قال الله تعالى : << وربك يخلق ما يشآء و يختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون >>
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
ثم قال الله تعالى: وربك يخلق ما يشاء هذه الآية تعليل لبُطْلان آلهة المشركين وإثبات الألوهية لله، وذلك عن طريق إثبات الخلق فإنّ الخالق هو الذي يجِب أن يُعبد، لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ[البقرة:21] إنّ هذا الوصف تعليل للأمر فإنّ الخالق يجب أن يكون هو الإله المعبود كما قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ فإذا كانوا لا يخلقون كيف يستحِقُّون أن يُعْبدوا، وقال إبراهيم لأبيه: يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا [مريم:42]هنا قال: وربك يخلق ما يشاء لإلزام هؤلاء المشركين بعبادته وحده، وقوله: يخلق الخلْق هو الإبداع المبني على التقدير، فإن الله سبحانه وتعالى يُقَدِّر ثم يخلق فخلقُه مبني على الحكمة يخلق ما يشاء ولم يقل من يشاء مع أنّ في المخلوقات ما هو عاقل فلماذا قال: ما يشاء دون من يشاء؟ تغليباً لغير العاقل لأنه أكثر، ثمَّ من أجل أن يشمل الأعيان والأوصاف، والأوصاف معلوم أنها ليست من العقلاء، وإذا رويت الأوصاف أُتِي بما وانظروا إلى قوله تعالى: فانكحوا ما طاب لكم من النساء ولم يقل: من طاب مع أن المنكوح عاقل، لكنّه لما كانت المرأة تُنكح لصفاتها قال: انكحوا ما طاب يعني .. راعُوا الصفة، فهنا يخلُق ما يشاء عبّر بما تعبيراً لغير العاقل لكثرته، ولِيشمل الأعيان والأوصاف، فالله تعالى خالق كل شيء الأعيان والأوصاف، ولهذا من مذهب أهل السنة والجماعة أن الله تعالى خالق للعبد ولأفعال العبد التي هي أوصافه، فالله تعالى يخلق ما يشاء، وقوله: ما يشاء أي ما يشاء خلقه، فالمفعول إذاً محذوف، وهذه المشيئة كلُّ ما ذكر الله تعالى عن فعل من أفعاله أنه تابع للمشيئة فإنه مقرون بالحكمة، لأن من أسماء الله تعالى الحكيم فلا يخلق شيئا عبثاً ولا يحكم بشيء عبثاً كل ما شاءه فهو مقرون بحكمة، وقوله: ويختار قال المؤلف: "ما يشاء" يختار ما يشاء، والاختيار الأخذ بخيرِ الأمرين فهو سبحانه وتعالى أيضاً يأخذ بما يراه خيراً من أفعاله وأحكامه، فتصوير الخلق عائد لأصل التكوين، والاختيار عائد للتعيين المبني على الإرادة التامة، فهو لا معقبَ لحكمة ولا رادَّ لقضائه فيختار يختار ما يريد سبحانه وتعالى، يخلق الآدمي على هذا الوجه اختار أن يكون على هذا الوجه، خلَق البهيمة المركوب واختار أن يكون على هذا الوجه، نعم كذلك أيضاً اختار أن يكون شرعُه كذا -وإن لم يكن مخلوقاً- على هذا الوجه، فإذاً الاختيار أعمُّ من الخلق من وجه حيث يشمل المخلوق وغير المخلوق، فهو يختار سبحانه وتعالى ما يريده من شرع أي أعم من هذا الوجه، وأما الخلق فإنه أعمّ من حيث أنه يشمل الأعيانَ والأوصاف، وقوله: ما كان لهم للمشركين الخِيَرة أي الاختيار، قوله: ما كان هل هي نافية أو اسم موصول، قال بعضهم: إنها اسم موصول يعني: يختار ما كان لهم الخيرة، يعني ما يكون فيه خير لهم، يختار الذي فيه خير لهم، وعلى هذا فقوله: ما كان لهم الخيرة موصول بقوله: ويختار، لأنه مفعول به، وهذا القول ذهب إليه المعتزلة الذين يقولون: إنه يجب على الله فعل الأفضل أو الصلاح فقالوا: إنه تعالى ما يختار إلا ما كان فيه الخيرة، أما ما لم يكن فيه خيَرة فلا يختاره، وهذا معناه أنه سبحانه وتعالى يفعَل