قال الله تعالى : << يعذب من يشآء ويرحم من يشآء وإليه تقلبون >>
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
ثم قال الله تعالى: يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ [العنكبوت :21] يعني بعد البعث ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ بعد هذا يُعذِّبُ مَن يشاء، ويجوز أن يكون يعذب حتى في الدنيا لأنَّ العذاب يكون في الدنيا ويكون في الآخرة، فالعقوبات التي أُكِّدَت على الجرَائم هذه مِن العذاب لِقول النبي صلى الله عليه وسلم في المتلاعِنَيْن عذابُ الدنيا أهوَن مِن عذاب الآخرة وكذلك ما يُصِيبُ الإنسان مِن المصائب في بدَنِه وأهلِه وماله هو أيضًا مِن العذاب وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ[الشورى :30] وقوله: يعذب جاءَت بالفعل المضارع الدَالّ على أنَّ هذا أمرٌ مِن أفعالِه مُستَمِرّ ليس أمرًا مضي وانقطع، كما أنه أيضًا يكون في الحاضر يكون أيضًا في المستقبل، ما هو العذاب؟ {خلينا نستمر يا عبد العزيز} العذاب هو العقوبة أي يُعاقِب، وقوله: مَن يشاء مَرَّ علينا كثيرًا بأنَّ الله سبحانه وتعالى إذا أضاف الفعل إلى المشيئة فإنَّه مقرون بالحكمة، لأنَّ الله سبحانه وتعالى لا يفعل شيئًا لمجرد المشيئة بل كُلُّ ما فعلَه فهو بمشيئَتِه المقرونِة بحكمته، وهذا أمرٌ واضح فإنَّ مَن يعذِّب [كذا بكسر الذال] لابد أن يكون قد أَتَى ما يَسْتَوْجِبُ التعذيب وحينئِذٍ تكون الحكمَةُ في تعذِيبِه، وليس الله تعالى يُعذب مَن شاء بدون ذنب، لأنَّ حكمتَه تأبى ذلك ورحمتَه تأبى ذلك، خلافًا لِمَن قال: " وجاز للمولى يُعَذِّبُ الورى مِن غيرِ ما ذَنْبٍ ولا جُرْمٍ جَرى "
ثم علل ذلك بقوله:
" فكُلُّ مَا مِنه تعالى يَجمُل لأنَّه عن فعلِه لا يُسْأَل "
هذا ليس بصحيح وهو إن جازَ عقلًا لكنَّه ممتَنِعٌ شرعًا، لأنَّ الله يقول في الحديث القدسي: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا وقال تعالى في القرآن: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا [طه :112] المهم أنَّ قوله: يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ قلت: إنه مقرون بايش؟ بالحكمة إذًا فلا يعذِّب إلا مَن يستحِقُّ التعذيب، وفي هذا -نعم الفوائد بعدين- وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ يرحَمُ الرَّحْمَة صِفَة مِن صِفَاتِ الله عز وجل وهي تقْتَضِي الإنْعَام والإحسَان سَوَاءٌ كان الإحسان بإيجَادِ محبوب أو بدفْعِ مكْرُوه فإنَّ رحمةَ الله عز وجل تكون لِلإنسان إما بجلبِ ما ينفَعُه وإمَّا بدفع ما يضرُّه، وقولُه: يَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ هو فعل مضارع مُشْتَقٌّ مِن الرحمة، والرحمة صفةٌ مِن صفَاتِ الله عز وجل ثابِتَةٌ على وجهِ الحقيقة، مِن آثارِها إيش؟ الإنعام والإحسان أو إرادَةُ الإنعام والإحسان، وليسَت هي الإنعام والإحسان والإرادة، خِلافًا لِمَن قال بذلك، مَن؟ مِمَّن قال بذلك؟
الطلبة: الأشاعرة
