تم نسخ النصتم نسخ العنوان
من دروس " الترغيب والترهيب " ، باب : " الترغيب... - الالبانيالشيخ : وقد وصل بنا الدرس الماضي إلى الحديث الثاني والسبعين ؛ وهو قوله : وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : " لقد رأيتُ سبعينَ مِنْ أهلِ الصُّفَّةِ ، ...
العالم
طريقة البحث
من دروس " الترغيب والترهيب " ، باب : " الترغيب في ترك الترفع في اللباس تواضعًا واقتداء بأشرف الخلق محمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، والترهيب من لباس الشهرة والفخر والمباهاة " ، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : " لقد رأيتُ سبعينَ مِنْ أهلِ الصُّفَّةِ ، ما منهم رجلٌ عليه رداءٌ ، إمَّا إِزَارٌ وإمَّا كِساءٌ قد ربَطوا في أعناقِهِم ، فمنها ما يبلُغُ نصفَ الساقينِ ، ومنها ما يَبلغُ الكعبَينِ ، فيجمَعُه بيدِه كراهِيَةَ أنْ تُرى عَورَتُه " .
الشيخ محمد ناصر الالباني
الشيخ : وقد وصل بنا الدرس الماضي إلى الحديث الثاني والسبعين ؛ وهو قوله : وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : " لقد رأيتُ سبعينَ مِنْ أهلِ الصُّفَّةِ ، ما منهم رجلٌ عليه رداءٌ ، إمَّا إِزَارٌ وإمَّا كِساءٌ قد ربَطوا في أعناقِهِم ، فمنها ما يبلُغُ نصفَ الساقينِ ، ومنها ما يَبلغُ الكعبَينِ ، فيجمَعُه بيدِه كراهِيَةَ أنْ تُرى عَورَتُه " . رواه البخاري والحاكم مختصرًا وقال : صحيح على شرطهما .
هذا الحديث من جملة أحاديث كثيرة نبت ، وتأتي في بيان الحالة التي كان يحياها أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وبخاصة في أول دعوة الإسلام ؛ فهو يتحدث هنا أحد هؤلاء الفقراء وهو أبو هريرة - رضي الله عنه - يقول : " لقد رأيتُ سبعين من أهل الصُّفَّة " ، وأهل الصُّفَّة تعلمون أنهم فقراء الصحابة الذين لم يكن لهم مال ولا أهل يأوون إليهم ، فكان المسجد النبوي مأوًى لهم ، ولكن لا ينبغي أن يُفهم من ذلك كما نبَّهنا عليه في مرة سابقة أو مرات سابقة ؛ لا ينبغي أن يُفهم أن أهل الصُّفَّة كانوا أهل كسَل وبطالة ؛ أي : إنهم كانوا يجلسون في المسجد ينتظرون الرزق أن ينزل إليهم من السماء ، لم يكونوا كذلك ، وإنما كانوا يعملون بأيديهم بقدر ما يسُدُّون به رمقهم .
وقد اشتهر عن عمر - رضي الله عنه - أنه دخل مرَّةً المسجد فوجد رجلًا يقوم ويصلي ، كلَّما دخل المسجد رآه بالمسجد ، الأمر الذي أوحى إلى عمر بأن الرجل لا يأتي بعمل يَكتسب به الرزق ، فسأله عن ذلك ؛ فقال : إنه متوكِّل على الله ، فنهاه عن الجلوس في المسجد للعبادة فقط ، وقال : " لا يقعدنَّ أحدكم في المسجد يقول : الله يرزقني ، فقد علمتم أن السماء لا تُمطر ذهبًا ولا فضة " ، فأهل الصُّفَّة لم يكونوا من هذا الجنس الذي يَفهم الإسلام فهمًا منكوسًا معكوسًا ، فيظن أن الإنسان إذا توكَّل على الله - عز وجل - بترك الأسباب التي تُوصله إلى الرزق ذلك هو التوكُّل . هذا زعم باطل ، والله - عز وجل - يقول في كتابه : فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ، فالتوكل ليس عملًا قلبيًّا فقط ، وإنما هو عمل قلبي بعد الاستعداد لمقتضاه من عمل بدني ، وقد أفصح عن هذا المعنى الصحيح للتوكُّل الحديث الصحيح ؛ ألا وهو قوله - عليه الصلاة والسلام - : لو توكَّلتم على لله حقَّ التوكل لَرَزَقَكم كما يرزق الطير تروح خماصًا وتعود بطانًا ، فرَوَحَان الطير صباحًا =

السائل : السلام عليكم .

