تم نسخ النصتم نسخ العنوان
بيان مذهب السلف والخلف في مسألة تسلسل الحوادث - ابن عثيمينالشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم.هذا الفصل فصل عظيم، تكلم فيه المؤلف رحمه الله عن التلسلسل في الحوادث، وذكر فيه للناس ثلاثة أقوال: قول بأن التسلسل ممنوع ف...
العالم
طريقة البحث
بيان مذهب السلف والخلف في مسألة تسلسل الحوادث
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم.
هذا الفصل فصل عظيم، تكلم فيه المؤلف رحمه الله عن التلسلسل في الحوادث، وذكر فيه للناس ثلاثة أقوال: قول بأن التسلسل ممنوع في الماضي والمستقبل، وهذا قول الجهمية ومن تبعهم من المعتزلة؟ والقول الثاني: جوازه في الماضي والمستقبل، وهذا الذي أيده ابن القيم رحمه الله، وذكر أدلته. والقول الثالث: جواز التسلسل في المستقبل وامتناعه في الماضي، وهذا هو الذي عليه عامة علماء الكلام، وهو الذي لا يكاد يعرف سواه عند المتأخرين.
ولكن الأدلة التي ذكرها ابن القيم رحمه الله أدلة واضحة، وليس قولنا بإمكان التسلسل هو قولنا هو بوجوب التسلسل، لاحظوا، يعني: إذا قلنا بجواز التسلسل فليس معناه أننا نقول بوجوبه، إذ أنه لا شك أن كل ما سوى الله فهو حادث بعد أن لم يكن، فالأعيان ليست متسلسلة إلى ما لا نهاية له، كل شيء حادث، والله تعالى قبل كل شيء.
وقد ذكرنا لكم في أول الكلام على هذه المسألة أن لدينا فاعلا وفعلا ومفعولا، وأن ترتيبها هكذا: فاعل سابق على الفعل، وفعل سابق على المفعول، وأننا وإن قلنا بجواز تسلسل الحوادث في الماضي لا يمكن أن نقول إنها مقارنة لوجود الله أبدا، بل لابد أن تكون مسبوقة بوجوده، لكنها إلى ما لا نهاية له.
وابن القيم رحمه الله تكلم كلاما كثيرا حول هذا الموضوع، ثم قال: إن هؤلاء القوم الذين قالوا إنه ممكن في المستقبل مستحيل في الماضي بنوا هذا على قواعد أصلوها من علم الكلام، ليس عليها دليل من معقول ولا منقول ولا فطرة. وهذا هو الحق، فإن أهل الكلام بنوا عقيدتهم في الله على عقول ليست عاقلة، بل هي عقول مضطربة متناقضة، ينقض بعضها بعضا، ويفسد بعضها بعضا، وهي كما قيل:
" حجج تهافت كالزجاج تخالها *** حقا وكل كاسر مكسور "
حتى إن زعماءهم ورؤساءهم أقروا بالحيرة وبالرجوع إلى الحق، يقول الرازي وهو من عظمائهم وكبرائهم وأئمتهم، يقول: " لقد طفت المعاهد كلها وخضت البحر فلم أر إلا إنسانا يعني متحيرا لم أر إلا من لم يشفوا العليل ولم يروا الغليل، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن، أقرأ في الإثبات الرحمن على العرش استوى إليه يصعد الكلم الطيب وأقرأ في النفي ليس كمثله شيء ولا يحيطون به علما ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي " هذا وهو من رؤسائهم.
قال بعضهم: " لقد خضت البحر الخضم ودخلت فيما نهوني عنه فلم أستفد شيئا، وها أنا أموت على عقيدة عجائز نيسابور " رجع إلى عقيدة العجائز، العجائز ما تتكلم بهذا الكلام وهذا التنطع، وهذا مصداق قول النبي عليه الصلاة والسلام: هلك المتنطعون قالها ثلاث مرات، ولهذا لا تجد أحسن من علم السلف، علم السلف بسيط هادئ، ليس فيه تعمق ولا تكلف أبدا.
جاء قوم إلى ابن عمر قالوا يا عبدالله بن عمر: أخبرنا عن دم البعوض، هل يجوز أن نقتل البعوض؟ قال: " سبحان الله تسألون عن دم البعوض وتقتلون ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم " نعم، هذا ورع عظيم، أن يسأل عن دم البعوض ويقتل مَن جده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالتعمق هذا يفسد على الإنسان، ويوجب له الشك والقلق، خلك بسيطا في الأمور كلها، حتى المسائل التي لم نكلف بها ولم يأت بها نص إذا أعيتك فاتركها اتركها لا تتعب نفسك بها حتى لا تتضرر. فابن القيم رحمه الله ذكر أن هؤلاء بنوا عقيدتهم على أي شيء؟ على ما يدعونه عقولا، ولكنها في الحقيقة جهالات وضلالات وشبهات، لا تغني من الحق شيئا أبدا، بل هي توقع الإنسان في الحيرة والشك والقلق. طيب، هنا يقول رحمه الله:
" وبنوا قواعدهم عليه فقادهم *** قسرا إلى التعطيل والبطلان "

Webiste