بيان حكم صيام يوم السبت تنفُّلًا ، ومناقشة حجج من ضعَّفَ حديث : ( لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افتُرِضَ عليكم ) .
الشيخ محمد ناصر الالباني
الشيخ : ومن هذه المشكلة ولا بد من إثارتها الآن ، ولعلها تكون ختام المجلس المشكلة التي وقع العالم الإسلامي كله إلا الغرباء ، وقليل ما هم ؛ صيام يوم السبت ، صيام يوم السبت ما تقولوا شيخ ... ؟ لا [ الشَّيخ يضحك ! ] .
السائل : ... .
الشيخ : الله لا يجعلنا منهم ، الرسول - عليه السلام - يقول في صريح الحديث الصحيح : لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افتُرِضَ عليكم ، لقد صام يوم السبت الخاصة والعامة ، إلا كما قلنا آنفًا إلا الغرباء ، وقليل ما هم ؛ لماذا ؟ لأنهم ماشيين على القاعدة العامة : صوم يوم عرفة يكفِّر السنة الماضية والسنة الآتية ، فإذًا هذا يوم عرفة ، لكن الناس في غفلةٍ ساهون ما ينتبهوا أنُّو هناك عام وخاص ، ومطلق ومقيَّد ، صحيح هم علماء ، لكن العلماء في غفلة ساهون ، فماذا نقول عمَّن دونهم ؟ فُوجئوا بيوم السبت يوم عرفة فصاموا جميعًا ، قُيِّض لهم ناصح أمين قال لهم : يا جماعة ، لا تصوموا هذا اليوم يوم السبت ؛ لأنُّو الرسول - عليه السلام - قال : لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افتُرِضَ عليكم ، ولأول مرَّة تجد بعض المتحمِّسين يذهبون إلى الكتب ويستغيثون بها ، ينظرون إيش هذا الكلام ؟ يبحثون يبحثون فيجدون ما يتوهَّمون أنه يساعدهم على خطئهم الذي عاشوا عليه دهورًا ، يجدون - مثلًا - حديث جويرية وحديث أبي هريرة ، وكلاهما يلتقيان في أنه لا يجوز صوم يوم الجمعة إلا معه يوم قبله أو يوم بعده ، يوم بعده معناه السبت ؛ إذًا هذا الحديث صريح بأنه يأذن للمسلم أن يصوم يوم السبت ؛ فما بال هذا الحديث الذي أنتَ أشعْتَه بين الناس : لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افتُرِضَ عليكم ؟
رجعوا إلى الكتب وجدوا الإمام مالك يقول : " هذا كذب " ، وجدوا الإمام أبو داود يقول : " هذا منسوخ " ، وجدوا الإمام النسائي يقول : " هذا حديث مضطرب " ، وجدوا أشياء تشبه هذه الأقوال ، وكما قيل : الغريق يتعلَّق ولو بخيوط القمر ، بدهم شيء يتخلَّصوا من هالمفاجأة التي فُوجئوا بها : لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افتُرِضَ عليكم .
هل من هؤلاء من تجرَّد عن العادة وتجرَّد عن الهوى وزانَ هذه الأقوال الثلاثة وهي في البطلان كما أقول ، " حديث كذب " هذا أخطر شيء قيل ، " حديث مضطرب " هذا دونه بقليل ، " حديث منسوخ " هذا أمره سهل ؛ لأنه يصحِّح الحديث ، ولكنه يدَّعي أنه منسوخ .