الشيخ : وعليكم السلام .
= ورجوعه مساء ، وقد أخذ رزقه الذي كتبه الله - عز وجل - له بسعيه ، فسَّر بذلك الرسول - عليه السلام - التوكُّل ، فالتوكُّل لا يعني ترك الأخذ بالأسباب ، وإنما بعد الأخذ بالأسباب يتوكَّل صاحبه على ربِّ الأرباب ، هكذا كانوا أهل الصُّفَّة ؛ ولذلك فليس للكسالى من الصوفية أي حجة في الاعتماد على الحال التي كان عليها أهل الصُّفَّة .
ومما يدل على ذلك أن أهل الصُّفَّة وُجِدوا في الزمن الأول في الهجرة حينما هاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة ، أما بعد أن بدأت الخيرات تأتي وتترى إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وبخاصَّة في آخر عهد الرسول - عليه السلام - ، ثم فيما بعد لم يبقَ هناك أهل صفَّة ، كلهم وسَّع الله عليهم ، فالفقير استغنى ، والأعزب تزوَّج ، وهكذا .
... فأبو هريرة - رضي الله عنه - يَصِف حالة أفراد من أهل الصُّفَّة في أول هجرة المدينة يقول : " ما منهم عليه رداء " ؛ كأنه يعني هنا ما منهم رجل عليه رداء وإزار ؛ يعني ما يسمَّى بلغة العرب قديمًا بالحُلَّة ، ويُعرف ذلك أو يُسمَّى اليوم في الاصطلاح الحاضر بـ " الطقم " ، فكانوا سابقًا الرجل هاللي لباسه كامل له إزار يستر به عورته ، وله رداء يستر به القسم الأعلى من البدن ، طقم قطعتين ، فهو يقول : لم يكن لأحدهم إما إزار بمقدار ما يستر به عورته ؛ أي : إنه لا يملِكُ إلا ثوبًا قصيرًا لا يستطيع أن يستُر به جميع بدنه ، وإنما هو الإزار الذي يعقِدُه ههنا تحت خاصرته على خصرَيه ، فيستر بذلك عورته ؛ هذا صاحب الإزار .
وإما صاحب كساء ، أما إزار ورداء فهذا لم يكن فيه مَن يملِكُهما ، وإما صاحب كساء ، والكساء فيما يظهر من هذا الحديث ومن غيره أنه ثوب أوسع من الإزار قليلًا ، إن تأزَّر به طال وزاد إلى ما دون الكعبين ، وهذا لا يجوز إسلاميًّا كما قلنا ، ذكرنا ذلك أكثر من مرَّة ؛ فإن الرسول - عليه الصلاة والسلام - كان يقول : أزْرَةُ المؤمن إلى نصف الساق ، فإن طال فإلى الكعبين ، فإن طال ففي النار .
... الأمور التي ابتُلِيَ بها جماهير الشباب المسلم ، بل وغير قليل من المنتمين إلى العلم الذين يطيلون جُبَبَهم حتى لَتكاد تُجَرُّ على الأرض خاصة في مصر ، هذا بلاء تميَّز به مشايخ مصر على مشايخ البلاد الأخرى فيما أعلم ؛ حيث أنهم أصبح من تقاليدهم إطالة الجُبَّة حتى تمسَّ الأرض أو تكاد تمسُّ الأرض ، كما أن من تقاليدهم توسيع أكمام الجُبَب ، وهذا طبعًا من الإسراف والتبذير بالإضافة إلى مخالفة الحديث السابق الذكر : فما طال على الكعبين ففي النار .
