تم نسخ النصتم نسخ العنوان
الكلام على مسألة متابعة المأمومين إمامهم في قو... - الالبانيالشيخ : ... تضمَّن فضيلة بالغة لا يتنبَّه لها جماهير المصلين ؛ لذلك فهم لا نكاد نجد أحدًا منهم يحرص في تطبيق هذا الحديث ؛ سواء كان بالمعنى الأول أي : ال...
العالم
طريقة البحث
الكلام على مسألة متابعة المأمومين إمامهم في قول : ( آمين ) في الصلاة .
الشيخ محمد ناصر الالباني
الشيخ : ... تضمَّن فضيلة بالغة لا يتنبَّه لها جماهير المصلين ؛ لذلك فهم لا نكاد نجد أحدًا منهم يحرص في تطبيق هذا الحديث ؛ سواء كان بالمعنى الأول أي : المقارنة ، أو بالمعنى الثاني وهو الأرجح لدينا لما ذكرنا ، لا يكاد أحدهم بهذا التطبيق لِينالَ جزاء هذا الأمر النَّبوي الكريم ؛ وهو قوله - عليه السلام - : فإنه مَن وافق تأمينُه تأمينَ الملائكة غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه ، ومعنى هذا أن الله - عز وجل - تفضَّلَ على عباده المصلين فشَرَعَ لهم من الوسائل والأسباب الميسَّرة القريبة التَّناول إذا ما قاموا بها استحقُّوا مغفرة الله - تبارك وتعالى - ، لا يحتاج الأمر للحصول على هذه المغفرة إلا الانتباه لعدم مسابقة الإمام في قوله : آمين ، فإما المقارنة على القول الأول ، وإما المتابعة على القول الثاني وهو الأرجح لدينا .
لذلك فيجب أن نعلم أن ذكر الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - للملائكة في هذا الحديث ، وقوله : فإنه مَن وافقه تأمينُه تأمينَ الملائكة إنما يعني شيئًا واضحًا ؛ ألا وهو أنَّ الملائكة كما قال الله - عز وجل - فيهم : لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ؛ أي : أن الملائكة الذين يحضرون ويشهدون الصلوات مع المصلِّين في المسجد ليسوا كالبشر الذين يعصون الله ، فضلًا عن أنهم يغفلون عن أحكام الله ، فهم لا يُتصوَّر في حقِّهم أن يسابقوا الإمام ، فهم إما أن مقارنين للإمام على رأي الأولين ، وإما متابعين للإمام على الرأي الآخر ، وهو الأرجح كما قلنا ؛ فنحن ننصح إذًا بأحد شيئين لا بد منهما مرجِّحين الشيء الآخر ، الشيء الأول هو ألَّا يسابق المقتدي الإمام بـ آمين ، وإنما يقارن ، والمقارنة إن تمكَّن منها المتمكِّن فستكون ناقصة ؛ لأنه لا يستطيع أن يقارنه على مدى قوله هو : آمين في كثير من الأحيان ؛ لأنه غير مستعدٍّ هو أن يقول : آمين كما لو كان يقرأ هو نفسه القرآن ثم يؤمِّن بعد ذلك على وجه التَّرتيل ؛ فلذلك فنحن ننصح بالشيء الثاني ؛ وهو أن تضبطوا أنفسكم ؛ إذا سمعتم تأمين الإمام فلا تبدؤوا بقولكم : " آ " من آمين إلا إذا سمعتم النون الساكنة من قول الإمام : آمين ، وحين ذاك تحصلون على هذه المغفرة بأقلِّ عمل وأقلِّ جهد ، ما هو هذا الجهد ؟ أنُّو ما تكون شارد من وراء الإمام وتستسلم للعادة اللي ماشيين الناس عليها ، أنُّو هو يقول : وَلَا الضَّالِّينَ يلَّا المسجد كله انطلق ليضجَّ ضجَّته بـ آمين ، وبعدين يأتي تأمين الإمام .
