التعليق على تفسير الجلالين : (( وقيضنا )) سببنا (( لهم قرناء )) من الشياطين (( فزينوا لهم ما بين أيديهم )) من أمر الدنيا واتباع الشهوات (( وما خلفهم )) من أمر الآخرة بقولهم لا بعث ولا حساب (( وحق عليهم القول )) بالعذاب وهو (( لأملأن جهنم ))[ 119 : 11 ] الآية (( في )) جملة (( أمم قد خلت )) هلكت (( من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين )).
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
ثم قال تعالى: وقيَّضْنَا لهم قرناء قال المؤلف: " قيضنا سبَّبْنا " والصواب أنَّ معناها هيَّئْنَا أي: هيئنا لهم قرناء، وذَكَرَ الفاعل بضمير الجمع للتعظيم، لأنَّ ضمير الجمع يراد به تارة التعظيم وتارة التعَدُّد، وهنا لا يمكن أن يكون المراد به التعدُّد، لأنَّ الله إلهٌ واحد، " قيضنا لهم قرناء من الشياطين " والمراد من شياطين الإنس وشياطين الجن لأنَّ هناك قرينًا خفِيًّا وهو قرينُ الجن يأمر الإنسان بالسوء وينهاه عن الخير، وهناك قرين سوء من الإنس ولهذا مثَّل النبي صلى الله عليه وسلم قرين السوء بأنه كنَافِخ الكير إما أن يُحْرِق ثيابك وإما أن تجد منه رائحة كريهة، فزيَّنُوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم زينوا أي القرناء لهم أي للمقتدين بهم ما بين أيديهم وما خلفهم يقول المؤلف: " ما بين أيديهم من أمر الدنيا واتباع الشهوات وما خلفهم من أمر الآخرة بقولهم لا بعث ولا حساب " نعم، هؤلاء القرناء حسَّنوا لهم ما بين أيديهم مِن أمر الدنيا وقالوا لهم: اتَّبِعوا الشهوات كيِّفُوا كما شئتم أتْلِفُوا أنفسكم كما قال تعالى: إنهم كانوا قبل ذلك مترَفِين ومَنَّوْهم، وما خلفهم أي ما أمامهم لأن الخلف والوراء قد يُراد به الأمام كقوله تعالى: وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا يعني أمامَهم، إذًا زيَّنوا لهم الآخرة أيضًا بأن منَّوْهم بأحد أمرين: إما بالنجاة من العذاب في قولهم لا بعث ولا حساب، وإما بأن ينتقلوا إلى خير من ذلك ويقولوا: إن الذي أترَفَنا في الدنيا سوف يترِفُنا في الآخرة كقول بعضهم هذا لي ولئن رُجِعْتُ إلى ربي إن لي عنده للحسنى وكقول صاحب الجنتين ولئن رددت إلى ربي لأجدَنَّ خيرا منها منقلبا فهكذا يُمَنِّي الشيطان أوليائَه يقول: انبسطوا في الدنيا أترفوا أنفسَكم وفي الآخرة سوف تنتقلون إلى ما هو أفضل، زينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم ومنوهم الأماني.
