تم نسخ النصتم نسخ العنوان
ما أسباب تفاوت أحكام علماء الحديث في بيان درجة... - الالبانيالشيخ : سأل سائل هنا سؤالًا فيه غرابة ، يقول : بعد بسم الله الرحمن الرحيم : ما أسباب تفاوت أحكام علماء الحديث لبيان درجة الحديث تصحيحًا وتضعيفًا وتكذيبً...
العالم
طريقة البحث
ما أسباب تفاوت أحكام علماء الحديث في بيان درجة الحديث تصحيحًا وتضعيفًا ووضعًا ؟
الشيخ محمد ناصر الالباني
الشيخ : سأل سائل هنا سؤالًا فيه غرابة ، يقول : بعد بسم الله الرحمن الرحيم : ما أسباب تفاوت أحكام علماء الحديث لبيان درجة الحديث تصحيحًا وتضعيفًا وتكذيبًا ووَضْعًا إلى آخره ؛ فالواحد منَّا يقرأ الحديث الواحد عند أكثر من عالم حديث ؛ فواحد يجعله صحيحًا ، وآخر يجعله ضعيفًا ، وثالث يجعله موضوعًا ، ورابع يجعله باطلًا ، وخامس يجعله منكرًا ، والأمثلة كثيرة وعديدة ويعرفها مَن درس شيئًا من هذا العلم ؟ وهذا - زعم القائل السَّائل - قال : وهذا ما جعل طلاب العلم والشباب المسلم يعزفون عن دراسة الحديث ويلجؤون للتقليد والأخذ عن شيخ ، فنرجو ذكر الأسباب الآنفة الذكر مع شيئًا - هيك على ذمته ! - مع شيءٍ من التوضيح لأمور علم الحديث ؟
نحن نقول في الجواب عن هذا السؤال : إن السَّائل بالَغَ جدًّا في تصوير الخلاف الموجود بين علماء الحديث ، أقول هذا معترفًا أنه لا يسَعُنا إنكار وجود الاختلاف ، لكن ليس بهذه المثابة التي يصوِّرها السَّائل ؛ أنُّو حديث واحد خمس ست إيش ؟ أحكام متناقضة ، هذا أتصوَّر لو كان هذا السَّائل فعلًا طالب علم لَقُلنا له ولو في جلسة خاصة : أعطينا مثال واحد في حديث يقول فيه عالم من علماء الحديث : صحيح ، وآخر : ضعيف ، وثالث : موضوع ، ورابع : منكر ، ومدري شو ذكر كمان باطل إلى آخره ؛ هذا تصوير خيالي في الواقع ، لكن كما قلت آنفًا : ذلك لا يعني أن علماء الحديث لا يختلفون ، وهذا الذي ينبغي بيانه وذكر السبب أو الأسباب التي تُوجب مثل هذا الاختلاف .
فأريد أن أذكِّر أن علم الحديث هو كأيِّ علم من العلوم المبنيَّة على البحث والاجتهاد والدراسة ، ولكلِّ مجتهد نصيب والحالة هذه ؛ فما هو السبب في اختلاف الأئمة المجتهدين في الأحكام الشرعية ؟
لها أسباب ، هذه الاختلافات لها أسباب كثيرة ، لكن منها مما يناسب ذكره سببان اثنان جوهريَّان أساسيان ، الأول أن هذا يطَّلع على حديث والآخر لا يطَّلع عليه ، فهذا الذي اطَّلع على الحديث حينما يُسأل عمَّا تضمَّنَه الحديث من الحكم يُفتي به فيصيب ، ذاك الآخر الذي لم يطَّلع على الحديث يجتهد فيخطئ الحكم ؛ لأنه ما اطَّلع على الحديث .
سبب آخر : قد يكون كلاهما اطَّلع على الحديث ، ولكن هذا فَهِمَه على وجه ، وهذا فَهِمَه على وجه ، على أني أقول أنُّو هذا الاختلاف في الفهم في كثير من الأحيان يعود إلى السبب الأول ، ولعله من المُستَحسَن ضرب مَثَل على ذلك ؛ الحديث المشهور في " الصحيحين " وغيرهما : لا صلاة لِمَن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ، وقد جاء سؤال مكتوبًا إلينا أسئلة كثيرة ، من جملتها أنُّو الجماعة يفسروا الحديث : لا صلاة كاملة ، وأناس يقولوا : لا صلاة صحيحة ؛ شو السبب ؟ فأقول الآن : الحديث صحيح عند الجميع : لا صلاة لِمَن لم يقرأ بفاتحة الكتاب هو مثال صالح للسبب الثاني ؛ وهو الاختلاف في الفهم ؛ فلماذا اختلفوا في الحكم ؟ لأنُّو الأحناف فَهِموه : " لا صلاة كاملة " ، الشوافعة وغيرهم : " لا صلاة صحيحة " ؛ ما هو سبب الخلاف ؟ أيضًا يعود إلى نصٍّ آخر اختلفوا في فهمه ، ولا ينبغي ذكر هذا الاختلاف في هذا النَّصِّ الآخر ؛ لأنه قرآن ، وهو قوله - تعالى - : فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ، لما أخطأ بعضهم الفهم لهذه الآية اضطرَّ بعد ذلك كنتيجة لهذا الخطأ أن يقع في خطأ آخر ؛ ألا وهو الخطأ في فهم الحديث السابق . الآية : فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ليس معناها كما يظهر مما يتبادر من هذه الجملة فقط ، إنما معناها مُستغرب عند مَن لا علم عنده بطبيعة الحال ، وهو المعنى : فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ؛ أي : فصلوا ما تيسَّر من صلاة الليل ، كيف حصَّلنا هذا المعنى ؟ من سياق الآيات ، الآيات كلها تتحدَّث في قيام الليل .
مين يذكر ؟

السائل : إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ .

الشيخ : عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ يعني قيامًا بالليل ، فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ؛ أي : صلوا ما تيسَّر لكم من صلاة الليل .
هذا ما اتفق عليه كلُّ المفسرين لا خلاف بينهم مطلقًا لا حنفي ولا شافعي ، لكن المؤسف جدًّا وهذا من آثار التعصُّب المذهبي والتقليد الجامد أن هذه الآية في كتب التفسير معناها كما سمعتم ؛ فَاقْرَءُوا ؛ أي : فصلوا ، لكن حينما يأتي المتفقِّه في المذهب الحنفي كأنه ينسى ما أجمع عليه المفسرون في معنى هذه الآية ، فيقول : ثَبَتَ بالقرآن أن الواجب من القراءة في الصلاة هو مطلق القراءة ؛ لأن الله قال : فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ، وبناءً على ذلك يقولون : ولما كان القرآن قطعيَّ الثبوت فلا يجوز تخصيصه بحديث آحاد ؛ لأنه كما يزعمون يفيد الظَّنَّ ، فلا يجوز برأيهم تسليط الظَّنِّي على القطعي .
أنا قلت هذا في الرسالة المطبوعة في مسألة حديث الآحاد وفي دروسي : هذه فلسفة دخيلة في الإسلام ؛ تقسيم الأحاديث إلى قطعيِّ الثبوت وظنِّيِّ الثبوت ، وترتيب تفاوت الأحكام بين ما كان ظنِّيَّ الثبوت وما كان قطعيَّ الثبوت ؛ هذه مسألة دخيلة في الإسلام ، ومن آثارها هذه المسألة التي نحن بصدد التحدُّث عنها : فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ نص قرآني أوَّلًا فُهِمَ خطأً على ظاهر النَّصِّ مفصولًا عن السياق والسباق ، ثانيًا : قالوا : هذا قرآن لا يجوز تخصيصه بحديث الآحاد : لا صلاة لِمَن يقرأ بفاتحة الكتاب ؛ مع أنه قد رَدَّ عليهم إمام الأئمة حقًّا في الحديث ؛ ألا وهو البخاري ؛ فقد صرَّحَ في رسالته الخاصة بالقراءة وراء الإمام بقوله : تواتَرَ الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، هذا إمام المحدثين يحكم على الحديث بأنه متواتر ؛ فإذًا لو صحَّ التفريق بين حديث التواتر وحديث الآحاد في الأحكام لَكانت الحجةُ قائمة بخصوص هذا الحديث على أنه يصلح تخصيص الآية لأنُّو حديث تواتر ، لكن انظروا الآية لا علاقة لها بهذا البحث إطلاقًا ، والحديث متواتر وليس حديث آحاد ؛ مع ذلك أخطأ الذي فَهِمَ سابقًا ثم قُلِّد فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ على ظاهره ، وهذه الآية لا يجوز تخصيصها بالحديث ؛ إذًا ماذا نفعل بالحديث ؟ نعطِّل الحديث مطلقًا لأن الحديث آحاد ؟! قال : لا ، نُعمِلُه ونحكِّمه بحكم لا يتعارض مع الآية ؛ فنقول بوجوب قراءة الفاتحة لا بركنيَّتها ؛ لأنَّنا إذا قلنا بركنية قراءة الفاتحة صدمنا الآية بزعمهم ، أما إذا قلنا بوجوب قراءة الفاتحة فبذلك لا نضرب الآية ونأخذ بالآية على ظاهرها كما فهموا ، ونأخذ بالحديث فنقول : معناه : لا صلاة كاملة .
فهذا من أسباب الاختلاف الفقهي ، يعود ذلك إلى سببين أساسيين ؛ عدم الاطِّلاع على الخبر ، أو الاطِّلاع على الخبر لكن اختلاف في الفهم .
مثل هذا وقع للمحدثين أنفسهم ؛ مثلًا حديث صحَّحه فلان وضعَّفه فلان ، الذي صحَّحه نفترض أنه أصاب في التصحيح ، والذي ضعَّفَه أخطأ ؛ لماذا هذا أصاب ؟ ولماذا هذا أخطأ ؟ في كثير من الأحيان الذي ضعَّفَ الحديث مُصيب حيث ضعَّف ، لكن إصابة نسبية ؛ أي : إن هذا الحديث الذي صحَّحه فلان وقف عليه ذاك الذي ضعَّفَه من طريق فيه رجل ضعيف ، وما وقف على الطريق التي وقف عليها الأول فهي طريق صحيحة ؛ لو وقف عليها الثاني لَالتقى مع الأول واتَّفقا على صحة الحديث ، وهذا كثير جدًّا . وأحيانًا يكون الطريق واحدًا ، أحيانًا يكون الطريق واحدًا ؛ فهذا يصحِّحه وهذا يضعِّفه ؛ هذا يقع ، بل يقع فيه الشخص الواحد .

Webiste