تفسير الآيات ( 8 0 ــ 10 ) من سورة الحديد .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محمّد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين .
أمّا بعد :
فهذا هو اللّقاء الرّابع بعد المائتين
الطالب : ...
الشيخ : الرابع عشر بعد المائتين من اللّقاءات التي يعبّر عنها بلقاء الباب المفتوح التي تتمّ كلّ يوم خميس، وهذا الخميس هو السادس من شهر جمادى الثانية عام عشرين وأربعمئة وألف نبتدئ -اجلس ...-نبتدئ هذا اللّقاء بتفسير آيات من كتاب الله عزّ وجلّ ممّا انتهينا إليه في سورة الحديد
قال الله عزّ وجلّ: وما لكم لا تؤمنون بالله والرّسول يدعوكم لتؤمنوا بربّكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين هذا معطوف على الآية التي قبلها وهي قوله تعالى: آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا ممّا جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير .
وما لكم لا تؤمنون بالله يعني أيّ شيء يمنعكم من الإيمان بالله وقد تمّت شرط بل قد تمت أسباب وجوب الإيمان به، وذلك بدعوة النّبيّ صلّى الله عليه و على آله وسلّم، كما قال الله عزّ وجلّ: والرّسول يدعوكم لتؤمنوا بربّكم وقد أخذ ميثاقكم يعني أخذ الله ميثاقكم العهد أن تؤمنوا به وبرسله، فصار هناك سببان للإيمان، الأوّل دعوة النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم إليه، والثاني الميثاق الذي أخذه الله علينا وذلك بما أعطانا عزّ وجلّ من الفطرة والعقل، والفهم الذي ندرك به ما ينفعنا ويضرّنا هذا هو الصّحيح بمعنى الميثاق، وقيل إنّه الميثاق الذي أخذه الله تعالى على بني آدم حين أخرجهم من ظهره، إن صحّ الحديث الوارد في ذلك، المهمّ إنّ الله تعالى ينكر على من لم يؤمن، ويقول ما الذي حملك على ألاّ تؤمن وقد تمّت أسباب وجوب الإيمان بدعوة الرّسول صلّى الله عليه و على آله وسلّم وأخذ الميثاق؟
إن كنتم مؤمنين يعني إن كنتم مؤمنين فالزموا الإيمان بالله ورسوله، ثمّ قال: نعم هو الذي ينزّل على عبده آيات بيّنات لمّا ذكر أن النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يدعو إلى الإيمان بيّن أنّه صلّى الله عليه وسلّم أتى بآيات بيّنات أي علامات دالّة على صدقه، وأنّ ما جاء به فهو حقّ، بيّنات ظاهرات بما اشتملت عليه من القصص النّافعة، والأخبار الصّادقة، والأحكام العادلة، والفصاحة التّامّة، والبيان العجيب، حتى إنّ العرب وهم أئمّة البلاغة وأمراؤها تحدّاهم الله عزّ وجلّ عدّة مرّات أن يأتوا بمثل هذا القرآن ولم يستطيعوا، فيقول عزّ وجلّ: هو الذي أنزل على عبده آيات بيّنات أي علامات دالّة على أنّه رسول الله حقّا وأنّ ما جاء به فهو حقّ، وذلك لما اشتملت عليه من الأخبار الصّادقة، والأحكام العادلة، والقصص النّافعة، والفصاحة والبلاغة، وغير ذلك ممّا هو معلوم
وقوله عزّ وجلّ: ليخرجكم من الظّلمات إلى النّور قوله ليخرجكم يحتمل أن يكون المراد بذلك الرّسول صلّى الله عليه وسلّم أي ليكون سببا لإخراجكم من الظّلمات إلى النّور، ويحتمل أن يعود إلى الله عزّ وجلّ أي ليخرجكم الله تعالى بهذه الآيات من الظّلمات إلى النّور وكلا المعنيين حقّ، قال الله تعالى: الله وليّ الذين آمنوا يخرجهم أكمل من الظّلمات إلى النّور وقال الله تعالى: آلر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظّلمات إلى النّور فالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سبب، أن يخرج النّاس من الظّلمات إلى النّور وأنّ المخرج حقيقة فهو الله عزّ وجلّ، والمراد بالظّلمات ظلمات الجهل، وظلمات الشّرك، ظلمات العدوان، ظلمات العصيان، كلّ ما خالف الحقّ فهو ظلمة وكلّ ما وافقه فهو نور، فقوله عزّ وجلّ: ليخرجكم الضّمير يعود على من؟ الأخ؟ الضّمير في ليخرجكم يعود على من؟ الكاف للنّاس لكن الفاعل؟
الطالب : ...
