ما حكم صيام يوم السبت في النوافل ؟
الشيخ محمد ناصر الالباني
السائل : ما حكم - يا شيخ - صيام يوم السبت في النوافل ؟
الشيخ : لا يجوز صيامه ، والحديث في ذلك صريح ؛ ألا وهو قوله - عليه الصلاة والسلام - : لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افتُرِضَ عليكم ؛ ولو لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبة أو شجرة فَلْيَمضَغْه . هذا الحديث حديث أوَّلًا صحيح لا ريب فيه ، وما يُقال في بعض الكتب : فلان يقول : هذا حديث كذب ، وفلان يقول فيه : هذا حديث مضطرب ؛ هذا جاء إما لعدم وصول الحديث إلى قائله مطلقًا ؛ هذا بالنسبة لِمَن كذَّب به ، وإما لأنه لم يتتبَّع طرق الحديث تتبُّعًا جيِّدًا دقيقًا ، فقال بأنه حديث مضطرب ، والحديث المضطرب بلا شك عند علماء الحديث من أقسام الحديث الضعيف ، ومنهم مَن صرَّح بصحة الحديث . هذه مواقف ثلاثة من الناحية الحديثية ، قائل وحيد يقول : كذب ، وهذا مردود على قائله إن صح أنه قال ؛ لأنه قيل : معلَّقًا بدون إسناد . ثم القول الثاني : إنه حديث مضطرب ، وهذا قاله كثير من علماء الحديث ، ومنهم الإمام النسائي . ومنهم مَن صحَّح الحديث وقوَّاه كالحاكم وابن خزيمة وابن حبان والترمذي و و آخرون كثيرون ، ومن هؤلاء يمكن أن نحشر في زمرة المصحِّحين للحديث الإمام أبا داود السجستاني صاحب " السنن " المعروف به . ممكن أن نحشره في زمرة مَن صحَّح هذا الحديث ؛ ذلك لأنه مع أنه كان قد حكى عن ذاك الإمام بأنه حديث كذب ، أما هو فقال : حديث منسوخ . وحينئذٍ طالب العلم يفهم من قول أحد العلماء في حديث ما : إنه حديث منسوخ ؛ يعني أنه حديث ثابت عن الرسول - عليه السلام - ، وإلا لو لم يثبُتْ ما في حاجة لدعوى إيه ؟ النسخ ؛ فهذا يعني تصحيح بطريقة غير مباشرة ، لكنه تصحيح لا شك فيه ولا ريب .
كلُّ من قال في حديث ما : هذا حديث منسوخ ؛ لازِمُه أنه حديث صحيح ، الإمام أبو داود يقول : هذا حديث منسوخ . فإذا انتهينا من عرض أقوال العلماء من الناحية الحديثية في هذا الحديث ، فنحن نقول : مِن أبطل ما يُقال في حديث صحَّحه جماعة من الأئمة وله طرق عدَّة ؛ من أبطل ما يُقال في مثل هذا الحديث : إنه كذب ؛ فإذًا هذا ساقط الاعتبار ، وينبغي أن لا نضيِّع وقتنا في مناقشته . يأتي الإعلال الثاني وهو الاضطراب ؛ لا شك ولا ريب أنَّ من يتتبَّع طرق وأسانيد هذا الحديث لا يسَعُه إلا أن يعترف بأن فيه اضطرابًا ، لكن هذا لا يعني أنه يسعه أن يقول : إنه حديث مضطرب ، ولَرُبَّما لا يخفى ولو على بعضكم أن ثمَّة فرقًا بين أن يُقال : في هذا الحديث اضطراب ، وبين أن يقال : حديث مضطرب ؛ لأننا إذا قلنا : حديث مضطرب فذلك يساوي الحديث الضعيف .
ولا بأس أن أذكر لكم نكتة بمناسبة الشَّخطتين هدول يساوي " = " ؛ كنت وأنا شاب بعد ما نبت عذاري كما يُقال ، وفي دكانة والدي لتصليح الساعات يوم جاءني شخص كهل ، وكان ضابطًا في الجيش التركي عرفته فيما بعد منه ، اسمه " نجم الدين بيك " على عادة الأتراك يومئذٍ ، فأخرج ساعة من جيبه كانت الساعات يومئذٍ أكثرها ساعات جيب ، قدَّمها إليَّ وأنا أفتح للفحص أخذ يُثني ويمدح على حسب ما بلغه أنُّو نحن جماعة نَصَحَة ، وشاطرين في إصلاح الساعات ، و و إلى آخره . فأنا قلت له : لا يحسن بك هذا الثناء ؛ لأنك ما عامَلْتَنا بعد ، وأشرت إلى شعيرات اللي كانت نابتة في لحيتي ، ولا تغرَّك هذه ، جرِّب ثم احكم ، قال : لا - هنا الشاهد - ، المسلم له فراسة ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اتَّقوا فراسة المؤمن ؛ فإنه ينظر بنور الله . فبادرته بقولي : هذا حديث ضعيف . وأنا شاب ، ومُستغرَب جدًّا يعني شاب كهذا الأخ أو هذا أن يقول : هذا حديث ضعيف ، ورجل كهل ومع قلَّة مَن كان يلتحون يومئذٍ ، فهو مربي لحية ولو أنها خفيفة على مذهب العامة في الشام : " خير الذُّقون إشارة تكون " .
الحاضرون : [ الجميع يضحك ! ] .
