شرح قوله ( فهذا مختصر يشمل على أصول الأدلة الحديثية للأحكام حررته تحريرا بالغا ليصير من يحفظه من بين أقرانه نابغا ، ويستعين به الطالب المبتدئ ولا يستغني عنه الراغب المنتهي .
وقد بينت عقب كل حديث من أخرجه من الأئمة لإرادة نصح الأمة .
فالمراد بالسبعة أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة ، وبالستة من عدا أحمد ، وبالخمسة من عدا البخاري ومسلم . وقد أقول الأربعة وأحمد ، وبالأربعة من عدا الثلاثة الأول ، وبالثلاثة من عداهم وعدا الأخير ،وبالمتفق البخاري ومسلم ، وقد لا أذكر معهما ، وما عدا ذلك فهو مبين .
وسميته بلوغ المرام من أدلة الأحكام ، والله أسأله أن لا يجعل ما علمناه علينا وبالا ، وأن يرزقنا العمل بما يرضيه سبحانه وتعالى.).
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
القارئ : " حررته تحريرًا بالغًا ليصير من يحفظه من بين أقرانه نابغًا، ويستعين به الطالب المبتدئ ولا يستغني عنه الراغب المنتهي، وقد بينت عقب كل حديث من أخرجه من الأئمة لإرادة نصح الأمة،
فالمراد بالسبعة: أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وبالستة: من عدا أحمد، وبالخمسة: من عدا البخاري ومسلمًا، وقد أقول الأربعة وأحمد، وبالأربعة: من عدا الثلاثة الأول، وبالثلاثة: من عداهم وعدا الأخير، وبالمتفق عليه: البخاري ومسلم وقد لا أذكر معهما غيرهما، وما عدا ذلك فهو مبين، وسميته: بلوغ المرام من أدلة الأحكام، والله أسأله أن لا يجعل ما علمناه علينا وبالا، وأن يرزقنا العمل بما يرضيه سبحانه وتعالى ".
الشيخ : بسم الله الرّحمن الرّحيم .
سبق لنا أنّ أصل الأدلّة أدلّة الأحكام هو القرآن وأنّ السّنّة متمّمة له، وسبق لنا أنّ النّاظر في أدلّة القرآن لا يحتاج إلى البحث عن سنده لأنّه متواتر، معلوم علمًا يقينيًّا، وأمّا النّاظر في السّنّة فيحتاج إلى أمرين:
الأمر الأوّل: ثبوت ذلك عن النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم. والثاني: دلالة النّصّ على الحكم، وعلى هذا فإذا استدلّ عليك مستدلّ بآية من القرآن فبماذا تطالبه؟
الطالب : وجه الدّلالة.
الشيخ : أقول: ما هو وجه الدّلالة، وإذا استدلّ عليك مستدلّ بالسّنّة طالبه أوّلًا بصحّة النّقل فإذا صحّ النّقل حينئذ أناقشه في صحّة الدّلالة، طيب ومن ثمّ احتاج العلماء رحمهم الله إلى أن ينظروا في الرّواة من وجهين:
الوجه الأوّل: من حيث الثّقة وذلك يعود على الحفظ والأمانة، ومن حيث الاتّصال وذلك يعود إلى العلم بتواريخ حياتهم ولادة ووفاة لئلاّ يكون منقطعًا، فالنّظر في أحوال الرّواة من وجهين: من جهة الثّقة وهو يعود إلى شيئين العدالة والحفظ، ويدخل فيهما أشياء كثيرة ممّا يخالف ذلك من أسباب الطّعن في الحديث، والثاني إيش؟
الطالب : اتّصال السّند.
الشيخ : من حيث اتّصال السّند، وعلى هذا فلا بدّ من العلم بمواليدهم ووفاياتهم حتى نعرف المتّصل من غير المتّصل، ثمّ تكلّمنا على أوّل مقدّمة المؤلف رحمه الله.
