا يتوضأ ، هذه الكلية لا يعنيها جابر ؛ لأن هذه الجملة هي قطعة من حديث مطوَّل أخرجه الإمام أحمد في " المسند " ، وفيها هذا التفصيل أن قوله : " كان آخر الأمرَين ترك الوضوء مما مسَّت النار " في ذلك اليوم الذي شَهِدَه جابر بن عبد الله - رضي الله عنه وعن أبيه - .
فحينئذٍ يأتي اعتراض آخر على هذا الحديث ، مع أنه لا حجة فيه مطلقًا في معارضة حديث جابر بن سمرة وحديث البراء الآمِر بالوضوء من لحم الجزور ، ليس في حديث جابر بن عبد الله أن الأكل الذي أَكَلَه الرسول - عليه السلام - كان لحم الجزور ، ليس فيه ذكر الجزور إطلاقًا ؛ وحينئذٍ فأين التعارض بين حديث جابر بن سمرة والبراء من جهة وحديث جابر بن عبد الله هذا وليس فيه ذكر أن اللحم كان لحم جزور ، وإنما فيه أول مرة توضأ وفي المرة الأخرى لم يتوضأ ؟ وهذا هو طبيعة اللحوم غير لحم الجزور ، فهو الذي جاء بيانه في الحديثين السابقين ، حديث بن سمرة والبراء بن عازب ؛ حيث سُئِلَ - عليه السلام - عن لحوم الإبل قال : إن شئتم ؛ فهو - عليه السلام - طبَّقَ هذا في تلك الحادثة ، أول مرة توضأ وثاني مرة ما توضأ ؛ فأي شيء في هذا ؟
خلاصة القول : حديث جابر بن سمرة ليس فيه النص أن اللحم الذي تُرِكَ الوضوء منه هو لحم الإبل ، ثانيًا : ليس عامًّا على ما يرد من هذه الجملة ؛ لأنها جملة مُقتَطَعَة من قصة ، القصة إذا أُخِذت بتمامها تعني أنه في أول مرة توضأ من اللحم وهو غير مسمَّى نوعه ، وثاني مرة في هذه الحادثة لم يتوضأ .
وأخيرًا يُقال : الفعل لا ينهض لنفي القول ، كما سبق بيانه في قصة ... ومثل هذا - أيضًا - يُجاب عن خلاف قديم بين علماء المسلمين في قوله - عليه السلام - في حديث أنس وعائشة ... في " الصحيحين " وغيرهما : إنما جُعِلَ الإمام لِيُؤتَمَّ به .
...
الشيخ : لا نسخَ في الموضوع أو في هذه المسألة إطلاقًا ، كل ما يمكن أن يقال - وليس بالراجح - أن الأمر يُحمل على الاستحباب وليس على الوجوب ، ولكنَّ هذا التأويل مرجوح لدينا ، والصواب أن الأمر بالوضوء من لحم الجزور أمرٌ ثابتٌ مُحكَم إلى يوم الدين ، وما يُدَّعى أنه ناسخ له لا ينهض لإثبات الدعوى ، وذلك لسببين اثنين : السبب الأول : أن حديث جابر المُشار إليه في السؤال هو أوَّلًا نصٌّ عام ، " كان آخر الأمرَين ترك الوضوء من ما مسَّت النار " ، هذا النَّصُّ العام لو كان قولًا صدر من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وليس إخبارًا من جابر عن حادثة معيَّنة أو عن حوادث رآها ؛ لو كان قولًا صدر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لَكان يمكن التوفيق بين هذا القول وبين الأمر بالوضوء من لحم الإبل بأن يُقال : هذا عام وذاك خاص .
أي : كان أمره - عليه السلام - بترك الوضوء مما مسَّتْه النار يُقال : هذا نص عام ، لكن التفصيل الذي جاء في حديث جابر بن سمرة والبراء بن عازب يقضي على هذا النَّصِّ العام ويخصِّصه بغير لحم الجَزُور ، وحديث جابر بن سمرة والبراء بن عازب معروف هذا أوَّلًا في " صحيح مسلم " ، والآخر في " سنن أبي داود " وغيره أن رجلًا قال : يا رسول الله ، أنصلي في مبارك الغنم ؟ قال : صلوا . قال : أنصلي في معاطن الإبل ؟ قال : لا . ثم قال : أنتوضأ من لحوم الإبل ؟ قال : توضؤوا . قال : أنتوضأ من لحوم الغنم ؟ قال : إن شئتم .
فهذا الحديث يفرِّق بين لحم الجزور ولحم الغنم ، فيأمر بالوضوء من لحم الجزور ، ويخيِّر في الوضوء من لحم الغنم ، فقوله : توضؤوا إن شئتم ... للأمر بقوله : إن شئتم ، أما قوله في لحوم الإبل توضؤوا دون أن يكل ذلك إلى مشيئة المكلَّف ؛ فهذا التفريق بين اللحمين دليل قاطع على التفريق بين الحُكمَين ، حكم الوضوء من لحم الجزور هذا على الوجوب ، وحكم الوضوء من غير لحم الجزور فهو على الاختيار والاستحباب .