قال تعالى: وحَقَّ عليهم القولُ في أُمَمٍ قد خلَتْ مِن قبلِهم مِن الجن والإنس إنَّهم كانوا خاسرين حق عليهم أي وجب القول قول من؟ قول الله تبارك وتعالى فما هو القول الذي حَقّ؟ فسَّره المؤلف بقوله: " وهو لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين وقيل القول هو قوله تعالى: إنَّ الذي حقَّتْ عليهم كلمة ربك لا يؤمنون * ولو جاءتْهم كلُّ آية حتى يروا العذاب الأليم ونقول كما أسلفنا في القاعدة في التفسير أنَّ الآية إذا كانت تحتَمِل معنيَيْن لا مُرَجِّحَ لأحدهما على الآخر ولا منافَاةَ بينهما فإنها تُحمَل على المعنيين جميعًا، نقول: حقَّ عليهم قول الله تعالى: إن الذي حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون * ولو جاءتهم كل آية وهذا في الدنيا يعني مهما عالجْتَ الإنسان الذي حقَّتْ عليه كلمة الله فلن يهتدي، وحقَّتْ عليهم كلمة الله في الآخرة وهي لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين إذًا لا فائدة، إنَّ أبرَزَ مثَلٍ لنا في هذا ما حصل للنبي صلى الله عليه وسلم مع عمِّه أبي طالب الذي كان -أعني عمَّه- كان يُدافِع عنه أشد المدافعة ويُؤْوِيه وينصرُه ويشهَد بأنه حق لكنه لم ينقَدْ لذلك ولم يتَّبِع، هل أغنَى عنه مِن الله شيئا؟ لا، عند موته يقول: يا عمّ قل: لا إله إلا الله كلمة أحَاجّ لك بها عند الله. ولم ينفعه ذلك كان آخر ما قال أنّه على ملة عبد المطلب، لأن أبا طالب عند موتِه حضرَه النبي عليه الصلاة والسلام وحضره رجلَان من كبار قريش فكان الرسول يقول: يا عم قل لا إله إلا الله. وهما يقولان له: أترغب عن ملةِ عبد المطلب يعني عن ملَّةِ الكفر، آخِر ما قال: هو على ملة عبد المطلب. وأبى أن يقول لا إله إلا الله. مع العلم بأنَّه يقر و يعترِف بأنَّ الرسول حقّ، يقول:
ولقد علمت بأنَّ دينَ محمد مِن خير أديانِ البرية دينًا
ويقول في لاميته المشهورة:
لقد علموا أن ابننا لا مُكَذَّبٌ لدينا ولا يُعنَى بقول الأباطِل
أي بقول السحرة يعني ليس بساحر، ومع ذلك قد حقَّتْ عليه الكلمة نسأل الله العافية وأن يحسِن لنا ولكم الخاتمة، حقَّت عليه الكلمة فلم يُؤمِن، يقول: في أمم " في جملة أمم " في أمم يعني في جملتهم واحتَجنا إلى قوله في جملة يعني إدخال جملة وإن كانت معروفة من السياق، لأنَّه لو قال: في أمم لكان هؤلاء مشارِكين لكل الأمم الماضية والمستقبلَة مع أنَّهم في أمتهم وحدَهم فيكون المعنى: في أمَم أي في جملة أمم، قد خلت هلكَتْ من قبلهم من الجن والإنس إلى آخره من قبلهم أي قبلِ هؤلاء المكذبين مِن الجن والإنس الجنّ هم عالم غيبِيّ خلقهم اللهُ تعالى من نار لأنَّ أباهم إبليس كان مِن نار، ولهذا كان شأنهم أو كانت حالُهم الطَّيْش والسرعة والاندِفَاع كالنَّار في لهبِها فهم خُلِقُوا من النار أعنِي الجن، وهم مكلَّفون بالإيمان بالله وملائكتِه وكتبِه ورسلِه واليوم الآخر، ولكن هل الأعمال التي كُلِّفُوا بها هل هي الأعمال التي كُلِّفَت بها الإنس أو غيرها؟ إن نظرْنا إلى عمومات الأدلة قلنا: إنَّ الجن مكلَّفَةٌ بما كلِّف به الإنس، لأنَّ الشريعة التي بين أيدينا لم تأتِ بشريعةٍ للجِن، شريعة واحدة والرسول واحِد فهم مكلَّفُون مثلًا بصلاةٍ كصلاتنا ووضوء كوضوئنا وحجٍّ كحجِّنا وصوم كصومنا وصدقةٍ كصدقتنا كلّ ما نحن مكلَّفون به فهم مكلفون به، إذ أننا لا نرى في الشريعة التي بين أيدينا تشريعَاتٍ للجن، هذا إذ نظرْنا إلى ايش؟ إلى عموم الأدلة، إذا نظرْنا إلى حكمةِ الله تعالى في شرعِه قلنا: إنهم مكلَّفُون بشريعةٍ تلِيق بهم، فكما أنَّ الإنس إذا اختلَفوا يُجعَل لكل صنف ما يلِيق به فكذلك الجن، والجن مخالفون للإنس في الحدِّ والحقيقة مخالفون تمامًا للإنس فتكون شريعتُهم خاصَّة تليق بهم، لكن تحريم الظلم والشرك والعدوان وما أشبه ذلك هذا عام على الجن والإنس، إنما أريد التكليفات البدنية كالصلاة مثلًا هل صلاتهم كصلاتنا أو صيامهم كصيامنا هذا هو محلّ الخلاف بين العلماء، منهم مَن يقول: إنَّ الجن مكلفون كما كُلِّف الإنس تمامًا. حجة هؤلاء الأخ؟ ما حجة هؤلاء؟
الطالب: خلقٌ من خلقِ الله ...