ثمّ قال: " أمّا بعد فهذا مختصر يشتمل " المختصر قال العلماء: هو الذي قلّ لفظه وكثر معناه هذا المختصر، " يشتمل على الأصول الحديثيّة للأحكام الشّرعيّة " أصول الأدلّة أفادنا المؤلّف رحمه الله أنّه لم يستوعب جميع الأدلّة الحديثيّة وإنّما انتخب الأصول فقط، يعني التي تدلّ على ما يكثر من النّاس وقوعه في عباداتهم، وقوله: " الحديثيّة " نسبة إلى الحديث احترازًا من الأدلّة القرآنيّة، لأنّ هذا الكتاب لم يذكر المؤلّف فيه شيئًا من الأدلّة القرآنيّة، فمثلًا صحيح البخاري، يذكر البخاري رحمه الله شيئًا من الأدلّة القرآنيّة وكذلك الحديثيّة، أمّا مسلم مثلًا فلا يذكر شيئًا من الأدلّة القرآنيّة، المؤلّف لم يذكر شيئًا من الأدلّة القرآنيّة وإنّما اقتصر على شيء من الأدلّة الحديثيّة.
وقوله: " للأحكام الشّرعيّة " الأحكام جمع حكم، وهو أي الحكم إثبات شيء لشيء نفيًا أو إيجابًا، هذا الحكم، إثبات شيء لشيء نفيًا أو إيجابًا فإذا قلنا مثلًا لا يحلّ أكل الميتة فهذا إثبات حكم، نفي أو إيجاب؟
الطالب : نفي.
الشيخ : نفي، وإذا قال أحلّ الله البيع فهذا حكم إيجابيّ، فالحكم إذن إثبات شيء لشيء نفيًا أو إيجابًا.
وقوله: " الشّرعيّة " خرج به ثلاثة أحكام العاديّة والعقليّة وبقيت الشّرعيّة، الأحكام الشّرعيّة هي المتلقّاة من الشّرع: الكتاب والسّنّة والإجماع والقياس، الأدلّة العقليّة هي المتلقّاة من العقل، والأدلّة العاديّة هي المتلقّاة من التّجارب هذه أدلّة عاديّة، الحلال والحرام والوجوب والاستحباب والكراهة هذه مأخوذة من أين؟
الطالب : من الشّرع.
الشيخ : من الشّرع، كون الجزء أقلّ من الكلّ والكلّ أكبر هذه أدلّة عقليّة، ما أخذ من العادة مثل أن يقول السّكنجبين مسهّل للبطن مثلًا أو ما أشبه هذا من العادة يعني اعتاد النّاس أنّ من تناول هذا الشّيء سهلت بطونهم أو تسهلّت، فالأحكام إذن ثلاثة أقسام شرعيّة وإيش؟
الطالب : وعقليّة ...
الشيخ : وعقليّة وعاديّة، ثمّ الشّرعيّة إمّا عمليّة أو علميّة، فما كان أساسه الاعتقاد فهو علمي، وما كان أساسه العمل قولًا أو فعلًا فهو عمليّ، يقول: " حرّرته تحريرًا بالغًا " حرّرته يعني نفيت عنه كلّ تعقيد لأنّه من تحرير الشّيء أي تخليصه تحريرًا بالغًا حسب قدرته رحمه الله " ليصير من يحفظه من بين أقرانه نابغًا " ليصير من يحفظه أشار المؤلّف بهذه الكلمة إلى أنّه ينبغي لنا أن نحفظ هذا المؤلَّف لأنّه مختصر مشتمل على أصول الأدلّة الحديثيّة مبيّنًا فيه الأحكام ودرجات الأحاديث.
وقوله: " من بين أقرانه " جمع قرن وهو الزّميل، ونابغًا أي ذا نبوغ وعلوّ وارتفاع على غيره وهذا لا شكّ أنّ الإنسان إذا حفظ هذا المتن فإنّه سوف يستغني عن كثير من الأدلّة لأنّه مستوعب لغالب الأدلّة التي يحتاج النّاس إليها لكنّه يحتاج إلى تعاهد، لأنّه رحمه الله يذكر التّخريج أحيانًا بكلمات مطوّلة يحتاج الإنسان إلى أن يتعاهدها وإلاّ نسيها.