" حديث كذب " هل بحثوا في كتب السنة ليعلموا أن هذا القول كذب هو كذب في واقعه ، وأنَّ نسبته إلى الإمام الذي نُسب إليه نسبة باطلة ؟ الإمام مالك يقول : " هذا الحديث كذب " ، وين الرواية الصحيحة ؟ نحن أمام حديث يُنسب إلى الرسول - عليه السلام - بأسانيد كثيرة ، ثبت عندنا ثلاثة أسانيد صحيحة إلى الصحابي عبد الله بن بسر أو أخته الصَّمَّاء أن الرسول - عليه السلام - قال هذا الحديث ؛ هذا الحديث لو ثَبَتَ عن مالك بإسناد صحيح كالشمس في رابعة النهار أنَّه قال : هذا حديث كذب ؛ نحن نقول : هذا الكلام عن مالك لا نقبله ؛ لأنه ثبتَ صحة الحديث عن الرسول ؛ فما نردُّ حديث الرسول من كلام أحد أتباعه وهو الإمام مالك ؛ فكيف وهذه الكلمة التي تُذكر في بعض الكتب تُذكر معلَّقة لا سنامَ لها ولا خطام ، كيف يجوز أن نردَّ حديثًا صحيحًا بمثل هذه الكلمة عن الإمام مالك ؟ لكن الذين لهم هوى في شيء كما قلنا آنفًا الغريق يتعلَّق ولو بخيوط القمر ؛ ح يتخذها حجة ، يقول لك : كيف أنت تقول بهذا الحديث والإمام مالك يقول : كذب ؟ لو كان من العلماء أو كان من أهل العلم لَقُلنا له : تعال ، عندنا أسانيد في كتب السنة " سنن أبي داود " ، " سنن الترمذي " ، وقد قوَّى الحديث " سنن النسائي " ، وقال : الحديث مضطرب ، " مسند الإمام أحمد " ، " مستدرك الحاكم " ، " صحيح ابن حبان " إلى آخره ؛ هذه الأسانيد كلها تعال نجلس ونتدارسها لِترى عاقبة من قال : " هذا الحديث كذب " ؛ فهذا الكلام يُضرب به عرض الحائط .
نأتي إلى القول الذي يليه : " هذا حديث مضطرب " ، إيش الحديث المضطرب عند العلماء ؟ الحديث الضعيف . ما صورته ؟ صورته أن يُروى على وجوه مختلفة ، أيكفي هذا في الحديث أن يُقال : إنه مضطرب وهو من أقسام الحديث الضعيف ؟ الجواب : لا ، ليس كل حديث مضطرب يكون حديثًا ضعيفًا ، وإنما هو الحديث الذي جاء بوجوه مضطربة ولا يمكن ترجيح وجه على وجه ، أما إذا أمكن الترجيح فحينئذٍ يُعالج الوجه الراجح معالجةً خاصَّة ، قد تكون هذه المعالجة تعطي أن الحديث صحيح وقد لا تعطي ، وأنا أضرب لكم مثلًا مقرِّبًا : لو جاء حديث عن سعيد بن المسيب بالسند الصحيح ؛ عن سعيد بن المسيِّب أو المسيَّب ، والأصح المسيَّب ، عن رجل عن أبي هريرة ، وجاء بإسناد آخر صحيح - أيضًا - عن سعيد بن المسيَّب عن أبي هريرة ؛ يُقال : هذا حديث مضطرب ؛ لأنُّو الراوي عن سعيد بن المسيب اضطرب ؛ تارةً يقول : عن سعيد عن أبي هريرة ، وبهالصورة يظهر الحديث صحيح ، وتارةً قال عن سعيد عن رجل عن أبي هريرة ؛ إذًا في السند رجل مجهول ؛ صار الحديث بهذا مضطربًا ، وهو حديث ضعيف ، نقول : رويدًا رويدًا ، ادرُسْ الآن كلًّا من الطريقين ؛ فإن ترجَّح عندك طبعًا بالرجوع إلى قواعد علم الحديث إسناد مَن قال : عن سعيد عن أبي هريرة على إسناد مَن قال : عن سعيد عن رجل عن أبي هريرة ؛ قلت : هذا هو الراجح ، والحديث صحيح ، وإن ترجَّح عندك العكس عن سعيد عن رجل عن أبي هريرة ترجَّح عندك أن الحديث ضعيف ؛ لأنُّو فيه رجل مجهول .
