تم نسخ النصتم نسخ العنوان
تفسير الآيات ( 19 - 20 ) من سورة الحديد . - ابن عثيمينالشيخ : الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.أما بعد:فهذا هو اللقاء التاسع عشر بعد المائ...
العالم
طريقة البحث
تفسير الآيات ( 19 - 20 ) من سورة الحديد .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذا هو اللقاء التاسع عشر بعد المائتين من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو التاسع عشر من شهر رجب عام عشرين وأربعمائة وألف.
نبتدئ هذا اللقاء بالكلام بما ييسره الله عز وجل على ما انتهينا إليه من تفسير القرآن في سورة الحديد.
قال الله عز وجل: والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون الإيمان بالله سبق أنه يتضمن أربعة أشياء الإيمان بوجوده وربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته وتكلمنا على هذا.
أما الإيمان بالرسل فإنه يتضمن تصديقهم فيما أخبروا كلهم فيما أخبروا كلهم من أولهم إلى آخرهم، يجب أن نصدق بما أخبرت به الرسل إذا صح عنهم.
وأما العمل بشرائعهم فإننا لا نعمل أو لا يلزمنا العمل إلا بشريعة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وذلك لأن الشرائع السابقة كلها نسخت بهذه الشريعة لقول الله تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا وقوله: ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه وقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يعني: أمة الدعوة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بما جئت به إلا كان من أصحاب النار .
إذن الإيمان بالرسل يتضمن شيئين أولًا: تصديقهم بما أخبروا به لكن بشرط أن يصح عنهم.
والثاني: العمل بالشرائع ولكن هذا لا يكون إلا بشريعة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأن شريعته نسخت جميع الشرائع.
أولئك هم الصديقون أولئك أي الذين آمنوا بالله ورسله هم الصديقون أي البالغون في الصدق مبلغًا كبيرًا، لأن الصديق صيغة مبالغة، والصدق يكون بالقصد وبالقول وبالفعل، فأما الصدق بالقصد فأن يقصد الإنسان بعبادته وجه الله تبارك وتعالى لا يقصد غيره، فمن قصد بعبادته شيئًا غير الله فقد أشرك ولا يقبل عمله لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الحديث القدسي عن الله تبارك وتعالى أنه قال: أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه .
الثاني: الصدق في القول بأن يكون الإنسان صادقًا فيما يخبر به، وقد أثنى الله تعالى على الصادقين وأمر أن نكون معهم فقال جل وعلا: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين وأثنى على المهاجرين الذين هاجروا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلًا من الله ورضوانًا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون، وأمر النبي صلى عليه وعلى آله وسلم بالصدق وحث عليه ورغّب فيه فقال: عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابًا .
أما الصدق بالفعل فمتابعة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لأن من كان صادقًا فيما يدعي من محبة الله ورسوله فليتبع الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لقوله تعالى: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم وقد سمى بعض السلف هذه الآية آية المحنة يعني الامتحان فمن ادعى أنه يحب الله ورسوله قلنا تفضل اتبع الرسول إن اتبعه فهو صادق وإن خالفه فليس بصادق.
والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم الشهداء جمع شهيد والمراد بهم من قتلوا في سبيل الله، والقتال في سبيل الله أن يقاتل الإنسان عدو الله لتكون كلمة الله هي العليا هذا هو القتال في سبيل الله، قال ذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين سئل عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل ليرى مكانه أي ذلك في سبيل الله قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله هذا الضابط يقاتل شجاعة معناها وش معناها؟
الطالب : رياء.

الشيخ : لا.
الطالب : ...

الشيخ : لا.
الطالب : ...

الشيخ : نعم، يحب القتال شجاع يحب أن يقاتل كالصياد يحب أن يصيد، الصياد الذي يهوى الصيد تجده يحب هذا ويخرج ويتجشم المصاعب ليصيد الصيدة وإذا صادها صارت عنده أرخص من كل شيء، فهذا يقاتل شجاعة لأنه شجاعة يحب أن يقاتل، ويقاتل حمية يعني عصبية لقومه، ويقاتل ليرى مكانه يعني رياء كما جاء في اللفظ الآخر ويقاتل رياء قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله .
طيب من قاتل ليسترد أرضه المغصوبة في سبيل الله أو من باب الحمية؟
الطالب : من باب الحمية.

