تم نسخ النصتم نسخ العنوان
الكلام على فهم أهل الكلام للإسلام ، وبيان ضرره... - الالبانيالشيخ : علماء الكلام يا أخي ....بين الذين تُشير إليهم حينما يقولون أنَّ وجود علماء الكلام ... في سبيل الدفاع عن الإسلام وفي سبيل إبعاد شبهات الكفار من ا...
العالم
طريقة البحث
الكلام على فهم أهل الكلام للإسلام ، وبيان ضررهم على الإسلام وأهل الإسلام .
الشيخ محمد ناصر الالباني
الشيخ : علماء الكلام يا أخي .
...
بين الذين تُشير إليهم حينما يقولون أنَّ وجود علماء الكلام ... في سبيل الدفاع عن الإسلام وفي سبيل إبعاد شبهات الكفار من الروم واليونان ونحو ذلك ، الحقيقة كان يعجبهم أن يقرِّبوا الإسلام إلى المنطق الفكري لا إلى المنطق اليوناني ، لكن هناك لأنَّهم عكسوا ذلك تمامًا ، والأمر يعني كما يُقال التاريخ يعيد نفسه ، نحن الآن في محنة تُشبه تلك المحنة تمامًا ، فالكُتَّاب الإسلاميين اليوم وعلماء المسلمين اليوم ينقسمون إلى مذهبين ، تمامًا التاريخ يعيد نفسه ، سمعت يحاولون الآن أن يُؤمرِكُوا الإسلام يُؤوربّوه يجعلوه إسلام أوروبي وإسلام أمريكي ، هل هو لتوضيح الإسلام وبيان أنَّه يتماشى مع العقل السليم والفطرة السليمة ؟ أم هو تأويل الإسلام تأويلًا يتماشى مع ثقافة هؤلاء الأوروبيين والأمريكيين ؟ فالآن العلماء قسمان ، قسم يحاول أن يُبيِّن الإسلام بفهمه إيَّاه أوَّلًا فهمًا صحيحًا ، وبعرضه - أيضًا - عرضًا صحيحًا سليمًا ، وقسم آخر يقول عرض الإسلام هكذا وبهذه المعاني القديمة لا يفهمها هؤلاء الأوروبيون ، فينبغي أن نفهِّمهم الإسلام فهمًا تتقبَّله نفوسهم ، هذا هو ما صنعه علماء الكلام وعلى رأسهم المعتزلة .
وهذا هو كان السبب بضعف الإسلام وإدخال أفكار غريبة عن الإسلام ، فهؤلاء الأساتذة المُحاضِرون الذين تشير إليهم هم في الحقيقة لا يفهمون الإسلام ، ولكن يتأثَّرون بكثرة كاثرة من علماء الكلام ويتوهَّمون أن عملهم كان في سبيل خدمة الإسلام ، والواجب كان ينبغي أن يكون كذلك ولكن ليس مع كل ، ما ينبغي أن يكون هو كائن ، إي نعم .
أنا أقول الآن : علماء الكلام أضرُّوا المسلمين ؛ بدليل أنُّو العالم الإسلامي الآن يعيش على فتاتات علم الكلام فهو ضال وحائر ، ويكفي أنني ضربت لكم مثلًا في الأمس القريب ويبدو أنك كنت حاضرًا ، ففي سؤال الجارية من الرسول - عليه السلام - : "أين الله ؟" . وقولها : في السماء . اسأل اليوم مَن شئت من المحاضرين أنفسهم لا تجد منهم جوابًا .