ما هو أصلح أو ما هو صلاح، ولكنَّ أكثر المفسرين وعلى رأسِهم ابن عباس رضي الله عنهما يقولون: إن ما نافية، وكما قال المؤلف والمعنى: لا يكون الخيَرة لهؤلاء المشركين ولا لأصنامهم أيضاً، فأصنامهم لا تخلُق ولا تختار، وكذلك هم ليس لهم حقّ الاختيار فيما أراد الله، وهذا القول هو الصواب، وعلى هذا فيكونُ الوقف على قوله: ويختار تقف ثم تبدأ ما كان لهم الخيرة وهذا هو القول الصحيح في هذه الآية أن الله هو الذي له الاختيار المطلق وليس لأحد خيَرةٌ وقد قال الله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36] فلا يختارون من أمرهم إلا ما اختارَ الله، وقد تقدَّم لنا في كتاب العقيدة تفصيلُ القول: هل يجب على الله فعل الأصلح والصلاح أو لا يجب؟ وذكرنا أنه واجبٌ عليه بمقتضى الحكمة وليس بُمقتضى عقولنا، فإن الله تعالى بمقتضى كونه حكيما ما يفعل إلا ما هو صالح أو أصلح، لا يمكن أن يفعل ما ليس بصالح ولا أصلح، لأنه حكيم، ولكن هل معنى ذلك أننا نحن نوجب على الله ونقول هذا أصلح من هذا ويجب أن يفعل كذا، لا، ولكنه سبحانه وتعالى يفعله وقد لا نعلم نحن بهذه الأصلحية أو بوجه الصلاحية ما يلزم أن نعلم، وكم من أشياء نظن أن الحكمة في مخالفة ما أمر الله به أو ما يقع قدراً ويكون الحكمة فيما جاء به الشرع وقضى به القدر وقضى به الله تعالى في قدره ما كان لهم الخيرة سبحان الله ما كان لهم الخيرة أي الاختيار في شيء، فسر المؤلف الخيرة بالاختيار إذاً فهي اسم مصدر كذا؟ لماذا؟ لأنَّ كل كلمة تضمنت معنى المصدر دون حروفِه فهي اسم مصدر، ونظير الخيرة الطِيَرة فإن الطيرة اسم مصدر بمعنى التَطُيُّر وهكذا الخيرة اسم مصدر بمعنى الاختيار سبحان الله وتعالى عما يشركون عن إشراكهم قوله: سبحان الله تقدم لنا أكثرَ من مرة أنها اسم مصدر بمعنى التسبيح، والتسبيح تنزيه الله سبحانه وتعالى عما لا يليق به، والذي لا يليق به -يا غانم!- ما الذي لا يليق بالله ويجِب أن يُنَزَّه عنه؟
الطالب: ...
الشيخ : ... النقص ومشابهة المخلوقين ممتنعة على الله والنقص ممتنع عليه سبحانه وتعالى فعليه سبحان الله تنزيهاً لله عن كلِّ ما لا يليق به من نقص أو مشابهة المخلوقين.
الطالب:....
الشيخ : لا، لأنه قد تكون صفة كمال فإذا شابه اللهُ بها صار نقصاً، وقد تكون المسألة ما فيها مشابهة للمخلوقين إطلاقاً و.. الشبه يعني من الصفات الخاصة بالله هذه الصفات الخاصة به مُنَزَهٌ بها عن النقص ولهذا ذكر الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء فنص على نفي ... وقال: وما مسنا من لغوب فنص على نفي النقص، وقوله: عمّا يشركون يقول: "عن إشراكهم" استفدنا من تقدير المؤلف أن ما مصدرية فيكون التنزيه عن فعلِهم، ويحتمِل أن تكون ما اسماً موصولاً ويكون العائد محذُوفاً والتقدير: عما يشركونه به. فيكون مُنَزَّهَا عن الشركاء التي هي الأصنام، وقوله وتعالى مأخوذة من العلو لكنَّها تفيد معنى التنزه عن العلو يعني تعالى معناها ترَفَّع وتنزَّه بعلوٍّ فهي أبلغ من قولك علا، لأن علا تفيد العلو لكن تعالى تفيد مع العلو التنزهَ والتحاشيَ عما يشركونه به أو عن إشراكهم به، ولما بيَّن الله سبحانه وتعالى عموم خلقه وأنّه هو الذي له الاختيار المطلق وليس لأحد من خلقه اختيار، فالاختيار له وحده -وانتبِهوا إلى قوله: ما كان لهم الخيرة سيكون فيها نقاش إن شاء الله في ذِكْر الفوائد- ذَكَرَ أنَّه عالم بكل شيء، نعم.