حديثنا ليس كذلك ، حديثنا الراجح أنه حديث ثابت من وجوه ثلاثة ، وأنا بيَّنْتُ ذلك في " إرواء الغليل " بتفصيل أعتقد فيما علمتُ ولا نتألَّى على الله بأن أحدًا لم يتوسَّع في بيان صحة هذا الحديث كما وفَّقَني الله - عز وجل - .
لكن الآن هنا مسألة كثيرًا ما تختلط على الناس ، لما وقعت الواقعة في هذه السنة وفي هذا الشهر صام جماهير المسلمين يوم السبت ، فأخذ جمهورُهم يحتجُّ بما يحتج به ، وأكبر حجة عنده أن الرسول أَذِنَ بصيام يوم الجمعة بأن يصوم يوم السبت ، نقول لهم : يا جماعة ، المسألة لها صورتان فتنبَّهوا ، الصورة ألأولى وهي التي وقعت ؛ جماهير الصائمين ما أحد منهم صام يوم الجمعة ، وإنما صاموا يوم السبت بعاشوراء .
الحاضرون : بعرفة .
الشيخ : بعرفة ، هذه الصورة تُعالج لوحدها ، الصورة الأخرى يمكن يكون هناك ناس صاموا الخميس والجمعة والسبت ، هذه تُعالج لوحدها ، لكن جماهير الصائمين صاموا يوم السبت وحدَه ، لأجل إيش ؟ يوم عرفة ، هؤلاء نقول لهم : لقد عارضْتُم الحديث الصحيح وضربْتُموه في صدره ، هو يقول : لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افتُرِضَ عليكم فصُمْتُم عرفة ، وهذا ليس مما افتُرِضَ عليكم ؛ إذًا لا يجوز لكم أن تصوموا هذا اليوم ، يثوروا يقعدوا يقولوا : ما سمعنا أحد من المشايخ يقول هذا الكلام ، نقرِّب لهم الأمر بالتفصيل التالي :
ذكرتُ لبعض إخواننا من طلاب العلم شيئًا ، وخطر في بالي - أيضًا - شيء آخر ، وهذا من ألطاف الله - عز وجل - فيما يقدِّر على عباده المؤمنين ، كان يوم عرفة يوم سبت ، وتلاه يوم الأحد أول العيد ، وتلاه يوم الاثنين ثاني يوم العيد أوَّل أيام التشريق ؛ هل من أحد صام يوم الأحد بحجَّة أن الرسول كان يصوم يوم الأحد ؟ لا أحد ؟ هل من أحد صام يوم الاثنين بحجة أن الرسول كان يصوم وكان يحضُّ على الصيام ؟ الجواب : لا أحد . تُرى لم ؟ وما حجتهم في ذلك ؟ هي حجَّتنا بعينها ، حجَّتهم أنُّو نهى الرسول عن صيام أيام العيد ؛ إذًا يوم الأحد يوم عيد ، ويوم الاثنين يوم عيد ؛ فماذا فعل العلماء جميعًا فيما مضى وفيما حضر ؟ فعلوا وقفوا عند النهي ، طبَّقوا قاعدة فقهية أبَوا علينا أن يطبِّقوها في صوم يوم عرفة ، ما هي هذه القاعدة ؟ " الحاظر مقدَّم على المبيح " ؛ النَّصُّ المانع مقدَّم على النَّصِّ المبيح ، النَّصُّ المانع : لا تصوموا يوم السبت ، لا تصوموا أيام التشريق ؛ إذًا عملوا في أيام العيد وأيام التشريق بالنَّصِّ المانع ، ولم يعملوا بالنَّصِّ المانع فيما يتعلق بيوم عرفة ، لماذا هذا التنافر وهذا التناقض ؟ هكذا وجدنا آباءنا !! إذًا نحن الآن نعالج قضية مَن صام يوم السبت يوم عرفة فقط .