" ويستعين بها الطالب المبتدئ " يستعين بها أي يجعله عونًا له، الطالب للعلم المبتدئ، " ولا يستغني عنه الرّاغب المنتهي " إذن يحتاج النّاس إليه سواء كانوا مبتدئين أو منتهين، أمّا الطالب المنتهي فإنّه يستعين به وأمّا الآخر فإنّه يرجع إليه. " وقد بيّنت عقب كلّ حديث من أخرجه من الأئمّة لإرادة نصح الأمّة " كلّما ذكر حديثًا ذكر من أخرجه من الأئمّة أي أئمّة الحديث، كالإمام أحمد والبخاري ومسلم ومن أشبههم " لإرادة نصح الأمّة " يعني قاصدا بذلك النّصيحة وذلك لأنّ الإنسان إذا ذكر حديثًا ولم يذكر من رواه قد يظنّ السّامع أنّه حديث صحيح لا سيما إذا قاله على وجه الاستدلال، لكن إذا ذكر من خرّجه فهذا تمام النّصح، إلاّ أنّه يحتاج أيضًا إلى شيء آخر والمؤلّف سلكه رحمه الله وهو أن يصحّح الحديث حتى لو ذكر من خرّجه إذا كان من خرّجه لا يستلزم إخراج الصّحيح، ولهذا جاء النّقص الذي في تفسير ابن جرير رحمه الله على أنّه مستوعب جميع الأقاويل والآثار في التّفسير الخلل فيه أنّه لا يتكلّم فيه على الأثر ودرجته، ولذلك كان يحتاج إلى تخريج حتى يعرف الإنسان درجة هذا الأثر في تفسير الآية، فإذن لا يكفي أن نقول روى فلان إذا كان فلان ممّن لم يلتزم بإيش؟ بإخراج الصّحيح، لكن المؤلّف رحمه الله أحيانًا يذكر يتكلّم هل أنّ إسناده صحيح أو قويّ أو ضعيف.
قال: " فالمراد بالسّبعة " يعني: إذا قلت أخرجه السّبعة " أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه " هذا إذا قال السّبعة ولا يذكر غيرها، فإذا قال أخرجه السّبعة فإنّه يراد بذلك هؤلاء.
واعلم أنّ من عيب التّخريج أن يذكر الإنسان الأدنى مرتبة مع أنّه رواه من هو أعلى منه مرتبة، يعني مثلًا يقول رواه أبو داود والحديث رواه البخاري مع أبي داود، هذا من العيب عند المحدّثين لأنّك إذا أهملت الأقوى أوهنت الحديث وصار ضعيفًا في نظر القارئ أو في نظر السّامع، فإذا كان الحديث مثلًا رواه البخاري ومسلم وأبو داود والتّرمذي والنّسائي وابن ماجه إمّا أن أقول أخرجه السّبعة وإمّا أقول أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من أئمة الحديث، أمّا تقول أخرجه أبو داود وتقتصر فهذا عيب عند المحدّثين وهذا ظاهر، لأنّه يوهن درجة الحديث.
يقول: " وبالسّتّة من عدا أحمد " فيكون البخاري ومسلم وأبو داود والتّرمذي والنّسائي وابن ماجه، " وبالخمسة من عدا البخاري ومسلم " فيكون أحمد وأبو داود والتّرمذي والنّسائيّ وابن ماجه، " وقد أقول الأربعة وأحمد " ولم يبيّن المؤلّف لماذا كان يقول هذا؟ والظاهر أنّه كان يقول ذلك تفنّنا في العبارة وقد يكون اطّلع على أنّ الذي رواه هم الأربعة ثمّ بعد ذلك اطّلع على أنّ الإمام أحمد رواه أيضا فأضافه، نعم " وبالأربعة ما عدا الثّلاثة الأول " وهم أحمد والبخاري ومسلم فيكون هؤلاء هم أبو داود والتّرمذي والنّسائي وابن ماجه، " وبالثّلاثة من عداهم وعدا الأخير " من الأخير؟ ابن ماجه، فيكون إذا يقول أخرجه الثّلاثة أبو داود والتّرمذي والنّسائي " وبالمتّفق عليه البخاري ومسلم " وهذا الذي اصطلح عليه بالمتّفق عليه هو الذي عليه عامّة النّاس الآن يعني عامّة الكتب المؤلّفة إذا قالوا متّفق عليه فالمراد أخرجه البخاري ومسلم، ولكن المجد مجد الدّين عبد السّلام بن تيمية رحمه الله جدّ شيخ الإسلام في " المنتقى " إذا قال متّفق عليه فالمراد أحمد والبخاري ومسلم الثلاثة، لكن هذا اصطلاح خاصّ " وقد لا أذكر معهما غيرهما "، مع من؟ البخاري ومسلم غيرهما وذلك لأنّ العلماء تلقّوا ما روياه بالقبول، وإذا كان العلماء قد تلقّوا ذلك بالقبول فإضافة شيء آخر من باب ... " وما عدا ذلك -يعني ما عدا هؤلاء السّبعة- فهو مبيّن " وسيتبيّن لك إن شاء الله تعالى فيما يأتي. " وسمّيته بلوغ المرام من أدلّة الأحكام " أو بلوغَ؟
الطالب : ...