إذًا ما الذي استفادوه من هذا العلم الذي يبجِّلونه ويعظِّمونه ويزعمون بأنه كان ضرورة زمنيَّة في سبيل الدفاع ، هم ماذا فعلوا للإسلام ؟ بل بالعكس انحرفوا بالإسلام إلى الأديان الأخرى أو الأفكار الغريبة عن الإسلام ، الجملة التي رويتَها بدقَّة عن الإمام مالك هي في الواقع معيار الدعوة السلفية ، فهو يقول : " الاستواء معلوم " ، علماء الكلام ماذا يقولون ؟ علماء الكلام وصل بهم الأمر ليس فقط إلى تأويل نصوص الكتاب والسنة الذي هو يشبه التَّعطيل ، بل هي تأويل نفس كلام الإمام مالك تأويلًا مضحكًا حتى يدفعوا أن يكون كلام مالك حجَّة عليهم ، هم يقولون معنى قول مالك : " الاستواء معلوم " يعني مذكور ، إيش يعني مذكور ؟ يعني مذكور في القرآن ، وهذا تعطيل يشبه تعطيل المؤوِّلة تمامًا للنَّصِّ العربي من هذا الإمام الجليل ، هو السَّائل يقول : يا مالك ، { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } ، ما معنى استوى ؟ فهذا السَّائل يعلم أنُّو الاستواء مذكور في القرآن ، فكيف يقول مالك للسَّائل : الاستواء مذكور في القرآن وهو فسَّره بـ ، وهو يسأل عن هذا المذكور في القرآن هو يعلم وليس بجاهلٍ له ، فيقول : يا مالك ، { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } ، كيف استوى ؟ كان الجواب : " الاستواء معلوم " أي : لغةً ، { وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ } فهو ... ؛ لأنَّ معنى الاستواء معروف في اللغة وأنه هو الاستعلاء ، ولما كان هذا حجة على المؤوِّلة وعلى الخلف عطَّلوا هذه الحجة بتأويل ... قالوا : يعني مالك الاستواء مذكور ، إيش يعني مذكور ؟ يعني مذكور في القرآن ، ليش هو يسأل السَّائل : هل هناك آية في القرآن ذُكِر فيها الاستواء حتى يكون الجواب : نعم ، الاستواء مذكور في القرآن ؟ لم يكن السؤال حول هذا ، كان السؤال عن كيفيَّة الاستواء ، وكان السؤال في تقرير الآية التي يسأل عنها وهو يعلمها وهو يذكرها ؛ فما معنى قول هؤلاء المتأخِّرين بأن مالكًا يعني بقوله : الاستواء معلوم يعني مذكور ؟ تعطيل لنصِّ مالك !!
أخيرًا نقول نحن : يا علماء الكلام ، ما معنى { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } ؟ سيقولون - وقولهم يذكِّرنا بقصة وبنكتة - فيقولون في المسألة قولان :
السلف يقولون الاستواء هو الاستعلاء ، والخَلَف يقولون : الاستواء هو الاستيلاء ، في المسألة قولان ، والنكتة زعموا بأن مفتيًا كيِّسًا ذكيًّا عرض له سفر خارج البلدة ، فأناب عنه والده ليدير عملية الإفتاء ، قال له : يا أبي ، أنا رجل لست بعالم ، ولست أعلم بالقيام بهذه ... بالنيابة عنك . قال له : أنا أدلُّك على طريقة كلما جاءك سائل يسألك قل له : في المسألة قولان ، فكان يتخلَّص هكذا من الجواب حرام ولَّا حلال ؟ في المسألة قولان . يجوز أم لا يجوز ؟ في المسألة قولان يا أخي ، والدين واسع و و إلى آخره . فانتبه كيِّس من الأكياس وفطن من الفطناء أنُّو في شيء هنا في الأمر ، فقال لصاحبٍ له : سَلِ الشَّيخ قل له : أفي الله شكٌّ ؟! قال له : يا سيدي الشَّيخ ، أَفِي الله شكٌّ ؟ قال : في المسألة قولان [ الجميع يضحك ! ] .
فعلماء الكلام يعالجون العقيدة بمثل هذا التردُّد وهذه الحيرة ، ما معنى الاستواء ؟ السلف يقولون : الاستواء الاستعلاء ، والخَلَف يقولون : هو الاستيلاء ؛ ما الذي استفادوه من هذا التأويل ؟ لا شيء ، فلا هم سلفيون ولا هم خلفيون ؛ لمَ ؟ ... هم حائرون كما قلت في الأمس القريب عن ذاك الأمير الكيِّس قال : هؤلاء قومٌ أضاعوا ربَّهم !! هؤلاء أضاعوا معانيَ من القرآن جليلة وظاهرة بداهةً ، قلنا وقالوا - سلفنا - : لماذا أنتم تؤوِّلون الاستواء بمعنى الاستيلاء ؟ قالوا وهذا يُظهر لك أنُّو القضية مو قضية دفاع ورد على الفلسفة اليونانية والرومانية ، لا ، الفلسفة تلك المادية دخلت في شُغاف قلوب هؤلاء ... علم الكلام فعملت فيهم وصرفهم عن الاستجابة لنور القرآن ، قالوا لهم : بماذا تُفسِّرون الاستواء المذكور في أكثر من آية في القرآن بالاستيلاء ولا تقولون بالاستعلاء الذي هو المعنى العربي لهذه الكلمة ؟
قالوا : إذا قلنا الاستواء في الآية هو الاستعلاء جعلنا لله مكان ، والله منزَّه عن المكان ، كلام صحيح بعضه ، أي : إن الله منزَّه عن المكان صحيح ، لكن فهمهم هذا غير صحيح ؛ يعني قولهم : إذا قلنا : { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } استعلى جعلنا له مكانًا خطأ ، أما تنزيههم ربَّهم عن المكان فصحيح ، وهكذا { خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } ، فلكن هل تخلَّصوا من مشكلة حينما لجؤوا إلى القول بأن معنى استوى استولى ؟ مثل اللي كان تحت الدَّلف وصار تحت المطر ، تعرفون الدَّلف أنتم ولَّا ما تقولون هذا ؟ يعني سقف البيت ينقِّط من المطر ، يكون هناك في زجاجات أو كسر بصير في نقط ، فكنا تحت الدَّلف صرنا تحت المزراب أو صرنا تحت المطر ، هكذا أصابهم ، فلما قالوا : الاستيلاء واستدلوا على ذلك ببيت من الشعر قال :
" استوى بشر على العراق *** بغير دم وسيف مهراق "
نعم ؟

السائل : ... .