نأتي إلى الذين قد يكونون صاموا قبل يوم السبت يوم الجمعة ، فيقول قائلهم : يا جماعة ، وجاء أحدهم مسكين بالكتاب بعدما خرجنا من المسجد جاء بكتاب يريد أن يُرِيَني حديث جويرية . قلت له : يا أخي - بارك الله فيك - ما فيه حاجة للكتاب ، هذا أمر معروف ، لكن أنا أسألك : حديث جويرية هل يُوجب عليك أن تصوم يوم الخميس والجمعة والسبت ؟ قال : لا . ماذا يفيدك ؟ يفيدك الإذن والسماح أن تصوم هذه . إذًا هذا ليس فرضًا ، والرسول يقول : لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افتُرِضَ عليكم . يقول - وهذه كلمة أريد أن ألفت نظركم إليها - يقول : أنت كنت قديمًا تقول بمثل ما يفعل الناس اليوم ؟ أقول : نعم ، لكن تبيَّن لي أني كنت مخطئًا ، وأني كنت مُساقًا بسَوط الجمهور ، السَّوط مش الصوت ، كنت مَسوقًا بسَوط الجمهور ، وعلَّقت تعليقًا من كلام الجمهور في " صحيح الترغيب والترهيب " ، ثم بصَّرني الله بخطئي ، فرجعت عن خطئي إلى صوابي ؛ فهل الرجوع عن الخطأ خطأ أم صواب ؟! سكت الرجل ، قلت له : أَلَا تعلم أنُّو أئمَّتنا في كثير من مئات المسائل لهم في المسألة الواحدة أكثر من قول ؛ كان يقول قديمًا كذا ، وأكبر مثال مذهب الإمام الشافعي ؛ مذهب قديم ومذهب جديد ؛ هل يُعيَّر الإمام الشافعي بأنه كان له مذهب قديم ومذهب جديد أم يشكر على ذلك ؟ لا شك أنَّ الذين يعرفون العلم وقدره أوَّلًا ، ويعرفون الحق والرجوع إليه صواب ثانيًا ؛ هؤلاء يشكرون الإمام الشافعي وأمثاله ممَّن يعودون إلى الصواب بعد أن كانوا مخطئين ، فنحن نقتدي بهم ، هم القوم لا يشقى جليسهم ، فإن كنت قلت هذا الكلام فأنا رجعت عنه ، فأنت ناقشني الآن بالدليل ، هذا دليلك إذنٌ ، ودليلي مانع حاظر ؛ لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افتُرِضَ عليكم .
لذلك أرجو أن تُلاحظوا أنكم إذا ابتُليتم بمناقشة بعض هؤلاء الناس اقسموا المناقشة قسمين ؛ قسم مع الذين يصومون يوم عرفة فقط يوم السبت ، وقسم يصومون قبل يوم عرفة ؛ هؤلاء مناقشتهم أوضح ، والحجَّة عليهم أقوى ؛ لأنهم يصدمون الحديث ويضربونه ضربًا ، لا تصوموا يوم السبت أولئك عندهم شبهة ؛ أَذِنَ الرسول - عليه السلام - بصيام يوم السبت ، صحيح ، لكن ما يعلمون أن الحاظر مقدَّم على المبيح ؛ لأنُّو هذه قاعدة علمية أصولية نقرِّبها لهم - هؤلاء الفريق الثاني - بصيام يوم الأحد ؛ يجوز ؟ لا . يوم الاثنين يجوز ؟ لا . ليه ؟ نهى وهون - أيضًا - نهى وانتهى الأمر .
وبهذا الأمر كفاية ، والحمد لله رب العالمين ، ونريد أن نصلي قبل أن ننصرف .
السائل : ... ما هو ؟
الشيخ : إلا إذا ما أذنت للدكتور هَيْ تكون سنَّة طيبة ، إذا ما أذنت للدكتور .
السائل : تابع للسؤال السابق يعني .
الشيخ : ما أدري هَيْ الآذن هون .
...
السائل : ... .