هذا تفضيل صريح وواضح لهذا الحديث ، فحديث جابر لو كان حكمًا صادرًا من الرسول - عليه السلام - لَكان الجواب عنه بأنه عامٌّ مَخصوص بحديث جابر بن سمرة وبحديث البراء بن عازب ، فكيف وحديث جابر الأول وهو جابر بن عبد الله الأنصاري ليس بيانًا من الرسول - عليه السلام - عن قوله بل ولا عن فعله ؟! كيف يقال بأنه ناسخ لأمره - عليه السلام - ؟ كل ما يمكن أن يقال : هذا إخبار من جابر أن الرسول - عليه السلام - تَرَكَ الوضوء مِن أكله للحوم مطلقًا ، لكن يمكن أن يقال : إن هذا الإخبار قد لا يكون دقيقًا ؛ لأنه إخبار عن مشاهدته هو ، فلعله لم يشاهد فيما بعد الرسول - عليه السلام - أَكَلَ لحم الجزور مطلقًا ، أو لعله لم يشاهد أنه أكل ثم توضأ ، على أننا نذهب إلى ما هو أدق من هذا الجواب فنقول : حديث جابر ليس إخبارًا عن حياة الرسول - عليه السلام - المطلقة فيما يتعلق بأكله لحم الجزور وتركه الوضوء منه ، وإنما هو إخبار عن واقة معيَّنة في يوم معيَّن ، أي : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - دُعِيَ على طعام فأكل من اللحم الذي وُضِعَ وتوضأ بعده ، ثم في نوبة أخرى في ذلك اليوم وُضِعَ له الطعام نفسه فأكل ولم يتوضأ ، فحديث جابر يحدث عن واقعة معيَّنة في يوم معيَّن ولا يتحدث عن كل حياة الرسول - عليه السلام - وأيامه وأكلاته التي أكلها ، فكان في كل مرة يأكل من اللحم ولا يتوضأ ، هذه الكلية لا يعنيها جابر ؛ لأن هذه الجملة هي قطعة من حديث مطوَّل أخرجه الإمام أحمد في " المسند " ، وفيها هذا التفصيل أن قوله : " كان آخر الأمرَين ترك الوضوء مما مسَّت النار " في ذلك اليوم الذي شَهِدَه جابر بن عبد الله - رضي الله عنه وعن أبيه - .
فحينئذٍ يأتي اعتراض آخر على هذا الحديث ، مع أنه لا حجة فيه مطلقًا في معارضة حديث جابر بن سمرة وحديث البراء الآمِر بالوضوء من لحم الجزور ، ليس في حديث جابر بن عبد الله أن الأكل الذي أَكَلَه الرسول - عليه السلام - كان لحم الجزور ، ليس فيه ذكر الجزور إطلاقًا ؛ وحينئذٍ فأين التعارض بين حديث جابر بن سمرة والبراء من جهة وحديث جابر بن عبد الله هذا وليس فيه ذكر أن اللحم كان لحم جزور ، وإنما فيه أول مرة توضأ وفي المرة الأخرى لم يتوضأ ؟ وهذا هو طبيعة اللحوم غير لحم الجزور ، فهو الذي جاء بيانه في الحديثين السابقين ، حديث بن سمرة والبراء بن عازب ؛ حيث سُئِلَ - عليه السلام - عن لحوم الإبل قال : إن شئتم ؛ فهو - عليه السلام - طبَّقَ هذا في تلك الحادثة ، أول مرة توضأ وثاني مرة ما توضأ ؛ فأي شيء في هذا ؟
خلاصة القول : حديث جابر بن سمرة ليس فيه النص أن اللحم الذي تُرِكَ الوضوء منه هو لحم الإبل ، ثانيًا : ليس عامًّا على ما يرد من هذه الجملة ؛ لأنها جملة مُقتَطَعَة من قصة ، القصة إذا أُخِذت بتمامها تعني أنه في أول مرة توضأ من اللحم وهو غير مسمَّى نوعه ، وثاني مرة في هذه الحادثة لم يتوضأ .
وأخيرًا يُقال : الفعل لا ينهض لنفي القول ، كما سبق بيانه في قصة ... ومثل هذا - أيضًا - يُجاب عن خلاف قديم بين علماء المسلمين في قوله - عليه السلام - في حديث أنس وعائشة ... في " الصحيحين " وغيرهما : إنما جُعِلَ الإمام لِيُؤتَمَّ به .
...
الفتاوى المشابهة
- ما الحكمة في الوضوء من لحم الجزور ؟ - ابن عثيمين
- حكم انتقاض الوضوء بأكل لحم الجزور - الفوزان
- هل أكل لحم الجزور ناقض للوضوء ؟ - ابن عثيمين
- أكل لحم الجزور من نواقض الوضوء - اللجنة الدائمة
- لحم الجزور - اللجنة الدائمة
- رجل كان يفطر في كل يوم من رمضان على طعام يحت... - ابن عثيمين
- حكم الوضوء من لحم الجزور - ابن عثيمين
- الدليل على الوضوء من أكل لحم الجزور - اللجنة الدائمة
- الأدلة على وجوب الوضوء من لحم الجزور - ابن باز
- هل أكل لحم الجزور ينقض الوضوء.؟ - الالباني
- هل يجب الوضوء على مَن أكل لحم الجزور ؟ أم أنه... - الالباني