هل يجوز للمسلم أن يعمل موظَّفًا في أجهزة حكومة إسلامية لا تحكم بما أنزل الله ؟ أَلَا يُعتبر عمله معهم تعاونًا على الإثم والعدوان ودعمًا لأجهزتهم الفاسدة ؟! وأليس المسلم مطالبًا بتغيير المنكر لا تدعيمه ؟ وأَلَا يحاسبه الله يوم القيامة لأنه ضيَّع عمره وشبابه في خدمة مثل هذه الحكومة ؟
الشيخ محمد ناصر الالباني
السائل : بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله .
يسعدنا أن نلتقي بالشَّيخ " محمد ناصر الدين الألباني " ، ونرجو منه أن يجيب على بعض الأسئلة التي تدور في أذهاننا .
السؤال الأول : هل يجوز للمسلم أن يعمل موظَّفًا في أجهزة حكومة إسلامية لا تحكم بما أنزل الله ؟ أَلَا يُعتبر عمله معهم تعاونًا على الإثم والعدوان ودعمًا لأجهزتهم الفاسدة ؟! وأليس المسلم مطالبًا بتغيير المنكر لا تدعيمه ؟ وأَلَا يحاسبه الله يوم القيامة لأنه ضيَّع عمره وشبابه في خدمة مثل هذه الحكومة ؟
الشيخ : يختلف عمل عن عمل آخر ، فإذا كان الموظف في هذه الدولة التي وُصِفَتْ بوصفين متناقضين فقيل : إنها دولة إسلامية ، وقيل : إنها تحكم بغير الإسلام ، ففرقٌ بين مَن يعمل فيها عملًا مشروعًا ؛ كأن يكون إمامًا في مسجد أو مؤذِّنًا أو خطيبًا أو معلِّمًا في مدرسة من المدارس يعلِّم فيها الإسلام ويعلِّم فيها العلوم التي يسمُّونها بالعلوم الآليَّة كالصرف والنحو ، وغير ذلك من العلوم التي تساعد طالب العلم على فَهْم الإسلام وفَهْم السنة والقرآن ؛ ففرق كبير جدًّا بين أمثال هؤلاء الموظَّفين مِن تلك الدولة وبين آخرين منهم يعملون فيها عملًا يساعدون فعلًا الدولة على نشر المنكر .
فالآية التي جاء التلميح إليها في السؤال وهي قوله - تبارك وتعالى - : وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ لا ينطبق على النموذج الأول من الموظفين الذين يتعاونون مع الذين يعملون للإسلام كالمعلِّمين والخطباء والمؤذِّنين ونحو ذلك ، فأمثال هؤلاء لا يصح أن نعكسَ حقيقة أمرهم فنقول فيهم : إنهم يتعاونون مع الدولة على المنكر ، أيُّ منكر هذا وهم يعلِّمون الناس الإسلام ؟! بينما النوع الآخر فهم الذين يتعاونون مع الدولة على المنكر ، وأمثال أو التمثيل لهؤلاء لا حاجة لضرب بعض الأمثلة ، فإن أمرهم مكشوف ومعروف كالذين - مثلًا - يعملون في بنك من البنوك ، فَهُم الذين يصح أن يُقال فيهم : إنهم يتعاونون على المنكر .
وخلاصة الجواب : أن هذه الدولة لا يمكننا أن نتصوَّر أن كل عمل لها هو عمل منكر ، وإنما يكون بعضه معروفًا وبعضه منكرًا ، فَمَن تعاون من الموظفين معها في المعروف فهو ممدوح غير مذموم ، ومَن تعاون معها على المنكر فهو المقدوح وهو غير ممدوح . فإذًا لا يجوز أن نطلق جواز التوظف على الإطلاق ، ولا يجوز أن نقول بعدم جواز التوظف على الإطلاق ، وإنما الذي يجب أن نقول به هو هذا التفصيل .