الشيخ : الله لا يجعلنا منهم ، الرسول - عليه السلام - يقول في صريح الحديث الصحيح : لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افتُرِضَ عليكم ، لقد صام يوم السبت الخاصة والعامة ، إلا كما قلنا آنفًا إلا الغرباء ، وقليل ما هم ؛ لماذا ؟ لأنهم ماشيين على القاعدة العامة : صوم يوم عرفة يكفِّر السنة الماضية والسنة الآتية ، فإذًا هذا يوم عرفة ، لكن الناس في غفلةٍ ساهون ما ينتبهوا أنُّو هناك عام وخاص ، ومطلق ومقيَّد ، صحيح هم علماء ، لكن العلماء في غفلة ساهون ، فماذا نقول عمَّن دونهم ؟ فُوجئوا بيوم السبت يوم عرفة فصاموا جميعًا ، قُيِّض لهم ناصح أمين قال لهم : يا جماعة ، لا تصوموا هذا اليوم يوم السبت ؛ لأنُّو الرسول - عليه السلام - قال : لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افتُرِضَ عليكم ، ولأول مرَّة تجد بعض المتحمِّسين يذهبون إلى الكتب ويستغيثون بها ، ينظرون إيش هذا الكلام ؟ يبحثون يبحثون فيجدون ما يتوهَّمون أنه يساعدهم على خطئهم الذي عاشوا عليه دهورًا ، يجدون - مثلًا - حديث جويرية وحديث أبي هريرة ، وكلاهما يلتقيان في أنه لا يجوز صوم يوم الجمعة إلا معه يوم قبله أو يوم بعده ، يوم بعده معناه السبت ؛ إذًا هذا الحديث صريح بأنه يأذن للمسلم أن يصوم يوم السبت ؛ فما بال هذا الحديث الذي أنتَ أشعْتَه بين الناس : لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افتُرِضَ عليكم ؟
رجعوا إلى الكتب وجدوا الإمام مالك يقول : " هذا كذب " ، وجدوا الإمام أبو داود يقول : " هذا منسوخ " ، وجدوا الإمام النسائي يقول : " هذا حديث مضطرب " ، وجدوا أشياء تشبه هذه الأقوال ، وكما قيل : الغريق يتعلَّق ولو بخيوط القمر ، بدهم شيء يتخلَّصوا من هالمفاجأة التي فُوجئوا بها : لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افتُرِضَ عليكم .
هل من هؤلاء من تجرَّد عن العادة وتجرَّد عن الهوى وزانَ هذه الأقوال الثلاثة وهي في البطلان كما أقول ، " حديث كذب " هذا أخطر شيء قيل ، " حديث مضطرب " هذا دونه بقليل ، " حديث منسوخ " هذا أمره سهل ؛ لأنه يصحِّح الحديث ، ولكنه يدَّعي أنه منسوخ .
" حديث كذب " هل بحثوا في كتب السنة ليعلموا أن هذا القول كذب هو كذب في واقعه ، وأنَّ نسبته إلى الإمام الذي نُسب إليه نسبة باطلة ؟ الإمام مالك يقول : " هذا الحديث كذب " ، وين الرواية الصحيحة ؟ نحن أمام حديث يُنسب إلى الرسول - عليه السلام - بأسانيد كثيرة ، ثبت عندنا ثلاثة أسانيد صحيحة إلى الصحابي عبد الله بن بسر أو أخته الصَّمَّاء أن الرسول - عليه السلام - قال هذا الحديث ؛ هذا الحديث لو ثَبَتَ عن مالك بإسناد صحيح كالشمس في رابعة النهار أنَّه قال : هذا حديث كذب ؛ نحن نقول : هذا الكلام عن مالك لا نقبله ؛ لأنه ثبتَ صحة الحديث عن الرسول ؛ فما نردُّ حديث الرسول من كلام أحد أتباعه وهو الإمام مالك ؛ فكيف وهذه الكلمة التي تُذكر في بعض الكتب تُذكر معلَّقة لا سنامَ لها ولا خطام ، كيف يجوز أن نردَّ حديثًا صحيحًا بمثل هذه الكلمة عن الإمام مالك ؟ لكن الذين لهم هوى في شيء كما قلنا آنفًا الغريق يتعلَّق ولو بخيوط القمر ؛ ح يتخذها حجة ، يقول لك : كيف أنت تقول بهذا الحديث والإمام مالك يقول : كذب ؟ لو كان من العلماء أو كان من أهل العلم لَقُلنا له : تعال ، عندنا أسانيد في كتب السنة " سنن أبي داود " ، " سنن الترمذي " ، وقد قوَّى الحديث " سنن النسائي " ، وقال : الحديث مضطرب ، " مسند الإمام أحمد " ، " مستدرك الحاكم " ، " صحيح ابن حبان " إلى آخره ؛ هذه الأسانيد كلها تعال نجلس ونتدارسها لِترى عاقبة من قال : " هذا الحديث كذب " ؛ فهذا الكلام يُضرب به عرض الحائط .
