تم نسخ النصتم نسخ العنوان
قال الله تعالى : << ومن رحمته جعل لكم اليل و... - ابن عثيمينقال الله تعالى:  وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ [القصص:73] مِن رحمته جعل أي جعل الوقوع متعلق بقوله: جعل يعني ...
العالم
طريقة البحث
قال الله تعالى : << ومن رحمته جعل لكم اليل و النهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون >>
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
قال الله تعالى: وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ [القصص:73] مِن رحمته جعل أي جعل الوقوع متعلق بقوله: جعل يعني وجعل لكم الليل والنهار ... من رحمته وقوله: مِن رحمته مِن هنا للسببية أي: بسبب رحمته أي بسبب ما اتصف به سبحانه وتعالى من الرحمة، والرحمة صفةٌ حقيقيةٌ ثابتة لله سبحانه وتعالى، وهي غيرُ الإرادة غيرُ إرادةِ الإنعام وغيرُ الإنعام، فأهل السنة والجماعة يقولون: إن الرحمة صفة حقيقية ثابتة لله عز وجل لا تُشبِه رحمة المخلوق، وأما الأشاعرة فيُحرِّفون معنى الرحمة إلى أنها الإنعام أو إرادة الإنعام، فيفسِّرونها بالفعل وهو الإنعام أو إرادته، لأنهم يُثبِتون الإرادة وهي صفة معنوية يُثبتونها، وقد مرّ علينا أنهم لا يثبتون من الصفات إلا سبع صفات منها الإرادة، فيفسِّرون الرحمة بإرادة الإنعام لماذا؟ قالوا: لأن الإرادة دل عليها السمع والعقل ونحن لا نثبت من صفات الله إلا ما دلَّ عليه العقل فأما ما لم يدل عليه العقل فإنه يجب علينا أن نؤوله. ونحن نقول: نُحرفه على فعلهم، هم يسمونه تأويلاً ونحن نقول: هو تحريف، فيقولون: ما دل عليه العقل من صفات الله أثبتناه، وما لا فإنه يجب أن نُؤَوِّله، وبالمعنى الأصح أن نُحرِّفه، فهمتم يا جماعة، نقول وش دليل العقل على الإرادة؟ يقولون: إنّ العقل يدُل على الإرادة بواسطة التخصيص تخصيص المخلوقات، كل شيء من المخلوقات خُصِّص بشيء ولّا لا؟ هذا أراد الله أن يكون قاسياً فصار قاسياً، وهذا يكون لين فصار لين، وهذا يكون طويل فيكون طويل، وهذا قصير فيكون قصير إلى آخره هذا ... هذا يدل ايش؟ يدل على إرادة يعني الأمر لا يخلو من إرادة، طيب الرحمة ليش ..؟ قالوا: لأن الرحمة عبارة عن رِقَّة تعترى القلب توجب الحنو على المرحوم. فنقول لهم: هذه الرحمة التي ذكرتُم إنما هي رحمة المخلوقين، ونحن نثبت لله رحمة لا تشبه رحمة المخلوقين، ثم إننا نستدِل على الرحمة بالعقل كما استدللتم على الإرادة بالعقل كم لله سبحانه وتعالى علينا من نعمة؟
الطالب: لا تتعد ولا تحصى.

الشيخ : لا تُعد ولا تحصى، وكم لله تعالى من تفريج كربات لا تعد ولا تحصى، ما هو الأمر المقتضي لهذه الأشياء لجلب النعم ودفع النقم؟
الطالب: الحمة.