الشيخ : من باب الحمية إلا إذا قال: أريد أن أستردها لأقيم عليها شعائر الإسلام فهذا في سبيل الله، أما من قاتل لأن هذه أرضه ويريد أن ترد عليه فهذه حمية ليس له أجر الشهداء إذا قلتوا.
طيب هؤلاء شهداء لهم أجرهم عند ربهم أي: ثوابهم العظيم كما قال الله تعالى: ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون * فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون * يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين .
والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم ولما ذكر عز وجل أصحاب اليمين وثوابهم ذكر أصحاب الشمال بعد ذلك قال: والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم وهذا لأن القرآن مثاني يعني تثنى فيه الأمور والمعاني، ولهذا تجد القرآن الكريم في الغالب إذا ذكر الله الجنة ذكر النار، وإذا ذكر أولياء الله ذكر أعداء الله، والحكمة من ذلك ألا يمل الإنسان لأنه كلما تنقل المعنى إلى معنى آخر نشط الإنسان، وحكمة أخرى أن يكون الإنسان سائرًا إلى الله أي متعبدًا لله بين الخوف والرجاء، لأنه إذا ذكر صفات المؤمنين أو إذا مرت به صفات المؤمنين قوى جانب الرجاء، وإذا ذكرت أحوال الكافرين غلّب جانب الخوف، ولهذا قال: والذين كفروا وكذبوا بآياتنا عطف التكذيب على الكفر وهو نوع منه، لكن لأنه أشد يعني اللي يكفر ولكن ما يكذب أهون من اللي يكذب فعطف كذبوا بآياتنا على كفروا من باب عطف الخاص على العام كعطف الروح على الملائكة وهو منهم قال الله تعالى: تنزل الملائكة والروح فيها والروح جبريل وهو من الملائكة.
والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم الجحيم اسم من أسماء النار، وأصحابها يعني الملازمين لها، ولهذا إذا مرت بك آية فيها أصحاب فالمعنى أنهم ملازمون لها مخلدون فيها نسأل الله العافية، في هذه الآيات في الجملة الآيات الأولى الترغيب بالأوصاف التي توصل إلى الجنات، لأن الله تعالى لم يذكر لنا هذه الأمور لنطلع عليها فقط، ولكن لنسعى لها وفيها التحذير من الكفر والتكذيب لئلا يقع الإنسان في هذا العقاب الأليم أولئك أصحاب الجحيم ما أصاب هاه؟
الطالب : اعلموا أن.

الشيخ : نعم اعلموا أنما الحياة الدنيا إلى آخره، لما ذكر الله أحوال المؤمنين وأحوال الكافرين وهم في الدنيا كل يعمل على شاكلته، بيّن حقيقة الدنيا ما هي وأمرنا أن نعلم من أجل أن يجتهد الإنسان في التأمل والتفكر، فالأمر بالعلم بشيء واقع يعني أن المطلوب أن تتأمل كثيرًا حتى يتبين لك الأمر اعلموا أنما الحياة الدنيا وهي حياتنا هذه لعب ولهو وزينة وتفاخر وتكاثر في الأموال والأولاد خمسة أشياء: اللعب بالجوارح، واللهو بالقلوب، أما اللعب بالجوارح فأن يعمل الإنسان أعمالًا تسده عن ذكر الله وعن الصلاة، وأما اللهو بالقلوب فهو الغفلة وهذا أشد وأعظم غفلة القلب أعاذنا الله وإياكم منها وأحيا قلوبنا وقلوبكم، الغفلة عظيمة تفقدك جميع لذات الطاعات وتحرم من جميع آثارها لقوله تعالى: ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه لم يقل لا تطع من أسكتنا لسانه قال: من أغفلنا قلبه وما أكثر ذكرنا باللسان مع غفلة الجنان وهذا لا شك أنه ينقص الثواب وينقص الآثار المترتبة على الذكر من صلاح القلب واتجاه إلى الله وإنابته إليه وغير ذلك، لعب ولهو اللعب في إيش ؟
الطالب : في الجوارح.