الشيخ : الأشاعرة ومِن ورائهم المعَطِّلة المحضَة فهم أشد وأشد فهم يقولون إن الرحمة معناها إرادة الإنعام وبعضهم يقول: أو الإنعام. نعم والصواب خلاف ذلك، لأنَّ الإرادة ناشئةٌ عن الرحمة: يرحَم فيريد أن يُحسِن أو يُنعِم وهذا الذي عليه مذهب أهل السنة والجماعة أنَّ الرحمة صفةٌ ثابتةٌ لله على وجه الحقيقة: وقالوا -الذين احتجُّوا بمنعها أن تكون حقيقية - قالوا: " لأنَّ الرحمة خَوَرٌ وضَعْف في الراحم تجِد نفسه تنكَسِر حتى ترحَم " جوابنا على هذا بسيط أن نقول: فيه وجهين أحدهما أن نمنَع أن يكون ذلك مِن بابِ الخَوَر والضعف فإننا نجِدُ الملوك الجبابرة قد يرحَمُون وهم ليس فيهم خوَرٌ ولا ضعف، وثانيًا لو فُرِض أنَّ هذا المعنى لازمٌ للرحمة في الإنسان فليس بلازم بالنسبة لله كغيرِه من الصفات التي تثْبُت حقيقةً للمخلوق وتثبت للخالق أيضًا فإنَّ اللوازم والعوارض التي تكون لصفة المخلوق لا يمكن أن تكون لِصِفَةِ الخالق، لِمَا بينهما من الفرق العظيم في الذَّات والصفات فكما أنَّ الله سبحانه وتعالى لا شبيهَ له ولا مثيلَ له في ذاتِه فكذلك لا شبيهَ له ولا مثيل له في صفاتِه، طيب وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ قال المؤلف رحمه الله: " يعذب من يشاء تعذيبَه ويرحم من يشاء رحمته " كذا عندكم؟ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ تُرَدُّون " إليه لا إلى غيره فتقدِيمُ المعمُول يفيد الحصر فالانقلاب أو القَلْب إلى الله عز وجل ما نُقْلَب إلى غيره، وهذا عامّ ولَّا خاص؟ عامٌّ لكل أحد مهما كان الناس إلى أين مرجِعُهم؟ إلى الله سبحانه وتعالى مهما فَرُّوا، نعم فالقلَب يعنى الرَدّ إلى الله سبحانه وتعالى، وإذا كان مَرَدُّنا إلى الله صار هو الحَكَم بيننا هو الذي يحْكُم بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون ويحكم بين عبادِه فيما بينَه وبينَهم، يعني حُكْم الله في العباد يشمَل الحكم فيما بينه وبينهم والحكْم فيما يختلِفُون فيه فالمؤمنون مع الكفار نعم مُختَلفون فيحكُم الله بينهم يوم القيامة وكذلك الـمُعْتَدُون مع المعتَدَى عليهم مختلفون فيحكم الله بينهم يوم القيامة وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ
ثم علل ذلك بقوله:
" فكُلُّ مَا مِنه تعالى يَجمُل لأنَّه عن فعلِه لا يُسْأَل "
هذا ليس بصحيح وهو إن جازَ عقلًا لكنَّه ممتَنِعٌ شرعًا، لأنَّ الله يقول في الحديث القدسي: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا وقال تعالى في القرآن: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا [طه :112] المهم أنَّ قوله: يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ قلت: إنه مقرون بايش؟ بالحكمة إذًا فلا يعذِّب إلا مَن يستحِقُّ التعذيب، وفي هذا -نعم الفوائد بعدين- وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ يرحَمُ الرَّحْمَة صِفَة مِن صِفَاتِ الله عز وجل وهي تقْتَضِي الإنْعَام والإحسَان سَوَاءٌ كان الإحسان بإيجَادِ محبوب أو بدفْعِ مكْرُوه فإنَّ رحمةَ الله عز وجل تكون لِلإنسان إما بجلبِ ما ينفَعُه وإمَّا بدفع ما يضرُّه، وقولُه: يَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ هو فعل مضارع مُشْتَقٌّ مِن الرحمة، والرحمة صفةٌ مِن صفَاتِ الله عز وجل ثابِتَةٌ على وجهِ الحقيقة، مِن آثارِها إيش؟ الإنعام والإحسان أو إرادَةُ الإنعام والإحسان، وليسَت هي الإنعام والإحسان والإرادة، خِلافًا لِمَن قال بذلك، مَن؟ مِمَّن قال بذلك؟