الشيخ : كيف ؟

السائل : " استوى بشر على العراقِ *** بغير سيفٍ أو دمٍ مهراقِ "

الشيخ : فانظروا الآن ؛ الشيء اللي فرُّوا منه وقعوا فيه ؛ لأنُّو شبهوا استيلاء ربِّ العالمين على العرش باستيلاء إيش ؟ بشر على العراق ، هاللي فروا منه وقعوا فيه صراحة ؛ بينما علماء السلف يقولون : { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } استعلى استعلاء يليق بكماله ، لا يقولون كما يستعلي فلان على عرشه بخلاف قول السلف هؤلاء : استيلاء كما استولى بشر على العراق ، لَاحَظُوا هذا ؛ فماذا قالوا ؟ يعني لَاحَظُوا أنُّو تأوليهم عاد عليهم بالشَّرِّ الذي فرُّوا منه ؛ فماذا قالوا ؟ قالوا : لا ، نحن نعني أنه استولى استيلاءً يليق بجلاله ، طيب ؛ قولوا : استعلى استعلاءً يليق بجلاله ، انتهت المشكلة ، وخليكم سلفيين وبلاش تكونوا خلفيين .
فإذًا هؤلاء لما تأوَّلوا مش ردًّا العلماء اليونان والرومان وفلسفتهم إلى آخره ، الحقيقة شُبهات قامت في أنفسهم فدافعوا عنها بطريق التأويل ، فأدَّاهم ذلك إلى التعطيل ؛ لذلك الآن تجد علماء الكلام والمدافعين عنهم حيارى في دينهم ... إن استطعت يومًا هذا المُحاضر الذي ... علماء الكلام ، اسأله سؤال الرسول - عليه السلام - للجارية ؟ قلت : لا يستطيع أن يجيبك ؛ لأنه لا يعرف العقيدة الإسلامية ، هو يعرف فقط ثقافة إسلامية عامَّة أنُّو علماء الكلام والمعتزلة ... ردُّوا على الكفار والزنادقة ، وقد يكون فيهم الأمر هكذا ، لكن ما وقفوا في ردِّهم عند نصوص كتاب ربِّهم ، وإنما حكَّموا عقولهم ، فهم من ناحية أرادوا الإصلاح فوقعوا في الإفساد ، ونحن نعيش في هذا السياق ... مع الأسف إلا قليلًا من عباد الله المخلَصين .
... إتمامًا للبحث أقول : أنهم يقولون إذا قلنا : { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } ، وهذا من ... الرد على الفلاسفة ؛ لأني أنا سأكون الآن أتكلم بلغة الفلسفة ، فيتبيَّن أنهم لا يعلمون شيئًا من هذه الفلسفة وهي حق في هذا المجال ، فنحن نقول لهم فعلًا هذا وقع بيني وبين بعض مشايخ الأزهر في موطن من مواطن الحجِّ منذ نحو أربعة سنوات في ليلةٍ من ليالي منى الهادئة ، فلقينا هناك شيخًا أزهريًّا فجرى البحث في مسألة ... الصفات وبصورة خاصَّة في هذه الآية ، قلت له : أنتم تتَّهمون السلفيين بأنهم مجسِّمة لأنهم يُبقون الآيات على ظواهرها ، فهم يقولون { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } استعلى ، فتقولون عن السلفيين بأنهم مجسِّمة ومشبِّهة ، أنا أسألك الآن : حينما تنسبون إلى السلف قديمًا وحديثًا أنَّهم يجعلون ربَّهم في مكان حينما يقولون : الله في السماء ، والله على العرش استوى ، تقولون : إنهم يجعلونه في مكان ، أسألك الآن : آلمكان - هنا تبدأ الفلسفة الآن ، لكن فلسفة منطقية كما سترون - آلمكان أمرٌ وجوديٌّ أم عدميٌّ ؟ فكَّر قليلًا ثم أجاب بالجواب الصحيح ، قال : المكان أمر وجودي ليس شيئًا عدميًّا .
