تم نسخ النصتم نسخ العنوان
شرح قول المصنف : " ولا زكاة في حليهما المعد... - ابن عثيمينالشيخ : ثم قال " ولا زكاة في حليّهما المعدّ للإستعمال أو العارية " "لا زكاة في حليّهما"، حليّ من؟ الذّكر والأنثى ولكن لا بد من قيد وهو المُباح لأن المؤل...
العالم
طريقة البحث
شرح قول المصنف : " ولا زكاة في حليهما المعد للاستعمال أو العارية ".
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : ثم قال " ولا زكاة في حليّهما المعدّ للإستعمال أو العارية " "لا زكاة في حليّهما"، حليّ من؟ الذّكر والأنثى ولكن لا بد من قيد وهو المُباح لأن المؤلف قال في أخر الكلام أو كان مُحرّما ففيه الزّكاة، لا بد أن يكون في حليّهما المباح المعد للإستعمال أو العارية يعني شرطين تَسْقط زكاة الحلي بشرطين، الشّرط الأول أن يكون مباحا والشّرط الثاني أن يكون مُعَدّا للإستعمال أو العارية سواء استعمل وأعير أو لم يستعمل ولم يُعَر، المهم أنه معدّ للإستعمال أو العارية.
أما القيد الأول وهو المباح فلأن سقوط الزّكاة عن الحلي من باب الرّخصة ومستعمل المحرّم ليس أهلا لها أي للرخصة، مثاله لو اتّخذ الرجل خاتَمًا من ذهب لوجبت عليه الزّكاة في هذا الخاتم إذا بلغ النّصاب أو كان عنده ما يكمّل به النّصاب، لماذا؟ لأنه محرّم أو اتّخذت امرأة حليا على شكل ثعبان أو شكل فراشة أو ما أشبه ذلك فإن عليها فيه الزّكاة، ليش؟ لأنه محرّم ،إذ يحرم على الإنسان ما فيه صورة أو ما صُنِع على صورة حيوان، ما فيه صورة حيوان أو ما صنع على صورة حيوان.
الشرط الثاني يقول "المعد للإستعمال أو العارية" للإستعمال الشّخصي أو العارية من باب الإحسان إلى الغير، لأن العارية هي بذل العين لمن ينتفع بها ويرُدّها وهي إحسان محْض وقولنا إن العاريّة بذْل العين لمن ينتفع بها ويردها يخرج به الإجارة والرّهن وما أشبه ذلك ولهذا نقول إن المستعير لا يملك أن يُعير غيره والمستأجر يملك أن يؤجّر غيره بشروط معروفة عند العلماء، لماذا؟ لأن المستعير مالك للإنتفاع والمستأجر مالك للمنفعة فمالك المنفعة يتصرّف فيها ومالك الإنتفاع لا يتصرّف ينتفع وإلا يترك، طيب.
المعد للإستعمال أو العارية ليس فيها زكاة وفي هذا ثلاثة أدلة على سقوط الزّكاة في الحلي المعد للإستعمال أو العارية، دليل من السّنّة ودليل من الآثار عن الصّحابة ودليل من التّعليل، من العلة والحكمة فاجتمع فيه ثلاثة أوجه من الأدلة السّنّة وآثار الصّحابة والنّظر، طيب.
ما هي السّنّة؟ السّنّة أنه يُروى عن النبي صلى الله عليه وأله وسلم أنه قال " ليس في الحلي زكاة " هذا دليل نفي، ثانيا أما الآثار فيقول عندي ... وهو قول أنس وجابر وبن عمر وعائشة وأسماء، هذا كم؟ خمسة من الصّحابة مؤيّد قولهم بهذا المروِيّ مرفوعا، أما النّظر فلأن هذا الحلي معدّ للحاجة الخاصة، حاجة الإنسان الخاصّة وقد قال النّبي عليه الصّلاة والسّلام ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة وهذا مثل العبد والفرَس متّخذ للحاجة الخاصّة فلا زكاة فيه.
وكذلك الثياب لا زكاة فيها فيكون القياس أن لا تجِب الزّكاة في الحلي المعد للإستعمال أو العاريّة وهذا المذهب ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله ومالك والشّافعي على خلاف بينهم في بعض المسائل لكن في الجملة اتّفقوا على عدم وجوب الزّكاة في الحُلَيّ المعدّ للإستعمال أو العارية.
