تم نسخ النصتم نسخ العنوان
تتمة تفيسر الآية السابقة - ابن عثيمينقال: " وقد استيقنتها أنفسهم أي: تيقنوا ".خلوا بالكم يا جماعة المؤِّلف قال: " وقد استيقنتها " فما الذي أوجب له أن يقدّر قد؟نقول: لأن الجملة حالية، والجمل...
العالم
طريقة البحث
تتمة تفيسر الآية السابقة
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
قال: " وقد استيقنتها أنفسهم أي: تيقنوا ".
خلوا بالكم يا جماعة المؤِّلف قال: " وقد استيقنتها " فما الذي أوجب له أن يقدّر قد؟
نقول: لأن الجملة حالية، والجملة الحالية إذا كانت فعلاً ماضياً يقدّر فيها قد للتحقيق.
والثاني قال: استيقنتها أنفسهم قال: " أي: تيقنوا أنها من عند الله " ففسّر استيقن بتيقن، إشارة إلى أن السين والتاء زائدتان، ولكن الأولى أن تبقى السين والتاء على بابها، ولا يُحكم بزيادتها لأن الاستيقان أبلغ من التيقن، ومن المعروف عندهم أنهم يقولون: زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، فالاستيقان أبلغ.
فهم قد استيقنوها استيقاناً كاملاً ليس عندهم فيها شك، ومع ذلك جحدوا بها.
يكون هذا الجحد مع الاستيقان أبلغ، ولهذا قال: ظُلْمًا وَعُلُوًّا ... [النمل:14] إلى آخره.
وقوله تعالى: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ [النمل:14] ولم يقل: واستيقنوها، فإضافة الاستيقان إلى النفس أبلغ أي: أنه يقينٌ بلغ نفوسهم حتى تمكن منها، ومع ذلك والعياذ بالله جحدوا بها وأنكروها.
وقوله: ظُلْمًا وَعُلُوًّا [النمل:14] يقول المؤلِّف: " تكبرا عن الإيمان بما جاء به موسى " ففسّر الكلمتين بكلمة واحدة وهي: التكبر، ولكنه أيضاً لو نظرنا إلى الآية الكريمة وجدنا أنها أبلغ مما فسّرها به.
قوله: ظُلْمًا الظلم في الأصل النقص، ومنه قوله تعالى: كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا [الكهف:33] أي: لم تنقص.
فالأصل فيه أنه بمعنى النقص، وكل من نقص حق غيره فهو ظالمٌ، إذا نقص الإنسان حق نفسه فهو ظالمٌ لها، إذا نقص حق غيره فهو ظالمٌ له.
هنا هؤلاء نقصوا حق موسى عليه الصلاة والسلام فهم ظالمون، ونقصوا حق أنفسهم حيث لم يقودوها إلى ما فيه صلاحها فهم أيضاً ظالمون.
ثم هذا الظلم والنقص ما الحامل عليه؟قال: وَعُلُوًّا وهذا معنى غير الظلم، يعني: ترفّعاً عما جاء به موسى عليه الصلاة والسلام، يرون أن موسى من موسى الذي يأتي إلى فرعون الذي يقول لقومه: أنا ربكم الأعلى، ثم يقول: أنا رسولٌ إليك، لا بد أن تتبعني!
بطبيعة البشر الفاسق أن يترفع يقول: أبداً.فلهذا جحدوا ظلماً: لموسى وأنفسهم، علواً: ترفّعاً عن موسى وعما جاء به أيضاً، فهم والعياذ بالله اتصلوا بالوصفين.
وقوله: ظُلْمًا وَعُلُوًّا [النمل:14] يقول المؤلِّف: " راجع إلى الجحد ".
صحيح لا للاستيقان، لأن الاستيقان هو ظلم إذا استيقنوا أن موسى صادق؟ ما هو بظلم هذا حق، هذا عدلٌ وتواضع.. استيقانهم عدلٌ وتواضع، لكن ما استيقنوا هم يعني: ما انقادوا لهذا الاستيقان.
إذاً: فهو راجعٌ إلى الجحد يعني: جحدوا بها ظلماً وعلواً.
لكن فائدة الاتيان بالجملة الحالية بين المتعلَّق والمتعلِّقين: التشنيع عليهم.. المبادرة بالتشنيع عليهم، لأن كونهم يجحدون مع الاستيقان أشد وأعظم، الجاحد مع الشك قد يُعذر، لكن مع الاستيقان لا وجه له.
ففائدة الاعتراف بالجملة الحالية وَاسْتَيْقَنَتْهَا بين المتعلِّق ومتعلَّقه ايش فائدتها؟ المبادرة بالتشنيع عليهم، وبيان أنهم بلغوا في هذا الوصف غايته الذي هو الظلم والعلو.
فما إعراب ظُلْمًا وَعُلُوًّا هل هي مفعول لأجله يعني: من أجل الظلم والعلو، أو هي مصدرٌ بمعنى الحال أي: ظالمين عالين؟
الأخير أولى، لأن الظلم والعلو إذا جعلناه مفعولٌ من أجله فهو صادقٌ على الجحد، إذ أنهم ظلموا وعلوا ثم جحدوا.
فعلى هذا نقول: إن ظلماً وعلواً. مصدرٌ بمعنى اسم الفاعل أي: جحدوا بها حال كونهم ظالمين عالين.
قال الله تبارك وتعالى: " فَانظُرْ يا محمد ..." إلى آخره.
فانظر نظر اعتبار أو نظر إبصار؟ نظر اعتبار، لأن نظر الإبصار هنا متعذِّر لايش؟
الطالب:...