وأظن واضح لديكم المقصود من السؤال والجواب ، يعني - مثلًا - حينما نتصوَّر حينما نقرأ في كتب اللغة كلمة العنقاء ، اسم لحيوان ... إلى آخره ، فالعنقاء يعني لها وجود ولَّا هو فقط اسم في المخيِّلة ؟ قالوا أنُّو هذا لا وجود له العنقاء ؛ يعني خلق يُتخيَّل في الذهن ليس له وجود في الخارج ، هذا هو المعنى الذهني الذي ليس له وجود في الخارج .
فأنا لما سألت : المكان أمرٌ وجوديٌّ أم عدميٌّ ؟ وجودي كسائر الموجودات ، عدمي كالعنقاء - مثلًا - وقد عطف عليه بعضهم ... - أيضًا - ، هذا لا وجود له إلا في الذهن هكذا قالوا ، طيب ؛ المكان أمر وجوديٌّ أم عدميٌّ ؟ قال : أمر وجودي . قلت له : طيب ؛ هذا الموجود مسبوق بالعدم ؟ قال : نعم ، كون قلت له : المكان وُجِدَ بعد أن لم يكن ؛ أليس كذلك ؟ قال : نعم . قلت : الكون هو من حيث أنَّه مخلوق لله - عز وجل - هل هو محدود أم غير محدود ؟ قال : محدود . هذا كلام كله صحيح قلنا : إذًا الآن نحن في الأرض فوقنا ؟ قال : السماء الأولى . فوقها ؟ الثانية هيك السماء السابعة ، وفوق السماء السابعة إيش في ؟ قال : العرش . قلت له : فوق العرش إيش في ؟ قال : الملائكة الكروبيون . قلت : إيش هذه الملائكة الكروبيون ؟! أنت قرأت الملائكة الكروبيون في القرآن ؟ قال : لا . قلت : في الحديث في حديث في ذكر الملائكة يُسمَّوْن بالكروبيون ؟ قال : ما أدري . قلت : لكان كيف تقول بشيء من الغيب - ولا يعلم الغيب إلا الله - تقول : أنُّو فوق العرش في ملائكة كروبيون ؟ قال : هكذا درسنا في الأزهر الشريف . يدرِّسون في الأزهر أمور خرافية باسم العقيدة . قلت : لا يوجد في السنة فضلًا عن الكتاب أنَّ فوق العرش ملائكة مطلقًا وبصورة خاصَّة ملائكة باسم كروبيون ، ولكن في بالقرآن : { وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ } ، حملة العرش ، أما فوق العرش ، انظروا الآن كيف يعكسون الحقائق ، الحقائق الشرعية تُصرِّح أنُّو فوق العرش هو الله - تبارك وتعالى - ، هم يجعلون فوق العرش ملائكة كروبيون ، سبحان الله العظيم !! الشيء الذي لا وجود له يؤمنون به ، والشيء الموجود يجحدونه .
على كل حال أنا أريد أن أمشي معه إلى نهاية المطاف ، قلت له : هَبْ أن هناك ملائكة فوق العرش كروبيون ؛ فماذا بعد ذلك ؟ قال : لا شيء ، انتهى ، الكون محدود ، قال : لا شيء . قلت له : هناك مكان ؟ انظروا بقى بدأنا الحديث بالمكان ، قلت هناك مكان فوق الملائكة الكروبيون في مكان ؟ قال : لا . قلت له : السلفيون يقولون الله فوق العرش يعني في لا مكان ، أنت باعترافك أنُّو ليس هناك مكان ، فالله فوق المخلوقات كلها وأعلى المخلوقات في اعتقادنا العرش ، في اعتقادك الملائكة الكروبيون انتهى الكون ، وانتهى المكان ، فالله - عز وجل - حينما نصِفُه بأنه فوق العرش يعني ليس في مكان ، فضحك الرجل .