ومع هذا فإني أشعر بأن الموظف الذي يعمل في عمل يقرُّه الإسلام في هذه الدولة إني لَأشعر بأن عمله لا يثمر الثمرة المبتغاة ؛ لأنه عمل فردي ليس له ذلك التأثير القوي في المجتمع الذي تحكمه هذه الدولة ، مِن أجل ذلك أرى أنه لو كان هناك حاكم يحكم بما أنزل الله أنه يجب على أمثال هؤلاء الموظفين أن يتوظَّفوا في مثل هذه الدولة إن وجدوا إلى ذلك سبيلًا ، وإلا فعَمَلُهم في الدولة التي لا تحكم بالإسلام ما دام أنه لا يخالف الإسلام فليس هو تعاون على المنكر ، وإنما هو تعاون على البر والتقوى .
هذا ما عندي من الجواب على هذا السؤال .
السائل : جزاك الله خير .
الشيخ : وأستدرك فأقول : إنه قد جاء في تضاعيف السؤال الاستفهام الاستقراري ، وهو قوله : أليس المسلم بمطالب أن يغيِّر المنكر ؟!
نقول : نعم ، لكن هذه المطالبة هي مقيَّدة بشروط الاستطاعة بالنصوص والقواعد العامة من جهة ، وبالنَّصِّ الخاص من جهة أخرى ، أما القواعد العامة فكقوله : اتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ، أما النَّصُّ الخاص فهو الحديث الصحيح المشهور والثابت في " صحيح مسلم " عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال : مَن رأى منكم منكرًا فليغيِّره بيده ، فإن لم يستطِعْ فبلسانه ، فإن لم يستطِعْ فبقلبه ؛ وذلك أضعف الإيمان . فملاحظتنا لهذا التدرُّج الذي صَنَّفَه الشارع في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذا الحديث يجب أن يحولَ بيننا وبين أن نقع في إفراط أو تفريط ، أما الإفراط فهو التغافل عن المرتبة الثالثة والأخيرة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ ألا وهو قوله - عليه السلام - في هذا الحديث : فليغيِّره بلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، فهذا المرتبة الثالثة .
فإذا نحن غَضَضْنا النظر عن هذه المرتبة وأوجَبْنا على كلِّ مسلم أن يغيِّر المنكر بالمرتبة الأولى والثانية فقد فرَّطنا في جانب هذا الحديث ، والطرف الذي يقابل هذا هو أن نتساهل فلا نأمر بالمعروف باليد ، بل ولا باللسان بحجة أننا لا نستطيع ذلك وقد نكون مستطيعين ، وأقل ما أتصوَّره الآن من الاستطاعة هو أن نتصوَّر ما أشرت إليه في أثناء كلامي السابق أن المسلم الذي يعيش موظَّفًا في دولة لا تحكم بما أنزل الله قد يستطيع أن يكون موظَّفًا في دولة أخرى تحكم بما أنزل الله ؛ فحينئذٍ لا يجوز له أن يعتلَّ وأن يعتذر فيقول : أنا لا أستطيع إلا أن أنكر وأن أغيِّر بقلبي ؛ لأنه - والحالة هذه - يقال له : باستطاعتك أن تأمر بالمعروف وأن تنهى عن المنكر بالمرتبة الأولى ، أو على الأقل بالمرتبة الثانية ولكن لا في وظيفتك هذه ، وإنما في وظيفتك هذه في دولة أخرى تحكم بما أنزل الله .
فلذلك فعلى المسلم أن يتَّقي الله - عز وجل - في نفسه ، وألَّا يقع في الإفراط أو التفريط فيقول : لا أستطيع وهو يستطيع ، ولكن بشيء من التصرُّف الجديد ، أو أن يقول : إن كل مسلم هو مسؤول أمام الله - تبارك وتعالى - بأنه لا يغيِّر المنكر بيده بل ولا بلسانه ، وهو ينسى أن هناك مرتبةً ثالثة وأخيرة في تغيير المنكر .
هذا هو الاستدراك على ما سبق من الجواب .
السائل : جزاك الله خير .
يسعدنا أن نلتقي بالشَّيخ " محمد ناصر الدين الألباني " ، ونرجو منه أن يجيب على بعض الأسئلة التي تدور في أذهاننا .
