شرح حديث فضالة بن عبيد - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم قال لأصحاب الصُّفَّة : ( لو تَعلَمونَ ما لَكُم عندَ الله لَأحبَبْتُم أن تَزدادُوا فاقَةً وحاجةً ) .
الشيخ محمد ناصر الالباني
الشيخ : الحديث الذي بعده صحيح - أيضًا - ، وهو قوله : وعن فضالة بن عبيد - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كان إذا صلى بالناس يخرُّ رجالٌ من قامتهم في الصلاة من الخصاصة وهم أصحاب الصُّفَّة ؛ حتى يقول الأعراب : هؤلاء مجانين - أو مجانون - ، فإذا صلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - انصرف إليهم فقال : لو تَعلَمونَ ما لَكُم عندَ الله لَأحبَبْتُم أن تَزدادُوا فاقَةً وحاجةً . رواه الترمذي وقال : حديث صحيح وابن حبان في " صحيحه " . الخصاصة - بفتح الخاء المعجمة وصادين مهملتين - : هي الفاقة والجوع .
يقول فضالة بن عبيد أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كان إذا صلَّى بالناس يخرُّ رجالٌ من قامتهم في الصلاة من الخصاصة من الجوع ؛ ترتخي أعصابهم فلا يملكون أنفسهم ، فيخرُّون يقعون على الأرض رغمًا عنهم ، وهم أصحاب الصُّفَّة ، فإذا رآهم بعضُ الأعراب الذين لا يعرفون حال هؤلاء الصحابة وشدَّة فقرهم قالوا : هؤلاء مجانين - أو مجانون - . المعنى واحد ، لكن الراوي يشكُّ هل قال فضالة مجانين أو مجانون ؟! وهو جمع شاذ كما يقول أهل اللغة ، فإذا صلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - انصرف إليهم يعزِّيهم ويسلِّيهم ، بل ويصبِّرهم ، فيقول لهم - عليه الصلاة والسلام - : لو تَعلَمونَ ما لَكُم عندَ الله لَأحبَبْتُم أن تَزدادُوا فاقَةً وحاجةً .
هل في هذا الحديث حضٌّ على أن يتقصَّدَ المسلم الفقر للفقر أم ماذا ؟
قد يظن بعض الناس أن الأمر كذلك وليس كذلك ، وإنما في هذا الحديث تسلية لِمَن قد يُصاب بشيء من الفاقة والحاجة ولا يجد هناك ما يسدُّ عوزه ورمقه ؛ فحينئذٍ يجد هذه الأحاديث هي الدواء والشفاء له ، وهي التي حينئذٍ تصرفه عن أن يكون عالةً على غيره أو كلًّا على الناس . هذا الذي نفهمه من هذه الأحاديث ، وإلا فالفقر نفسه في كثير من الأحيان يكون وَبَالًا على صاحبه ؛ لأنه يحتاج إلى كثير من الصبر والرضا بالقضاء والقدر ، وهذا ما لا يستطيعه كثير من الناس ... .
ولذلك كان مما كان يستعيذ منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الفقر ؛ فكان يقول : أعوذ بك من الفقر ، والسبب هو ما ذكرنا من أن كثيرًا من الناس لا يصبرون على شظف العيش ، أما أن يتقصَّدَ الإنسان أن يكون فقيرًا فهذا ليس من الإسلام في شيء إطلاقًا ؛ ذلك لأن الفقر إنما يأتي الإنسان إذا كان مشغولًا بشيء يُمدح عليه صاحبه شرعًا كما تقدَّم معنا في وصف أبي هريرة في حالته من الجوع والفقر ، أما أن يعيش هكذا في زعمه متوكِّلًا على الله وهو في واقع أمره متواكل على الناس وعلى جيوبهم وصدقاتهم ؛ فهذا ليس مما يرغب فيه الإسلام ، بل لقد جاء في القرآن قول الله - تبارك وتعالى - : وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ، يعني تزوَّدوا الزاد المادي إذا ما خرجتم من بلادكم من آمِّين البيت الحرام قاصدين الحج أو العمرة ، فتزوَّدوا ولا تتَّكلوا على زاد الرفقة الذين أنتم تسافرون معهم ؛ولذلك قال - عليه الصلاة والسلام - : اليد العليا خير من اليد السفلى ، واليد العليا هي المعطية واليد السفلى هي الآخذة .