الشيخ : واللهو في القلوب، وزينة نعم زينة زينة بالملابس زينة بالمراكب زينة بالمساكن زينة في كل شيء، ولذلك تجد الإنسان ولو كان فقيرًا يحب أن يزيّن بيته بالديكور وغيره وكذلك سيارته، وعند الأزواج إذا أراد الزوج يركب سيارة يجعل عليها عقودًا من الأزهار وغيره زينة.
تفاخر بينكم كل واحد يفخر على الثاني أنا من القبيلة الفلانية وأنت من القبيلة الفلانية قبيلتك لا تساوي شيئًا في المجتمع وقبيلتي قبيلة رفيعة، يتفاخرون، تفاخر في العلم يكون هذا عنده علم بالطب وهذا لا يعرف الطب، هذا علمه بالهندسة وهذا لا يعرف فيفخر عليه، وأقبح من ذلك التفاخر بالعلم الشرعي، لأن العلم الشرعي يجب على الإنسان إذا اكتسبه ومنّ الله عليه به أن يزداد تواضعًا وأن يعرف نفسه وقدر نفسه، تفاخر بينكم ومن ذلك ما يحصل بين الشعراء في بعض الأحيان من التطاول على الآخرين والتفاخر، كما يوجد في بعض الأفراح وبعض المناسبات عما نسمع.
وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد تكاثر كل واحد يحب أن يكون أكثر أموالًا وأكثر أولادًا، وهذا كقوله تعالى: زيّن للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا هذه حقيقة الدنيا ومع ذلك مع هذا اللهو اللعب والتفاخر والزينة هل تبقى؟ أبدًا ما تبقى لابد أن تزول، وإذا طال بالإنسان زمان عاد إلى الهرم، وفي هذا يقول الشاعر:
" لا طيب للعيش ما دامت منغصة *** لذاته بادكار الموت والهرم "
كل إنسان إذا فكّر في عيشه وأنه في نعيم يقول فما بعد ذلك ما الذي بعده أجب إما الموت أو الهرم، إما أن تموت وتنتهي من الدنيا وإما أن تهرم وتكون عالة على ابنك وبنتك حتى أهلك يملون منك، ولهذا أشار الله عز وجل إلى هذه الحالة فقال إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أي: الوالدين أو كلاهما فلا تقلهما أف لأنهما إذا بلغا الكبر اختل تفكيرهما وصارا يتعبان، فأنت إما أن تموت أو تصل إلى حال الهرم، هذا إن بقيت لك الدنيا وإلا فقد تسلب إياها قبل أن تصل إلى الهرم وقبل أن تموت أفهمتم؟ طيب إذن نأخذ من هذا الحذر من فتنة الدنيا وكم من إنسان ... الحياة الدنيا فهلك، وفي الحديث القدسي: إن من عبادي إذا أغنيته أفسده الغنى بل قد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: والله ما الفقر أخشى عليكم وإنما أخشى عليكم أن تفتح الدنيا عليكم فتنافسوا فيها كما تنافس فيها من قبلكم فتهلككم كما أهلكتهم وصدق الرسول عليه الصلاة والسلام، أكثر الفسقة أكثر الكفرة من من من الملأ والأشراف، اقرؤوا القرآن من يكذب الرسل؟ من؟ الملأ والأشراف اعتبروا بالواقع الآن، أكثر ما يفسد الدنيا هم الأثرياء والأغنياء الذين فتحت عليهم الدنيا فليحذرها العاقل اللبيب وليقتصر منها على ما ينفعه في الآخرة.
ثم ضرب الله لها مثلًا في قوله: كمثل غيث أعجب الكفار نباته إلى آخره ونبقى مع الأسئلة فيما بقي من الوقت، نعم.

Webiste