الشيخ : الشاهد : الرجل دارت حماليق عينَيه في وجهي ، قال : كيف هذا حديث ضعيف ؟ نحن قرأناه في الأمس القريب على الشَّيخ . قلت له : وين قرأته ؟ قال : في " الرسالة القشيرية " . فدخلت معه كمان هنا في حديث طار عقله هو ، قلت له : " الرسالة القشيرية " هذا مش كتاب حديث ؟ هذا كتاب تصوف ، والعلم اختصاص ، فإذا بدنا نعرف حديث صحيح ما بنأخذه من كتب التصوف نأخذه من كتب الحديث ، بدنا نعرف مسألة فقهية نأخذها من كتب الفقه وهكذا . وقف حيران ، فأخذ يسألني : أنت على مين درست ؟ قلت له : ما درست على أحد . قال : لا بد أنك درست ع الشَّيخ " بدر الدين " ، الشَّيخ " بدر الدين " عندنا كان يُقال يومئذٍ في زمانه : " محدث الشام " . قلت له : لا . قال : لَكان الشَّيخ علي الدَّقر . قلت له : لا . قال : لَكان ؟ قلت : هذه دراسة شخصية . خلاصة وبلا طول سيرة كما يقولون عندنا هناك ؛ قال : أنا بدي أجيب لك إسناد الحديث . قلت له : حيَّهلا . غاب يومين ثلاثة ، وأنا جالس في الدكان ، وكانت دكَّانتنا الواجهة تبعها واجهة غربية مغرب الشمس في الصيف ، فبنزِّل غَلَق الحديد وأخلِّي هيك طاقة صغيرة منشان الزبون ، ما حسيت إلا ورقة أُلقِيَت في حضني ، وين هذا ؟ ما عاد شفته ، فتحت الورقة وإذ الحديث ناقله من " الرسالة القشيرية " بالسند فعلًا . قلت : ليته وقف حتى أعطيه الجواب !
المهم جاء ليأخذ الساعة حسب الموعد ، قال لي : شفت الحديث ؟ - هون النكتة بقى - . قلت له : نعم ، شفت الحديث . قال لي : ماذا رأيت ؟ قلت أني رأيت أن المؤلف يضعِّف الحديث - هون الشاهد - . قال : لا ، إيش الكلام ؟ أنا نقلته ، أنا كذا ، إلى آخره ، وكان يومئذٍ عندنا أقلام بيسمُّوها أقلام " كوبيا " ؛ يعني مش ناشف ، ما كان يومئذٍ ، كان واحد يعمل هيك وبيكتب ، فأنا شو كتبت له ؟ كتبت له : هَيْ السند قرأت له إياه ، عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، كتبت له : عطية شخطتين يساوي " = " ضعيف عند علماء الحديث ؛ فما دام القشيري ذكر الحديث بالسند معناها - يا أيها القارئ - انظر في السند ، أنا ما بتحمَّل مسؤولية السند ، أنا رويت الحديث كما جاءني بإسناده ، هَيْ إسناده ، فأنت بقى ادرس الرجال ، نحن نعرف عطية العوفي هذا رجل ضعيف .
الشاهد : فإذا قيل في حديث ما : حديث مضطرب ؛ شو بيساوي ؟
السائل : حديث ضعيف .
الشيخ : ضعيف ، لكن إذا قيل لنا : حديث فيه اضطراب مش ضروري أن يساوي ، قد يساوي وقد لا يساوي ؛ كيف هذا ؟
ذكروا في علم المصطلح - ونحن نعرف هذا بالتجربة - أنه ليس كل حديث وقع فيه اضطراب يعلُّه ويضعِّفه ، وإنما الذي يعلُّه ويضعِّفه إذا كان اضطراب الحديث من وجوهٍ متساوية القوية ؛ فهذا الإضطراب من وجوهٍ متعدِّدة كل وجه يساوي الآخر في القوَّة ؛ معنى ذلك أن الراوي لم يتمكَّن من ضبط الحديث ؛ ولذلك تارةً يقول هكذا ، وتارةً يقول هكذا ، لكن إذا كان السند أو طريق من طرق هذا الحديث - المضطرب الآن نقول - أرجح من الطرق الأخرى ؛ فحينئذٍ ندرس هذا الطريق الأقوى دراسة خاصَّة ، ثم ما دام هو أقوى نُلغي الطرق الأخرى ، فخرج الحديث عن كونه مضطربًا ؛ لأنُّو ترجح طريق من طرقه ، ثم ندرس هذا الطريق الراجح دراسة موضوعية خاصَّة ؛ فإن أعطانا الصحة قلنا : حديث صحيح ، والاضطراب في طرق مرجوحة ، وإن أعطانا الضعف قلنا : حديث ضعيف ، لا لأنه مضطرب ، وإنما لأن الطريق الأقوى فيه ضعف .
أنا أقرِّب لكم هذا بمثال ، والأمثلة كما علمنا ربنا في القرآن : وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ، "" لعلهم يعقلون "" :
إذا جاء حديث - مثلًا - عن الإمام الزهري ، وكلكم يعرف أنُّو هذا جبل في الثقة وفي الضبط والحفظ و و إلى آخره ، عن سعيد بن المسيب سيد التابعين ، وهذا عن أبي هريرة ، الزهري عن سعيد عن أبي هريرة سند صحيح لا إشكال فيه ، لكن الذين رووا الحديث عن الزهري هون بقى بيجي من تحت منه يجي إيش ؟ الاضطراب ، فبعضهم يقول - مثلًا - كما ذكرنا لكم : الزهري عن سعيد عن أبي هريرة ، لولا الوجوه الأخرى ماذا نقول عن هذا الإسناد ؟ بلا شك صحيح . إي ، لكن إجا شخص ثقة آخر غير اللي روى الصورة الأولى عن الزهري بيقول : عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن رجل عن أبي هريرة ؛ آ ، هذا صار فيه إشكال هون ؛ أدخل مجهولًا بين سعيد وبين أبي هريرة . يجي شخص ثالث يروي كمان عن الزهري عن سعيد عن شخص يسمِّيه ، لكن هذا الشخص مجهول كما لو قال : عن رجل ... وعدِّد الأمثلة . بيسميه ، لكن هذا المسمَّى ضعيف ، هذا المسمَّى ضعيف ؛ فلو جاء فقط من طريق الزهري عن سعيد عن هذا الضعيف عن أبي هريرة بيكون الحديث ضعيف ، لما تجي بقى هذه الوجوه ؛ هذا وجوه تمثِّل لكم الحديث إيش ؟ المضطرب إسناده .