السؤال الأول : هل يجوز للمسلم أن يعمل موظَّفًا في أجهزة حكومة إسلامية لا تحكم بما أنزل الله ؟ أَلَا يُعتبر عمله معهم تعاونًا على الإثم والعدوان ودعمًا لأجهزتهم الفاسدة ؟! وأليس المسلم مطالبًا بتغيير المنكر لا تدعيمه ؟ وأَلَا يحاسبه الله يوم القيامة لأنه ضيَّع عمره وشبابه في خدمة مثل هذه الحكومة ؟
الشيخ : يختلف عمل عن عمل آخر ، فإذا كان الموظف في هذه الدولة التي وُصِفَتْ بوصفين متناقضين فقيل : إنها دولة إسلامية ، وقيل : إنها تحكم بغير الإسلام ، ففرقٌ بين مَن يعمل فيها عملًا مشروعًا ؛ كأن يكون إمامًا في مسجد أو مؤذِّنًا أو خطيبًا أو معلِّمًا في مدرسة من المدارس يعلِّم فيها الإسلام ويعلِّم فيها العلوم التي يسمُّونها بالعلوم الآليَّة كالصرف والنحو ، وغير ذلك من العلوم التي تساعد طالب العلم على فَهْم الإسلام وفَهْم السنة والقرآن ؛ ففرق كبير جدًّا بين أمثال هؤلاء الموظَّفين مِن تلك الدولة وبين آخرين منهم يعملون فيها عملًا يساعدون فعلًا الدولة على نشر المنكر .
فالآية التي جاء التلميح إليها في السؤال وهي قوله - تبارك وتعالى - : وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ لا ينطبق على النموذج الأول من الموظفين الذين يتعاونون مع الذين يعملون للإسلام كالمعلِّمين والخطباء والمؤذِّنين ونحو ذلك ، فأمثال هؤلاء لا يصح أن نعكسَ حقيقة أمرهم فنقول فيهم : إنهم يتعاونون مع الدولة على المنكر ، أيُّ منكر هذا وهم يعلِّمون الناس الإسلام ؟! بينما النوع الآخر فهم الذين يتعاونون مع الدولة على المنكر ، وأمثال أو التمثيل لهؤلاء لا حاجة لضرب بعض الأمثلة ، فإن أمرهم مكشوف ومعروف كالذين - مثلًا - يعملون في بنك من البنوك ، فَهُم الذين يصح أن يُقال فيهم : إنهم يتعاونون على المنكر .
وخلاصة الجواب : أن هذه الدولة لا يمكننا أن نتصوَّر أن كل عمل لها هو عمل منكر ، وإنما يكون بعضه معروفًا وبعضه منكرًا ، فَمَن تعاون من الموظفين معها في المعروف فهو ممدوح غير مذموم ، ومَن تعاون معها على المنكر فهو المقدوح وهو غير ممدوح . فإذًا لا يجوز أن نطلق جواز التوظف على الإطلاق ، ولا يجوز أن نقول بعدم جواز التوظف على الإطلاق ، وإنما الذي يجب أن نقول به هو هذا التفصيل .
ومع هذا فإني أشعر بأن الموظف الذي يعمل في عمل يقرُّه الإسلام في هذه الدولة إني لَأشعر بأن عمله لا يثمر الثمرة المبتغاة ؛ لأنه عمل فردي ليس له ذلك التأثير القوي في المجتمع الذي تحكمه هذه الدولة ، مِن أجل ذلك أرى أنه لو كان هناك حاكم يحكم بما أنزل الله أنه يجب على أمثال هؤلاء الموظفين أن يتوظَّفوا في مثل هذه الدولة إن وجدوا إلى ذلك سبيلًا ، وإلا فعَمَلُهم في الدولة التي لا تحكم بالإسلام ما دام أنه لا يخالف الإسلام فليس هو تعاون على المنكر ، وإنما هو تعاون على البر والتقوى .
هذا ما عندي من الجواب على هذا السؤال .
السائل : جزاك الله خير .
الشيخ : وأستدرك فأقول : إنه قد جاء في تضاعيف السؤال الاستفهام الاستقراري ، وهو قوله : أليس المسلم بمطالب أن يغيِّر المنكر ؟!
