معنى القبض الشرعي
الشيخ عبدالعزيز ابن باز
السؤال:
إذا اشترى شخص من آخر طعامًا إلى أجل، فهل يجوز له بيعه قبل قبضه؟ وما هو القبض الشرعي الذي جاء الحديث بالنهي عن البيع قبله؟ وهل إذا اشترى منه سلعًا من طعام أو غيره، وعدها وهي في محل التاجر. هل هذا يعتبر حيازة شرعية؟ وقد أفتى بعض طلبة العلم بجواز ذلك، فهل له حجة شرعية أم لا؟ وقد أصبح كثير من الناس يتعاطون ذلك، وربما تباع السلعة عدة مرات، وهي في محل التاجر الأول، خصوصًا إذا كان سكرًا أو أرزًا. أفتونا -مأجورين-، ووضحوا ذلك، أثابكم الله.
الجواب:
إذا اشترى شخص من آخر طعامًا، أو سلعة أخرى بثمن حال أو مؤجل، فلا يجوز له بيعه قبل أن يقبضه؛ وذلك بحيازته إلى منزله، أو متجره، أو غير ذلك، ولا يكفي في القبض عدها وإبقاؤها في محلها دون حيازتها. ومن الأدلة على ذلك ما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن النبي ﷺ: أنه نهى عن بيع الطعام حتى يستوفى، وفي لفظ: حتى يقبض.
وحديث عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- عند مسلم: كنا نبتاع الطعام جزافًا، فيبعث إلينا رسول الله ﷺ من يأمرنا بانتقاله من المكان الذي ابتعناه فيه إلى مكان سواه قبل أن نبيعه.
وحديثه في الصحيحين وغيرهما قال: كانوا يتبايعون الطعام جزافًا، فنهى رسول الله ﷺ أن يبيعوه حتى ينقلوه.
وحديثه فيهما أيضًا قال: رأيت الناس في عهد رسول الله ﷺ يتبايعون جزافًا -يعني الطعام-، يضربون أن يبيعوه في مكانهم حتى يؤوه إلى رحالهم، وحديثه في سنن أبي داود والدارقطني والمستدرك، وصحيح ابن حبان قال: "ابتعت زيتًا في السوق، فلما استوجبته لقيني رجل، فأعطاني به ربحًا حسنًا، فأردت أن أضرب على يده، فأخذ رجل من خلفي بذراعي، فالتفت فإذا هو زيد بن ثابت، فقال: لا تبعه حيث ابتعته حتى تحوزه إلى رحلك؛ فإن رسول الله ﷺ نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم".
والحديث في إسناده محمد بن إسحاق، قال ابن القيم بعد أن ذكر الحديث؛ مستدلًا به على تعميم الحكم في الطعام وغيره: "وإن كان فيه محمد بن إسحاق فهو الثقة الصدوق" انتهى.
وقال عنه الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب: "أحد الأئمة الأعلام حديثه حسن" وقال الحافظ في الفتح: "ما ينفرد به محمد بن إسحاق، وإن لم يبلغ درجة الصحيح، فهو في درجة الحسن إذا صرح بالتحديث، وإنما يصحح له من لا يفرق بين الصحيح والحسن، ويجعل كل ما يصلح للحجة صحيحًا، وهذه طريقة ابن حبان، ومن ذكره معه" انتهى.
وقال شمس الحق العظيم أبادي في تعليقه على سنن الدارقطني: الحديث أخرجه أبو داود بإسناد صرح فيه ابن إسحاق بالتحديث، وابن حبان في صحيحه، والحاكم في المستدرك وصححه، وقال في التنقيح: سنده جيد، فإن ابن إسحاق صرح بالتحديث، انتهى.
قلت: قول الشيخ شمس الحق: أن ابن إسحاق صرح في رواية أبي داود بالسماع، فيه نظر، فقد راجعت السنن فلم أجده صرح بالسماع، فلعل ذلك وقع في نسخة الشيخ شمس الحق، ولكن رواه الإمام أحمد في المسند من طريق ابن إسحاق مختصرًا، وصرح بالسماع. فالحديث جيد وصريح في الموضوع.
على أن السلع -أيًّا كانت- لا يجوز بيعها قبل حيازتها، ومثله في إفادة العموم حديث حكيم بن حزام عند البيهقي بسند جيد؛ قلت: يا رسول الله إني أبتاع هذه البيوع، فما يحل لي منها، وما يحرم؟ قال: يا ابن أخي لا تبع شيئًا حتى تقبضه.
ومما يدل على أن الحكم عام في الطعام وغيره، حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- في الصحيحين وغيرهما، أن النبي ﷺ قال: من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يستوفيه، قال ابن عباس: "ولا أحسب كل شيء إلا مثله".
وقد حكى الخطابي في (معالم السنن) وابن المنذر كما عزاه إليه ابن القيم في (تهذيب السنن) الإجماع على عدم جواز بيع الطعام قبل قبضه.
أما غير الطعام، فقد حكى الخطابي وكذا ابن القيم للعلماء فيه أربعة أقوال.