الشيخ : خطأ، ألست معنا الآن؟ تكلّمنا عنها قبل أقلّ من دقيقة، من الخسارة الفادحة أن يحضر الإنسان بجسمه لا بقلبه، فقد أضاع وقتا كثيرا على نفسه، احضروا بقلوبكم وأجسامكم، نعم يا أخي الضّمير يعود على من؟
الطالب : إمّا على الله وإمّا على الرّسول.
الشيخ : إمّا على الله وإمّا على الرّسول، طيب ما هو الذي يؤيّد أن يعود إلى الله الأخ؟
الطالب : قال الله تعالى: الله وليّ الذين آمنوا يخرجهم من الظّلمات إلى النّور .
الشيخ : قول الله تعالى: الله وليّ الذين آمنوا يخرجهم من الظّلمات إلى النّور طيب والذي يؤيّد أن يعود إلى الرّسول؟ الأخ؟
الطالب : ...
الشيخ : غلط.
الطالب : آلر كتاب أنزلناه إليك لتخرج النّاس من الظّلمات إلى النّور .
الشيخ : كتاب أنزلناه إليك لتخرج النّاس من الظّلمات إلى النّور وإذا كانت الآية تحتمل معنيين ولا منافاة بينهما تحمل عليهما جميعا فالله مخرج حقيقة والرّسول مخرج على أنّه سبب
وإنّ الله بكم لرؤوف رحيم الجملة هذه خبريّة مؤكّدة بإنّ واللّام وإنّ الله بكم لرؤوف رحيم الرّأفة أرقّ الرّحمة والرّحمة أعمّ فهو عزّ وجلّ رؤوف رحيم، أي ذو رحمة بالمؤمنين عزّ وجلّ كما قال تعالى: وكان بالمؤمنين رحيما رحمة الله سبحانه وتعالى إمّا عامّة وإمّا خاصّة، فالعامّة الشّاملة لجميع النّاس، والخاصّة بالمؤمنين كما قال عزّ وجلّ: وكان بالمؤمنين رحيما
فإذا قال قائل أيّ رحمة من الله عزّ وجلّ للكافر؟ فالجواب أمدّه بأنعام وبنين وعقل، وأمن، ورزق، بل إنّهم أي الكفّار قد عجّلت طيّباتهم لهم في الحياة الدّنيا، أليس كذلك؟ قال الله: ولو يؤاخذ الله النّاس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابّة ولكن يؤخّرهم إلى أجل مسمّى
فإذا سألك سائل هل لله رحمة على الكافر فقل، لا تقل نعم وإلا لا، أمّا بالمعنى العامّ إيش؟ فنعم، رحمة، ولولا رحمة الله به لهلك، وأمّا بالمعنى الخاصّ فلا، الرّحمة الخاصّة للمؤمنين فقط كما قال عزّ وجلّ: وكان بالمؤمنين رحيما ، وإنّ الله بكم لرؤوف رحيم* وما لكم ألاّ تنفقوا في سبيل الله استمع لتعرف أنّ القرآن يتّصل بعضه ببعض، قال الله تعالى في أوّل الآيات: آمنوا بالله ورسوله وايش؟ وأنفقوا ممّا جعلكم مستخلفين فيه
ثمّ قال: وما لكم لا تؤمنون بالله ثمّ قال: وما لكم ألاّ تنفقوا في سبيل الله لمّا أمرنا أن ننفق ممّا جعلنا مستخلفين فيه قال: وما لكم ألاّ تنفقوا في سبيل الله يعني أيّ شيء يمنعكم والإنفاق في سبيل الله يشمل كلّ شيء أمر الله بالإنفاق فيه، ففي سبيل الله هنا عامّة، وعليه يدخل في ذلك الإنفاق على النّفس، والإنفاق على الزّوجة، والإنفاق على الأهل، والإنفاق على الفقراء، واليتامى، والإنفاق في سبيل الله، كلّ ما أمر الله بالإنفاق فيه فهو داخل في هذه الآية، حتى على النّفس؟ نعم، إنفاقك على نفسك صدقة، إنفاقك على زوجك صدقة، لكن لاحظوا لاحظوا النّيّة لقول النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم لسعد بن أبي وقّاص: ... لقوله صلّى الله عليه وسلّم لسعد بن أبي وقّاص: واعلم أنّك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلاّ أجرت عليها لازم القيد هذا لا بدّ منه تبتغي به وجه الله إلاّ أجرت عليها أي أثبت عليها، إذن وما لكم ألا تنفقون في سبيل الله ما المراد بالإنفاق في سبيل الله الأخ؟
الطالب : ...