الشيخ : الرحمة، لأن القاسي الذي لا يرحم ما يجلب النعمة ولا يدفع النقمة، فإذاً الاستدلال بالحوادث التي فيها جلب النعم ودفع النقم أظهر وأبين من الاستدلال بالتخصيص - وش يا على!- على الإرادة، لأن دلالة التخصيص على الإرادة لا يفهمها إلا أفراد من الناس، لكن دلالة جلب المنافع ودفع النِقَم على الرحمة كلُّ الناس يفهمونها حتى العامي في سوقه إذا شاف رجل قاسي على أولاده مثلاً قال هذا ما .. رحمة وإذا شاف أنه مثلاً دائما يجلب لهم الخير ويدفع عنهم الشر قال: هذا إنسان رحيم، فإذاً دلالة العقل على الرحمة أقوى من دلالته على الإرادة، ومع ذلك هم يثبِتون الإرادة ولا يثبتون الرحمة، فهنا يقولون: من رحمته ما يمكن أن نثبِت لله صفة هي الرحمة وإنما نقول: من رحمته من إنعامه، نعم جعل لكم الليل إلى آخره، ونحن نقول: إن من رحمته مِن للسببية، ورحمته هي صفته التي اتصف بها أزلاً وأبداً، ولهذا افتتح كتابَه بسم الله الرحمن الرحيم وقرَن ربوبيَّته بذلك الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم إشارة إلى أن هذه الربوبية كلٌّها ربوبية رحمة ما هي ربوبية انتقام وغلظة بل هي ربوبية رحمة، فكيف نُنكِر هذه الصفة العظيمة من صفات الله ونثبت ما هو دونها، وهذا يدل على تناقض هؤلاء المعطِّلين من الأشعرية والمعتزلة وغيرِهم، لأنهم يتناقضون فيثبتون لله من الصفات ما يدُّل العقل على إثبات ما هو أولى منه، وينكرون من الصفات ما يدل العقل على إثباتها.
من رحمته جعل لكم جعل بمعنى خلق وليست بمعنى صيَّر ولهذا لم تنصب مفعولين جعل لكم الليل والنهار ليل ونهار يتعاقبان بينكم على الناس لتسكنوا فيه أي في الليل ولتبتغوا من فضله في النهار من كسْب، قوله لتسكنوا فيه اللام للتعليل أي لأجل أن تسكنوا فيه، ولا يلزم من وجود المعلول وجود العلة إذا لم تكن العلة مؤثرة، مثلاً وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] هذه علة غائية والعلة الغائية لا يلزم من وجود المعلول وجودها، فلا يلزم من الخلق وجود العبادة، كذلك لتسكنوا فيه هذه علة غائية وليست علةً مؤثِّرة، ولا يلزم من وجود المعلول وجود العلة الغائية فمثلاً قد يقول قائل: نجد بعض الناس ما يسكنون في الليل صح ولّا لا؟ فيه ناس ما يسكنون في الليل أحد معاشه بالليل كالحراس، وأحد لهوه بالليل كأصحاب البطالة الذين ينومون النهار ويسهرون الليل، فنقول: إنّ وجود المعلول إذا كانت العلة غائية لا يلزم منه وجود العلة، كما لو قلت: قدمتُّ لك هذه البعير لتركب عليه فقد تركب وقد لا تركب، أعطيتك القلم لِتكتبَ به ربما تكتب وربما لا تكتب واضح؟ وقوله: تسكنوا فيه يقول المؤلف: "تسكنون تستريحون" إذ أنه ليس مِن السكنى ولكنه من السكون، نعم، أين النون في قوله: تسكنون؟ النون حُذِفت النون لأنها منصوب الفعل، العجيب أن عندي أنا لتسكنون ... وفسر أيضا المفسر بقوله: "تستريحون" لا، أستغفر الله! هذا اللي قبله، لتسكنوا فيه أي في الليل يعني تستريحون، ولتبتغوا من فضله تبتغوا أي تطلُبوا وقوله: من فضله أي مِن عطائه ورزقِه "في النهار بالكسب" وفي الآية هنا ترتيب ولفٌّ ونشر مرتب ولّا غير مرتب؟ جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله؟ مرتب، بدأ بالليل وقدم منفعته السكون وهذا في الليل ففيه لف ونشر مرتب، الليلَ والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون لعلَّ هذه للتعليل أو لأجل أن تذكروا الله سبحانه وتعالى على نعمته فهذا ذَكَر الله سبحانه وتعالى العلَّتيْن الشرعية والقدرية، أما القدرية فهي -يا غانم- العلة القدرية في خلق الليل والنهار؟
الطالب: لتسكنوا فيه.

الشيخ : لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله، والعلة الشرعية ولعلكم تشكرون، تشكرون الله سبحانه وتعالى على ما أنعم به عليكم مِن تعاقب الليل والنهار، لأن الأشياء تتبين بضدِّها لو كان الليل سرمداً و النهار سرمداً ما كان أحدٌ يستريح بليل ولا يبتغِي الفضل بالنهار، ولكن الله سبحانه وتعالى جعل ذلك لأجل الراحة مع أن هناك فوائد أخرى غير مسالة تسكنوا فيه وتبتغوا من فضله ذكرها في سورة الفرقان وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا [الفرقان:62] وفي الحديث الصحيح: أن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوبَ مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيءُ الليل فالحاصل أن في تعاقب الليل والنهار فوائدَ عظيمة تستوجب أن نشكرَ الله سبحانه وتعالى عليها، واعلم أن الشكر يكون بالقلب واللسان والجوارح أما الشكر بالقلب فهو أن يعترف الإنسان بقلبه بأن هذه النعم مِن الله سبحانه وتعالى وحده يعترف اعترافاً كاملا ًحتى لو أن هذه النعم جاءت عن سبب فليعتقد أن السبب مِن أين؟ من الله هو الذي أوجده فحصلت به هذه النعم، وأما الشكر باللسان فإنه الثناء على الله تعالى بما يستحِق سواءٌ على هذه النعمة أو غيرها، فالثناء على الله بما يستحق على هذه النعمة أو على غيرها كلُّ ذلك داخل في الشكر وعلى هذا فقول الإنسان سبحان الله والحمد لله والله أكبر يعتبر شكراً، وقوله حينما يأكل طعاما أو يشرب شرابا: الحمد لله. يعني على هذا الطعام أو الشراب يُعتبر أيضا مِن الشكر، أما الثالث وهو الجوارح فهو أن يقوم الإنسان بطاعة الله سواءٌ تتعلق بهذه النعمة أو لا، فيستعين بهذه النعمة على طاعته أو يفعل الطاعة التي لا تتعلق بهذه النعمة

Webiste