طيب ؛ الآن إذا فرضنا نحن الآن قدَّمنا أربعة وجوه ؛ هالرواة عن الزهري الأربعة اللي كل واحد جاءنا بوجه كلهم ثقات ، ما نقدر نرجِّح طريق على طريق ؛ نقول : هذا حديث إيش ؟ مضطرب ، لكن إذا فرضنا أنُّو واحد من هالأربعة هالي رووا عن الزهري وجهًا من الوجوه الأربعة هو أشدُّهم حفظًا ؛ فحينئذٍ تصبح طريقه راجحة ، وتصبح الطرق الأخرى مرجوحة ، فنرمي بها أرضًا وندرس الطريق هذه الراجحة ، لنفترض الآن الطريق الراجحة بالنسبة للراوي عن الزهري هي الطريق الأولى ، مثلًا يونس بن يزيد الأيلي عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة ؛ هذا إسناد صحيح ، ما بيضرّنا كونه جاء من طرق أخرى ؛ لأن الذين رووا الحديث عن الزهري عن الطرق الأخرى ليسوا في مثابة يونس هذا بن يزيد الأيلي من حيث الضبط والقوة .
نعكس الآن ؛ لو فرضنا كان الأرجح الصورة الثانية اللي بيقول : عن الزهري عن سعيد عن رجل عن أبي هريرة ؛ صحيح خرج الحديث عن كونه مضطربًا ؛ لأنُّو هذا الوجه أرجح ، لكن هذا الوجه ما يعطي للحديث صحة ؛ لأنُّو فيه إيش ؟ رجل مجهول ، وهكذا . أظن وضح لكم يعني يكف يكون الحديث مضطربًا ، ومتى لا يكون مضطربًا ولو جاء من وجوه مختلفة .
حديثنا السابق : لا تصوموا يوم السبت فيه اضطراب وليس مضطربًا ؛ لماذا ؟ لأنه جاء من ثلاثة طرق على وجه واحد ؛ يعني ثلاثة من الثقات رووا الحديث عن - لا إله إلا الله - الحديث يا سيدي تابعيُّه ثور بن يزيد الشامي عن خالد بن معدان عن عبد الله بن بسر ، هذا صحابي ، بل هو آخر أصحاب الرسول - عليه السلام - الذين ماتوا في الشام . خالد بن معدان ثقة احتج به الستة ، وفيهم بطبيعة الحال " الصحيحان " ، الراوي عنه ثور بن يزيد احتجَّ به البخاري وهو ثقة ، إجت بقى طرق متعدِّدة على وجه واحد عن هذا الصحابي الجليل ، فإذًا الحديث صحيح ، ولا يضرُّنا أنُّو جاء من وجوه أخرى ؛ مثل : من هذه الوجوه هالي بقيت في ذهني عن عبد الله بن بسر - نفس الطريق - ثور عن خالد عن عبد الله بن بسر عن أخته الصَّمَّاء ، إيش الفرق بقى ؟ الأول كان عن الصحابي الرجل نفسه قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا تصوموا يوم السبت ، وجه من وجوه الاضطراب عن عبد الله بن بسر عن أخته الصَّمَّاء ، وجه ثالث عن عمَّته الصَّمَّاء ، وجه رابع عن عائشة خرج عن كونه أخته ولَّا عمته ولَّا إلى آخرع ، لكن هذه الوجوه كلها مرجوحة تلقاء الوجوه الوجه الأول اللي رواه الثقات الثلاثة ، فمَن درس هذا الحديث يقول أخيرًا : هذا حديث مضطرب ، لكن اضطرابه لا يؤثِّر في صحته ؛ لأن بعض طرقه الراجحة صحيحة في ذاتها .
شيء آخر وهام في الموضوع : عبد الله بن بسر ثبت عنه أنه قال : " صيام يوم السبت لا لك ولا عليك " ، هذه فتوى من راوي الحديث ، هذا بيقوِّي مرتبة الحديث من الناحية الفقهية ، " صيام يوم السبت لا لك ولا عليك " ؛ هذا تعبير مَن يستقي من مشكاة النبوة والرسالة ؛ لأنه يساوي تمامًا : مَن صام الدهر فلا صام ولا أفطر ، طيب ؛ ماذا يأخذ الإنسان من حديث : فلا صام ولا أفطر ؛ هل يصوم ؟
الحاضرون : لا .
الشيخ : ما يصوم . ماذا نأخذ من قول هذا الصحابي : " صيام يوم السبت لا لك ولا عليك " ؛ يصوم ؟ ما نصوم ؛ ليه ؟ لأنُّو إذا بدنا نصوم نصوم منشان الأجر ، وعم بيقول لك : ليس لك . فإذًا إذا قال : ولا عليك بمعنى ولا عليك مثل ما قال : " لا صام ولا أفطر " ؛ فإذًا الفقه الإسلامي يُعطينا لو لم يكن عندنا الحديث الأول : لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افتُرِضَ عليكم ؛ فعندنا قول هذا الصحابي وليس هناك قول صحابي آخر يخالفه ؛ نقول : هذا فقه صحابي جليل ، فنحن معه لا نصوم يوم السبت .
لكن الحديث في الحقيقة أهم من قول هذا الصحابي ؛ لماذا ؟ لأن قول الصحابي ممكن أن يدخُلَه تخصيص ؛ يعني افرضه أنُّو مرفوع إلى الرسول - عليه السلام - ؛ ممكن أن يدخله تخصيص ، وهذا ما فعله بعض العلماء في الحديث الأول : لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افتُرِضَ عليكم . قالوا : وإلا إذا كان يومًا معه ، واحتجوا في هذا بحديث ظاهره حجَّة ؛ لأنُّو الحديث صحيح بالبخاري ، وهو حديث جويرية لما وُضِعت المائدة أمام الرسول - عليه السلام - فدَعَاها لتأكل ، قالت : إني صائمة . قال : هل صمْتِ أمس ؟ . قالت : لا . قال : هل تريدين أن تصومي غدًا - يعني يوم السبت - ؟ . قالت : لا . قال : فأفطري . إذًا هذا الحديث يعطي في الظاهر خلاف حديثنا الأول ؛ أي : إنه أَذِنَ بصيام يوم السبت ، منشان التخلُّص من فردية الجمعة بصيام .