هذا إن لم تلاحظوا فلاحظوا فيما بعد ، فستجدون القضية انعكست رأسًا على عقب ، المقتدين يقولون : آمين ، ويأتي تأمين الإمام من بعدهم !! لاحظوا هذا ، فيكون المصلي أوَّلًا خالَفَ أمر الرسول الصريح : إذا أمَّنَ فأمِّنوا ، وثانيًا وهذا أهم بالنسبة لهذا المسلم العاصي المغمور بالذنوب والمعاصي أن يتطلَّب الأسباب التي يستحقُّ بها مغفرة الله ، فيخسر هذه المغفرة ؛ لأنه خالَفَ أمر النبي - عليه السلام - : إذا أمَّنَ الإمام فأمِّنوا .
= -- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته -- =
ولبعض العلماء من شُرَّاح البخاري كلام صريح يقول : لا يُشرع مقارنة الإمام في شيء من الأذكار والأوراد إلا في آمين ، وهذا تصريح بأن الأصل في الاقتداء بالإمام هو المتابعة وليس المقارنة إلا في آمين ؛ فما الذي جعل هذا وأمثاله تخصَّصَ حَمَلَهم على أن يخصِّصوا التأمين بالمقارنة مع تأمين الإمام دون الأذكار التكبير والتسميع والتحميد ونحو ذلك .
= -- وعليكم السلام -- =
نظروا إلى حديث - أيضًا - هو في " صحيح البخاري " من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث طويل يقول فيه : وإذا قرأ الإمام : غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ فقولوا : آمين ؛ أي : لم يذكر في هذا الحديث : غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ فقولوا : آمين ، فنَظَرَ بعض العلماء إلى ظاهر هذا الحديث ، فقالوا : ما دام أن الرسول - عليه السلام - قال : وإذا قرأ الإمام : غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ فقولوا : آمين ؛ معنى ذلك أن آمين ينبغي أن تقع فور قول الإمام : وَلَا الضَّالِّينَ .
... بالي شيء في هذا الحديث بعضه يرجع إلى علم الحديث وبعضه يرجع إلى علم أصول الفقه ، أما الذي يرجع إلى علم الحديث فهو هذا الحديث الذي قال : وإذا قرأ الإمام : غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ فقولوا : آمين لم يذكُر قول الإمام : آمين ، لكن في الحديث السابق ذكر الرسول - عليه السلام - تأمين الإمام صراحةً فقال : إذا أمَّنَ الإمام فأمِّنُوا ، فمن القواعد العلمية الحديثية أنه إذا جاء حديثًان صحيحان وفي أحدهما زيادة على الآخر وَجَبَ ضمُّ الزايد على المَزيد عليه ، وأن يُؤخذ مجموعهما ، وهذا ما يعبِّرون عنه بـ " زيادة الثقة مقبولة " ، وحين ذاك نخرج بالنتيجة الآتية في الحديث الثاني : وإذا قرأ الإمام غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ - وقال : آمين - فقولوا : آمين ، من أين جئنا نحن بقول الإمام : آمين ؟ في الحديث الأول : إذا أمَّنَ الإمام فأمِّنوا ، فضَمَمْنا هذه الزيادة إلى الحديث الثاني ، والذي يؤكد لكم هذا هو أن الاعتماد على الحديث الثاني أي : على ظاهره بغضِّ النظر عن الزيادة زيادة التأمين المصرَّح في الحديث الأول ، فسيكون الحديث فيه دلالة على أن الإمام لا يقول : آمين ؛ لماذا ؟ لأنه قال : وإذا قرأ : غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ فقولوا : آمين ؛ ما ذكر تأمين الإمام ، هو الواقع أن الإمام مالك احتجَّ بهذا الحديث بأن الإمام لا يقول : آمين ؛ لأنُّو لو كان يُشرع له أن يقول : آمين لَكان قال الرسول - عليه السلام - : وإذا قرأ الإمام : غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ - وقال : آمين - فقولوا أنتم : آمين ، هَيْ حجة مالك في عدم مشروعية تأمين الإمام عنده .
