تم نسخ النصتم نسخ العنوان
تفسير الآيات ( 24 - 25 ) من سورة الحديد . - ابن عثيمينالشيخ : نبتدئ هذا اللقاء بما جرت به العادة من الكلام بما ييسره الله عز وجل على آيات من كتاب الله يقول الله تبارك وتعالى :  مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِ...
العالم
طريقة البحث
تفسير الآيات ( 24 - 25 ) من سورة الحديد .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : نبتدئ هذا اللقاء بما جرت به العادة من الكلام بما ييسره الله عز وجل على آيات من كتاب الله يقول الله تبارك وتعالى : مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ يبخلون أي : يمنعون ما يجب عليهم بذله من مال وجاه وعلم يبخلون أي : يمنعون ما يجب عليهم بذله من مال وجاه وعلم
مثال الأول : الذي يبخل بالزكاة وهي أعظم وأوجب ما ينفق والإنفاق على من تجب نفقته من الأقارب والزوجات
ومثال الثاني : أن يجد الإنسان شخصاً مسلماً واقعاً في مظلمة يتطلب المقام أن يشفع فيها ليرفع عن هذا الظلم ولكنه يبخل هذا بخل بماذا ؟ بجاهه
ومثال الثالث : وهو البخل بعلمه أن يمتنع من تعليم الناس مما علمه الله عز وجل وأن يبخل بالجواب والفتوى إذا استُفتي عن مسألة دينية وتعين عليه أن يفتي بها
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال : البخيل من إذا ذُكرت عنده لم يصل علي اللهم صل وسلم عليه وهذا نوع من البخل لأنه بخل بما يجب عليه بخل بما يجب عليه إذ أن القول الراجح إنه إذا ذكر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجب على من سمعه أن يصلي عليه بدليل الحديث الذي في السنن أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : رغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصل عليك قل : آمين فقال : آمين
وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ يأمرون أي : يقول هؤلاء للرجل : لا تنفق من مالك فإن مالك ينقص لا تتعب نفسك في الشفاعة لفلان لا تتعب نفسك في تعليم العلم هؤلاء أمروا بالبخل فصاروا والعياذ بالله فاسدين إيش؟ مفسدين قال الله عز وجل: وَمَنْ يَتَوَلَّ أي : يعرض عن طاعة الله فإن الله غني حميد فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ من يتول فإن الله ليس بحاجة إليه فهو عز وجل غني بذاته عن جميع مخلوقاته وهو الحميد أي : المحمود على غناه لأنه ليس كل غني يكون محموداً فالغني البخيل لا يحمد لكن الله عز وجل غني حميد يحمد على غناه لأنه عز وجل واسع العطاء كثير العطاء وفي هذه الآية دليل على أن الإنسان الذي يتولى عن طاعة الله إنما يضر نفسه ولا يضر الله شيئاً فإن الله غني وفي الحديث القدسي: يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً
وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ
قوله جل وعلا : لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ هذه جملة مؤكدة مؤكدة باللام وقد والقسم المقدر لأن مثل هذه جملة يقدر فيها قسم والتقدير : والله لقد أرسلنا رسلنا والله لقد أرسلنا رسلنا بالبينات ولعل قائل منكم يقول : كيف يقسم الله عز وجل ؟ كيف يؤكد الله خبره بالقسم وهو الصادق بدون ذلك ؟ هذا محل إشكال والجواب الأخ ما تدري
الجواب : أن يقال : القرآن الكريم نزل - تقدم عشان ... الناس - نزل بلسان عربي مبين واللسان العربي المبين يؤكد الأشياء الهامة أو الأشياء المنكرة بأنواع المؤكدات حتى يطمئن المخاطب ولا يكابر المكابر فهنا نقول : لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ تقدير الكلام والله لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وهذا يتكرر في القرآن كثيرا والتقدير كما سمعتم أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ أي : أعطيناهم الوحي وأمرناهم أن يبلغوه إلى الناس هذا الرسول وقوله : بِالْبَيِّنَاتِ أي : بالآيات البينات الواضحة الدالة على أنهم رسل من عند الله مثال ذلك أرسل الله سبحانه وتعالى موسى إلى فرعون وأعطاه آيات بينات قال الله تعالى : وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرائيلَ إِذْ جَاءَهُمْ منها : العصا العصا العجيبة عصا عادية فيها آيات من آيات الله فيها أنه لما اجتمع السحرة الحذاق الجيدون بأمر فرعون ومساندته وألقوا حبالهم وعصيهم وصارت هذه الحبال والعصي كأنها كأنها حيات وثعابين أرهبت الناس حتى موسى عليه الصلاة والسلام أوجس في نفسه خيفة لأنها فوق ما يتصور سحرة مهرة أتوا بكل قوتهم وألقوا ملؤوا الأرض حبالا وعصيا فجعلت هذه الحبال والعصي كأنها حيات وثعابين فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ إيش؟ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ أوحى الله إليه أن يلقي العصا ألقاها انقلبت هذه العصا حية عظيمة وجعلت تلقف ما يأفكون من الحبال التي جاؤوا بها أكلتها هذه الحية هذه من آيات الله العظيمة كيف تكون هذه الحية تأكل كل الدنيا هذه ؟ أين تذهب ؟ لكنها والله أعلم بمجرد ما تأكلها تكون كالبخار تذهب وإلا فإن بطن هذه الحية نعم لا يسعها لكن هذه آية أليس كذلك يا جماعة ؟ أنتم الآن تتصورون هذه الواقعة خبرا لكن ما ظنكم لو رأيتموها نظرا ؟ كان الأمر أشد وأعظم نحن الآن لا نتصورها إلا في الخبر وفي الذهن فقط لكن لو تشاهد الموضوع عرفت أنها آية عظيمة
الآية الثانية في هذه العصا : أن موسى استسقاه قومه طلبوا منه الماء فضرب حجرا حجرا من الأحجار فتفجر عيوناً اثنتا عشرة عينا الماء ينبع من هذا الحجر الذي ضُرب به العصا لأن بني إسرائيل كانوا اثني عشر نقيبا أليس هذا آية ؟ بلى ، حجر أصم تنبع منه العيون بدون حفار وبدون أي شيء آية من آيات الله
الآية الثالثة : أن موسى عليه الصلاة والسلام لما أدركه فرعون وحشره إلى البحر أيقن أصحاب موسى أنهم هالكون وقالوا : إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ما لنا مفر البحر أمامنا إن خضناه غرقنا وفرعون وجنوده خلفنا سيقضون علينا قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ولكن انظر إلى الإيمان واليقين : قَالَ كَلَّا لن ندرك إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ أي : سيدلني على ما فيه النجاة فأوحى الله إليه أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ ضرب البحر مرة واحدة بالعصا فانفلق اثني عشر طريقاً على عدد النقباء من بني إسرائيل اثني عشر طريقا كَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ أي : كالجبل العظيم الأرض في الحال يبست فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً والماء على أيمانهم وعن شمائلهم كالجبال وانظر إلى الإيمان أيضاً كيف دخلوا في هذه الطرق والمياه على أيمانهم وعلى شمائلهم لكن الإيمان لأنهم عرفوا أنهم ناجون ولا بُد هذه من آيات الله عز وجل
عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام أعطاه الله آيات بينات كان يبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله وهذان الداءان لا حيلة للأطباء فيهما إلى الآن اللهم إلا الأكمه ربما طيب كان يحيي الموتى بإذن الله يقول للجنازة أمام الناس : احيي فتحيا بإذن الله كان يخرج الموتى من قبورهم يقف على القبر ويأمر صاحب القبر أن يخرج ويخرج حياً من يستطيع هذا ؟ إلا الله عز وجل ؟ جعله الله آية لهذا النبي كان يخلق من الطين من الطين كهيئة الطير فينفخه فيطير يطير قال الله عز وجل : فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وفي قراءة ثانية : يَكُونُ طَائِرًا وإذا جمعت بين القراءتين صار المعنى صار طيرا بإذن الله يطير لأنه ما كل طير يطير النعامة لها جناح ولكن ما تطير لكن يكون طيرا يطير يشاهد في الجو وهو خلقه من طين من يقدر على هذا ؟ بعث بعد الموت وإيجاد من العدم هذا لا يقدر عليه إلا الله جعله الله آية لعيسى
فإن قال قائل : لماذا خص الله موسى بالعصا وخص عيسى بإحياء الموتى وخلق الطيور ؟ قال أهل العلم : إن الله عز وجل حكيم يجعل لكل نبي من الآيات ما يناسب الوقت وحال الناس حتى يعجزهم يقولون : إن السحر ترقى إلى حد بعيد في عهد موسى فأراهم الله آية يعجزون عنها بسحرهم ولهذا قال السحرة في قصة موسى السحرة العارفون بالسحر ما ملكوا أنفسهم إلا أن يؤمنوا أُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ شوف ألقوا ساجدين ما سجدوا كأنهم بغير اختيار شدهوا فسجدوا وقالوا إعلانا : آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ
عيسى عليه السلام ترقى في عهده الطب ترقيا عظيما فأعطاه الله تعالى آية لا يستطيع الأطباء أن يأتوا بمثلها
أما محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنه بعث في زمن البلاغة العظيمة التي ترقت إلى أعلى ما يكون في العرب واللسان العربي أفصح الألسنة وأدلها على ما في الضمير فبعثه الله عز وجل بعثه الله عز وجل بقرآن كريم أعجز العرب أن يأتوا بمثله ولن يأتي أحد بمثله لا الجن ولا الإنس قال الله عز وجل : قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ كمل وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً لو أن بعضهم عاون بعض ما يأتون بمثله وصدق الله عز وجل القرآن كلام الله فكما أن الله ليس كمثله شيء فكلامه ليس كمثله كلام لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : أن الله تعالى ما بعث نبيا إلا آتاه من الآيات ما يؤمن على مثله البشر حتى تقوم الحجة قال : وإنما الذي أوتيته وحي أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا وحصل ما توقع والحمد لله وما رجاه ، أكثر الأنبياء تابعا هو محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأن آيته الكبرى هي القرآن العظيم القرآن العظيم باقي كل الناس يقرؤونه ويستنتجون منه من الآيات ما يزدادون به إيمانا ويعلمون به صدق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
فإن قال قائل : ما الحاجة إلى إعطاء الأنبياء آيات ؟ قلنا: الحاجة واقعة بل للضرورة بل للعقل أيضاً لأنه ليس من العقل أن يأتي شخص ويقول : إنه رسول ثم يتبع لا بد أن يكون هناك بينة تدل على أنه رسول أفهمتم؟ لو جاء إنسان في غير أمة محمد عليه الصلاة والسلام وقال : إنه رسول ولم يأت بآية فالناس معذورون إذا لم يتبعوه وإلا لكان كل واحد يدعي أنه رسول أما بعد النبي صلى الله عليه وسلم فالنبوة انقطعت لأنه كان خاتم النبيين لذلك لا بد أن يكون مع الأنبياء آيات تدل على صدقهم وعلى صحة ما جاؤوا به من الشريعة
وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ الكتاب الوحي الذي أوحاه الله تعالى إليه وما من رسول إلا معه كتاب بخلاف النبي فالنبي قد لا يكون معه كتاب لكن الرسول معه كتاب لا بد أن يكون معه كتاب لأنه رسول لا بد أن يعطي الناس الذين يدعوهم ما يشاهدونه بأعينهم وقوله: الْكِتَاب هل هو واحد أو المراد الجنس؟ المراد الجنس يعني الكتب لأنه قال : رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ ليس كتابا واحدا بل كل رسول معه كتاب
وقوله : وَالْمِيزَانَ أي : العدل الذي توزن به الأشياء ويعرف قدرها وحالها وهذا يدل دلالة واضحة على أن القياس الصحيح مما بعث به الرسل لأن القياس تسوية فرع بأصل في حكم لعلة جامعة وقد قال الله عز وجل : وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ أي : العدل والمقايسة بين الأمور لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ أي : ليقوم الناس في الدين والدنيا بالقسط بالعدل في حق الله وفي حق العباد فما هو العدل في حق الله ؟ العدل في حق الله ما ذكره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لمعاذ بن جبل حين قال له : أتدري يا معاذ ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله ؟ قال : الله ورسوله أعلم قال : حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئا يعني ألا يعذب من يعبده ولا يشرك به شيئا حق المخلوق قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس ما يجب ما يؤتى إليه هذا الشاهد أي : أن تعامل الناس بأن تحب أن يعاملوك به لو أننا عاملنا الناس بهذا لاستقام العدل ولم يتجرأ أحد على ظلم أحد ولو أننا شعرنا للناس بما نشعر به لأنفسنا لحلت في قلوبنا الرحمة والتواضع لأن كل إنسان يحب أن يعامله الناس بالرحمة والتواضع فعامل الناس أيضاً بالرحمة والتواضع.
ثم ذكر الله تبارك وتعالى ما يحصل به النصر من جهة أخرى لأن النصر يكون بالوحي ويكون بالبأس وهو ما ذكره في قوله : وَأَنْزَلْنَا الحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ إلى آخره ويأتي إن شاء الله الكلام عليه في اللقاء المقبل نتفرغ الآن للأسئلة والأسئلة للضيوف ولكل ضيف سؤال واحد نعم .

Webiste