فيقال النبي عليه الصلاة والسلام ماقال إنه ينجس بل نهى أن يبول ثم يغتسل لا لأنه نجس ولكن لأنه ليس من المعقول أن رجلا يجعل هذا مبالا له ثم يرجع ويغتسل منه هذا كقوله عليه الصلاة والسلام "لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يضاجعها" في الليل هذا تناقض فهذا هو الحكمة في النهي عن البول ثم الاغتسال وليس المعنى أنه يكون نجسا والنبي عليه الصلاة والسلام ما تعرض للنجاسة النجاسة لها باب وهذا له باب آخر ولهذا الصواب في هذه المسألة الصواب ما عليه المتأخرون من أصحاب الإمام أحمد وهو أنه لا فرق بين بول الآدمي وعذرته المائعة وبين غيرهما الكل سواء إذا بلغ الماء قلتين لم ينجس إلا بالتغير وما دون القلتين ينجس بمجرد الملاقاة عرفتم واختار شيخ الإسلام رحمه الله وجماعة من أهل العلم إلى أنه لا ينجس الماء إلا بالتغير مطلقا سواء بلغ قلتين أم لم يبلغ لكن ما دون القلتين يجب على الإنسان أن يتحرز إذا وقعت في النجاسة لأن الغالب أن ما دونهما يتغير فليكن متحرزا وأما أن نقول بالنجاسة وإن لم يتغير فهذا ليس بصحيح وما قاله الشيخ هو الصحيح للأثر والنظر أما الأثر فلأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول "إن الماء طهور لا ينجسه شيء" فهو اللي يطهر الأشياء فإذا كان هو اللي يطهرها فلا تنجسه الأشياء ولكن يستثنى من ذلك ما تغيّر بالنجاسة فإنه نجس بالإجماع وعليه تدل إشارات الكتاب يعني القرآن وأحاديث في السنة وإن كانت ضعيفة فاهمين "الماء طهور لا ينجسه شيء" هذا كلام النبي عليه الصلاة والسلام وهو صحيح الحديث هذا صحيح لكن ظاهر الحديث الماء طهور لا ينجسه شيء أنه لا ينجس ولو تغير ولكنّ هذا الظاهر ليس مرادا بإجماع العلماء فإن العلماء أجمعوا على نجاسة الماء المتغير بالنجاسة يصير هذا العموم مخصوص بماذا بالإجماع ثم هناك إشارة من القرآن تدل على ذلك وكذلك من السنة أحاديث وإن كان فيها مقال قال الله تعالى { حرمت عليكم الميتة والدم ولحم خنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة } إلى آخره وقال { قل لا أجد فيما أوحي إلىّ محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دم مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس } فقوله فإنه رجس معللا للحكم دليل على أنه متى وجدت الرجسية ثبت الحكم ومتى انتفت انتفى الحكم فإذا كان هذا في المأكول فكذلك في الماء متى وجدت النجاسة يعني لنفرض أن الماء تنجس بدم مسفوح إذا أثر فيه الدم المسفوح صار نجسا وإذا لم يؤثر لم يكن كذلك أما الأحاديث ففيها أحاديث لكنها ضعيفة "إلا ما غلب على طعمه أو لونه أو ريحه" في هذا استثناء والحاصل أن ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله هو الصح للإجماع وللإشارة في القرآن وللأحاديث وإن كان فيها ضعف أما من حيث النظر فيقال إن الشرع حكيم يعلل الأحكام ولّا لا نعم الأحكام معللة منها ماهو معلوم العلة لنا ومنها ما هو مجهول وعلة النجاسة الخبث فمتى وجد الخبث في شيء فهو نجس ومتى لم يوجد فليس بنجس فالحكم يدور مع علته وجودا وعدما وعلى هذا نقول إن هذا القول الذي ذكره شيخ الإسلام رحمه الله دل عليه الأثر ودل عليه النظر يعني الدليل الأثري وإن شئت فقل الدليل السمعي والدليل العقلي فإنه لا يعارض ذلك لسببين السبب الأول أن كثيرا من أهل العلم ضعفه ومن ضعفه ابن القيم ضعفه في تهذيب السنن بنحو ستة عشرة علة وأما إذا قلنا بتحسينه أو تصحيحه فإننا نقول تعارض منطوق ومفهوم وإذا تعارض المنطوق والمفهوم قُدّم المنطوق كيف ذلك "إذا بلغ الماء قلتين لم ينجس" هذا إيش منطوق إذا بلغ قلتين لم ينجس ومعلوم أن هذا الحديث لم ينجس يعني ما لم يتغير بالإجماع منطوقه إنه "إذا بلغ قلتين لم ينجس" يعني إلا بالتغير وهذا ظاهر هل يوافق هذا المنطوق يوافق "أن الماء طهور لا ينجسه شيء" هذا المنطوق يوافق المنطوق ذاك ولّا لا يوافقه إذا توافق في المنطوق بقينا في المفهوم مفهوم قوله إذا بال لم ينجس أنه إذا لم يبلغ نجس هذا المفهوم نقول يقيده المنطوق السابق إن الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غلب على طعمه أو لونه أو ريحه .