الشيخ : كلّ ما أمر الله بالإنفاق فيه طيب
ولله ميراث السّماوات والأرض يعني كيف لا تنفق والذي سيرث السّماوات والأرض هو الله، ومن جملة ذلك مالك الذي بخلت به سيرثه الله عزّ وجلّ، سيرثه الله فإذا ورث مالك من بعدك فإمّا أن يرثه صالح فيكون أسعد به منك، وإمّا أن يرثه مفسد فتكون خلّفت له ما يستعين به على إفساده، أفهمتم هذا؟ أجيبوا نعم وإلا لا؟
الطالب : نعم.
الشيخ : إذا خلّفت المال فإمّا أن تخلّفه إلى من ينفقه في سبيل الله فيكون هو أسعد بمالك منك، وإمّا أن تخلّفه لمفسد يستعين به على معصية الله فتكون أعنته على معصية الله بما خلّفت له من المال، إذن ما هو اللّائق بك؟ ما هو اللّائق؟
الطالب : ...
الشيخ : أن تنفقه في سبيل الله حتى يكون لك غنمه وتسلم من غائلته لو ورثه من يفسد به، تذكّر يا أخي عندما تفكّر في الإنفاق فيأتيك الشّيطان ويأمرك بالبخل ويعدك الفقر فكّر أنّك إذا خلّفت هذا المال فلا بدّ أن يورث لن يدفن معك، لا بدّ أن يورث، ويكون الإرث دائرا بين الأمرين السابقين الذين ذكرتهما وهو إمّا أن يرثه من ينفقه في سبيل الله فيكون أسعد بمالك منك، وإمّا أن يرثه من يستعين به على الفساد في الأرض فتكون أنت سببا للإفساد في الأرض ولا بدّ من هذا
ولله ميراث السّماوات والأرض لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل من أنفق في إيش؟ في سبيل الله لا يستوي منكم من أنفق في سبيل الله وقاتل يعني مع من لم ينفق ولم يقاتل، لا يمكن أن يستوي هذا وهذا لأنّ دين الإسلام دين العدل في العمل والجزاء، انتبه دين العدل في إيش؟
الطالب : في العدل والجزاء.
الشيخ : في العدل والجزاء، وليس كما يقول المُحدَثون المُحدِثون إنّه دين المساواة، هذا غلط غلط عظيم، لكن يتوسّل به أهل الآراء والأفكار الفاسدة إلى مقاصد ذميمة حتى يقول المرأة والرّجل سواء، والمؤمن والفاسق سواء، والعربي والعجمي سواء، ولا فرق، وسبحان الله أنّك لن تجد في القرآن كلمة مساواة بين النّاس لا بدّ من فرق، بل أكثر ما في القرآن نفي المساواة قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون وآيات كثيرة، فاحذر أن تتابع فتكون كالذي ينعق بما لا يسمع إلاّ دعاء ونداء، بدلا أن تقول الدّين الإسلاميّ دين المساواة، قل إيش؟
الطالب : العدل.