فهؤلاء السبعين من أهل الصُّفَّة الذين كان أحدهم لا يجد إلا إزارًا يستر به عورته أو كساء هو أوسع وأطول من الإزار شيئًا قليلًا ؛ بحيث أنه إن ائتزر به صاحبه طال إلى ما دون الكعبين ، فكانوا يتحاشَوْن ذلك ، فيفعلون ماذا ؟ هذا الكساء ليس بالإزار القصير ولا هو بالثوب الطويل السَّابغ بحيث يستطيع أن يلتحفَ به فيسترُ به بدنه الأعلى وما دونه من العورة والساقين ، فكان أحدهم يعقد هذا الكساء على عورته ، فهو طويل - كما قلنا - لو ائتزر به زاد إلى ما دون الكعبين ، فليس له حيلة إلا بأن يعقده على رقبته . ثم هو ليس واسعًا فضفاضًا بحيث أنه يلتحف به - أيضًا - فيضطرُّ أن يجمع طرفَي الثوب بيده حتى لا تظهر عورته .
هكذا كان هؤلاء النخبة من أهل الصُّفَّة يعيشون لا يجدون ما يلبِسون من الثياب إلا الشيء الضروري والضروري جدًّا ، فضلًا عن أن يجدوا ما يتزيَّنون به ، ليس فقط ليلقى أحدهم أخاه ، بل ليقف بين يدي ربِّه - عز وجل - يصلي يتزيَّن له . الله - عز وجل - يقول في كتابه : خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ، وهذه الآية وإن كانت نزلت في طواف العرب في الجاهلية ، ثم استمرَّت هذه العادة إلى بعد نزول الإسلام كانوا يطوفون عُراةً حول الكعبة بفلسفة تشبه كثير من الفلسفات ... الكتاب والسنة ، قال : كانوا يقولون بأنه لا يليق بنا أن نطوف حول بيت ربِّنا في ثياب قد عصيناه فيها ؛ فإذًا علينا أن نخلع هذه الثياب ونطوف " ربي كما خلقتني " !! هكذا أوحى إليهم شيطانهم ، ومضوا على ذلك زمنًا طويلًا ، ولا فرق في ذلك بين النساء والرجال ، وهذا إغراق منهم في الضلال ، لو الأمر اقتصر على الرجال لَهانَت المصيبة بعض الشيء ، ولكنها شَمَلت - أيضًا - حتى النساء ، فكانت المرأة تطوف وهي عارية ، وتقول : " اليوم يبدو بعضه أو كله " ، وهي تُشير إلى عضوها .
" اليوم يبدو بعضُه أو كلُّه *** فما بدا منه فلا أحلُّه "
هات بقى كلام فاضي معناه مخالفة ما فطر الله عليه العباد ممَّا أوقع فيهم الشهوة ، فأمَرَهم بالزينة ، فأول الزينة الواجبة التي لا تساهل فيها هو ستر العورة مطلقًا خارج الصلاة ، ففي الصلاة من باب أولى .