جوابنا نحن حينئذٍ على طريقتين ؛ الطريقة الأولى وهذا اللي وقع في عرفة الماضي ؛ أكثر الناس صاموا يوم السبت ولا عندهم خبر صيام يوم الجمعة ؛ لأنُّو هنّ ما يصوموا يوم الجمعة ، كما أنهم لا يصومون السبت والخميس كأكثر الناس ، لكن يوم عرفة له هالفضيلة الثابتة في السنة يكفِّر السنة الماضية والسنة الآتية ، فأكثر الناس صاموا يوم السبت وحده .
طلبة العلم هاللي يقرؤوا في الكتب وما عندهم الاستطاعة للتمييز يجوا بيناقشوا ؛ إي الرسول أَذِنَ لجويرية أن تصوم يوم السبت ؟
جوابنا حينئذٍ على طريقتين :
الطريقة الأولى : نقول للذين صاموا يوم عرفة يوم السبت وما صاموا يوم الجمعة ؛ ما عذرهم ؟ هؤلاء ما صاموا يوم الجمعة حتى يُؤذَنَ لهم بصيام يوم السبت ؛ إذًا هؤلاء خالفوا الحديث في الصَّميم : لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افتُرِضَ عليكم .
نقول للذين قد يكونون صاموا فعلًا يوم الجمعة وبدهم يعملوا بحديث جويرية ؛ نقول : لا ، لا يجوز - أيضًا - لكم أن تصوموا يوم الجمعة ولو قصدتم أن تصوموا يوم السبت ؛ لماذا ؟ لأن هناك قواعد علمية أصولية فقهية عامة ، وهي : الآن يأتي ما يتعلق بالموضوع المراجحة والجمع و و إلى آخره ، الحافظ بن حجر - رحمه الله - يقول : إذا جاء حديثان من قسم المقبول متعارضان يجب التوفيق بينهما بوجهٍ من وجوه التوفيق . الحافظ العراقي في شرحه على " مقدمة علوم الحديث " لابن الصلاح ذكر أكثر من مئة وجه في سبيل التوفيق بين حديثين متعارضين ، إذا لم يمكن التوفيق بين حديثين متعارضين جاء حين ذاك إيش ؟ تطلُّب الناسخ والمنسوخ ، من جملة وجوه الترجيح إذا تعارض حاظر ومبيح قُدِّمَ الحاظر على المبيح ، الآن حديث جويرية مبيح ؛ لأنه أَذِنَ بصيام يوم السبت ، وبحثنا الآن لِمَن صام يوم الجمعة ، أما اللي ما صام يوم الجمعة انتهت مشكلتنا معه ، إي نعم . مَن صام يوم الجمعة أَذِنَ الرسول له في ذاك الحديث وغيره بأن يصوم يوم السبت ، لكن حديث عبد الله بن بسر هذا حاظر ؛ أي : يُقدَّم على حديث جويرية المبيح ؛ لأنُّو ما بإمكاننا نجمع بينهما بطريقة من الطرق الكثيرة التي أشار إليها الحافظ العراقي - رحمه الله - إلا بهذا الطريق حاظر ومبيح ، وهذه قاعدة مأخوذة من أدلة في الشريعة ، منها : دَعْ ما يريبك إلى ما يريبك ، الله ما بيكلفك تصوم الجمعة مشان تصوم السبت وتقع في مخالفة حديث : لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افتُرِضَ عليكم . وإذا أردنا أن نفعل - كما قال بعض العلماء قديمًا - أن نخصِّص حديث : لا تصوموا يوم السبت بحديث جويرية ؛ راح يطلع معنا نتيجة نابية عن كلام الرسول اللي من خواصِّه قوله : وأُوتِيتُ جوامع الكلم . طيب ؛ الذي أُوتِيَ جوامع الكلم قال : لا تصوموا يوم السبت مطلقًا ، ثم استثنى شيئًا واحدًا فقال : إلا فيما افتُرِضَ عليكم ، نحن الآن شو نساوي ؟ إلا فيما افتُرِضَ عليكم ، وإلا إذا صمتم معه يوم الجمعة ؛ هَيْ نافية ، بعد هذا النهي العام ثم الاستثناء الخاص إلا فيما افتُرِضَ عليكم وليس هنا صيام يوم الجمعة صيام يوم السبت مما افتُرِضَ علينا ؛ فإذًا نحن نرجِّح الحاظر على إيش ؟ المبيح ؛ على المبيح اللي هو حديث جويرية - رضي الله عنها - .
وأقرب أمثلة لهذا الذي نقوله ، وقلت هذا بمناسبة العيد - سبحان الله ! - يوم السبت كان يوم عرفة ، يوم الأحد كان أول يوم العيد يوم النحر ، يوم الاثنين أول يوم من أيام التشريق ، طيب ؛ هل أحد صام يوم الأحد ؟ الجواب : لا . مع أنهم يحتجُّون الذين يُعارضون حديث : لا تصوموا يوم السبت ، واليوم سألني واحد في المسجد ؛ قال لي أنُّو الرسول كان يصوم السبت كان يصوم الأحد ، ويُسأل ؟ فيقول : إنهما أيام عيد لليهود والنصارى فإني أحبُّ أن أصومَهما . طيب ؛ جاء .
السائل : ... .
الشيخ : نعم ؟
السائل : ... .
الشيخ : إي نعم ، جاب هذا الحديث . طيب ؛ جاء يوم الأحد يوم عيد عندنا ، والرسول كان يصوم فرضًا - أقول فرضًا ؛ لأنُّو هذا الحديث ضعيف السند ثبت عندنا أخيرًا - ؛ فهَبْ أن الرسول كان يصوم يوم الأحد كما نعلم يقينًا أنه كان يصوم الخميس ، وكان يصوم إيش ؟ الاثنين ، طيب ؛ فهل صام يوم العيد أحد ؟ وهو يوم أحد ، وهو مما كان يصوم الرسول كما يقول البعض لبعض الأحاديث ؟ لا ... .