نأتي إلى القول الذي يليه : " هذا حديث مضطرب " ، إيش الحديث المضطرب عند العلماء ؟ الحديث الضعيف . ما صورته ؟ صورته أن يُروى على وجوه مختلفة ، أيكفي هذا في الحديث أن يُقال : إنه مضطرب وهو من أقسام الحديث الضعيف ؟ الجواب : لا ، ليس كل حديث مضطرب يكون حديثًا ضعيفًا ، وإنما هو الحديث الذي جاء بوجوه مضطربة ولا يمكن ترجيح وجه على وجه ، أما إذا أمكن الترجيح فحينئذٍ يُعالج الوجه الراجح معالجةً خاصَّة ، قد تكون هذه المعالجة تعطي أن الحديث صحيح وقد لا تعطي ، وأنا أضرب لكم مثلًا مقرِّبًا : لو جاء حديث عن سعيد بن المسيب بالسند الصحيح ؛ عن سعيد بن المسيِّب أو المسيَّب ، والأصح المسيَّب ، عن رجل عن أبي هريرة ، وجاء بإسناد آخر صحيح - أيضًا - عن سعيد بن المسيَّب عن أبي هريرة ؛ يُقال : هذا حديث مضطرب ؛ لأنُّو الراوي عن سعيد بن المسيب اضطرب ؛ تارةً يقول : عن سعيد عن أبي هريرة ، وبهالصورة يظهر الحديث صحيح ، وتارةً قال عن سعيد عن رجل عن أبي هريرة ؛ إذًا في السند رجل مجهول ؛ صار الحديث بهذا مضطربًا ، وهو حديث ضعيف ، نقول : رويدًا رويدًا ، ادرُسْ الآن كلًّا من الطريقين ؛ فإن ترجَّح عندك طبعًا بالرجوع إلى قواعد علم الحديث إسناد مَن قال : عن سعيد عن أبي هريرة على إسناد مَن قال : عن سعيد عن رجل عن أبي هريرة ؛ قلت : هذا هو الراجح ، والحديث صحيح ، وإن ترجَّح عندك العكس عن سعيد عن رجل عن أبي هريرة ترجَّح عندك أن الحديث ضعيف ؛ لأنُّو فيه رجل مجهول .
حديثنا ليس كذلك ، حديثنا الراجح أنه حديث ثابت من وجوه ثلاثة ، وأنا بيَّنْتُ ذلك في " إرواء الغليل " بتفصيل أعتقد فيما علمتُ ولا نتألَّى على الله بأن أحدًا لم يتوسَّع في بيان صحة هذا الحديث كما وفَّقَني الله - عز وجل - .
لكن الآن هنا مسألة كثيرًا ما تختلط على الناس ، لما وقعت الواقعة في هذه السنة وفي هذا الشهر صام جماهير المسلمين يوم السبت ، فأخذ جمهورُهم يحتجُّ بما يحتج به ، وأكبر حجة عنده أن الرسول أَذِنَ بصيام يوم الجمعة بأن يصوم يوم السبت ، نقول لهم : يا جماعة ، المسألة لها صورتان فتنبَّهوا ، الصورة ألأولى وهي التي وقعت ؛ جماهير الصائمين ما أحد منهم صام يوم الجمعة ، وإنما صاموا يوم السبت بعاشوراء .