أقول هذه الآية : خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وإن كان سبب نزولها ما ذكرتُ لكم آنفًا حيث كانوا يطوفون عراة ، فأُمِرُوا بأن يطوفوا ساترين لعوراتهم ، هذا السبب وإن كان هو المناسب لنزول الآية فالعبرة كما يقول العلماء بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ؛ لا سيما وقد جاء في السنة ما يؤكد هذه الزينة ، فقد قال - عليه الصلاة والسلام - : مَن كان له إزار ورداء فليتَّزر وليرتد ؛ فإن الله أحقُّ أن يُتزيَّنَ له ، مَن كان له إزار ورداء فليتَّزر وليرتد ؛ فإن الله أحقُّ أن يُتزيَّنَ له ؛ يعني لا يقتصرنَّ أحدكم إذا ما قام يصلي بين يدي ربه على أن يستر عورته فقط من السرة إلى الركبة ؛ فهذا أمر واجب حتى خارج الصلاة ، فلا بد للمسلم أن يخصَّ الصلاة بشيء زائد على الأدب العام الاجتماعي ، هذا الأدب هو سَتر العورة فقط ، أما إذا دخلتَ في الصلاة ووقفتَ بين يدي الله - تبارك وتعالى - ففي هذه الحالة لا بد لك من أن تأتيَ بزينة أخرى ، ما هي هذه الزينة ؟ أن تستر ما ليس بعورة ، وهو القسم الأعلى من البدن .
فلذلك ولذلك أكَّد الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - الارتداء في الصلاة ؛ حيث قال : لا يصلِّينَّ أحدكم وليس على عاتقه من ثوبه شيء ، لا يصلِّينَّ أحدكم وليس على عاتقه من ثوبه شيء ، أي : إن المسلم إما أن يكون شأنُه شأنَ أهل الصُّفَّة لا يجد إلا ثوبًا واحدًا وأقله الإزار ؛ ففي هذه الحالة يأتزر به سترًا لعورته لأنه لا يجد غيره ؛ ففي مثل هذا جاء حديث أبي هريرة في " صحيح البخاري ومسلم " أن رجلًا قال : يا رسول الله ، أحدنا يصلِّي في ثوب واحد كأنه يقول : فهل ذلك جائز وسائغ ؟ فقال - عليه الصلاة والسلام - : أوَكلُّكم يجد ثوب ؟! ، خاصَّة في تلك الحالة التي نحن في صدد الاطلاع عليها والاعتبار بها .
فإذا لم يجد إلا ثوبًا واحدًا صغيرًا أو قصيرًا ؛ فحين ذاك يكتفي بأن يستر عورته بأن يتَّزر به ، فإن كان أوسع من ذلك كساء كما سمعتم ألقاه على كتفيه ، فإن كان غير سابغ كما هو شأن الكساء على ما ذكرنا عَقَدَه وستر به قسمه القسم الأعلى من بدنه وكذلك عورته ، وإن كان ثوبًا فضفاضًا واسعًا فحينئذٍ يلتحف به بحيث يستُر بدنه كلَّه ، لكن خيرٌ من ذلك أن يرتديَ ويتَّزرَ ؛ أن يلبس قميصًا وإزارًا أو عَباءة ونحو ذلك مما هو أستر وأجمل من لبس الواقف بين يدي الله - تبارك وتعالى - ، هذا النوع الأخير هو المقصود من حديثي السابق : مَن كان له إزار ورداء فليتَّزر وليرتد ؛ فإن الله أحقُّ أن يُتزيَّن له .
هذا كله من السترة الواجب تحقيقُها في الصلاة ، وقد علمتم أنها تشمل العورة فما فوقها .