الشيخ : لا يجوز صيامه ، والحديث في ذلك صريح ؛ ألا وهو قوله - عليه الصلاة والسلام - : لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افتُرِضَ عليكم ؛ ولو لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبة أو شجرة فَلْيَمضَغْه . هذا الحديث حديث أوَّلًا صحيح لا ريب فيه ، وما يُقال في بعض الكتب : فلان يقول : هذا حديث كذب ، وفلان يقول فيه : هذا حديث مضطرب ؛ هذا جاء إما لعدم وصول الحديث إلى قائله مطلقًا ؛ هذا بالنسبة لِمَن كذَّب به ، وإما لأنه لم يتتبَّع طرق الحديث تتبُّعًا جيِّدًا دقيقًا ، فقال بأنه حديث مضطرب ، والحديث المضطرب بلا شك عند علماء الحديث من أقسام الحديث الضعيف ، ومنهم مَن صرَّح بصحة الحديث . هذه مواقف ثلاثة من الناحية الحديثية ، قائل وحيد يقول : كذب ، وهذا مردود على قائله إن صح أنه قال ؛ لأنه قيل : معلَّقًا بدون إسناد . ثم القول الثاني : إنه حديث مضطرب ، وهذا قاله كثير من علماء الحديث ، ومنهم الإمام النسائي . ومنهم مَن صحَّح الحديث وقوَّاه كالحاكم وابن خزيمة وابن حبان والترمذي و و آخرون كثيرون ، ومن هؤلاء يمكن أن نحشر في زمرة المصحِّحين للحديث الإمام أبا داود السجستاني صاحب " السنن " المعروف به . ممكن أن نحشره في زمرة مَن صحَّح هذا الحديث ؛ ذلك لأنه مع أنه كان قد حكى عن ذاك الإمام بأنه حديث كذب ، أما هو فقال : حديث منسوخ . وحينئذٍ طالب العلم يفهم من قول أحد العلماء في حديث ما : إنه حديث منسوخ ؛ يعني أنه حديث ثابت عن الرسول - عليه السلام - ، وإلا لو لم يثبُتْ ما في حاجة لدعوى إيه ؟ النسخ ؛ فهذا يعني تصحيح بطريقة غير مباشرة ، لكنه تصحيح لا شك فيه ولا ريب .
كلُّ من قال في حديث ما : هذا حديث منسوخ ؛ لازِمُه أنه حديث صحيح ، الإمام أبو داود يقول : هذا حديث منسوخ . فإذا انتهينا من عرض أقوال العلماء من الناحية الحديثية في هذا الحديث ، فنحن نقول : مِن أبطل ما يُقال في حديث صحَّحه جماعة من الأئمة وله طرق عدَّة ؛ من أبطل ما يُقال في مثل هذا الحديث : إنه كذب ؛ فإذًا هذا ساقط الاعتبار ، وينبغي أن لا نضيِّع وقتنا في مناقشته . يأتي الإعلال الثاني وهو الاضطراب ؛ لا شك ولا ريب أنَّ من يتتبَّع طرق وأسانيد هذا الحديث لا يسَعُه إلا أن يعترف بأن فيه اضطرابًا ، لكن هذا لا يعني أنه يسعه أن يقول : إنه حديث مضطرب ، ولَرُبَّما لا يخفى ولو على بعضكم أن ثمَّة فرقًا بين أن يُقال : في هذا الحديث اضطراب ، وبين أن يقال : حديث مضطرب ؛ لأننا إذا قلنا : حديث مضطرب فذلك يساوي الحديث الضعيف .
ولا بأس أن أذكر لكم نكتة بمناسبة الشَّخطتين هدول يساوي " = " ؛ كنت وأنا شاب بعد ما نبت عذاري كما يُقال ، وفي دكانة والدي لتصليح الساعات يوم جاءني شخص كهل ، وكان ضابطًا في الجيش التركي عرفته فيما بعد منه ، اسمه " نجم الدين بيك " على عادة الأتراك يومئذٍ ، فأخرج ساعة من جيبه كانت الساعات يومئذٍ أكثرها ساعات جيب ، قدَّمها إليَّ وأنا أفتح للفحص أخذ يُثني ويمدح على حسب ما بلغه أنُّو نحن جماعة نَصَحَة ، وشاطرين في إصلاح الساعات ، و و إلى آخره . فأنا قلت له : لا يحسن بك هذا الثناء ؛ لأنك ما عامَلْتَنا بعد ، وأشرت إلى شعيرات اللي كانت نابتة في لحيتي ، ولا تغرَّك هذه ، جرِّب ثم احكم ، قال : لا - هنا الشاهد - ، المسلم له فراسة ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اتَّقوا فراسة المؤمن ؛ فإنه ينظر بنور الله . فبادرته بقولي : هذا حديث ضعيف . وأنا شاب ، ومُستغرَب جدًّا يعني شاب كهذا الأخ أو هذا أن يقول : هذا حديث ضعيف ، ورجل كهل ومع قلَّة مَن كان يلتحون يومئذٍ ، فهو مربي لحية ولو أنها خفيفة على مذهب العامة في الشام : " خير الذُّقون إشارة تكون " .
الحاضرون : [ الجميع يضحك ! ] .
الشيخ : الشاهد : الرجل دارت حماليق عينَيه في وجهي ، قال : كيف هذا حديث ضعيف ؟ نحن قرأناه في الأمس القريب على الشَّيخ . قلت له : وين قرأته ؟ قال : في " الرسالة القشيرية " . فدخلت معه كمان هنا في حديث طار عقله هو ، قلت له : " الرسالة القشيرية " هذا مش كتاب حديث ؟ هذا كتاب تصوف ، والعلم اختصاص ، فإذا بدنا نعرف حديث صحيح ما بنأخذه من كتب التصوف نأخذه من كتب الحديث ، بدنا نعرف مسألة فقهية نأخذها من كتب الفقه وهكذا . وقف حيران ، فأخذ يسألني : أنت على مين درست ؟ قلت له : ما درست على أحد . قال : لا بد أنك درست ع الشَّيخ " بدر الدين " ، الشَّيخ " بدر الدين " عندنا كان يُقال يومئذٍ في زمانه : " محدث الشام " . قلت له : لا . قال : لَكان الشَّيخ علي الدَّقر . قلت له : لا . قال : لَكان ؟ قلت : هذه دراسة شخصية . خلاصة وبلا طول سيرة كما يقولون عندنا هناك ؛ قال : أنا بدي أجيب لك إسناد الحديث . قلت له : حيَّهلا . غاب يومين ثلاثة ، وأنا جالس في الدكان ، وكانت دكَّانتنا الواجهة تبعها واجهة غربية مغرب الشمس في الصيف ، فبنزِّل غَلَق الحديد وأخلِّي هيك طاقة صغيرة منشان الزبون ، ما حسيت إلا ورقة أُلقِيَت في حضني ، وين هذا ؟ ما عاد شفته ، فتحت الورقة وإذ الحديث ناقله من " الرسالة القشيرية " بالسند فعلًا . قلت : ليته وقف حتى أعطيه الجواب !