نقول : نعم ، لكن هذه المطالبة هي مقيَّدة بشروط الاستطاعة بالنصوص والقواعد العامة من جهة ، وبالنَّصِّ الخاص من جهة أخرى ، أما القواعد العامة فكقوله : اتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ، أما النَّصُّ الخاص فهو الحديث الصحيح المشهور والثابت في " صحيح مسلم " عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال : مَن رأى منكم منكرًا فليغيِّره بيده ، فإن لم يستطِعْ فبلسانه ، فإن لم يستطِعْ فبقلبه ؛ وذلك أضعف الإيمان . فملاحظتنا لهذا التدرُّج الذي صَنَّفَه الشارع في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذا الحديث يجب أن يحولَ بيننا وبين أن نقع في إفراط أو تفريط ، أما الإفراط فهو التغافل عن المرتبة الثالثة والأخيرة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ ألا وهو قوله - عليه السلام - في هذا الحديث : فليغيِّره بلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، فهذا المرتبة الثالثة .
فإذا نحن غَضَضْنا النظر عن هذه المرتبة وأوجَبْنا على كلِّ مسلم أن يغيِّر المنكر بالمرتبة الأولى والثانية فقد فرَّطنا في جانب هذا الحديث ، والطرف الذي يقابل هذا هو أن نتساهل فلا نأمر بالمعروف باليد ، بل ولا باللسان بحجة أننا لا نستطيع ذلك وقد نكون مستطيعين ، وأقل ما أتصوَّره الآن من الاستطاعة هو أن نتصوَّر ما أشرت إليه في أثناء كلامي السابق أن المسلم الذي يعيش موظَّفًا في دولة لا تحكم بما أنزل الله قد يستطيع أن يكون موظَّفًا في دولة أخرى تحكم بما أنزل الله ؛ فحينئذٍ لا يجوز له أن يعتلَّ وأن يعتذر فيقول : أنا لا أستطيع إلا أن أنكر وأن أغيِّر بقلبي ؛ لأنه - والحالة هذه - يقال له : باستطاعتك أن تأمر بالمعروف وأن تنهى عن المنكر بالمرتبة الأولى ، أو على الأقل بالمرتبة الثانية ولكن لا في وظيفتك هذه ، وإنما في وظيفتك هذه في دولة أخرى تحكم بما أنزل الله .
فلذلك فعلى المسلم أن يتَّقي الله - عز وجل - في نفسه ، وألَّا يقع في الإفراط أو التفريط فيقول : لا أستطيع وهو يستطيع ، ولكن بشيء من التصرُّف الجديد ، أو أن يقول : إن كل مسلم هو مسؤول أمام الله - تبارك وتعالى - بأنه لا يغيِّر المنكر بيده بل ولا بلسانه ، وهو ينسى أن هناك مرتبةً ثالثة وأخيرة في تغيير المنكر .
هذا هو الاستدراك على ما سبق من الجواب .
السائل : جزاك الله خير .
الفتاوى المشابهة
- رابعا : أنه يشترط في المنكر أن يعلم أن هذا م... - ابن عثيمين
- هل يجوز التعاون مع الجماعات الإسلامية الأخرى ؟ - الالباني
- نريد كلمة توجيهية للدعاة خصوصاً بعد أن ظهرت في... - الالباني
- ما هو أثر القلب في تغيير المنكر مع أنه شئ خفي ؟ - الالباني
- هذا العمل منكر - ابن باز
- هل يجوز الدخول في أماكن المنكر بعلَّة تغيير ال... - الالباني
- ما حكم الدراسة في الجامعة الإسلامية في المدينة... - الالباني
- هل هناك فرق في أن أريد المنكر وبين أن أفعل الم... - الالباني
- العمل في القضاء في دولة لا تحكم بالإسلام - اللجنة الدائمة
- ما الواجب على المسلم الذي يعيش في دولةٍ لا تحك... - الالباني
- هل يجوز للمسلم أن يعمل موظَّفًا في أجهزة حكومة... - الالباني