الشيخ : هاه؟
الطالب : ...
الشيخ : إن قلنا بلوغ المرام من أدلّة الأحكام، فإنّ بلوغ خبر لمبتدأ محذوف والتّقدير هذا بلوغ المرام وعليه فتكون الجملة هي المفعول الثاني لسمّيته على سبيل الحكاية، وإن قلنا سمّيته بلوغَ المرام كما تقول سمّيت ابني عبدَ الله فإنّ بلوغ تكون المفعول الثاني ولا حاجة للتّقدير. " والله أسأل أن لا يجعل ما علمنا علينا وبالا " الله بالنّصب على أنّه معمول لأسأل مقدّم وتقديم المعمول يفيد الحصر أي أسأل لا غير أن لا يجعل ما علمنا علينا وبالا وذلك بأن نعمل به لأنّ ما علمنا إمّا أن يكون حجّة لنا وإمّا أن يكون حجّة علينا لقول الرّسول صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: القرآن حجّة لك أو عليك فإن عملت به فهو لك وإن لم تعمل به فهو عليك ووبال أي إثم وعقوبة، " وأن يرزقنا العمل بما يرضيه سبحانه وتعالى " الرّزق هو العطاء، العمل بما يرضيه أي من قول وعمل وعقيدة سبحانه وتعالى، هذه هي خطبة الكتاب ومقدّمته، واعلم أنّ المؤلّف قال في الأوّل " أمّا بعد فهذا مختصر " فالمشار إليه هل هو ما قام في ذهنه أو ما حضر بين يديه؟ الجواب هذا يوجد كثيرا في المؤلّفات أمّا بعد فهذا وتخريجه كما يأتي: إن كان الكتاب قد ألّف قبل الإشارة فهو إشارة إلى ما حضر بين يديه، وإن كان لم يؤلّف وهو الغالب فهو إشارة إلى ما قام في ذهن المؤلّف، فهذا يعني ما تصوّره في ذهنه إلى آخر ما ...
فالمراد بالسبعة: أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وبالستة: من عدا أحمد، وبالخمسة: من عدا البخاري ومسلمًا، وقد أقول الأربعة وأحمد، وبالأربعة: من عدا الثلاثة الأول، وبالثلاثة: من عداهم وعدا الأخير، وبالمتفق عليه: البخاري ومسلم وقد لا أذكر معهما غيرهما، وما عدا ذلك فهو مبين، وسميته: بلوغ المرام من أدلة الأحكام، والله أسأله أن لا يجعل ما علمناه علينا وبالا، وأن يرزقنا العمل بما يرضيه سبحانه وتعالى ".
الشيخ : بسم الله الرّحمن الرّحيم .
سبق لنا أنّ أصل الأدلّة أدلّة الأحكام هو القرآن وأنّ السّنّة متمّمة له، وسبق لنا أنّ النّاظر في أدلّة القرآن لا يحتاج إلى البحث عن سنده لأنّه متواتر، معلوم علمًا يقينيًّا، وأمّا النّاظر في السّنّة فيحتاج إلى أمرين:
الأمر الأوّل: ثبوت ذلك عن النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم. والثاني: دلالة النّصّ على الحكم، وعلى هذا فإذا استدلّ عليك مستدلّ بآية من القرآن فبماذا تطالبه؟
الطالب : وجه الدّلالة.
الشيخ : أقول: ما هو وجه الدّلالة، وإذا استدلّ عليك مستدلّ بالسّنّة طالبه أوّلًا بصحّة النّقل فإذا صحّ النّقل حينئذ أناقشه في صحّة الدّلالة، طيب ومن ثمّ احتاج العلماء رحمهم الله إلى أن ينظروا في الرّواة من وجهين:
الوجه الأوّل: من حيث الثّقة وذلك يعود على الحفظ والأمانة، ومن حيث الاتّصال وذلك يعود إلى العلم بتواريخ حياتهم ولادة ووفاة لئلاّ يكون منقطعًا، فالنّظر في أحوال الرّواة من وجهين: من جهة الثّقة وهو يعود إلى شيئين العدالة والحفظ، ويدخل فيهما أشياء كثيرة ممّا يخالف ذلك من أسباب الطّعن في الحديث، والثاني إيش؟
الطالب : اتّصال السّند.