المهم جاء ليأخذ الساعة حسب الموعد ، قال لي : شفت الحديث ؟ - هون النكتة بقى - . قلت له : نعم ، شفت الحديث . قال لي : ماذا رأيت ؟ قلت أني رأيت أن المؤلف يضعِّف الحديث - هون الشاهد - . قال : لا ، إيش الكلام ؟ أنا نقلته ، أنا كذا ، إلى آخره ، وكان يومئذٍ عندنا أقلام بيسمُّوها أقلام " كوبيا " ؛ يعني مش ناشف ، ما كان يومئذٍ ، كان واحد يعمل هيك وبيكتب ، فأنا شو كتبت له ؟ كتبت له : هَيْ السند قرأت له إياه ، عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، كتبت له : عطية شخطتين يساوي " = " ضعيف عند علماء الحديث ؛ فما دام القشيري ذكر الحديث بالسند معناها - يا أيها القارئ - انظر في السند ، أنا ما بتحمَّل مسؤولية السند ، أنا رويت الحديث كما جاءني بإسناده ، هَيْ إسناده ، فأنت بقى ادرس الرجال ، نحن نعرف عطية العوفي هذا رجل ضعيف .
الشاهد : فإذا قيل في حديث ما : حديث مضطرب ؛ شو بيساوي ؟
السائل : حديث ضعيف .
الشيخ : ضعيف ، لكن إذا قيل لنا : حديث فيه اضطراب مش ضروري أن يساوي ، قد يساوي وقد لا يساوي ؛ كيف هذا ؟
ذكروا في علم المصطلح - ونحن نعرف هذا بالتجربة - أنه ليس كل حديث وقع فيه اضطراب يعلُّه ويضعِّفه ، وإنما الذي يعلُّه ويضعِّفه إذا كان اضطراب الحديث من وجوهٍ متساوية القوية ؛ فهذا الإضطراب من وجوهٍ متعدِّدة كل وجه يساوي الآخر في القوَّة ؛ معنى ذلك أن الراوي لم يتمكَّن من ضبط الحديث ؛ ولذلك تارةً يقول هكذا ، وتارةً يقول هكذا ، لكن إذا كان السند أو طريق من طرق هذا الحديث - المضطرب الآن نقول - أرجح من الطرق الأخرى ؛ فحينئذٍ ندرس هذا الطريق الأقوى دراسة خاصَّة ، ثم ما دام هو أقوى نُلغي الطرق الأخرى ، فخرج الحديث عن كونه مضطربًا ؛ لأنُّو ترجح طريق من طرقه ، ثم ندرس هذا الطريق الراجح دراسة موضوعية خاصَّة ؛ فإن أعطانا الصحة قلنا : حديث صحيح ، والاضطراب في طرق مرجوحة ، وإن أعطانا الضعف قلنا : حديث ضعيف ، لا لأنه مضطرب ، وإنما لأن الطريق الأقوى فيه ضعف .
أنا أقرِّب لكم هذا بمثال ، والأمثلة كما علمنا ربنا في القرآن : وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ، "" لعلهم يعقلون "" :
إذا جاء حديث - مثلًا - عن الإمام الزهري ، وكلكم يعرف أنُّو هذا جبل في الثقة وفي الضبط والحفظ و و إلى آخره ، عن سعيد بن المسيب سيد التابعين ، وهذا عن أبي هريرة ، الزهري عن سعيد عن أبي هريرة سند صحيح لا إشكال فيه ، لكن الذين رووا الحديث عن الزهري هون بقى بيجي من تحت منه يجي إيش ؟ الاضطراب ، فبعضهم يقول - مثلًا - كما ذكرنا لكم : الزهري عن سعيد عن أبي هريرة ، لولا الوجوه الأخرى ماذا نقول عن هذا الإسناد ؟ بلا شك صحيح . إي ، لكن إجا شخص ثقة آخر غير اللي روى الصورة الأولى عن الزهري بيقول : عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن رجل عن أبي هريرة ؛ آ ، هذا صار فيه إشكال هون ؛ أدخل مجهولًا بين سعيد وبين أبي هريرة . يجي شخص ثالث يروي كمان عن الزهري عن سعيد عن شخص يسمِّيه ، لكن هذا الشخص مجهول كما لو قال : عن رجل ... وعدِّد الأمثلة . بيسميه ، لكن هذا المسمَّى ضعيف ، هذا المسمَّى ضعيف ؛ فلو جاء فقط من طريق الزهري عن سعيد عن هذا الضعيف عن أبي هريرة بيكون الحديث ضعيف ، لما تجي بقى هذه الوجوه ؛ هذا وجوه تمثِّل لكم الحديث إيش ؟ المضطرب إسناده .
طيب ؛ الآن إذا فرضنا نحن الآن قدَّمنا أربعة وجوه ؛ هالرواة عن الزهري الأربعة اللي كل واحد جاءنا بوجه كلهم ثقات ، ما نقدر نرجِّح طريق على طريق ؛ نقول : هذا حديث إيش ؟ مضطرب ، لكن إذا فرضنا أنُّو واحد من هالأربعة هالي رووا عن الزهري وجهًا من الوجوه الأربعة هو أشدُّهم حفظًا ؛ فحينئذٍ تصبح طريقه راجحة ، وتصبح الطرق الأخرى مرجوحة ، فنرمي بها أرضًا وندرس الطريق هذه الراجحة ، لنفترض الآن الطريق الراجحة بالنسبة للراوي عن الزهري هي الطريق الأولى ، مثلًا يونس بن يزيد الأيلي عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة ؛ هذا إسناد صحيح ، ما بيضرّنا كونه جاء من طرق أخرى ؛ لأن الذين رووا الحديث عن الزهري عن الطرق الأخرى ليسوا في مثابة يونس هذا بن يزيد الأيلي من حيث الضبط والقوة .