الشيخ : لا، غلط، لأن خلقٌ من خلقِ الله ترِد علينا الملائكة، الظاهر أنك سرحْت بارك الله فيك، نعم شوف ترى كل الأرض مُجدِبَة ما فيها مرعى أبدًا إلا في هذا المسجد ما دمت في المسجد، لا تفكر أن تلقى مرعى أبدًا نعم،
الطالب: عموم الأدلة
الشيخ : عموم الأدلة التي بين أيدينا التي أرسل بها الرسول عليه الصلاة والسلام لا نجِد فيها أحكامًا تخُصُّ الجن واضح يا جماعة؟ فالأصل العموم الأصل أنَّ ما كُلِّف به الإنس هو ما كُلِّف به الجن، القول الثاني الأخ صاحبَ الثوب الأزرق قل:
الطالب: ...
الشيخ : ايش يقول الثاني: أنَّ الجنّ مثل الإنس في العبادة وما كلفوا به أو يختلفون؟ أي نعم وجه ذلك؟
الطالب: لأن بعض العبادات الصلاة يعني قد تكون ليس كصلاتنا
الشيخ : أنَّا نجِد من حكمة الله أنَّ التشريعات مناسبة للمكلَّف بها المريض يصلِّي قاعدًا، المسافر يؤَخِّر الصوم، الذي لا يستطيع الركوب على الراحلة لا يحُجّ، فإذا كانت هذه الاختلافات تكون بين الإنس لاختلاف أحوالهم فما بين الجن والإنس مِن باب أولى، لكن هناك أشياء لا إشكالَ فيها وهي تحريم الشِّرِك والظلم والعدوان وما أشبه ذلك ولهذا نجد كثيرًا من العلماء الذين يقرءُون على مَن مسَّهم الشيطان يُذكِّرُونهم بتحْرِيم الظلم وأنَّه حرام وأنهم معتَدُون وما أشبه ذلك مما يدل على أنَّهم ملتزِمُون بهذا، طيب يقول: من الجن والإنس إذًا الجن عالم ايش؟ عالم غيبِيّ خلِقُوا من نار مكلفون بشريعة النبي صلى الله عليه وسلم إلزامًا، لأنَّه مرسل إلى الجن والإنس، لكن غيرُ الرسول لا نعلم هل هم ملزمون بذلك أو لا، لكنهم مأذُونٌ لهم أن يعملوا بها كما قال تعالى: وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصِتُوا فلما قُضِي ولَّوا إلى قومهم منذرين * قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أُنزِل من بعد موسى مما يدُلُّ على أنهم انتفعوا بكتاب موسى أنزل من بعد موسى مصدِّقًا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم إلى آخره، فهم ملزمون بالعمل بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، طيب قلنا إنَّهم عالمٌ غيبي هل يمكن أن يبْرُزُوا للناس يومًا من الأيام؟ نعم ربما يبرُزُون لبعض الناس ملَوَّنِين يعني يتلونون هم هم يتلونون قد يتراءَى الجنيُّ للإنسي بصورة إنسان فخْم كبير عظيم، أو بصورة هيكل له قرون وله آذان وله أرجل طويلة وما أشبه ذلك هم يتلَوَّنُون، وأما ما زعم بعض الناس أنَّهم أجساد ليس فيها عظام وأنهم إذا لَمَسْته وجدتَّه رقيقًا جدًّا وأنَّ أعينَهم مشقوقةٌ طولًا هكذا فهذا لا أصل له، نعم طيب إذًا نقول: هم عالَـمٌ الغيب ويدُلُّ لذلك المادة التي يوصفون بها يعني الجِنّ، لأنَّ الجيم والنون تدلُّ على الاستتار والخفاء أرأيتُم الجَنَّة؟ الجَنَّة هي البستان الكثير الأشجار، الجِنَّة الجِنّ، الجُنَّة ما يتخِذُه المقاتل لحمايةِ نفسِه من السهام يستتر به، والإنس هم هؤلاء البشر من بني آدم وسموا أُنْسًا لأنَّ بعضهم يأنس ببعض ولهذا قيل: إن الإنسان مدنِيٌّ بالطبع، من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين إنهم -أي الذين حق عليهم القول- كانوا خاسرين كانوا متى؟
الطالب: يوم القيامة
الشيخ : أي في علْمِ الله وليس يوم القيامة كما قال الأخ محمد، لأنَّه لو كان كذلك لقال: يكونون لكن كانوا في علْمِ الله عز وجل وتقديرِه خاسِرين، ولكن اعلَموا بارك الله فيكم أنَّه لا يمكن لأحد أن يضِلّ إلَّا وهو السبب هو السبب في ضلالِ نفسِه لدينا آيةٌ من كتاب الله حاكمة على كلِّ ذلك على كلِّ ما يتوهم أنَّ الضلال مقَدَّرٌ من عند الله ابتلاءً وامتحانًا وإن كان الأمر كذلك لكن سببُ ضلال الإنسان هو نفسُه قال الله تبارك وتعالى: فلما زاغُوا أزاغَ الله قلوبَهم وقال تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاه بِهَا وَلَكِنَّهُ أخلَدَ إِلَى الأَرْضِ فماذا نفعل؟ إذا كان هو الذي أخلَدَ إلى الأرض واتَّبَع هواه فماذا نفعل؟ فاعلَمْ أنَّ كلَّ شيء من المعاصي فأنت سببُه وإن شئت فاقرَأْ قول الله تعالى: فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبَهم ببعض ذنوبهم يا لها مِن موعظة في هذه الآية أنك إذا توليتَ عن أمر الله فاعلَمْ أنَّ ذلك بذنبِك فاعلم أنما يريد الله أن يصيبَهم ببعض ذنوبهم فصار الإعراض عقوبة وهذا أمر قد لا يتفطَّنُ له بعض الناس، إعراضُك عن الله عز وجل وعن دينِ الله هو عقوبة مِن الله عز وجل لِقوله: فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبِهم وإنَّ كثيرًا من الناس لفاسقون نعم.