ولكن هناك زينة أخيرة قد أخلَّ بها جماهير المسلمين شبابًا وكهولًا وشيوخًا - أيضًا - ، ولو أن هؤلاء أقل من أولئك ، هذه الزينة هي ستر الرأس ، فهذا الحسر الذي انتشر في هذه السنون الأخيرة هو أدب أجنبي غربي كافر ، لا يعرفها ، لا يعرفه هذا الأدب سلفُنا لا المتقدِّم منه ولا المتأخِّر ، فمنذ خمسين سنة لم يكن يُرى هنا إنسان يمشي في الطرقات حاسرًا ، بل كان يُعتبر ذلك إخلالًا بالمروءة ؛ هذا الإخلال الذي يحول بين القاضي الذي يحكم بالشرع وبين قبوله لشهادة هذا الحاسر عن رأسه ؛ لأن هذه العادة لم تكن معروفة في السلف ، وإذ الأمر كذلك فَلَأن يدخل المسلم في الصلاة حاسرًا أبعد عن الأدب الإسلامي ، زِدْ على ذلك أن الدخول في العبادة حاسر الرأس هو أدب نصراني ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ . لعل بعضكم أو كثيرًا منكم رأى أو قرأ أو سمع أن النصراني المتبرنط إذا أراد أن يدخل الكنيسة أو المعبد أو إذا لَقِيَ رجلًا يحترمه ؛ فإنما يحيِّيه بالانحناء ورفع القبعة أو ما وَضَعَه على رأسه ، هذه عادة نصرانية لا تزال موجودة في بعض البلاد النصارى ، ولو أنهم هم الذين صدَّروا إلينا هذه العادة ، عادة حسر الرأس ؛ فَهُم مع ذلك لا سيَّما بالتعبير العصري الذي يُراد به أمر باطل ؛ لا سيما إذا كانوا رجعيِّين ؛ يعني متمسِّكين بآداب أمَّتهم ، فنحن أولى أن نتمسَّك بعاداتنا الإسلامية التي وَرِثَها الخلف عن السلف وبخاصة منها الصلاة .
ويُعجبني جدًّا ما ذَكَرَه شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في رسالته في اللباس والحجاب في الصلاة ، وهي رسالة مطبوعة عدَّة طبعات ، آخرها طبعة كنتُ أنا خرَّجتها وحقَّقتها ، ومن جملة الروايات التي أورَدَها فيها أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - قال رأى مولاه نافعًا يُصلِّي حاسر الرأس ، فبعد أن صلى قال له : أرأيتَ إن ذهبتَ لتلقى أحد هؤلاء الأمراء ، أتذهب هكذا إليه حاسر الرأس ؟ قال : لا ، ساتر الرأس . قال له : ربُّك أحقُّ أن تتزيَّن له ، هذه الرواية ذَكَرَها شيخ الإسلام ابن تيمية ، وهي من دائرة محفوظاته الواسعة في السنة ؛ فلا غرابة أني لم أجِدْ لها أثرًا في الكتب التي وقفتُ عليها وطالَتْها يدي ، ولكن إذا نظرنا إلى المعنى العام في الآية السابقة : خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ، وبالحديث المؤيِّد لهذه الزينة حديث الإزار والرداء ، والمعنى المقصود من ذلك هو أن يقفَ بين يدي الله في أكمل زينة ؛ فنحن نستطيع أن نأخذ من مجموعة هذه النصوص ما يُؤيِّد المعنى الذي ذَكَرَه شيخ الإسلام ابن تيمية في قصة عبد الله بن عمر مع مولاه نافع ؛ لا سيما وأن عبد الله بن عمر هو الذي روى حديث الإزار والرداء ، هو الذي قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : من كان له إزار ورداء فليتَّزر وليرتد ؛ فإن الله أحقُّ أن يُتزيَّنَ له .
فإذًا هو احتجَّ على نافع بما يدل هذا الحديث عليه من الزينة العامة ، ولكن ربَّ قائل يقول : فهذه الزينة ليست زينة الآن ؛ أي : الدخول في الصلاة ساتر الرأس ليس من الزينة المعهودة اليوم ، فأحدهم يذهب إلى الوزير وإلى الأمير وإلى الحاكم ويستقبله ويلقاه حاسر الرأس ، أقول : لا يقولَنَّ أحد هذا الكلام ؛ لأن المفروض في المسلم أن يُحييَ من العادات الإسلامية ما اندثر منها ، ولا عكس ... يتمسَّك بالعادات الغربية التي بُلِيَ بالتمسُّك بها ، فحينما قال الله - عز وجل - : خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ فهو إنما يعني الزينة المعروفة يومئذٍ من جهة ، والزينة التي قد شَرَعَها الله - عز وجل - فتصبح عرفًا شرعيًّا من جهة أخرى ، وهذا يُشبِه تمامًا وله الصلة الوثقى لِفهمِ هذا الموضوع من جهة ، وفهم موضوع آخر يتعلَّق بزينة النساء من جهة أخرى .