نعكس الآن ؛ لو فرضنا كان الأرجح الصورة الثانية اللي بيقول : عن الزهري عن سعيد عن رجل عن أبي هريرة ؛ صحيح خرج الحديث عن كونه مضطربًا ؛ لأنُّو هذا الوجه أرجح ، لكن هذا الوجه ما يعطي للحديث صحة ؛ لأنُّو فيه إيش ؟ رجل مجهول ، وهكذا . أظن وضح لكم يعني يكف يكون الحديث مضطربًا ، ومتى لا يكون مضطربًا ولو جاء من وجوه مختلفة .
حديثنا السابق : لا تصوموا يوم السبت فيه اضطراب وليس مضطربًا ؛ لماذا ؟ لأنه جاء من ثلاثة طرق على وجه واحد ؛ يعني ثلاثة من الثقات رووا الحديث عن - لا إله إلا الله - الحديث يا سيدي تابعيُّه ثور بن يزيد الشامي عن خالد بن معدان عن عبد الله بن بسر ، هذا صحابي ، بل هو آخر أصحاب الرسول - عليه السلام - الذين ماتوا في الشام . خالد بن معدان ثقة احتج به الستة ، وفيهم بطبيعة الحال " الصحيحان " ، الراوي عنه ثور بن يزيد احتجَّ به البخاري وهو ثقة ، إجت بقى طرق متعدِّدة على وجه واحد عن هذا الصحابي الجليل ، فإذًا الحديث صحيح ، ولا يضرُّنا أنُّو جاء من وجوه أخرى ؛ مثل : من هذه الوجوه هالي بقيت في ذهني عن عبد الله بن بسر - نفس الطريق - ثور عن خالد عن عبد الله بن بسر عن أخته الصَّمَّاء ، إيش الفرق بقى ؟ الأول كان عن الصحابي الرجل نفسه قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا تصوموا يوم السبت ، وجه من وجوه الاضطراب عن عبد الله بن بسر عن أخته الصَّمَّاء ، وجه ثالث عن عمَّته الصَّمَّاء ، وجه رابع عن عائشة خرج عن كونه أخته ولَّا عمته ولَّا إلى آخرع ، لكن هذه الوجوه كلها مرجوحة تلقاء الوجوه الوجه الأول اللي رواه الثقات الثلاثة ، فمَن درس هذا الحديث يقول أخيرًا : هذا حديث مضطرب ، لكن اضطرابه لا يؤثِّر في صحته ؛ لأن بعض طرقه الراجحة صحيحة في ذاتها .
شيء آخر وهام في الموضوع : عبد الله بن بسر ثبت عنه أنه قال : " صيام يوم السبت لا لك ولا عليك " ، هذه فتوى من راوي الحديث ، هذا بيقوِّي مرتبة الحديث من الناحية الفقهية ، " صيام يوم السبت لا لك ولا عليك " ؛ هذا تعبير مَن يستقي من مشكاة النبوة والرسالة ؛ لأنه يساوي تمامًا : مَن صام الدهر فلا صام ولا أفطر ، طيب ؛ ماذا يأخذ الإنسان من حديث : فلا صام ولا أفطر ؛ هل يصوم ؟
الحاضرون : لا .
الشيخ : ما يصوم . ماذا نأخذ من قول هذا الصحابي : " صيام يوم السبت لا لك ولا عليك " ؛ يصوم ؟ ما نصوم ؛ ليه ؟ لأنُّو إذا بدنا نصوم نصوم منشان الأجر ، وعم بيقول لك : ليس لك . فإذًا إذا قال : ولا عليك بمعنى ولا عليك مثل ما قال : " لا صام ولا أفطر " ؛ فإذًا الفقه الإسلامي يُعطينا لو لم يكن عندنا الحديث الأول : لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افتُرِضَ عليكم ؛ فعندنا قول هذا الصحابي وليس هناك قول صحابي آخر يخالفه ؛ نقول : هذا فقه صحابي جليل ، فنحن معه لا نصوم يوم السبت .
لكن الحديث في الحقيقة أهم من قول هذا الصحابي ؛ لماذا ؟ لأن قول الصحابي ممكن أن يدخُلَه تخصيص ؛ يعني افرضه أنُّو مرفوع إلى الرسول - عليه السلام - ؛ ممكن أن يدخله تخصيص ، وهذا ما فعله بعض العلماء في الحديث الأول : لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افتُرِضَ عليكم . قالوا : وإلا إذا كان يومًا معه ، واحتجوا في هذا بحديث ظاهره حجَّة ؛ لأنُّو الحديث صحيح بالبخاري ، وهو حديث جويرية لما وُضِعت المائدة أمام الرسول - عليه السلام - فدَعَاها لتأكل ، قالت : إني صائمة . قال : هل صمْتِ أمس ؟ . قالت : لا . قال : هل تريدين أن تصومي غدًا - يعني يوم السبت - ؟ . قالت : لا . قال : فأفطري . إذًا هذا الحديث يعطي في الظاهر خلاف حديثنا الأول ؛ أي : إنه أَذِنَ بصيام يوم السبت ، منشان التخلُّص من فردية الجمعة بصيام .
جوابنا نحن حينئذٍ على طريقتين ؛ الطريقة الأولى وهذا اللي وقع في عرفة الماضي ؛ أكثر الناس صاموا يوم السبت ولا عندهم خبر صيام يوم الجمعة ؛ لأنُّو هنّ ما يصوموا يوم الجمعة ، كما أنهم لا يصومون السبت والخميس كأكثر الناس ، لكن يوم عرفة له هالفضيلة الثابتة في السنة يكفِّر السنة الماضية والسنة الآتية ، فأكثر الناس صاموا يوم السبت وحده .