فالغنيُّ القائم بالواجب هو أحبُّ إلى الله - عز وجل - إذا ما قُوبل بفقير الصابر ، لكن لا يُقال : الغنيُّ الشاكر أفضل من الفقير الصابر ؛ لأنه المفاضلة بين إنسان وآخر لا يكون بالنسبة لناحية واحدة هو الغنى للغني والفقر للفقير ، وإنما يكون بما اجتمع في كلٍّ من الشخصين من حسنات ومن طاعات وعبادات ؛ فمن كانت عبادته أكثر فهو عند الله أفضل ، لكن إذا قُوبل الفقر مع الغنى وكلٌّ منهما واقف في حدود الشرع ؛ فالظاهر أن الغنى سعة دائرة الخير فيه أكثر من رضى الفقير وصبره على فقره .
ومن هنا تُروى قصة قد تكون صحيحة أو لا تكون ، وإنما فيها عبرة ؛ يقولون بأن رجلًا من أولئك الزُّهَّاد المشهورين بالصوفية خرج سائحًا في البرية كما هي عادتهم ؛ علمًا بأن مثل هذه السياحة ليست مشروعة ، والأمر كما قال - عليه الصلاة والسلام - : سياحة أمَّتي الجهاد في سبيل الله ؛ الخروج هكذا في البراري يعيش الإنسان مع الوحوش ويدع بني جنسه ولا يتعامل معهم ؛ فهذا أقلُّ ما يقال : إنه خالف حديث الرسول - عليه السلام - المعروف من حديث ابن عمر : المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خيرٌ من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم ، فهذه السياحة التي تُذكر عن الصوفية هي سياحة غير شرعية ، فزعموا أن أحدهم خرج كعادتهم ثم ما زال يمشي ويمشي حتى جاع وتعب ، فلجأ إلى خربةٍ ، وإذا به يطلُّ منها على خربةٍ أخرى ، فرأى أسدًا يأتي يحمل بين فكَّيه فريسة له يقدِّمها إلى كلبة جاثية هناك باركة ، فقال هذا الرجل : سبحان الله ! سبحان الرَّزَّاق ! كيف سخَّر هذا الأسد لهذا الكلب ؟! قال : فسمع هاتفًا يقول له : كُنْ أسدًا ولا تكُنْ كلبًا .
وهذا المغزى من هذه القصة هو واضح جدًّا من عشرات الأحاديث ، وقد أسمَعْتُكم بعضها : اليد العليا خير من اليد السفلى ، المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خيرٌ من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم .
يقول فضالة بن عبيد أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كان إذا صلَّى بالناس يخرُّ رجالٌ من قامتهم في الصلاة من الخصاصة من الجوع ؛ ترتخي أعصابهم فلا يملكون أنفسهم ، فيخرُّون يقعون على الأرض رغمًا عنهم ، وهم أصحاب الصُّفَّة ، فإذا رآهم بعضُ الأعراب الذين لا يعرفون حال هؤلاء الصحابة وشدَّة فقرهم قالوا : هؤلاء مجانين - أو مجانون - . المعنى واحد ، لكن الراوي يشكُّ هل قال فضالة مجانين أو مجانون ؟! وهو جمع شاذ كما يقول أهل اللغة ، فإذا صلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - انصرف إليهم يعزِّيهم ويسلِّيهم ، بل ويصبِّرهم ، فيقول لهم - عليه الصلاة والسلام - : لو تَعلَمونَ ما لَكُم عندَ الله لَأحبَبْتُم أن تَزدادُوا فاقَةً وحاجةً .
هل في هذا الحديث حضٌّ على أن يتقصَّدَ المسلم الفقر للفقر أم ماذا ؟
قد يظن بعض الناس أن الأمر كذلك وليس كذلك ، وإنما في هذا الحديث تسلية لِمَن قد يُصاب بشيء من الفاقة والحاجة ولا يجد هناك ما يسدُّ عوزه ورمقه ؛ فحينئذٍ يجد هذه الأحاديث هي الدواء والشفاء له ، وهي التي حينئذٍ تصرفه عن أن يكون عالةً على غيره أو كلًّا على الناس . هذا الذي نفهمه من هذه الأحاديث ، وإلا فالفقر نفسه في كثير من الأحيان يكون وَبَالًا على صاحبه ؛ لأنه يحتاج إلى كثير من الصبر والرضا بالقضاء والقدر ، وهذا ما لا يستطيعه كثير من الناس ... .