وعن الإمام أحمد رواية أخرى أن الزّكاة واجبة في الحلي وهو مذهب أبي حنيفة واستدل هؤلاء بحديث بل بعدّة أحاديث مرفوعة إلى النّبي صلى الله عليه وأله وسلّم منها ما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال ما من صاحب ذهب ولا فضّة لا يؤدّي منها حقّها إلا إذا كان يوم القيامة صُفّحت له صفائح من نار وأحمِيَ عليها في نار جهنّم فيُكْوى بها جنبه وجبينه وظهره كلّما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يُقضى بين العباد ثم يرى سبيله إما إلى الجنّة وإما إلى النار وهذا عام ما من صاحب ذهب ولا فضّة والمرأة التي عندها الحليّ سواء حلي فضّة أو ذهب، صاحب الذهب أو الفضة فهذا العموم يشمل الحلي وغير الحلي ومن قال إن الحلي خارج فعليه الدليل وقد ذُكِرت الأدلة ولكن سيجيب عنها أهل هذا القول.
واستدلوا أيضا بما رواه أهل السّنن عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أن امرأة أتت إلى رسول الله صلى الله عليه وأله وسلّم فقالت ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مَسَكتان غليظتان من ذهب فقال " أتؤدّين زكاة هذا؟ قالت: لا، قال أيسرّك أن يُسوّرك الله بهما سوارين من نار؟ فخلعتهما وألقتهما إلى النّبي صلى الله عليه وسلم وهذا الحديث له شاهد في الصّحيح وهو مما أشرنا إليه، مما ذكرناه أولا وله شاهد أيضا في غير الصّحيح من حديث عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما ولا شك أن هذه الأدلة أقوى من أدِلّة من قال بعدم الوجوب فإن قال قائل بماذا نُجِيب عن أدلة القائلين بعدم الوجوب؟ قلنا نُجِيب أما الحديث ليس في الحلي زكاة فإنه حديث ضعيف لا تقوم به حجّة فضلا عن أن يُعارض به عموم الحديث الصّحيح ثم إن المستدلّين به لا يقولون بموجَبه، لو أخذنا بموجبه لكان الحلِيّ لا زكاة فيه مطلقا وهم لا يقولون بذلك، يقولون إن الحلي المعد للإجارة أو للنفقة فيه الزّكاة وهذا معناه أننا أخذنا بالحديث من وجه وتركناه من وجه أخر، هذا لو صحّ الحديث وأما ما رُوِيَ عن الصّحابة الخمسة فهو لا يُقاوِم عمومات الأحاديث ولا سيما أن هناك دليلا خاصّا في الموضوع وهو حديث المرأة التي معها ابنها، هذا نص في الموضوع ولا عبرة بقول أحد مع قول رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم، وأما القياس فهو قِياس مع الفارق وقِياس متناقض أما كوْنه قياسا مع الفارق فلأن الأصل في الذّهب والفضّة إيش؟ الوجوب، وجوب الزّكاة ولا أصل في الفَرَس والعبد والثياب في وجوب الزّكاة وكيف نقيس هذا على هذا والأصل في الخَيْل عدم الزّكاة والأصل في العبيد عدم الزّكاة إذا لم يكونوا للتّجارة والأصل في الثّياب عدم الزّكاة فكيف نقيس ما أصْله الزّكاة على شيء الأصل فيه عدم الزّكاة ثم هو متناقض لو كان له عبْد قد أعدّه للأجرة فهل فيه الزّكاة؟ يقولون لا، لو كان له خيْل أعدّه للأجرة هل فيها زكاة؟ يقولون لا، طيب، لو كان عنده حُلِيّ أعدّه للأجرة؟

السائل : فيه الزّكاة.

الشيخ : فيه الزّكاة، إذًا تناقض، فلم يصح القياس، فلما تبيّن أن الحديث المرفوع فيه نظر وأن الآثار الموقوفة معارَضة بالنّصوص المرفوعة وأن القياس غير صحيح ومتناقض تبيّن انهدام أدلة القائلين بعدم الوجوب، بقِيَ علينا إشكالات في أدلّة القائلين بالوجوب أولا قالوا يرِد على قولكم ما من صاحب ذهب ولا فضة أنه للعموم يرِد على هذا أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال في الرّقّة إذا بلغت خمس أواق ربع العشر والرّقّة هي الفضّة المضروبة لقوله تعالى فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فالرّقة هي الدّراهم فيُحمل قول ما من صاحب ذهب ولا فضّة على الفضّة المضروبة والذّهب المضروب.
فالجواب عن ذلك من وجهين، الوجه الأول أننا لا نُسلّم أن المراد بالرّقة السّكّة المضروبة لأن بن حزم رحمه الله يقول الرقة اسم للفضّة مطلقا سواءٌ ضُرِبت أم لم تُضرب فإن قلنا إن بن حزم حُجّة في اللّغة فالأمر ظاهر وإن قلنا ليس بحُجّة قلنا إن الرّسول قال في الرّقة مائتي درهم ربع العشر وقال ليس فيما دون خمس أواق من الفضة صدقة فهذا دليل على أن المعتبر مجرّد الفضّة ثم نقول هب أن المراد بالورق الفضّة فذِكْر بعض أفراد العام بحُكْم يُوافق العام لا يُعتبر تخصيصا، أرأيت لو قلت أكرم الطّلبة ثم قلت أكرم محمّدا وهو منهم فهل هذا العام يكون مخصَّصا؟ لا، يُكرم الجميع ويكون لمحمّد مزيّة خاصّة في الإكرام.