لكن الجمهور على أنَّ من السنة للإمام أن يؤمِّن ، بل ومن السنة في حقِّه أن يؤمِّن جهرًا كما ثبت عن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ؛ لذلك فالحديث الثاني ينبغي أن تُضَمَّ إليه زيادة التأمين المذكورة في الحديث الأول ، فلا يختلف الحديثان ، ويلتقيان ويتَّفقان ، وحين ذلك يصبح حكم التأمين من حيث أنَّ المقتدي يتابع فيه الإمام كحكم كلِّ الأذكار الواردة في الصلاة كما فصَّلنا ذلك ، فالمقتدي فيها يتابع الإمام ولا يُقارنه كالتكبير ونحو ذلك .
ثم نُلاحظ شيئًا آخر لعله يمكن أن يصلح دليلًا رابعًا لترجيح القول الثاني ؛ وهو مراعاة الحكمة بسنِّيَّة رفع الإمام صوته بـ آمين ، فالحكمة في رفع الإمام صوته بـ آمين هو ليتمكَّن المقتدي من أن يحقِّق الحديث الأول : إذا أمَّنَ فأمِّنوا ؛ لأن الإمام لو لم يجهر بـ آمين لم يتمكَّن المقتدي من تحقيق هذا الأمر الذي ثمرته أن يغفر الله لمن حقَّقَه ، فإذًا نحن يجب أن نصبر لفراغ الإمام من : وَلَا الضَّالِّينَ بكاملها ، ثم نصبر حتى يترادَّ إليه نَفَسُه ؛ لأنه وإن كان بعض أئمة المساجد مع الأسف الشديد لجهلهم يقولون : غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ آمين ، هذا خطأ ؛ لأن آمين أوَّلًا ليست من الفاتحة ، وثانيًا لو كانت من الفاتحة فإما أن يقطع وإما أن يصل ، فإذا وصل لم يقُلْ : غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ آمين ، وإنما : غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ حرَّكها ، ثم أتبَعَها بقوله : آمين ، لكن هنا آية يجب الوقوف أوَّلًا عندها ، لا سيما وبها تُختم الفاتحة وتتميَّز الفاتحة عن كلمة الدعاء وهي آمين .
فقصدي أنه إذا كان في بعض أئمة المساجد لِجهلهم أو غفلتهم عن هذه الحقيقة يقول : وَلَا الضَّالِّينَ آمين ؛ فنحن يجب أن نقتدِيَ بالأئمة العارفين الصالحين الذين يقرؤون القرآن آية آية ، وبخاصَّة من القرآن سورة الفاتحة ، ونجد كثيرًا من الأئمة هكذا يفعلون غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ، لا تقول : آمين أنت ، اصبر عليه ليأخذ نفس ، ليقول هو : آمين ، فأنت إذًا = -- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته -- = أن تترقَّب سماعك لقول الإمام جهرًا : آمين ؛ حتى توافق بتأمينك تأمين الملائكة ، إما على القول بالمقارنة ، وإما على القول بالمتابعة وهذا هو الأرجح لِمَا ذكرناه من هذه الأسباب .
هذا ما أحبَبْتُ أن أذكِّركم به ، ولعلي فعلت أكثر من مرَّة في هذا المكان ، لكننا نجد في كلِّ مرَّة على قلة ما نأتي إلى هذا المكان نجد في كل مرَّة - والحمد لله - شبابًا يقبلون على سماع العلم ، وعلى تطلُّبه ، ويسمع منهم بعض الأخطاء المخالفة للأحاديث الصحيحة كهذا الخطأ ، فرأينا من الواجب علينا أن ننبِّهَكم جميعًا حتى أوَّلًا لا تخالفوا أمرَ الرسول الصريح في قوله : إذا أمَّنَ الإمام فأمِّنوا على التفصيل السابق ، وثانيًا حتى لا تفوِّتوا على أنفسِكم مغفرة الله - تبارك وتعالى - بهذا السبب المذلَّل الميسَّر .
هذه ذكرى ، والذكرى تنفع المؤمنين .

Webiste