تم نسخ النصتم نسخ العنوان
تفسير الآية : (( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ا... - ابن عثيمينثم قال الله تعالى:  ولا تؤتوا السفهاء أموالكم  هذا مبتدأ درس اليوم الجديد ، قال:  ولا تؤتوا السفهاء أموالكم   السفهاء أموالكم  فيها قراءتان: القراءة الأ...
العالم
طريقة البحث
تفسير الآية : (( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولاً معروفًا )) .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
ثم قال الله تعالى: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم هذا مبتدأ درس اليوم الجديد ، قال: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم السفهاء أموالكم فيها قراءتان: القراءة الأولى بهمزتين محققتين السفهاء أموالكم وقراءة الثانية بحذف إحدى الهمزتين السفهاء أموالكم الأولى على الأصل ، والثانية بالتخفيف ، وكذلك قوله: قياما فيها قراءتان: قياما و قيما والمعنى واحد . يقول الله عزوجل: ولا تؤتوا السفهاء أموالهم أي لا تعطوه ، لا تعطوا السفهاء ، والسفهاء جمع السفيه وهو من لا يحسن التصرف إما لقلة في سنة وإما لقصور في عقله ورشده ، هذا هو السفيه ، والسفه يكون في الأموال ويكون في الأعمال ، كما قال تعالى: ومن يرغب عن ملة ابراهيم إلا من سفه نفسه فمن رغب عن ملة ابراهيم الحنيفية السمحة فهو سفيه وإن كان من أرشد الناس في تصرفه في أمواله . يقول: أموالكم التي جعل الله لكم قياما أموالكم أضاف الأموال إلينا ، فاختلف العلماء هل المعنى: لا تؤتوا السفهاء أموالكم الخاصة بكم ، لأنهم سوف يضيعونها بغير فائدة فتفوت عليكم وتفوت عليهم ، وقال بعض العلماء: بل المراد بذلك أموالهم هم لكنه أضاف إلينا من أجل الولاية ، فكأنما في ولايتنا على هذا المال نملك هذا المال ، والآية صالحة للوجهين ، ومن قواعد التفسير أن الآية إذا كانت صالحة لوجهين لا يتنافيان فإنها تحمل عليهما ، وقوله: التي جعل الله لكم قياما جعل بمعنى صير ، يعني جعلها الله لنا قيما الأموال تقوم بها مصالح ديننا ومصالح دنيانا ، فكم من أسير فك بالمال وكم من ضرورة أزيلت بالمال ، وكم من يتيم تبغ قلبه بالمال ، فالأموال في الحقيقة قيام للناس في أمور دينهم ودنياهم حتى إن الله سبحانه وتعالى يقدم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس ، لأن ضرورة الجهاد بالمال أكثر من ضرورتها للنفس حتى الذي يجاهد بنفسه محتاج للمال ، ما الذي يوصله إلى ميدان القتال إلا الأموال ، ولهذا نجد الله سبحانه وتعالى يقدم الذكر الأموال في الجهاد على ذكر النفوس . وارزقوهم فيها ارزقوهم يعني أعطوهم رزقا والرزق هو العطاء ، وقوله: فيها أي في الأموال ، ولم يقل: منها إشارة إلى أنه لابد أن يكتسب الولي بمال هؤلاء السفهاء حتى يكون الرزق فيها لا منها ، وفرق بين الرزق فيها والرزق منها ، لأنه لو لم يتجر ويكتسب صار العطاء منها ، إذا قدرنا أنها مائة فأعطاهم نفقة عشرة ريالات نقصت ، كلما أعطاهم نقصت ، لكن إذا قال: فيها ، فالمعنى أن الرزق يكون فيها فيكون المال أوسع من الرزق المعطى وهذا يتضمن أن يتجر فيها ثم يعطيهم من الرزق ، وارزقوهم فيها أي أعطوهم ، أعطوهم أيش ؟ أعطوهم طعاما ، شرابا ، أما الكسوة فقال: واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا اكسوهم ما يحتاجون إليه من السراويلات والقمص وغيرها ، بقي عندنا الفرش والسكن يدخل في قوله: وارزقوهم فيها . وقولوا لهم قولا معروفا أي حين إعطائكم إياهم وكسوتكم إياهم قولوا لهم قولا معروفا أي قولا يكون لينا هينا ولا تشبهوا بآنافكم عليهم وتمنوا عليهم ، لأن ذلك خلاف الولاية الحقيقية ، فمثلا إذا جاء السفيه يقول: اكسني ، لا تقول له قولا غليظا ، لا تقل طعامك ، وما أشبه ذلك من الكلمات النابية لأن المال مالهم وإن كان مالكم فإنه لا ينبغي لكم أن تمنوا بما أعطيتم . ومن فوائدها: تحريم إعطاء السفهاء الأموال سواء لهم أو لينا على الوجهين ، لقوله: ولا تؤتوا السفهاء والنهي للتحريم لاسيما إذا قرن النهي بما يفيد العلة وهي السفهاء ، كأنه قال لا تعطوهم لسفههم ، لأنهم إذا أعطيتموهم وهم سفهاء أضاعوا المال . ومن فوائدها: ذم السفه ، وأنه سبب للحيلولة بين الإنسان وبين ماله . ومن فوائدها: أن السفه موجب للحجر على الإنسان في ماله ، وقد قسم العلماء رحمهم الله الحجر إلى قسمين: قسم لحظ الغير ، وقسم لحظ النفس ، أما الأول فمثل أن تستغرق ديون الإنسان ماله ، ففي هذه الحال يحجر عليه المال ، لماذا ؟ لحظ الغير ، فإذا كان الإنسان عليه ديون أكثر من ماله وطلب الغرماء وأن يحجر عليه حجر عليه ، وإن لم يطلبوا فإنه يحرم عليه أن يتصرف تصرفا يضر بالغريم ، وإن فعل لم ينفذ التصرف ، ولهذا لو وقف الإنسان الذي ديونه أكثر من ماله لو وقف شيئا من ماله لم ينفذ الوقف ، لماذا ؟ لأنه تعلق به حق الغير ، هذا هو القول الراجح في هذه المسألة وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، أما المشبوه من المذهب فإن تصرفه نافذ ما لم يطلب الغرماء أو بعضهم الحجر عليه فإن طلبوا الحجر عليه حجر عليه ومنع من التصرف في ماله . القسم الثاني من الحجر: الحجر لحظ النفس ، وهو ما كان سببه السفه أو الصغر أو الجنون ، فالمجنون يحجر عليه في ماله والصغير يحجر عليه في ماله والسفيه يحجر في ماله الذي لا يحسن التصرف ، هذا حجر لحظ المحجور عليه وليس لحظ الغير ، فإذا قال المحجور عليه: هذا مالي دعوني أتصرف فيه ما شئت ، قلنا لا يمكن ، لأنك سفيه وإذا عليك فسوف تفسد المال . ومن فوائدها: أنه لا بتصليتنا إياه ، فلو أن أحدا أعطى مجنونا عصا قلنا هذا حرام عليك ، لأنك إذا أعطيته عصا فسوف يخرج يضرب به الناس ، وإذا كان السفيه ينهى عن إعطاء المال فكيف بالمجنون . فإذا قال قائل: ما ضابط السفه الذي يحصل به الحجر ؟ فالجواب أن أهل العلم قالوا: إن السفيه هو الذي يبذل ماله في الحرام أو في غير فائدة ، فالأول كالذي يبذل ماله في الخمر والمخدرات وما أشبهها ، هذا سفيه يحجر عليه ، أو في غير فائدة كالذي يسرف ماله في المفرقعات أو في المفقاعات أو ما أشبه ذلك ، أو يشتري زيتا أو بنزينا ويولع فيه النار ويتفرج عليه فقط ، هذا سفيه أو رشيد ؟ هذا سفيه فحجر عليه. ومن فوائدها: حكمة الله عزوجل في المال الذي أعطاه الله لعباده ، وهو أنه قيام للناس في مصالح دينهم ودنياهم . ومن فوائدها: أنه إذا كان المال قياما للناس في مصالح دينهم ودنياهم فإنه يحرم أن يصرف في غير ما فيه قيام دينهم ودنياهم ، لأن الله جعله قياما تقوم به مصالح الدين والدنيا . ومن فوائدها: أنه يجب على ولي السفيه أن يتصرف في ماله بما يحصل به الفائدة ، لقوله: وارزقوهم فيها . ومن فوائدها: أنه يجب أن يرزقوا ما يحتاجون إليه من طعام وشراب وغير ذلك ، لأن الأمر يقتضي الوجوب لاسيما وأنه متعلق بحق الغير . ومن فوائدها: أنه يجب على من ولاه الله على أن لا يغلظ له القول بل يقول له القول المعروف حتى يجمع بين الإحسان القولي والفعلي .

Webiste