الحاضرون : بعرفة .
الشيخ : بعرفة ، هذه الصورة تُعالج لوحدها ، الصورة الأخرى يمكن يكون هناك ناس صاموا الخميس والجمعة والسبت ، هذه تُعالج لوحدها ، لكن جماهير الصائمين صاموا يوم السبت وحدَه ، لأجل إيش ؟ يوم عرفة ، هؤلاء نقول لهم : لقد عارضْتُم الحديث الصحيح وضربْتُموه في صدره ، هو يقول : لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افتُرِضَ عليكم فصُمْتُم عرفة ، وهذا ليس مما افتُرِضَ عليكم ؛ إذًا لا يجوز لكم أن تصوموا هذا اليوم ، يثوروا يقعدوا يقولوا : ما سمعنا أحد من المشايخ يقول هذا الكلام ، نقرِّب لهم الأمر بالتفصيل التالي :
ذكرتُ لبعض إخواننا من طلاب العلم شيئًا ، وخطر في بالي - أيضًا - شيء آخر ، وهذا من ألطاف الله - عز وجل - فيما يقدِّر على عباده المؤمنين ، كان يوم عرفة يوم سبت ، وتلاه يوم الأحد أول العيد ، وتلاه يوم الاثنين ثاني يوم العيد أوَّل أيام التشريق ؛ هل من أحد صام يوم الأحد بحجَّة أن الرسول كان يصوم يوم الأحد ؟ لا أحد ؟ هل من أحد صام يوم الاثنين بحجة أن الرسول كان يصوم وكان يحضُّ على الصيام ؟ الجواب : لا أحد . تُرى لم ؟ وما حجتهم في ذلك ؟ هي حجَّتنا بعينها ، حجَّتهم أنُّو نهى الرسول عن صيام أيام العيد ؛ إذًا يوم الأحد يوم عيد ، ويوم الاثنين يوم عيد ؛ فماذا فعل العلماء جميعًا فيما مضى وفيما حضر ؟ فعلوا وقفوا عند النهي ، طبَّقوا قاعدة فقهية أبَوا علينا أن يطبِّقوها في صوم يوم عرفة ، ما هي هذه القاعدة ؟ " الحاظر مقدَّم على المبيح " ؛ النَّصُّ المانع مقدَّم على النَّصِّ المبيح ، النَّصُّ المانع : لا تصوموا يوم السبت ، لا تصوموا أيام التشريق ؛ إذًا عملوا في أيام العيد وأيام التشريق بالنَّصِّ المانع ، ولم يعملوا بالنَّصِّ المانع فيما يتعلق بيوم عرفة ، لماذا هذا التنافر وهذا التناقض ؟ هكذا وجدنا آباءنا !! إذًا نحن الآن نعالج قضية مَن صام يوم السبت يوم عرفة فقط .