الطلبة: الأشاعرة
الشيخ : الأشاعرة ومِن ورائهم المعَطِّلة المحضَة فهم أشد وأشد فهم يقولون إن الرحمة معناها إرادة الإنعام وبعضهم يقول: أو الإنعام. نعم والصواب خلاف ذلك، لأنَّ الإرادة ناشئةٌ عن الرحمة: يرحَم فيريد أن يُحسِن أو يُنعِم وهذا الذي عليه مذهب أهل السنة والجماعة أنَّ الرحمة صفةٌ ثابتةٌ لله على وجه الحقيقة: وقالوا -الذين احتجُّوا بمنعها أن تكون حقيقية - قالوا: " لأنَّ الرحمة خَوَرٌ وضَعْف في الراحم تجِد نفسه تنكَسِر حتى ترحَم " جوابنا على هذا بسيط أن نقول: فيه وجهين أحدهما أن نمنَع أن يكون ذلك مِن بابِ الخَوَر والضعف فإننا نجِدُ الملوك الجبابرة قد يرحَمُون وهم ليس فيهم خوَرٌ ولا ضعف، وثانيًا لو فُرِض أنَّ هذا المعنى لازمٌ للرحمة في الإنسان فليس بلازم بالنسبة لله كغيرِه من الصفات التي تثْبُت حقيقةً للمخلوق وتثبت للخالق أيضًا فإنَّ اللوازم والعوارض التي تكون لصفة المخلوق لا يمكن أن تكون لِصِفَةِ الخالق، لِمَا بينهما من الفرق العظيم في الذَّات والصفات فكما أنَّ الله سبحانه وتعالى لا شبيهَ له ولا مثيلَ له في ذاتِه فكذلك لا شبيهَ له ولا مثيل له في صفاتِه، طيب وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ قال المؤلف رحمه الله: " يعذب من يشاء تعذيبَه ويرحم من يشاء رحمته " كذا عندكم؟ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ تُرَدُّون " إليه لا إلى غيره فتقدِيمُ المعمُول يفيد الحصر فالانقلاب أو القَلْب إلى الله عز وجل ما نُقْلَب إلى غيره، وهذا عامّ ولَّا خاص؟ عامٌّ لكل أحد مهما كان الناس إلى أين مرجِعُهم؟ إلى الله سبحانه وتعالى مهما فَرُّوا، نعم فالقلَب يعنى الرَدّ إلى الله سبحانه وتعالى، وإذا كان مَرَدُّنا إلى الله صار هو الحَكَم بيننا هو الذي يحْكُم بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون ويحكم بين عبادِه فيما بينَه وبينَهم، يعني حُكْم الله في العباد يشمَل الحكم فيما بينه وبينهم والحكْم فيما يختلِفُون فيه فالمؤمنون مع الكفار نعم مُختَلفون فيحكُم الله بينهم يوم القيامة وكذلك الـمُعْتَدُون مع المعتَدَى عليهم مختلفون فيحكم الله بينهم يوم القيامة وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ
الفتاوى المشابهة
- هل في حديث القبرين " إنهما ليعذبان وما يعذبا... - ابن عثيمين
- قوله تعالى : << يمحوا الله ما يشآء ويثبت >>... - ابن عثيمين
- تفسير قول الله تعالى : << ليجزيهم الله أحسن... - ابن عثيمين
- قال الله تعالى : << إنك لا تهدي من أحببت ولك... - ابن عثيمين
- الفوائد المستنبطة من قوله تعالى : << ليجزيهم... - ابن عثيمين
- كيف الجمع بين قولنا إن الله إذا رأى من عبده... - ابن عثيمين
- فوائد قوله تعالى : << وربك يخلق ما يشآء و يخ... - ابن عثيمين
- قال الله تعالى : << وربك يخلق ما يشآء و يختا... - ابن عثيمين
- قال المصنف رحمه الله تعالى : ونؤمن بأن له مل... - ابن عثيمين
- فوائد قوله تعالى : << يعذب من يشآء ويرحم من... - ابن عثيمين
- قال الله تعالى : << يعذب من يشآء ويرحم من يش... - ابن عثيمين