الشيخ : من حيث اتّصال السّند، وعلى هذا فلا بدّ من العلم بمواليدهم ووفاياتهم حتى نعرف المتّصل من غير المتّصل، ثمّ تكلّمنا على أوّل مقدّمة المؤلف رحمه الله.
ثمّ قال: " أمّا بعد فهذا مختصر يشتمل " المختصر قال العلماء: هو الذي قلّ لفظه وكثر معناه هذا المختصر، " يشتمل على الأصول الحديثيّة للأحكام الشّرعيّة " أصول الأدلّة أفادنا المؤلّف رحمه الله أنّه لم يستوعب جميع الأدلّة الحديثيّة وإنّما انتخب الأصول فقط، يعني التي تدلّ على ما يكثر من النّاس وقوعه في عباداتهم، وقوله: " الحديثيّة " نسبة إلى الحديث احترازًا من الأدلّة القرآنيّة، لأنّ هذا الكتاب لم يذكر المؤلّف فيه شيئًا من الأدلّة القرآنيّة، فمثلًا صحيح البخاري، يذكر البخاري رحمه الله شيئًا من الأدلّة القرآنيّة وكذلك الحديثيّة، أمّا مسلم مثلًا فلا يذكر شيئًا من الأدلّة القرآنيّة، المؤلّف لم يذكر شيئًا من الأدلّة القرآنيّة وإنّما اقتصر على شيء من الأدلّة الحديثيّة.
وقوله: " للأحكام الشّرعيّة " الأحكام جمع حكم، وهو أي الحكم إثبات شيء لشيء نفيًا أو إيجابًا، هذا الحكم، إثبات شيء لشيء نفيًا أو إيجابًا فإذا قلنا مثلًا لا يحلّ أكل الميتة فهذا إثبات حكم، نفي أو إيجاب؟
الطالب : نفي.
الشيخ : نفي، وإذا قال أحلّ الله البيع فهذا حكم إيجابيّ، فالحكم إذن إثبات شيء لشيء نفيًا أو إيجابًا.
وقوله: " الشّرعيّة " خرج به ثلاثة أحكام العاديّة والعقليّة وبقيت الشّرعيّة، الأحكام الشّرعيّة هي المتلقّاة من الشّرع: الكتاب والسّنّة والإجماع والقياس، الأدلّة العقليّة هي المتلقّاة من العقل، والأدلّة العاديّة هي المتلقّاة من التّجارب هذه أدلّة عاديّة، الحلال والحرام والوجوب والاستحباب والكراهة هذه مأخوذة من أين؟
الطالب : من الشّرع.
الشيخ : من الشّرع، كون الجزء أقلّ من الكلّ والكلّ أكبر هذه أدلّة عقليّة، ما أخذ من العادة مثل أن يقول السّكنجبين مسهّل للبطن مثلًا أو ما أشبه هذا من العادة يعني اعتاد النّاس أنّ من تناول هذا الشّيء سهلت بطونهم أو تسهلّت، فالأحكام إذن ثلاثة أقسام شرعيّة وإيش؟
الطالب : وعقليّة ...
الشيخ : وعقليّة وعاديّة، ثمّ الشّرعيّة إمّا عمليّة أو علميّة، فما كان أساسه الاعتقاد فهو علمي، وما كان أساسه العمل قولًا أو فعلًا فهو عمليّ، يقول: " حرّرته تحريرًا بالغًا " حرّرته يعني نفيت عنه كلّ تعقيد لأنّه من تحرير الشّيء أي تخليصه تحريرًا بالغًا حسب قدرته رحمه الله " ليصير من يحفظه من بين أقرانه نابغًا " ليصير من يحفظه أشار المؤلّف بهذه الكلمة إلى أنّه ينبغي لنا أن نحفظ هذا المؤلَّف لأنّه مختصر مشتمل على أصول الأدلّة الحديثيّة مبيّنًا فيه الأحكام ودرجات الأحاديث.