طلبة العلم هاللي يقرؤوا في الكتب وما عندهم الاستطاعة للتمييز يجوا بيناقشوا ؛ إي الرسول أَذِنَ لجويرية أن تصوم يوم السبت ؟
جوابنا حينئذٍ على طريقتين :
الطريقة الأولى : نقول للذين صاموا يوم عرفة يوم السبت وما صاموا يوم الجمعة ؛ ما عذرهم ؟ هؤلاء ما صاموا يوم الجمعة حتى يُؤذَنَ لهم بصيام يوم السبت ؛ إذًا هؤلاء خالفوا الحديث في الصَّميم : لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افتُرِضَ عليكم .
نقول للذين قد يكونون صاموا فعلًا يوم الجمعة وبدهم يعملوا بحديث جويرية ؛ نقول : لا ، لا يجوز - أيضًا - لكم أن تصوموا يوم الجمعة ولو قصدتم أن تصوموا يوم السبت ؛ لماذا ؟ لأن هناك قواعد علمية أصولية فقهية عامة ، وهي : الآن يأتي ما يتعلق بالموضوع المراجحة والجمع و و إلى آخره ، الحافظ بن حجر - رحمه الله - يقول : إذا جاء حديثان من قسم المقبول متعارضان يجب التوفيق بينهما بوجهٍ من وجوه التوفيق . الحافظ العراقي في شرحه على " مقدمة علوم الحديث " لابن الصلاح ذكر أكثر من مئة وجه في سبيل التوفيق بين حديثين متعارضين ، إذا لم يمكن التوفيق بين حديثين متعارضين جاء حين ذاك إيش ؟ تطلُّب الناسخ والمنسوخ ، من جملة وجوه الترجيح إذا تعارض حاظر ومبيح قُدِّمَ الحاظر على المبيح ، الآن حديث جويرية مبيح ؛ لأنه أَذِنَ بصيام يوم السبت ، وبحثنا الآن لِمَن صام يوم الجمعة ، أما اللي ما صام يوم الجمعة انتهت مشكلتنا معه ، إي نعم . مَن صام يوم الجمعة أَذِنَ الرسول له في ذاك الحديث وغيره بأن يصوم يوم السبت ، لكن حديث عبد الله بن بسر هذا حاظر ؛ أي : يُقدَّم على حديث جويرية المبيح ؛ لأنُّو ما بإمكاننا نجمع بينهما بطريقة من الطرق الكثيرة التي أشار إليها الحافظ العراقي - رحمه الله - إلا بهذا الطريق حاظر ومبيح ، وهذه قاعدة مأخوذة من أدلة في الشريعة ، منها : دَعْ ما يريبك إلى ما يريبك ، الله ما بيكلفك تصوم الجمعة مشان تصوم السبت وتقع في مخالفة حديث : لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افتُرِضَ عليكم . وإذا أردنا أن نفعل - كما قال بعض العلماء قديمًا - أن نخصِّص حديث : لا تصوموا يوم السبت بحديث جويرية ؛ راح يطلع معنا نتيجة نابية عن كلام الرسول اللي من خواصِّه قوله : وأُوتِيتُ جوامع الكلم . طيب ؛ الذي أُوتِيَ جوامع الكلم قال : لا تصوموا يوم السبت مطلقًا ، ثم استثنى شيئًا واحدًا فقال : إلا فيما افتُرِضَ عليكم ، نحن الآن شو نساوي ؟ إلا فيما افتُرِضَ عليكم ، وإلا إذا صمتم معه يوم الجمعة ؛ هَيْ نافية ، بعد هذا النهي العام ثم الاستثناء الخاص إلا فيما افتُرِضَ عليكم وليس هنا صيام يوم الجمعة صيام يوم السبت مما افتُرِضَ علينا ؛ فإذًا نحن نرجِّح الحاظر على إيش ؟ المبيح ؛ على المبيح اللي هو حديث جويرية - رضي الله عنها - .
وأقرب أمثلة لهذا الذي نقوله ، وقلت هذا بمناسبة العيد - سبحان الله ! - يوم السبت كان يوم عرفة ، يوم الأحد كان أول يوم العيد يوم النحر ، يوم الاثنين أول يوم من أيام التشريق ، طيب ؛ هل أحد صام يوم الأحد ؟ الجواب : لا . مع أنهم يحتجُّون الذين يُعارضون حديث : لا تصوموا يوم السبت ، واليوم سألني واحد في المسجد ؛ قال لي أنُّو الرسول كان يصوم السبت كان يصوم الأحد ، ويُسأل ؟ فيقول : إنهما أيام عيد لليهود والنصارى فإني أحبُّ أن أصومَهما . طيب ؛ جاء .
السائل : ... .
الشيخ : نعم ؟
السائل : ... .
الشيخ : إي نعم ، جاب هذا الحديث . طيب ؛ جاء يوم الأحد يوم عيد عندنا ، والرسول كان يصوم فرضًا - أقول فرضًا ؛ لأنُّو هذا الحديث ضعيف السند ثبت عندنا أخيرًا - ؛ فهَبْ أن الرسول كان يصوم يوم الأحد كما نعلم يقينًا أنه كان يصوم الخميس ، وكان يصوم إيش ؟ الاثنين ، طيب ؛ فهل صام يوم العيد أحد ؟ وهو يوم أحد ، وهو مما كان يصوم الرسول كما يقول البعض لبعض الأحاديث ؟ لا ... .
الفتاوى المشابهة
- رد الشيخ على من زعم أن حديث النهي عن صيام يوم... - الالباني
- حكم إفراد يوم السبت بالصيام - ابن عثيمين
- صيام يوم السبت. - الالباني
- ما حكم صيام يوم السبت؟ - ابن عثيمين
- ما حكم صيام يوم السبت ؟ - ابن عثيمين
- بيان حكم صيام يوم السبت تنفُّلًا ، ومناقشة حجج... - الالباني
- ما حكم صيام يوم السبت . ؟ - الالباني
- ما حكم صيام يوم الجمعة ويوم السبت .؟ - الالباني
- حكم صيام يوم السبت - ابن باز
- ما حكم صيام يوم السبت نافلة ؟ - الالباني
- ما حكم صيام يوم السبت في النوافل ؟ - الالباني