الشيخ : لسبق زمنه لكنه نظر اعتبار.والخطاب على كلام المؤلِّف يعود إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فانظر يا محمد ".
وقد مرّ علينا عدة مرات: أن الخطاب بالمفرد في القرآن لا يختص بالرسول عليه الصلاة والسلام إلا ما دل عليه الدليل، ما دل عليه الدليل يكون على ما دل عليه، وإلا فهو عامٌ، ويصير التقدير: فانظر أيها المخاطَب. ما يا محمد، لأن القرآن بين أيدي كل أحد، كل واحد بين يديه القرآن.
أما ما دل عليه الدليل على أنه خاصٌ بالرسول عليه الصلاة والسلام فهو خاصٌ به مثل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [المائدة:67]، ومثل قوله تعالى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشرح:1].
ويدلنا على أن الخطاب المفرد عام أولاً: ما ذكرناه من التعليل: أن القرآن بين أيدي الناس جميعاً.
ثانياً: قال الله تعالى: يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ [الطلاق:1] خاطب بالإفراد والجمع يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ [الطلاق:1] فدل هذا على أن الخطاب الموجه للرسول عليه الصلاة والسلام موجهٌ للأمة ما لم يدل الدليل على اختصاصه به مثل ما مثّلنا بمثالين، وكذلك منه: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ [التحريم:1] فإن هذا خاصٌ بالرسول عليه الصلاة والسلام، هو الذي حرّم لكن مع ذلك الحكم عام.
إذاً: فَانظُرْ نقول: أيها المخاطَب.
فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ [النمل:14] في هذه الآية الجملة هذه أولاً: كان ترفع الاسم وتنصب الخبر.. معروف عندكم؟ ، وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا [النساء:96].
ثانياً: أنه إذا كان الفاعل مؤنثاً كان الفعل مؤنثاً.فهنا ما نرى خبراً لكان كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ [النمل:14].
الطالب: ......

الشيخ : زين والثاني؟
الطالب: الثاني: أن عاقبة مؤنث مجازي .....

الشيخ : زين الجواب الثاني صحيح، يعني: عاقبة مؤنث مجازي لا حقيقي، والفرق بين المؤنث المجازي والحقيقي: ما كان له فرج فهو مؤنث حقيقي، وما لم يكن له فرج وإنما تأنيثه لفظي فهو مؤنثٌ مجازي.
أما الأول وهو قوله: إنها ناقصة أو إنها تامة فليس بتام.
الطالب: كان تام، والخبر مقدم وهو كيف.

الشيخ : نعم هذا الصحيح: الخبر مقدم وهو كيف، مقدّم وجوباً أم جوازاً؟
الطالب: وجوباً.

الشيخ : لماذا؟ لأنه اسم استفهام والاستفهام له الصدارة، ما يمكن أن يأتي استفهام في وسط الكلام، لا بد أن يكون متقدماً.إذاً: عَاقِبَةُ ايش معنى العاقبة؟
العاقبة في الأصل التأخر، ومنه العقب في القدم، عقب القدم ماهو؟ العرقوب المؤخَّر، فالعاقبة معناه: الأمر المتأخر يعني: انظر ماذا كان من أمرهم في النهاية.
وقوله: الْمُفْسِدِينَ [النمل:14] الذين صار شأنهم الإفساد.
والمراد بالإفساد هنا: ليس إفساد العمران، فقد يكون العمران في زمن فرعون قد بلغ غايته، لكن المراد بالإفساد الافساد المعنوي: إفساد الأخلاق والعقائد.
وربما يتبعه إفساد العمران كما قال الله تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ [الروم:41]، وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ [النحل:112] وبهذا التقدير وهو أن الأصل في الإفساد الموجود في القرآن هو إفساد الأخلاق والعقائد، ويتبعه فساد الأعمال.
بهذا نعرف أن ما يطنطن به الناس الآن في الرفاهية، والطمأنينة، والأمن ... وما أشبه ذلك، وإذا أتوا إلى ذكر الدين يقول: العقيدة السمحة، ولا يذكر العمل، ثم كلمة السمحة أيضاً تدل على ضعفٍ في هذه العقيدة سمحة. صحيح أنها هي الحنفية السمحة لا شك، لكنها لها أعمال ولها حزم، ولهذا التركيز على الترفيه البدني والنعيم البدني مع ذكر العقيدة وحدها في نظري أنه خطير، لأنه يبدأ كل واحد ينشد هذين الأمرين: يقول: أنا عندي عقيدة سليمة، عقيدة سمحة، ليّنة، هيّنة. ويقول: أنا أنشد أيضاً رفاهية البدن والأمن وما أشبه ذلك، لكن استقامة الدين والسعي في إقامته بين الناس بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله. هذا أمرٌ لا يكاد يُذكر.
وفي الحقيقة: أن الرفاهية إذا كانت بالبدن وحده فهي فساد، ما يدوم هذا أبداً، لا يمكن أن يدوم، على أن الرفاهية المطلقة للبدن لا بد أن تكون مشوبة بقلقٍ في القلب، لأن الله تعالى إنما ضمن الحياة الطيبة لمن؟ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ [النحل:97] انظر عقيدة وعمل، وبدأ بالعمل أيضاً.
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97] حياة طيبة في الدنيا وأجرٌ حسنٌ في الآخرة.
هذا الذي يجب أن يُركّز عليه، أما الرفاهية المطلقة فإنها ضرر عظيم على الإنسان، توجب الغفلة عن الله سبحانه وتعالى، وانشغال الإنسان بطلب الرفاهية الجسدية الزائلة.
يقول بعض السلف: لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف.. قالوا: أعطونا الذي أنتم فيه من النعيم والسرور وانشراح الصدر وما أشبه ذلك.إذاً: المفسد ...

Webiste