ولذلك كان مما كان يستعيذ منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الفقر ؛ فكان يقول : أعوذ بك من الفقر ، والسبب هو ما ذكرنا من أن كثيرًا من الناس لا يصبرون على شظف العيش ، أما أن يتقصَّدَ الإنسان أن يكون فقيرًا فهذا ليس من الإسلام في شيء إطلاقًا ؛ ذلك لأن الفقر إنما يأتي الإنسان إذا كان مشغولًا بشيء يُمدح عليه صاحبه شرعًا كما تقدَّم معنا في وصف أبي هريرة في حالته من الجوع والفقر ، أما أن يعيش هكذا في زعمه متوكِّلًا على الله وهو في واقع أمره متواكل على الناس وعلى جيوبهم وصدقاتهم ؛ فهذا ليس مما يرغب فيه الإسلام ، بل لقد جاء في القرآن قول الله - تبارك وتعالى - : وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ، يعني تزوَّدوا الزاد المادي إذا ما خرجتم من بلادكم من آمِّين البيت الحرام قاصدين الحج أو العمرة ، فتزوَّدوا ولا تتَّكلوا على زاد الرفقة الذين أنتم تسافرون معهم ؛ولذلك قال - عليه الصلاة والسلام - : اليد العليا خير من اليد السفلى ، واليد العليا هي المعطية واليد السفلى هي الآخذة .
فالغنيُّ القائم بالواجب هو أحبُّ إلى الله - عز وجل - إذا ما قُوبل بفقير الصابر ، لكن لا يُقال : الغنيُّ الشاكر أفضل من الفقير الصابر ؛ لأنه المفاضلة بين إنسان وآخر لا يكون بالنسبة لناحية واحدة هو الغنى للغني والفقر للفقير ، وإنما يكون بما اجتمع في كلٍّ من الشخصين من حسنات ومن طاعات وعبادات ؛ فمن كانت عبادته أكثر فهو عند الله أفضل ، لكن إذا قُوبل الفقر مع الغنى وكلٌّ منهما واقف في حدود الشرع ؛ فالظاهر أن الغنى سعة دائرة الخير فيه أكثر من رضى الفقير وصبره على فقره .
ومن هنا تُروى قصة قد تكون صحيحة أو لا تكون ، وإنما فيها عبرة ؛ يقولون بأن رجلًا من أولئك الزُّهَّاد المشهورين بالصوفية خرج سائحًا في البرية كما هي عادتهم ؛ علمًا بأن مثل هذه السياحة ليست مشروعة ، والأمر كما قال - عليه الصلاة والسلام - : سياحة أمَّتي الجهاد في سبيل الله ؛ الخروج هكذا في البراري يعيش الإنسان مع الوحوش ويدع بني جنسه ولا يتعامل معهم ؛ فهذا أقلُّ ما يقال : إنه خالف حديث الرسول - عليه السلام - المعروف من حديث ابن عمر : المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خيرٌ من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم ، فهذه السياحة التي تُذكر عن الصوفية هي سياحة غير شرعية ، فزعموا أن أحدهم خرج كعادتهم ثم ما زال يمشي ويمشي حتى جاع وتعب ، فلجأ إلى خربةٍ ، وإذا به يطلُّ منها على خربةٍ أخرى ، فرأى أسدًا يأتي يحمل بين فكَّيه فريسة له يقدِّمها إلى كلبة جاثية هناك باركة ، فقال هذا الرجل : سبحان الله ! سبحان الرَّزَّاق ! كيف سخَّر هذا الأسد لهذا الكلب ؟! قال : فسمع هاتفًا يقول له : كُنْ أسدًا ولا تكُنْ كلبًا .
وهذا المغزى من هذه القصة هو واضح جدًّا من عشرات الأحاديث ، وقد أسمَعْتُكم بعضها : اليد العليا خير من اليد السفلى ، المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خيرٌ من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم .
الفتاوى المشابهة
- باب كراهية الخصومة في المسجد ورفع الصوت فيه... - ابن عثيمين
- شرح حديث عن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري قال:... - ابن عثيمين
- شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما ن... - ابن عثيمين
- قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما... - ابن عثيمين
- من درس " الأدب المفرد " ، باب الذي يصبر على أذ... - الالباني
- لماذا أوصى النبيﷺبالصدقة لأهل الصُّفَّة؟ - ابن باز
- هل يصح حديث عبد الله بن مغفَّل - رضي الله عنه... - الالباني
- شرح حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال... - ابن عثيمين
- ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من... - اللجنة الدائمة
- شرح الشيخ لحديث فضالة رضي الله عنه أن رسول الل... - الالباني
- شرح حديث فضالة بن عبيد - رضي الله عنه - أن الن... - الالباني