فالله - عز وجل - يقول في آيتين اثنتين : وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ، هذه هي الأولى ، والأخرى : وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ إلى آخر الآية ، فمعرفتنا لهذه الزينة المذكورة وبصورة خاصَّة في الآية الثانية يُساعدنا على تحديد عورة المرأة أمام محارِمها وأمام نسائِها المسلمات ، فمثلًا ولا أريد أن أطيل في هذا ؛ فقد تكلَّمت - أيضًا - فيه أكثر من مرة ، ولكني أضرب على ذلك مثالًا :
لقد كان من عادة النساء حين نزلت هذه الآية : وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ إلى آخره ؛ كان من عادتهنَّ أن تتزيَّن المرأة بوضع الأساور في معصمها ووضع الخلاخيل في أسفل ساقها والأقراط والأسواط ونحو ذلك ؛ فهذه مواطن الزينة ، وهذه التي أباح الله للمرأة أن تُظهِرَها أمام محارمها وأمام نسائها ، فلو فرضنا ورُبَّ أمر مفروض صار أمرًا واقعًا بسبب فساد المجتمع ؛ إذا كان من الزينة وضع شيء أو عقد شيء على لُبَّة الساق مثلًا أو فوق الساق ما دون الركبتين في عصر ما ، فلا يُقال ربنا يقول : وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ ، فيجوز للفتاة للبنت أن تُظهر هذه الزينة التي حدثت حديثًا وهي زينة على لُبَّة الساق ؛ لأن الله - عز وجل - قال : إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ ... أَوْ أَبْنَائِهِنَّ ، كذلك أخواتهنَّ لا يُقال هذا ، لماذا ؟ لأن هذه الزينة لم تكن معهودةً يوم نزلت آية الزينة هذه ، فهي تُفسَّر على ضوء الواقع حينما نزلت الآية .
فإذا عرفنا الزينة التي كانت النساء تتزيَّن يومئذٍ فهي الزينة التي أباحَها الله - عز وجل - للنساء أن يُظهِرْنَها للمحارم و النساء المسلمات ، كذلك حينما قال الله - عز وجل - : خُذُوا زِينَتَكُمْ ؛ فيعني الزينة المعهودة يومئذٍ ، والزينة التي شَرَعَها الشارع في مثل الحديث : مَن كان له إزار ورداء إلى آخره ، أما إذا كان من الزينة أن يُسمِّيَ الإنسان اليوم نصف عام مثلًا ، هذه الزينة حادثة مبتدعة لا تدخل في عموم الآية ، وهذا مثال من عشرات بل مئات الأمثلة التي تضطرُّنا وتحملنا حملًا على أن نضع في منهج دعوتنا إلى الكتاب والسنة ؛ أي : على منهج السلف الصالح في تفريقهم لهذه النصوص ، وفي فهمهم إيَّاها ، وإلا جِئْنا بإسلام جديد مبنيًّا زعموا على الكتاب والسنة وليس له أيَّة صلة بالكتاب والسنة ، إنما هو الفهم الأعوج أو الفهم القائم على اتباع الهوى ، وفي ذلك الفساد ... .
فأهل الصُّفَّة إذًا كانوا إما رجل له إزار أو كساء يربطه على عنقه ثم يستر بذلك عورته بعد أن يجمعه إلى بدنه .
الحديث الثاني .

السائل : ... .

الشيخ : نعم ؟

السائل : ... .

الشيخ : ما سمعت .

الشيخ : ... الحديث ؟

الشيخ : إي صحيح .

Webiste