الشيخ : دين العدل الذي أمر الله به أن يعطي كلّ ذي حقّ حقّه أرأيت المرأة مع الرّجل في الإرث سواء وإلاّ يختلفون؟ يختلفون، في الدّية؟ في الدية دية النّفس المرأة نصف دية الرّجل، في العقيقة، فكّ الرّهان، الذّكر اثنتان والأنثى واحدة، في الدّين المرأة ناقصة، إذا حاضت لم تصلّ ولم تصم، في العقل المرأة ناقصة، شهادة رجل بشهادة امرأتين وهلمّ جرّا، الذين ينطقون بكلمة مساواة إذا قرّرنا هذا وأنّه من القواعد الشّرعيّة الإسلاميّة ألزمونا بالمساواة في هذه الأمور وإلاّ لصرنا متناقضين، فنقول دين الإسلام هو دين العدل، يعطي كلّ إنسان ما يستحقّ، حتى جاء في الحديث: أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلاّ الحدود يعني إذا أخطأ الإنسان الشّريف، الوجيه في غير الحدود فاحفظ عليه كرامته وأقله، هذا الذي تقيله إذا كان من الشّرفاء إقالتك إيّاه أعظم تربية من أن تجلده ألف جلدة، لأنّه كما قيل الكريم إذا أكرمته إيش؟
الطالب : ملكته.
الشيخ : ملكته، لكن لو يجي إنسان فاسق، ماجن، هذا أشدّد عليه العقوبة، وأعزّره، ولهذا لمّا كثر شرب الخمر في عهد عمر بن الخطاب ماذا فعل؟ أجيبوا؟
الطالب : ضاعف ...
الشيخ : ضاعف العقوبة، بدل الأربعين جعلها ثمانين، كذلك الحديث الصّحيح الذي رواه أهل السّنن: من شرب فاجلدوه، ثمّ إن شرب فاجلدوه، ثمّ إن شرب فاجلدوه، ثمّ إن شرب -يعني الرّابعة- فاقتلوه يعني هذا ما فيه فائدة، ثلاث مرّات نعاقبه لكن لا فائدة، إذن خير له ولغيره إيش؟ أن يقتل، إذا قتلناه استراح من الإثم كما قال الله عزّ وجلّ: ولا يحسبنّ الذين كفروا أنّما نملي لهم خير لأنفسهم إنّما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين الخلاصة: التّعبير بأنّ الدّين الإسلاميّ دين مساواة غلط وإلاّ صحّ؟
الطالب : غلط.
الشيخ : غلط، ما هو الصحيح؟
الطالب : العدل.
الشيخ : دين العدل، لا شكّ، العجب أنّ هؤلاء الذين يقولون هذا الكلام يقولون إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: لا فضل لعربيّ على عجميّ إلاّ بالتّقوى فيتناقضون، الحديث ما نفى مطلقا قال: إلاّ بالتّقوى إذن يختلفون في التّقوى وإلاّ لا يختلفون؟ هاه؟
الطالب : يختلفون.
الشيخ : يختلفون ...، ثمّ إنّ هذا الحديث أظنّه لا يصحّ عن النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام لأنّه قال: إنّ الله اصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم ففضّل، ولا شكّ عندنا أنّ العرب جنس العرب أفضل من جنس غير العرب، لا شكّ عندنا في هذا، والدّليل على هذا أنّ الله جعل في العرب أكمل نبوّة ورسالة من؟ محمّد صلّى الله عليه وسلّم، أكمل نبوّة ورسالة جعلها الله في العرب، وقد قال الله تعالى: الله أعلم حيث يجعل رسالته فالأجناس تختلف، وقال عليه الصّلاة والسّلام: خياركم في الجاهليّة خياركم في الإسلام إذا فقهوا احذر أن تتابع في العبارات التي ترد من المُحدِثين المُحدَثين حتى تتأمّلها وما فيها من الإيحاءات التي تدلّ على مفاسد ولو على المدى البعيد أسأل الله أن يهدينا وإيّاكم صراطه مستقيم وأن يتولاّنا وإيّاكم في الدّنيا والآخرة إنّه على كلّ شيء قدير، الآن إلى الأسئلة والحقّ للضّيوف، أمّأ المضيفون فلهم أجر الضّيافة.
أمّا بعد :
فهذا هو اللّقاء الرّابع بعد المائتين
الطالب : ...
الشيخ : الرابع عشر بعد المائتين من اللّقاءات التي يعبّر عنها بلقاء الباب المفتوح التي تتمّ كلّ يوم خميس، وهذا الخميس هو السادس من شهر جمادى الثانية عام عشرين وأربعمئة وألف نبتدئ -اجلس ...-نبتدئ هذا اللّقاء بتفسير آيات من كتاب الله عزّ وجلّ ممّا انتهينا إليه في سورة الحديد
قال الله عزّ وجلّ: وما لكم لا تؤمنون بالله والرّسول يدعوكم لتؤمنوا بربّكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين هذا معطوف على الآية التي قبلها وهي قوله تعالى: آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا ممّا جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير .
وما لكم لا تؤمنون بالله يعني أيّ شيء يمنعكم من الإيمان بالله وقد تمّت شرط بل قد تمت أسباب وجوب الإيمان به، وذلك بدعوة النّبيّ صلّى الله عليه و على آله وسلّم، كما قال الله عزّ وجلّ: والرّسول يدعوكم لتؤمنوا بربّكم وقد أخذ ميثاقكم يعني أخذ الله ميثاقكم العهد أن تؤمنوا به وبرسله، فصار هناك سببان للإيمان، الأوّل دعوة النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم إليه، والثاني الميثاق الذي أخذه الله علينا وذلك بما أعطانا عزّ وجلّ من الفطرة والعقل، والفهم الذي ندرك به ما ينفعنا ويضرّنا هذا هو الصّحيح بمعنى الميثاق، وقيل إنّه الميثاق الذي أخذه الله تعالى على بني آدم حين أخرجهم من ظهره، إن صحّ الحديث الوارد في ذلك، المهمّ إنّ الله تعالى ينكر على من لم يؤمن، ويقول ما الذي حملك على ألاّ تؤمن وقد تمّت أسباب وجوب الإيمان بدعوة الرّسول صلّى الله عليه و على آله وسلّم وأخذ الميثاق؟
إن كنتم مؤمنين يعني إن كنتم مؤمنين فالزموا الإيمان بالله ورسوله، ثمّ قال: نعم هو الذي ينزّل على عبده آيات بيّنات لمّا ذكر أن النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يدعو إلى الإيمان بيّن أنّه صلّى الله عليه وسلّم أتى بآيات بيّنات أي علامات دالّة على صدقه، وأنّ ما جاء به فهو حقّ، بيّنات ظاهرات بما اشتملت عليه من القصص النّافعة، والأخبار الصّادقة، والأحكام العادلة، والفصاحة التّامّة، والبيان العجيب، حتى إنّ العرب وهم أئمّة البلاغة وأمراؤها تحدّاهم الله عزّ وجلّ عدّة مرّات أن يأتوا بمثل هذا القرآن ولم يستطيعوا، فيقول عزّ وجلّ: هو الذي أنزل على عبده آيات بيّنات أي علامات دالّة على أنّه رسول الله حقّا وأنّ ما جاء به فهو حقّ، وذلك لما اشتملت عليه من الأخبار الصّادقة، والأحكام العادلة، والقصص النّافعة، والفصاحة والبلاغة، وغير ذلك ممّا هو معلوم
وقوله عزّ وجلّ: ليخرجكم من الظّلمات إلى النّور قوله ليخرجكم يحتمل أن يكون المراد بذلك الرّسول صلّى الله عليه وسلّم أي ليكون سببا لإخراجكم من الظّلمات إلى النّور، ويحتمل أن يعود إلى الله عزّ وجلّ أي ليخرجكم الله تعالى بهذه الآيات من الظّلمات إلى النّور وكلا المعنيين حقّ، قال الله تعالى: الله وليّ الذين آمنوا يخرجهم أكمل من الظّلمات إلى النّور وقال الله تعالى: آلر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظّلمات إلى النّور فالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سبب، أن يخرج النّاس من الظّلمات إلى النّور وأنّ المخرج حقيقة فهو الله عزّ وجلّ، والمراد بالظّلمات ظلمات الجهل، وظلمات الشّرك، ظلمات العدوان، ظلمات العصيان، كلّ ما خالف الحقّ فهو ظلمة وكلّ ما وافقه فهو نور، فقوله عزّ وجلّ: ليخرجكم الضّمير يعود على من؟ الأخ؟ الضّمير في ليخرجكم يعود على من؟ الكاف للنّاس لكن الفاعل؟
الطالب : ...