رجح ابن القيم منها: القول بتعميم حكم المنع في الطعام وغيره؛ لحديث حكيم بن حزام، وزيد بن ثابت الدالين على ذلك، وقال: "إن النهي معلل بعدم تمام الاستيلاء، وعدم انقطاع علاقة البائع عنه؛ فإنه يطمع في الفسخ والامتناع من الإقباض إذا رأى المشتري قد ربح فيه، ويغره الربح، وتضيق عينه منه، وربما أفضى إلى التحيل على الفسخ ولو ظلمًا، وإلى الخصام والمعاداة، والواقع شاهد بهذا.
فمن محاسن الشريعة الكاملة الحكيمة: منع المشتري من التصرف فيه حتى يتم استيلاؤه عليه..." إلى آخر كلامه -رحمه الله-.
وما تمسك به القائلون بالتفريق بين الطعام وغيره؛ من أن التنصيص على المنع جاء في الطعام في أغلب الأحاديث، لا يفيد حصر الحكم عليه، بل ذلك مع ما ورد في تعميم الحكم يدخل تحت القاعدة المشهورة، وهي: أن إثبات حكم العام لبعض أفراده لا يفيد قصره عليه، والله أعلم.
ويؤيد ذلك كما قال العلامة ابن القيم -رحمه الله-: أن المنع إذا جاء في الطعام مع شدة الحاجة إليه، فمنعه في غير الطعام من باب أولى.
أما إذا كان الطعام أو غيره بيع بالكيل أو الوزن، فإن قبضه يكون باكتياله أو وزنه؛ لما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: من اشترى طعامًا فلا يبعه حتى يكتاله. انتهى.
والمبيع بالوزن في معنى المبيع بالكيل، ولكن الأحوط والأكمل أن لا يتصرف المشتري فيما اشتراه بالكيل أو الوزن حتى ينقله إلى رحله؛ لعموم الأحاديث الصحيحة الكثيرة المخرجة في الصحيحين وغيرهما، المتضمنة نهي النبي ﷺ عن بيع الطعام حتى يقبض.
ولا شك أن القبض الكامل إنما يكون بالنقل والحيازة، لا بمجرد الكيل والوزن.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه.
إذا اشترى شخص من آخر طعامًا إلى أجل، فهل يجوز له بيعه قبل قبضه؟ وما هو القبض الشرعي الذي جاء الحديث بالنهي عن البيع قبله؟ وهل إذا اشترى منه سلعًا من طعام أو غيره، وعدها وهي في محل التاجر. هل هذا يعتبر حيازة شرعية؟ وقد أفتى بعض طلبة العلم بجواز ذلك، فهل له حجة شرعية أم لا؟ وقد أصبح كثير من الناس يتعاطون ذلك، وربما تباع السلعة عدة مرات، وهي في محل التاجر الأول، خصوصًا إذا كان سكرًا أو أرزًا. أفتونا -مأجورين-، ووضحوا ذلك، أثابكم الله.
الجواب:
إذا اشترى شخص من آخر طعامًا، أو سلعة أخرى بثمن حال أو مؤجل، فلا يجوز له بيعه قبل أن يقبضه؛ وذلك بحيازته إلى منزله، أو متجره، أو غير ذلك، ولا يكفي في القبض عدها وإبقاؤها في محلها دون حيازتها. ومن الأدلة على ذلك ما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن النبي ﷺ: أنه نهى عن بيع الطعام حتى يستوفى، وفي لفظ: حتى يقبض.
وحديث عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- عند مسلم: كنا نبتاع الطعام جزافًا، فيبعث إلينا رسول الله ﷺ من يأمرنا بانتقاله من المكان الذي ابتعناه فيه إلى مكان سواه قبل أن نبيعه.
وحديثه في الصحيحين وغيرهما قال: كانوا يتبايعون الطعام جزافًا، فنهى رسول الله ﷺ أن يبيعوه حتى ينقلوه.
وحديثه فيهما أيضًا قال: رأيت الناس في عهد رسول الله ﷺ يتبايعون جزافًا -يعني الطعام-، يضربون أن يبيعوه في مكانهم حتى يؤوه إلى رحالهم، وحديثه في سنن أبي داود والدارقطني والمستدرك، وصحيح ابن حبان قال: "ابتعت زيتًا في السوق، فلما استوجبته لقيني رجل، فأعطاني به ربحًا حسنًا، فأردت أن أضرب على يده، فأخذ رجل من خلفي بذراعي، فالتفت فإذا هو زيد بن ثابت، فقال: لا تبعه حيث ابتعته حتى تحوزه إلى رحلك؛ فإن رسول الله ﷺ نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم".
والحديث في إسناده محمد بن إسحاق، قال ابن القيم بعد أن ذكر الحديث؛ مستدلًا به على تعميم الحكم في الطعام وغيره: "وإن كان فيه محمد بن إسحاق فهو الثقة الصدوق" انتهى.