قال تعالى: وحَقَّ عليهم القولُ في أُمَمٍ قد خلَتْ مِن قبلِهم مِن الجن والإنس إنَّهم كانوا خاسرين حق عليهم أي وجب القول قول من؟ قول الله تبارك وتعالى فما هو القول الذي حَقّ؟ فسَّره المؤلف بقوله: " وهو لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين وقيل القول هو قوله تعالى: إنَّ الذي حقَّتْ عليهم كلمة ربك لا يؤمنون * ولو جاءتْهم كلُّ آية حتى يروا العذاب الأليم ونقول كما أسلفنا في القاعدة في التفسير أنَّ الآية إذا كانت تحتَمِل معنيَيْن لا مُرَجِّحَ لأحدهما على الآخر ولا منافَاةَ بينهما فإنها تُحمَل على المعنيين جميعًا، نقول: حقَّ عليهم قول الله تعالى: إن الذي حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون * ولو جاءتهم كل آية وهذا في الدنيا يعني مهما عالجْتَ الإنسان الذي حقَّتْ عليه كلمة الله فلن يهتدي، وحقَّتْ عليهم كلمة الله في الآخرة وهي لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين إذًا لا فائدة، إنَّ أبرَزَ مثَلٍ لنا في هذا ما حصل للنبي صلى الله عليه وسلم مع عمِّه أبي طالب الذي كان -أعني عمَّه- كان يُدافِع عنه أشد المدافعة ويُؤْوِيه وينصرُه ويشهَد بأنه حق لكنه لم ينقَدْ لذلك ولم يتَّبِع، هل أغنَى عنه مِن الله شيئا؟ لا، عند موته يقول: يا عمّ قل: لا إله إلا الله كلمة أحَاجّ لك بها عند الله. ولم ينفعه ذلك كان آخر ما قال أنّه على ملة عبد المطلب، لأن أبا طالب عند موتِه حضرَه النبي عليه الصلاة والسلام وحضره رجلَان من كبار قريش فكان الرسول يقول: يا عم قل لا إله إلا الله. وهما يقولان له: أترغب عن ملةِ عبد المطلب يعني عن ملَّةِ الكفر، آخِر ما قال: هو على ملة عبد المطلب. وأبى أن يقول لا إله إلا الله. مع العلم بأنَّه يقر و يعترِف بأنَّ الرسول حقّ، يقول:
ولقد علمت بأنَّ دينَ محمد مِن خير أديانِ البرية دينًا
ويقول في لاميته المشهورة:
لقد علموا أن ابننا لا مُكَذَّبٌ لدينا ولا يُعنَى بقول الأباطِل
أي بقول السحرة يعني ليس بساحر، ومع ذلك قد حقَّتْ عليه الكلمة نسأل الله العافية وأن يحسِن لنا ولكم الخاتمة، حقَّت عليه الكلمة فلم يُؤمِن، يقول: في أمم " في جملة أمم " في أمم يعني في جملتهم واحتَجنا إلى قوله في جملة يعني إدخال جملة وإن كانت معروفة من السياق، لأنَّه لو قال: في أمم لكان هؤلاء مشارِكين لكل الأمم الماضية والمستقبلَة مع أنَّهم في أمتهم وحدَهم فيكون المعنى: في أمَم أي في جملة أمم، قد خلت هلكَتْ من قبلهم من الجن والإنس إلى آخره من قبلهم أي قبلِ هؤلاء المكذبين مِن الجن والإنس الجنّ هم عالم غيبِيّ خلقهم اللهُ تعالى من نار لأنَّ أباهم إبليس كان مِن نار، ولهذا كان شأنهم أو كانت حالُهم الطَّيْش والسرعة والاندِفَاع كالنَّار في لهبِها فهم خُلِقُوا من النار أعنِي الجن، وهم مكلَّفون بالإيمان بالله وملائكتِه وكتبِه ورسلِه واليوم الآخر، ولكن هل الأعمال التي كُلِّفُوا بها هل هي الأعمال التي كُلِّفَت بها الإنس أو غيرها؟ إن نظرْنا إلى عمومات الأدلة قلنا: إنَّ الجن مكلَّفَةٌ بما كلِّف به الإنس، لأنَّ الشريعة التي بين أيدينا لم تأتِ بشريعةٍ للجِن، شريعة واحدة والرسول واحِد فهم مكلَّفُون مثلًا بصلاةٍ كصلاتنا ووضوء كوضوئنا وحجٍّ كحجِّنا وصوم كصومنا وصدقةٍ كصدقتنا كلّ ما نحن مكلَّفون به فهم مكلفون به، إذ أننا لا نرى في الشريعة التي بين أيدينا تشريعَاتٍ للجن، هذا إذ نظرْنا إلى ايش؟ إلى عموم الأدلة، إذا نظرْنا إلى حكمةِ الله تعالى في شرعِه قلنا: إنهم مكلَّفُون بشريعةٍ تلِيق بهم، فكما أنَّ الإنس إذا اختلَفوا يُجعَل لكل صنف ما يلِيق به فكذلك الجن، والجن مخالفون للإنس في الحدِّ والحقيقة مخالفون تمامًا للإنس فتكون شريعتُهم خاصَّة تليق بهم، لكن تحريم الظلم والشرك والعدوان وما أشبه ذلك هذا عام على الجن والإنس، إنما أريد التكليفات البدنية كالصلاة مثلًا هل صلاتهم كصلاتنا أو صيامهم كصيامنا هذا هو محلّ الخلاف بين العلماء، منهم مَن يقول: إنَّ الجن مكلفون كما كُلِّف الإنس تمامًا. حجة هؤلاء الأخ؟ ما حجة هؤلاء؟
الطالب: خلقٌ من خلقِ الله ...