الشيخ : خطأ، ألست معنا الآن؟ تكلّمنا عنها قبل أقلّ من دقيقة، من الخسارة الفادحة أن يحضر الإنسان بجسمه لا بقلبه، فقد أضاع وقتا كثيرا على نفسه، احضروا بقلوبكم وأجسامكم، نعم يا أخي الضّمير يعود على من؟
الطالب : إمّا على الله وإمّا على الرّسول.
الشيخ : إمّا على الله وإمّا على الرّسول، طيب ما هو الذي يؤيّد أن يعود إلى الله الأخ؟
الطالب : قال الله تعالى: الله وليّ الذين آمنوا يخرجهم من الظّلمات إلى النّور .
الشيخ : قول الله تعالى: الله وليّ الذين آمنوا يخرجهم من الظّلمات إلى النّور طيب والذي يؤيّد أن يعود إلى الرّسول؟ الأخ؟
الطالب : ...
الشيخ : غلط.
الطالب : آلر كتاب أنزلناه إليك لتخرج النّاس من الظّلمات إلى النّور .
الشيخ : كتاب أنزلناه إليك لتخرج النّاس من الظّلمات إلى النّور وإذا كانت الآية تحتمل معنيين ولا منافاة بينهما تحمل عليهما جميعا فالله مخرج حقيقة والرّسول مخرج على أنّه سبب
وإنّ الله بكم لرؤوف رحيم الجملة هذه خبريّة مؤكّدة بإنّ واللّام وإنّ الله بكم لرؤوف رحيم الرّأفة أرقّ الرّحمة والرّحمة أعمّ فهو عزّ وجلّ رؤوف رحيم، أي ذو رحمة بالمؤمنين عزّ وجلّ كما قال تعالى: وكان بالمؤمنين رحيما رحمة الله سبحانه وتعالى إمّا عامّة وإمّا خاصّة، فالعامّة الشّاملة لجميع النّاس، والخاصّة بالمؤمنين كما قال عزّ وجلّ: وكان بالمؤمنين رحيما
فإذا قال قائل أيّ رحمة من الله عزّ وجلّ للكافر؟ فالجواب أمدّه بأنعام وبنين وعقل، وأمن، ورزق، بل إنّهم أي الكفّار قد عجّلت طيّباتهم لهم في الحياة الدّنيا، أليس كذلك؟ قال الله: ولو يؤاخذ الله النّاس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابّة ولكن يؤخّرهم إلى أجل مسمّى
فإذا سألك سائل هل لله رحمة على الكافر فقل، لا تقل نعم وإلا لا، أمّا بالمعنى العامّ إيش؟ فنعم، رحمة، ولولا رحمة الله به لهلك، وأمّا بالمعنى الخاصّ فلا، الرّحمة الخاصّة للمؤمنين فقط كما قال عزّ وجلّ: وكان بالمؤمنين رحيما ، وإنّ الله بكم لرؤوف رحيم* وما لكم ألاّ تنفقوا في سبيل الله استمع لتعرف أنّ القرآن يتّصل بعضه ببعض، قال الله تعالى في أوّل الآيات: آمنوا بالله ورسوله وايش؟ وأنفقوا ممّا جعلكم مستخلفين فيه
ثمّ قال: وما لكم لا تؤمنون بالله ثمّ قال: وما لكم ألاّ تنفقوا في سبيل الله لمّا أمرنا أن ننفق ممّا جعلنا مستخلفين فيه قال: وما لكم ألاّ تنفقوا في سبيل الله يعني أيّ شيء يمنعكم والإنفاق في سبيل الله يشمل كلّ شيء أمر الله بالإنفاق فيه، ففي سبيل الله هنا عامّة، وعليه يدخل في ذلك الإنفاق على النّفس، والإنفاق على الزّوجة، والإنفاق على الأهل، والإنفاق على الفقراء، واليتامى، والإنفاق في سبيل الله، كلّ ما أمر الله بالإنفاق فيه فهو داخل في هذه الآية، حتى على النّفس؟ نعم، إنفاقك على نفسك صدقة، إنفاقك على زوجك صدقة، لكن لاحظوا لاحظوا النّيّة لقول النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم لسعد بن أبي وقّاص: ... لقوله صلّى الله عليه وسلّم لسعد بن أبي وقّاص: واعلم أنّك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلاّ أجرت عليها لازم القيد هذا لا بدّ منه تبتغي به وجه الله إلاّ أجرت عليها أي أثبت عليها، إذن وما لكم ألا تنفقون في سبيل الله ما المراد بالإنفاق في سبيل الله الأخ؟
الطالب : ...