علماء الكلام عايشين في هالوَهْم في هالضَّلالة أنُّو إذا قلنا : الله فوق العرش ؛ يعني جعلناه في مكان مع أنه ليس هناك مكان ؛ لأن الله كان ولا شيء معه كما في الحديث السابق ، فهو الآن من هذه الحيثية - أي : من حيث أنه لم يكن في مكان - فهو الآن من هذه الحيثية كما كان ، فهو ليس في مكان ، لكن لما خلق الخلق لا بد في هذه الحالة من أحد شيئين ؛ إما أن يكون الخلق فوقه أو يكون كما هو الواقع فوق خلقه ، فنحن نقطع بأنه فوق المخلوقات ؛ ولذلك من صفات المؤمنين ما وصفهم به ربُّ العالمين بقوله في القرآن الكريم نفسه : { يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ } ، بينما علماء الكلام كما سمعتم بالأمس لا فوق لا تحت ، لا يمين لا يسار ، لا أمام لا خلف ، لا داخل العالم ولا خارجه ، هذا هو الكفر بعينه !! إذًا ما أفادنا علماء الكلام شيئًا ، على العكس وإنما هم ورَّثونا هذا الضياع ، ضياع عقائدي خطير جدًّا المسلمون لا يعرفون ربَّهم أين هو !!
ومن العجائب - إن أنسى كما يقال فلا أنسى - كنت مرَّة خرجت من دمشق في سبيل الدعوة إلى حلب ، وبين دمشق وحلب نحو أربع مئة كيلو متر ، ثم يمَّمت شطر اللاذقية ، ساحل البحر الأبيض في نحو مئتين كيلو متر ، كنت راكب في سيارتي الخاصة ومعي صديقي ، وإذا بنا نرى رجلًا من هؤلاء السياح الأجانب واقف في جانب محطة بنزين ، من هؤلاء الشَّحاذين على الطريقة الأوروبية اللي بيركبوا مجانًا وبينتقلوا في بلاد الدنيا كلها مجانًا ، لهم اسم خاص أجنبي غريب ، فأشار فكنت قطعت قليلًا وتشاورت مع صاحبي شو رأيك نوقف السيارة ونركِّب هذا الإنسان ونتسلَّى فيه طوال الطريق يعني ونجادله ، قال : والله خير ما تقول . فرجعت القهقرى بالسيارة وأركبته ، وإذا به بعيد عنه قليلًا زوجته ، هذا لو علمنا ربما ما شجَّعنا ، لكن قلنا : لا بأس ، هن بيركبوا وراءنا وصاحبي بجانبي ، فالشيء الغريب - يا إخواننا - كان أسهل عليَّ أن أقنع هذا الرجل الكافر بالعقيدة السلفية ... .
... الكفار ليس عندهم كتاب ولا سنة لكن عندهم محاكمة منطقية ، وإذا به ينتهي في النهاية معنا إلى أنه يُصبح سلفيًّا ، إي والله ، يؤمن بأن الله - عز وجل - له صفة الفوقية ، بعد ذلك بعدما انتهينا من هذا بدأنا نتكلم في أمور كثيرة ، فهو - مثلًا - حليق ، وهذا من باب ضربنا عصفورين بحجر واحد [ الشَّيخ يضحك ! ] .
قلت له - أو قلت لصحابي بالأحرى - : سَلْه أنتم تعظِّمون عيسى - عليه السلام - أكثر مما نفعل نحن ، فنحن نعتقد أنَّه رسول من رسل الله وأنه بشر ، وليس إله و ... إله ، فأنتم تبالغون في تعظيمه ، لكن نراكم من ناحية أخرى لا تعظِّمونه . قال : كيف ذلك ؟ قلت له : عيسى - عليه السلام - كان له لحية ولَّا ليس له لحية ؟ قال له : لحية . وهم يُصوِّرونه لحية جليلة عظيمة ، طيب ؛ نحن نراكم - معشر النصارى - لا تتشبَّهون بإلهكم فهو له لحية ، وأنتم ليس لكم لحية ؛ ليه ؟ قال : هذه أمور عادية [ الشَّيخ يضحك ! ] ، هذه أمور عادية نحن لسنا مكلَّفين باتباع عيسى في ذلك ، يعني أذكر هذا من جملة البحوث التي جرت فيما بعد ، فسبحان الله يعني الإسلام دين الفطرة ، وكما قال - عليه السلام - : "ما من مولودٍ إلا ويُولد على الفطرة ، فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجسِّانه" ، وإذا بنا نحن ونحن نعيش في الإسلام نتمجَّس ونتنصَّر ونتهوَّد ؛ باسم إيه ؟ مسلمين ، هذه هو الخطر العظيم ، لأنُّو الإنسان إذا عرف نفسه على خطأ يُرجى له أن يرجع عنه ، بخلاف ما إذا ظنَّ أنه على صواب فلن يعود منه .

Webiste