وقال عنه الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب: "أحد الأئمة الأعلام حديثه حسن" وقال الحافظ في الفتح: "ما ينفرد به محمد بن إسحاق، وإن لم يبلغ درجة الصحيح، فهو في درجة الحسن إذا صرح بالتحديث، وإنما يصحح له من لا يفرق بين الصحيح والحسن، ويجعل كل ما يصلح للحجة صحيحًا، وهذه طريقة ابن حبان، ومن ذكره معه" انتهى.
وقال شمس الحق العظيم أبادي في تعليقه على سنن الدارقطني: الحديث أخرجه أبو داود بإسناد صرح فيه ابن إسحاق بالتحديث، وابن حبان في صحيحه، والحاكم في المستدرك وصححه، وقال في التنقيح: سنده جيد، فإن ابن إسحاق صرح بالتحديث، انتهى.
قلت: قول الشيخ شمس الحق: أن ابن إسحاق صرح في رواية أبي داود بالسماع، فيه نظر، فقد راجعت السنن فلم أجده صرح بالسماع، فلعل ذلك وقع في نسخة الشيخ شمس الحق، ولكن رواه الإمام أحمد في المسند من طريق ابن إسحاق مختصرًا، وصرح بالسماع. فالحديث جيد وصريح في الموضوع.
على أن السلع -أيًّا كانت- لا يجوز بيعها قبل حيازتها، ومثله في إفادة العموم حديث حكيم بن حزام عند البيهقي بسند جيد؛ قلت: يا رسول الله إني أبتاع هذه البيوع، فما يحل لي منها، وما يحرم؟ قال: يا ابن أخي لا تبع شيئًا حتى تقبضه.
ومما يدل على أن الحكم عام في الطعام وغيره، حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- في الصحيحين وغيرهما، أن النبي ﷺ قال: من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يستوفيه، قال ابن عباس: "ولا أحسب كل شيء إلا مثله".
وقد حكى الخطابي في (معالم السنن) وابن المنذر كما عزاه إليه ابن القيم في (تهذيب السنن) الإجماع على عدم جواز بيع الطعام قبل قبضه.
أما غير الطعام، فقد حكى الخطابي وكذا ابن القيم للعلماء فيه أربعة أقوال.
رجح ابن القيم منها: القول بتعميم حكم المنع في الطعام وغيره؛ لحديث حكيم بن حزام، وزيد بن ثابت الدالين على ذلك، وقال: "إن النهي معلل بعدم تمام الاستيلاء، وعدم انقطاع علاقة البائع عنه؛ فإنه يطمع في الفسخ والامتناع من الإقباض إذا رأى المشتري قد ربح فيه، ويغره الربح، وتضيق عينه منه، وربما أفضى إلى التحيل على الفسخ ولو ظلمًا، وإلى الخصام والمعاداة، والواقع شاهد بهذا.
فمن محاسن الشريعة الكاملة الحكيمة: منع المشتري من التصرف فيه حتى يتم استيلاؤه عليه..." إلى آخر كلامه -رحمه الله-.
وما تمسك به القائلون بالتفريق بين الطعام وغيره؛ من أن التنصيص على المنع جاء في الطعام في أغلب الأحاديث، لا يفيد حصر الحكم عليه، بل ذلك مع ما ورد في تعميم الحكم يدخل تحت القاعدة المشهورة، وهي: أن إثبات حكم العام لبعض أفراده لا يفيد قصره عليه، والله أعلم.
ويؤيد ذلك كما قال العلامة ابن القيم -رحمه الله-: أن المنع إذا جاء في الطعام مع شدة الحاجة إليه، فمنعه في غير الطعام من باب أولى.
أما إذا كان الطعام أو غيره بيع بالكيل أو الوزن، فإن قبضه يكون باكتياله أو وزنه؛ لما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: من اشترى طعامًا فلا يبعه حتى يكتاله. انتهى.
والمبيع بالوزن في معنى المبيع بالكيل، ولكن الأحوط والأكمل أن لا يتصرف المشتري فيما اشتراه بالكيل أو الوزن حتى ينقله إلى رحله؛ لعموم الأحاديث الصحيحة الكثيرة المخرجة في الصحيحين وغيرهما، المتضمنة نهي النبي ﷺ عن بيع الطعام حتى يقبض.
ولا شك أن القبض الكامل إنما يكون بالنقل والحيازة، لا بمجرد الكيل والوزن.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه.
الفتاوى المشابهة
- قبض اليدين في الصلاة حال القيام - اللجنة الدائمة
- إذا كان للمرابي مال في البنك لم يقبض فائدتها... - ابن عثيمين
- حكم بيع السلعة قبل قبضها - ابن باز
- هل يجوز بيع السلعة قبل قبضها ؟ - الالباني
- ما حكم بيع السلعة قبل قبضها ؟ - الالباني
- هل يجوز الإشارة باليد أمام التلاميذ والعامة... - ابن عثيمين
- لا يكون القبض بالكلام، بل لا بد من نقل السلعة - ابن باز
- هل يجوز أن يقبض بيده عند قوله تعالى: "والأرض... - ابن عثيمين
- إذا عرف الإنسان أن القبض سنة في الصلاة ثم تر... - ابن عثيمين
- بيع الطعام قبل قبضه - اللجنة الدائمة
- معنى القبض الشرعي - ابن باز