وقوله: " من بين أقرانه " جمع قرن وهو الزّميل، ونابغًا أي ذا نبوغ وعلوّ وارتفاع على غيره وهذا لا شكّ أنّ الإنسان إذا حفظ هذا المتن فإنّه سوف يستغني عن كثير من الأدلّة لأنّه مستوعب لغالب الأدلّة التي يحتاج النّاس إليها لكنّه يحتاج إلى تعاهد، لأنّه رحمه الله يذكر التّخريج أحيانًا بكلمات مطوّلة يحتاج الإنسان إلى أن يتعاهدها وإلاّ نسيها.
" ويستعين بها الطالب المبتدئ " يستعين بها أي يجعله عونًا له، الطالب للعلم المبتدئ، " ولا يستغني عنه الرّاغب المنتهي " إذن يحتاج النّاس إليه سواء كانوا مبتدئين أو منتهين، أمّا الطالب المنتهي فإنّه يستعين به وأمّا الآخر فإنّه يرجع إليه. " وقد بيّنت عقب كلّ حديث من أخرجه من الأئمّة لإرادة نصح الأمّة " كلّما ذكر حديثًا ذكر من أخرجه من الأئمّة أي أئمّة الحديث، كالإمام أحمد والبخاري ومسلم ومن أشبههم " لإرادة نصح الأمّة " يعني قاصدا بذلك النّصيحة وذلك لأنّ الإنسان إذا ذكر حديثًا ولم يذكر من رواه قد يظنّ السّامع أنّه حديث صحيح لا سيما إذا قاله على وجه الاستدلال، لكن إذا ذكر من خرّجه فهذا تمام النّصح، إلاّ أنّه يحتاج أيضًا إلى شيء آخر والمؤلّف سلكه رحمه الله وهو أن يصحّح الحديث حتى لو ذكر من خرّجه إذا كان من خرّجه لا يستلزم إخراج الصّحيح، ولهذا جاء النّقص الذي في تفسير ابن جرير رحمه الله على أنّه مستوعب جميع الأقاويل والآثار في التّفسير الخلل فيه أنّه لا يتكلّم فيه على الأثر ودرجته، ولذلك كان يحتاج إلى تخريج حتى يعرف الإنسان درجة هذا الأثر في تفسير الآية، فإذن لا يكفي أن نقول روى فلان إذا كان فلان ممّن لم يلتزم بإيش؟ بإخراج الصّحيح، لكن المؤلّف رحمه الله أحيانًا يذكر يتكلّم هل أنّ إسناده صحيح أو قويّ أو ضعيف.
قال: " فالمراد بالسّبعة " يعني: إذا قلت أخرجه السّبعة " أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه " هذا إذا قال السّبعة ولا يذكر غيرها، فإذا قال أخرجه السّبعة فإنّه يراد بذلك هؤلاء.
واعلم أنّ من عيب التّخريج أن يذكر الإنسان الأدنى مرتبة مع أنّه رواه من هو أعلى منه مرتبة، يعني مثلًا يقول رواه أبو داود والحديث رواه البخاري مع أبي داود، هذا من العيب عند المحدّثين لأنّك إذا أهملت الأقوى أوهنت الحديث وصار ضعيفًا في نظر القارئ أو في نظر السّامع، فإذا كان الحديث مثلًا رواه البخاري ومسلم وأبو داود والتّرمذي والنّسائي وابن ماجه إمّا أن أقول أخرجه السّبعة وإمّا أقول أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من أئمة الحديث، أمّا تقول أخرجه أبو داود وتقتصر فهذا عيب عند المحدّثين وهذا ظاهر، لأنّه يوهن درجة الحديث.