الشيخ : لا، غلط، لأن خلقٌ من خلقِ الله ترِد علينا الملائكة، الظاهر أنك سرحْت بارك الله فيك، نعم شوف ترى كل الأرض مُجدِبَة ما فيها مرعى أبدًا إلا في هذا المسجد ما دمت في المسجد، لا تفكر أن تلقى مرعى أبدًا نعم،
الطالب: عموم الأدلة
الشيخ : عموم الأدلة التي بين أيدينا التي أرسل بها الرسول عليه الصلاة والسلام لا نجِد فيها أحكامًا تخُصُّ الجن واضح يا جماعة؟ فالأصل العموم الأصل أنَّ ما كُلِّف به الإنس هو ما كُلِّف به الجن، القول الثاني الأخ صاحبَ الثوب الأزرق قل:
الطالب: ...
الشيخ : ايش يقول الثاني: أنَّ الجنّ مثل الإنس في العبادة وما كلفوا به أو يختلفون؟ أي نعم وجه ذلك؟
الطالب: لأن بعض العبادات الصلاة يعني قد تكون ليس كصلاتنا
الشيخ : أنَّا نجِد من حكمة الله أنَّ التشريعات مناسبة للمكلَّف بها المريض يصلِّي قاعدًا، المسافر يؤَخِّر الصوم، الذي لا يستطيع الركوب على الراحلة لا يحُجّ، فإذا كانت هذه الاختلافات تكون بين الإنس لاختلاف أحوالهم فما بين الجن والإنس مِن باب أولى، لكن هناك أشياء لا إشكالَ فيها وهي تحريم الشِّرِك والظلم والعدوان وما أشبه ذلك ولهذا نجد كثيرًا من العلماء الذين يقرءُون على مَن مسَّهم الشيطان يُذكِّرُونهم بتحْرِيم الظلم وأنَّه حرام وأنهم معتَدُون وما أشبه ذلك مما يدل على أنَّهم ملتزِمُون بهذا، طيب يقول: من الجن والإنس إذًا الجن عالم ايش؟ عالم غيبِيّ خلِقُوا من نار مكلفون بشريعة النبي صلى الله عليه وسلم إلزامًا، لأنَّه مرسل إلى الجن والإنس، لكن غيرُ الرسول لا نعلم هل هم ملزمون بذلك أو لا، لكنهم مأذُونٌ لهم أن يعملوا بها كما قال تعالى: وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصِتُوا فلما قُضِي ولَّوا إلى قومهم منذرين * قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أُنزِل من بعد موسى مما يدُلُّ على أنهم انتفعوا بكتاب موسى أنزل من بعد موسى مصدِّقًا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم إلى آخره، فهم ملزمون بالعمل بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، طيب قلنا إنَّهم عالمٌ غيبي هل يمكن أن يبْرُزُوا للناس يومًا من الأيام؟ نعم ربما يبرُزُون لبعض الناس ملَوَّنِين يعني يتلونون هم هم يتلونون قد يتراءَى الجنيُّ للإنسي بصورة إنسان فخْم كبير عظيم، أو بصورة هيكل له قرون وله آذان وله أرجل طويلة وما أشبه ذلك هم يتلَوَّنُون، وأما ما زعم بعض الناس أنَّهم أجساد ليس فيها عظام وأنهم إذا لَمَسْته وجدتَّه رقيقًا جدًّا وأنَّ أعينَهم مشقوقةٌ طولًا هكذا فهذا لا أصل له، نعم طيب إذًا نقول: هم عالَـمٌ الغيب ويدُلُّ لذلك المادة التي يوصفون بها يعني الجِنّ، لأنَّ الجيم والنون تدلُّ على الاستتار والخفاء أرأيتُم الجَنَّة؟ الجَنَّة هي البستان الكثير الأشجار، الجِنَّة الجِنّ، الجُنَّة ما يتخِذُه المقاتل لحمايةِ نفسِه من السهام يستتر به، والإنس هم هؤلاء البشر من بني آدم وسموا أُنْسًا لأنَّ بعضهم يأنس ببعض ولهذا قيل: إن الإنسان مدنِيٌّ بالطبع، من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين إنهم -أي الذين حق عليهم القول- كانوا خاسرين كانوا متى؟
الطالب: يوم القيامة
الشيخ : أي في علْمِ الله وليس يوم القيامة كما قال الأخ محمد، لأنَّه لو كان كذلك لقال: يكونون لكن كانوا في علْمِ الله عز وجل وتقديرِه خاسِرين، ولكن اعلَموا بارك الله فيكم أنَّه لا يمكن لأحد أن يضِلّ إلَّا وهو السبب هو السبب في ضلالِ نفسِه لدينا آيةٌ من كتاب الله حاكمة على كلِّ ذلك على كلِّ ما يتوهم أنَّ الضلال مقَدَّرٌ من عند الله ابتلاءً وامتحانًا وإن كان الأمر كذلك لكن سببُ ضلال الإنسان هو نفسُه قال الله تبارك وتعالى: فلما زاغُوا أزاغَ الله قلوبَهم وقال تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاه بِهَا وَلَكِنَّهُ أخلَدَ إِلَى الأَرْضِ فماذا نفعل؟ إذا كان هو الذي أخلَدَ إلى الأرض واتَّبَع هواه فماذا نفعل؟ فاعلَمْ أنَّ كلَّ شيء من المعاصي فأنت سببُه وإن شئت فاقرَأْ قول الله تعالى: فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبَهم ببعض ذنوبهم يا لها مِن موعظة في هذه الآية أنك إذا توليتَ عن أمر الله فاعلَمْ أنَّ ذلك بذنبِك فاعلم أنما يريد الله أن يصيبَهم ببعض ذنوبهم فصار الإعراض عقوبة وهذا أمر قد لا يتفطَّنُ له بعض الناس، إعراضُك عن الله عز وجل وعن دينِ الله هو عقوبة مِن الله عز وجل لِقوله: فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبِهم وإنَّ كثيرًا من الناس لفاسقون نعم.
الفتاوى المشابهة
- تفسير قوله تعالى :" وما خلقت الجن والإنس إلا... - ابن عثيمين
- ما علاقة الجن بالإنس والعكس ؟ وهل يجوز التزاوج... - الالباني
- بيان أن الجن مكلفون بالعبادة كالإنس . - ابن عثيمين
- هل هناك فرق بين الإنس والجن في العبادات من ص... - ابن عثيمين
- تفسير قوله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا... - ابن عثيمين
- الجن المسلم والجن الكافر - ابن باز
- فوائد قول الله تعالى : (( ... ومن الجن من يع... - ابن عثيمين
- فوائد قوله تعالى : (( وقيضنا لهم قرناء فزينو... - ابن عثيمين
- تتمة فوائد قوله تعالى : (( وقيضنا لهم قرناء... - ابن عثيمين
- مناقشة تفسير قوله تعالى : (( وقيضنا لهم قرنا... - ابن عثيمين
- التعليق على تفسير الجلالين : (( وقيضنا )) سب... - ابن عثيمين