تم نسخ النصتم نسخ العنوان
تفسير قوله تعالى : (( أولم يسيروا في الأرض ف... - ابن عثيمينالشيخ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم قال الله تبارك وتعالى :  أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم  قال الله تبارك وتعالى:  أ...
العالم
طريقة البحث
تفسير قوله تعالى : (( أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق )) .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم قال الله تبارك وتعالى : أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم
قال الله تبارك وتعالى: أولم يسيروا في الأرض وهذا النظم موجود في القرآن كثيرا أن تأتي أداة الاستفهام وبعدها حرف العطف ثم الجملة، وقد اختلف المعربون في كيفية إعراب هذا النظم وهذا التركيب، فقال بعضهم إن التقدير: وألم يسيروا في الأرض، فتكون الواو عاطفة على ما سبق، وتكون الهمزة داخلة على جملتها مصدرة الجملة بها، وهذا القول لا يحتاج إلى تقدير، لكنه يرد عليه أن الهمزة متقدمة على حرف العطف، فأجابوا عن ذلك بأن الهمزة مقدمة وقالوا إن تقديمها في مثل هذا سائغ.
والقول الثاني للمعربين: أن الهمزة داخلة على شيء مقدر وأن حرف العطف عاطف على ذلك المقدر، وحينئذ نحتاج إلى تعيين ذلك المقدر ولا يعينه إلا السياق، فيقدر ذلك المحذوف بحسب ما يقتضيه السياق، فمثلا فيقال: أولم يسيروا أفرطوا ولم يسيروا في الأرض، أو أغفلوا ولم يسيروا في الأرض، أو ما يؤدي إلى هذا المعنى.
وقوله: أو لم يسيروا في الأرض هل المراد سير القلوب بالنظر والتأمل والتفكر أو المراد سير الأقدام حتى يقف الإنسان على ما حصل للأمم السابقة بعيني رأسه ؟ كلاهما، فمن لم يتيسر له أن يسير بقدمه فليسر بقلبه، ولكن ما طريق سيره بقبله ؟ طريق سيره بقلبه أن يقرأ تاريخ الأمم السابقة، وحينئذ بأي شيء يثبت هذا التاريخ ؟ يثبت هذا التاريخ بطريقين فقط، الطريق الأول: القرآن، والطريق الثاني: السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الله سبحانه وتعالى قال فيمن سبق: والذين من قبلهم لا يعلمهم إلا الله وإذا كان لا يعلمهم إلا الله فإن مصدر التلقي لأخبارهم من عند الله أو من رسوله صلى الله عليه وسلم.
أما ما حدثت به بنو إسرائيل عمن سبق فهذا ينقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: ما شهد شرعنا به أو ما شهد القرآن والسنة به فهذا مقبول لا لأنه خبر بني إسرائيل ولكن لأن القرآن والسنة شهدت بصدقه.
الثاني: ما شهد القرآن والسنة بكذبه فهذا مرفوض ولا يجوز التحدث به إلا إذا أراد الإنسان بيان كذبه وبطلانه.
القسم الثالث: ما لم يشهد الوحي بصدقه ولا كذبه، أي ما ليس في القرآن ولا في السنة تصديقه ولا تكذيبه فهذا قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج فيكون من الكلام الذي يباح نقله لكن لا فائدة منه فلا يشتغل به عن ما هو أهم منه، وبهذا نعرف كيف نسير بقلوبنا في أخبار من سبق، فصار مصدر التلقي في أخبار من سبق المصدر الأساسي الأكيد هو الكتاب والسنة، وأما ما وقع من أخبار بني إسرائيل فعرفتم أنه على ثلاثة أقسام.
وقوله: أو لم يسيروا في الأرض قال بعض المعربين: إن في هنا بمعنى على لأنه لا يمكن السير في جوف الأرض بناء على أن في للظرفية والظرف محيط بالمظروف، كما إذا قلت الماء في الإناء فإن الإناء محيط به والماء في جوفه، ولكن ربما يقول قائل أن هذا غير متعين لأن المراد في الأرض أي في مناكب الأرض، كما قال تعالى: هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وتكون الظرفية هنا ظرفية الأجواء أي في أجواء الأرض، والأجواء ظرف لمن يسير فيها.
فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم فينظروا: الفاء هنا قيل أنها عاطفة وعلى هذا فيكون السير منتفيا والنظر أيضا منتفي، والتقدير على هذا القول أو لم يسيروا في الأرض فألم ينظروا فيه كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلكم، وقيل أن الفاء للسببية، أي فبسبب سيرهم ينظروا كيف كان، والمعنيان متلازمان، لأنهم إذا لم يسيروا لم ينظروا وإن ساروا نظروا.
وقوله: فينظروا كيف كان هل النظر هنا نظر قلب وبصيرة أو نظر عين وبصر ؟ ينبني على ما سبق في السير إن كان سير قلب فالنظر نظر قلب وبصيرة، وإن كان سير قدم فالنظر نظر عين وبصر، وقد قلنا أن السير صالح لهذا وهذا فيكون النظر أيضا صالحا لهذا وهذا.
كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كيف: اسم استفهام وهو في محل نصب على أنه خبر كان مقدم، وعاقبة: اسمها كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم أي ماذا كان مآلهم ؟ سيأتي ذكر المآل لكن الله ذكر حالهم قبل أن يذكر مآلهم قال : كانوا هم أشد منهم قوة أشد من الشدة وهي الصلابة والعظم.

Webiste