يقول: " وبالسّتّة من عدا أحمد " فيكون البخاري ومسلم وأبو داود والتّرمذي والنّسائي وابن ماجه، " وبالخمسة من عدا البخاري ومسلم " فيكون أحمد وأبو داود والتّرمذي والنّسائيّ وابن ماجه، " وقد أقول الأربعة وأحمد " ولم يبيّن المؤلّف لماذا كان يقول هذا؟ والظاهر أنّه كان يقول ذلك تفنّنا في العبارة وقد يكون اطّلع على أنّ الذي رواه هم الأربعة ثمّ بعد ذلك اطّلع على أنّ الإمام أحمد رواه أيضا فأضافه، نعم " وبالأربعة ما عدا الثّلاثة الأول " وهم أحمد والبخاري ومسلم فيكون هؤلاء هم أبو داود والتّرمذي والنّسائي وابن ماجه، " وبالثّلاثة من عداهم وعدا الأخير " من الأخير؟ ابن ماجه، فيكون إذا يقول أخرجه الثّلاثة أبو داود والتّرمذي والنّسائي " وبالمتّفق عليه البخاري ومسلم " وهذا الذي اصطلح عليه بالمتّفق عليه هو الذي عليه عامّة النّاس الآن يعني عامّة الكتب المؤلّفة إذا قالوا متّفق عليه فالمراد أخرجه البخاري ومسلم، ولكن المجد مجد الدّين عبد السّلام بن تيمية رحمه الله جدّ شيخ الإسلام في " المنتقى " إذا قال متّفق عليه فالمراد أحمد والبخاري ومسلم الثلاثة، لكن هذا اصطلاح خاصّ " وقد لا أذكر معهما غيرهما "، مع من؟ البخاري ومسلم غيرهما وذلك لأنّ العلماء تلقّوا ما روياه بالقبول، وإذا كان العلماء قد تلقّوا ذلك بالقبول فإضافة شيء آخر من باب ... " وما عدا ذلك -يعني ما عدا هؤلاء السّبعة- فهو مبيّن " وسيتبيّن لك إن شاء الله تعالى فيما يأتي. " وسمّيته بلوغ المرام من أدلّة الأحكام " أو بلوغَ؟
الطالب : ...
الشيخ : هاه؟
الطالب : ...
الشيخ : إن قلنا بلوغ المرام من أدلّة الأحكام، فإنّ بلوغ خبر لمبتدأ محذوف والتّقدير هذا بلوغ المرام وعليه فتكون الجملة هي المفعول الثاني لسمّيته على سبيل الحكاية، وإن قلنا سمّيته بلوغَ المرام كما تقول سمّيت ابني عبدَ الله فإنّ بلوغ تكون المفعول الثاني ولا حاجة للتّقدير. " والله أسأل أن لا يجعل ما علمنا علينا وبالا " الله بالنّصب على أنّه معمول لأسأل مقدّم وتقديم المعمول يفيد الحصر أي أسأل لا غير أن لا يجعل ما علمنا علينا وبالا وذلك بأن نعمل به لأنّ ما علمنا إمّا أن يكون حجّة لنا وإمّا أن يكون حجّة علينا لقول الرّسول صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: القرآن حجّة لك أو عليك فإن عملت به فهو لك وإن لم تعمل به فهو عليك ووبال أي إثم وعقوبة، " وأن يرزقنا العمل بما يرضيه سبحانه وتعالى " الرّزق هو العطاء، العمل بما يرضيه أي من قول وعمل وعقيدة سبحانه وتعالى، هذه هي خطبة الكتاب ومقدّمته، واعلم أنّ المؤلّف قال في الأوّل " أمّا بعد فهذا مختصر " فالمشار إليه هل هو ما قام في ذهنه أو ما حضر بين يديه؟ الجواب هذا يوجد كثيرا في المؤلّفات أمّا بعد فهذا وتخريجه كما يأتي: إن كان الكتاب قد ألّف قبل الإشارة فهو إشارة إلى ما حضر بين يديه، وإن كان لم يؤلّف وهو الغالب فهو إشارة إلى ما قام في ذهن المؤلّف، فهذا يعني ما تصوّره في ذهنه إلى آخر ما ...
الفتاوى المشابهة
- ما معنى "ما " التي تدخل على " حاشا , وخلا ,... - ابن عثيمين
- شرح أحاديث الصيام من " بلوغ المرام " ، قول عما... - الالباني
- ما هي الأدلة على أن تارك ركن من أركان الإسلا... - ابن عثيمين
- ما ردكم على من يقول بأن حديث عائشة رضي الله عن... - الالباني
- أدلة عدم كفر تارك أركان الإسلام عدا الشهادتي... - ابن عثيمين
- شرح كتاب السلام من صحيح البخاري. - ابن عثيمين
- ما هو أول ما يبدؤ به طالب العلم المبتدئ؟ - ابن عثيمين
- فوائد قوله تعالى : << وإذ واعدنا موسى ......... - ابن عثيمين
- شرح مقدمة كتاب بلوغ المرام من أدلة الأحكام. - ابن عثيمين
- شرح خطبة كتاب بلوغ المرام لابن حجر رحمه الله... - ابن عثيمين
- شرح قوله ( فهذا مختصر يشمل على أصول الأدلة ا... - ابن عثيمين