الطالب:....
الشيخ : إي نعم، تطَيَّر يتطَيَّر تَطُيَّراً.
الطالب:....
الشيخ : معنى التطير.
الطالب: ...
الشيخ : ... النقص ومشابهة المخلوقين ممتنعة على الله والنقص ممتنع عليه سبحانه وتعالى فعليه سبحان الله تنزيهاً لله عن كلِّ ما لا يليق به من نقص أو مشابهة المخلوقين.
الطالب:....
الشيخ : لا، لأنه قد تكون صفة كمال فإذا شابه اللهُ بها صار نقصاً، وقد تكون المسألة ما فيها مشابهة للمخلوقين إطلاقاً و.. الشبه يعني من الصفات الخاصة بالله هذه الصفات الخاصة به مُنَزَهٌ بها عن النقص ولهذا ذكر الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء فنص على نفي ... وقال: وما مسنا من لغوب فنص على نفي النقص، وقوله: عمّا يشركون يقول: "عن إشراكهم" استفدنا من تقدير المؤلف أن ما مصدرية فيكون التنزيه عن فعلِهم، ويحتمِل أن تكون ما اسماً موصولاً ويكون العائد محذُوفاً والتقدير: عما يشركونه به. فيكون مُنَزَّهَا عن الشركاء التي هي الأصنام، وقوله وتعالى مأخوذة من العلو لكنَّها تفيد معنى التنزه عن العلو يعني تعالى معناها ترَفَّع وتنزَّه بعلوٍّ فهي أبلغ من قولك علا، لأن علا تفيد العلو لكن تعالى تفيد مع العلو التنزهَ والتحاشيَ عما يشركونه به أو عن إشراكهم به، ولما بيَّن الله سبحانه وتعالى عموم خلقه وأنّه هو الذي له الاختيار المطلق وليس لأحد من خلقه اختيار، فالاختيار له وحده -وانتبِهوا إلى قوله: ما كان لهم الخيرة سيكون فيها نقاش إن شاء الله في ذِكْر الفوائد- ذَكَرَ أنَّه عالم بكل شيء، نعم.
الطالب:....
الشيخ : إي نعم، تطَيَّر يتطَيَّر تَطُيَّراً.
الطالب:....
الشيخ : معنى التطير.
الفتاوى المشابهة
- تفسير قوله تعالى: (أم لهم إله غير الله سبحان... - ابن عثيمين
- شرح قول المصنف وقوله : ( ما اتخذ الله من ولد... - ابن عثيمين
- فوائد قوله تعالى : << يعذب من يشآء ويرحم من... - ابن عثيمين
- شرح قول المصنف : باب ما جاء في المصورين عن أ... - ابن عثيمين
- تفسير قوله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا... - ابن عثيمين
- ما معنى قول العلماء أن " ما " في قوله تعالى... - ابن عثيمين
- تفسير قوله تعالى: (والله خلقكم وما تعملون) - ابن عثيمين
- قال الله تعالى : << يعذب من يشآء ويرحم من يش... - ابن عثيمين
- قال المصنف رحمه الله تعالى : وهذه المراتب ال... - ابن عثيمين
- فوائد قوله تعالى : << وربك يخلق ما يشآء و يخ... - ابن عثيمين
- قال الله تعالى : << وربك يخلق ما يشآء و يختا... - ابن عثيمين