نأتي إلى الذين قد يكونون صاموا قبل يوم السبت يوم الجمعة ، فيقول قائلهم : يا جماعة ، وجاء أحدهم مسكين بالكتاب بعدما خرجنا من المسجد جاء بكتاب يريد أن يُرِيَني حديث جويرية . قلت له : يا أخي - بارك الله فيك - ما فيه حاجة للكتاب ، هذا أمر معروف ، لكن أنا أسألك : حديث جويرية هل يُوجب عليك أن تصوم يوم الخميس والجمعة والسبت ؟ قال : لا . ماذا يفيدك ؟ يفيدك الإذن والسماح أن تصوم هذه . إذًا هذا ليس فرضًا ، والرسول يقول : لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افتُرِضَ عليكم . يقول - وهذه كلمة أريد أن ألفت نظركم إليها - يقول : أنت كنت قديمًا تقول بمثل ما يفعل الناس اليوم ؟ أقول : نعم ، لكن تبيَّن لي أني كنت مخطئًا ، وأني كنت مُساقًا بسَوط الجمهور ، السَّوط مش الصوت ، كنت مَسوقًا بسَوط الجمهور ، وعلَّقت تعليقًا من كلام الجمهور في " صحيح الترغيب والترهيب " ، ثم بصَّرني الله بخطئي ، فرجعت عن خطئي إلى صوابي ؛ فهل الرجوع عن الخطأ خطأ أم صواب ؟! سكت الرجل ، قلت له : أَلَا تعلم أنُّو أئمَّتنا في كثير من مئات المسائل لهم في المسألة الواحدة أكثر من قول ؛ كان يقول قديمًا كذا ، وأكبر مثال مذهب الإمام الشافعي ؛ مذهب قديم ومذهب جديد ؛ هل يُعيَّر الإمام الشافعي بأنه كان له مذهب قديم ومذهب جديد أم يشكر على ذلك ؟ لا شك أنَّ الذين يعرفون العلم وقدره أوَّلًا ، ويعرفون الحق والرجوع إليه صواب ثانيًا ؛ هؤلاء يشكرون الإمام الشافعي وأمثاله ممَّن يعودون إلى الصواب بعد أن كانوا مخطئين ، فنحن نقتدي بهم ، هم القوم لا يشقى جليسهم ، فإن كنت قلت هذا الكلام فأنا رجعت عنه ، فأنت ناقشني الآن بالدليل ، هذا دليلك إذنٌ ، ودليلي مانع حاظر ؛ لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افتُرِضَ عليكم .
لذلك أرجو أن تُلاحظوا أنكم إذا ابتُليتم بمناقشة بعض هؤلاء الناس اقسموا المناقشة قسمين ؛ قسم مع الذين يصومون يوم عرفة فقط يوم السبت ، وقسم يصومون قبل يوم عرفة ؛ هؤلاء مناقشتهم أوضح ، والحجَّة عليهم أقوى ؛ لأنهم يصدمون الحديث ويضربونه ضربًا ، لا تصوموا يوم السبت أولئك عندهم شبهة ؛ أَذِنَ الرسول - عليه السلام - بصيام يوم السبت ، صحيح ، لكن ما يعلمون أن الحاظر مقدَّم على المبيح ؛ لأنُّو هذه قاعدة علمية أصولية نقرِّبها لهم - هؤلاء الفريق الثاني - بصيام يوم الأحد ؛ يجوز ؟ لا . يوم الاثنين يجوز ؟ لا . ليه ؟ نهى وهون - أيضًا - نهى وانتهى الأمر .
وبهذا الأمر كفاية ، والحمد لله رب العالمين ، ونريد أن نصلي قبل أن ننصرف .
السائل : ... ما هو ؟
الشيخ : إلا إذا ما أذنت للدكتور هَيْ تكون سنَّة طيبة ، إذا ما أذنت للدكتور .
السائل : تابع للسؤال السابق يعني .
الشيخ : ما أدري هَيْ الآذن هون .
...
الفتاوى المشابهة
- حكم إفراد يوم السبت بالصيام - ابن باز
- هل حديث لا تصوموا يوم السبت منسوخ ؟ - الالباني
- ما حكم صيام يوم الجمعة ويوم السبت .؟ - الالباني
- ما حكم صيام يوم السبت . ؟ - الالباني
- استدل بعض أهل العلم بقوله صلى الله عليه وسلم... - ابن عثيمين
- رد الشيخ على من زعم أن حديث النهي عن صيام يوم... - الالباني
- ما حكم صيام يوم السبت في النوافل ؟ - الالباني
- حكم صيام يوم السبت - ابن باز
- الكلام على حديث النهي صيام يوم السبت وبيان ض... - ابن عثيمين
- ما حكم صيام يوم السبت نافلة ؟ - الالباني
- بيان حكم صيام يوم السبت تنفُّلًا ، ومناقشة حجج... - الالباني