الشيخ : كلّ ما أمر الله بالإنفاق فيه طيب
ولله ميراث السّماوات والأرض يعني كيف لا تنفق والذي سيرث السّماوات والأرض هو الله، ومن جملة ذلك مالك الذي بخلت به سيرثه الله عزّ وجلّ، سيرثه الله فإذا ورث مالك من بعدك فإمّا أن يرثه صالح فيكون أسعد به منك، وإمّا أن يرثه مفسد فتكون خلّفت له ما يستعين به على إفساده، أفهمتم هذا؟ أجيبوا نعم وإلا لا؟
الطالب : نعم.
الشيخ : إذا خلّفت المال فإمّا أن تخلّفه إلى من ينفقه في سبيل الله فيكون هو أسعد بمالك منك، وإمّا أن تخلّفه لمفسد يستعين به على معصية الله فتكون أعنته على معصية الله بما خلّفت له من المال، إذن ما هو اللّائق بك؟ ما هو اللّائق؟
الطالب : ...
الشيخ : أن تنفقه في سبيل الله حتى يكون لك غنمه وتسلم من غائلته لو ورثه من يفسد به، تذكّر يا أخي عندما تفكّر في الإنفاق فيأتيك الشّيطان ويأمرك بالبخل ويعدك الفقر فكّر أنّك إذا خلّفت هذا المال فلا بدّ أن يورث لن يدفن معك، لا بدّ أن يورث، ويكون الإرث دائرا بين الأمرين السابقين الذين ذكرتهما وهو إمّا أن يرثه من ينفقه في سبيل الله فيكون أسعد بمالك منك، وإمّا أن يرثه من يستعين به على الفساد في الأرض فتكون أنت سببا للإفساد في الأرض ولا بدّ من هذا
ولله ميراث السّماوات والأرض لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل من أنفق في إيش؟ في سبيل الله لا يستوي منكم من أنفق في سبيل الله وقاتل يعني مع من لم ينفق ولم يقاتل، لا يمكن أن يستوي هذا وهذا لأنّ دين الإسلام دين العدل في العمل والجزاء، انتبه دين العدل في إيش؟
الطالب : في العدل والجزاء.
الشيخ : في العدل والجزاء، وليس كما يقول المُحدَثون المُحدِثون إنّه دين المساواة، هذا غلط غلط عظيم، لكن يتوسّل به أهل الآراء والأفكار الفاسدة إلى مقاصد ذميمة حتى يقول المرأة والرّجل سواء، والمؤمن والفاسق سواء، والعربي والعجمي سواء، ولا فرق، وسبحان الله أنّك لن تجد في القرآن كلمة مساواة بين النّاس لا بدّ من فرق، بل أكثر ما في القرآن نفي المساواة قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون وآيات كثيرة، فاحذر أن تتابع فتكون كالذي ينعق بما لا يسمع إلاّ دعاء ونداء، بدلا أن تقول الدّين الإسلاميّ دين المساواة، قل إيش؟
الطالب : العدل.
الشيخ : دين العدل الذي أمر الله به أن يعطي كلّ ذي حقّ حقّه أرأيت المرأة مع الرّجل في الإرث سواء وإلاّ يختلفون؟ يختلفون، في الدّية؟ في الدية دية النّفس المرأة نصف دية الرّجل، في العقيقة، فكّ الرّهان، الذّكر اثنتان والأنثى واحدة، في الدّين المرأة ناقصة، إذا حاضت لم تصلّ ولم تصم، في العقل المرأة ناقصة، شهادة رجل بشهادة امرأتين وهلمّ جرّا، الذين ينطقون بكلمة مساواة إذا قرّرنا هذا وأنّه من القواعد الشّرعيّة الإسلاميّة ألزمونا بالمساواة في هذه الأمور وإلاّ لصرنا متناقضين، فنقول دين الإسلام هو دين العدل، يعطي كلّ إنسان ما يستحقّ، حتى جاء في الحديث: أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلاّ الحدود يعني إذا أخطأ الإنسان الشّريف، الوجيه في غير الحدود فاحفظ عليه كرامته وأقله، هذا الذي تقيله إذا كان من الشّرفاء إقالتك إيّاه أعظم تربية من أن تجلده ألف جلدة، لأنّه كما قيل الكريم إذا أكرمته إيش؟
الطالب : ملكته.
الشيخ : ملكته، لكن لو يجي إنسان فاسق، ماجن، هذا أشدّد عليه العقوبة، وأعزّره، ولهذا لمّا كثر شرب الخمر في عهد عمر بن الخطاب ماذا فعل؟ أجيبوا؟
الطالب : ضاعف ...
الشيخ : ضاعف العقوبة، بدل الأربعين جعلها ثمانين، كذلك الحديث الصّحيح الذي رواه أهل السّنن: من شرب فاجلدوه، ثمّ إن شرب فاجلدوه، ثمّ إن شرب فاجلدوه، ثمّ إن شرب -يعني الرّابعة- فاقتلوه يعني هذا ما فيه فائدة، ثلاث مرّات نعاقبه لكن لا فائدة، إذن خير له ولغيره إيش؟ أن يقتل، إذا قتلناه استراح من الإثم كما قال الله عزّ وجلّ: ولا يحسبنّ الذين كفروا أنّما نملي لهم خير لأنفسهم إنّما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين الخلاصة: التّعبير بأنّ الدّين الإسلاميّ دين مساواة غلط وإلاّ صحّ؟
الطالب : غلط.
الشيخ : غلط، ما هو الصحيح؟
الطالب : العدل.
الشيخ : دين العدل، لا شكّ، العجب أنّ هؤلاء الذين يقولون هذا الكلام يقولون إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: لا فضل لعربيّ على عجميّ إلاّ بالتّقوى فيتناقضون، الحديث ما نفى مطلقا قال: إلاّ بالتّقوى إذن يختلفون في التّقوى وإلاّ لا يختلفون؟ هاه؟
الطالب : يختلفون.
الشيخ : يختلفون ...، ثمّ إنّ هذا الحديث أظنّه لا يصحّ عن النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام لأنّه قال: إنّ الله اصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم ففضّل، ولا شكّ عندنا أنّ العرب جنس العرب أفضل من جنس غير العرب، لا شكّ عندنا في هذا، والدّليل على هذا أنّ الله جعل في العرب أكمل نبوّة ورسالة من؟ محمّد صلّى الله عليه وسلّم، أكمل نبوّة ورسالة جعلها الله في العرب، وقد قال الله تعالى: الله أعلم حيث يجعل رسالته فالأجناس تختلف، وقال عليه الصّلاة والسّلام: خياركم في الجاهليّة خياركم في الإسلام إذا فقهوا احذر أن تتابع في العبارات التي ترد من المُحدِثين المُحدَثين حتى تتأمّلها وما فيها من الإيحاءات التي تدلّ على مفاسد ولو على المدى البعيد أسأل الله أن يهدينا وإيّاكم صراطه مستقيم وأن يتولاّنا وإيّاكم في الدّنيا والآخرة إنّه على كلّ شيء قدير، الآن إلى الأسئلة والحقّ للضّيوف، أمّأ المضيفون فلهم أجر الضّيافة.
الفتاوى المشابهة
- تفسير الآيات ( 5 - 6 ) من سورة الحديد . - ابن عثيمين
- تفسير آيات من سورة الحديد - ابن عثيمين
- تفسير الآية ( 7 ) من سورة الحديد . - ابن عثيمين
- تفسير الآيات ( 2 - 4 ) من سورة الحديد . - ابن عثيمين
- تفسير الآيات ( 19 - 20 ) من سورة الحديد . - ابن عثيمين
- تفسير الآيات ( 28 - 29 ) من سورة الحديد . - ابن عثيمين
- تفسير الآيات ( 16 - 19 ) من سورة الحديد . - ابن عثيمين
- تفسير الآيات ( 16 - 21 ) من سورة الحديد . - ابن عثيمين
- تفسير الآيات ( 24 - 25 ) من سورة الحديد . - ابن عثيمين
- تفسير الآيات ( 10 - 12 ) من سورة الحديد . - ابن عثيمين
- تفسير الآيات ( 8 0 ــ 10 ) من سورة الحديد . - ابن عثيمين