أوردوا على هذا أن حديث المرأة وابنتِها لا يستقيم من وجهين، الوجه الأول أننا لا نعلم هل بلغ النّصاب أم لا، الوجه الثاني كيف يقول أيسُرّك أن يُسوّرك الله بهما سوارين من نار وهي لا تعلم جاهلة والجاهل لا يُهدّد، عرفتم الأن؟ فالجواب أجاب عن هذا أهل العلم القائلين بالوجوب قالوا أما عن الأول وهو أنه لم يبلغ النّصاب فقال سفيان الثوري تضُمّه إلى ما عندها ومعلوم أن الذّهب القليل إذا ضُمّ لكثير بلغ النّصاب، هذا قول، قوْل ثان فيه يعني جواب ثان قالوا نحن نوجب الزّكاة في الحلي سواء بلغ النّاصب أم لم يبلغ لظاهر هذا الحديث.
الجواب الثالث قالوا إن في بعض ألفاظ الحديث مَسَكتان غليظتان والمَسَكتان الغليظتان تبلغ النّصاب، فتحمل الروايات الأخرى على هذه الرّواية من أجل أن تُوافِق اشتراط النّصاب، الإشكال الثاني قال كيف يتوعّدها بالنّار وهي جاهلة فأجابوا عن ذلك بأن المقصود تثبيت الحُكْم بقطع النّظر عن المعيّن وهذا الجواب عميق جدّا جدّا يجب أن تنتبهوا له، المقصود إيش؟ إثبات الحكم بقطع النّظر عن الحكم على هذا المعيّن وهو أن من منع زكاة الحُلِيّ فإنه يُسوّر بهما يوم القيامة بسوارين.
الوجه الثاني قالوا أيسرّك أن يسوّرك الله بهما سوارين من نار إن لم تؤدّ زكاتها فيكون الحديث على تقدير شرْط معلوم من الشّريعة وهو أن الوعيد إنما هو على من؟ أه؟ على من لم يؤدّ الزّكاة أما من أدّى فلا وعيد عليه لكن الوجه الأول أنا قلت لكم إنه عميق مهم جدّا وهو أن المراد إثبات الحكم بقطع النظر أو بغضّ النّظر عن هذا المعيّن ومنه يعني من أمثلة هذه القاعدة المفيدة أن النّبي صلى الله عليه وسلم مرّ على رجلين في البقيع أحدهما يحجُمُ الأخر فقال النّبي صلى الله عليه وأله وسلّم أفطر الحاجم والمحجوم يقول ابن القيّم رحمه الله إنه أوْرد على شيخه شيخ الإسلام بن تيمية قال كيف نقول إن الجاهل لا يُفطر والرسول عليه الصّلاة والسّلام قال أفطر الحاجم والمحجوم فأجابه الشّيخ رحمه الله قال هذا المراد به إثبات الحُكْم بقطع النّظر عن هذين الشّخصين المعيّنين فإذا ثبت الحكم نظرنا عاد في الشّخص المعيّن وطبّقنا عليه شروط لزوم مقتضى هذا الحكم.
وهذه في الحقيقة قاعدة لطالب العلم لأن الشّرع ليس شرْعا لزيد وعمرو بل للأمة جميعا وهذه المسألة نرْجع إلى مسألة الحليّ وزكاته، هذه المسألة اختلف فيها الناس كثيرا وظهَر الخلاف في الآونة الأخيرة حيث كان الناس في نجْد وأظن حتى في الحجاز لا يعرفون إلا المشهور من مذهب الإمام أحمد وهو عدم وجوب الزّكاة والناس سائرون على هذا ثم لما ظهَر القول بوجوب الزكاة في الحُلِيّ على يد شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله ووفّقه وأعانه صار طلبة العلم يبحثون في هذه المسألة وينظرون فيها بجِد وكثر القائلون بها وشاعت والتزم ولله الحمد الناس بهذا القول إلا من كان عنده شيء من التّقليد أو من قرأ بعض الرسائل التي ألِّفت أخيرا في تأييد القول بعدم الوجوب ولكن من تدبّر هذه الرّسائل وجَد أنه ليس فيها ما يدُل على نفي الوجوب وسنقرأ إن شاء الله في الدّرس القادم الرسالة الصغيرة التي ألّفناها في وجوب زكاة الحلي من أجل مناقشتها والإنسان إن شاء الله مُراده الحقّ وربما نقول إننا نُحِب أن نخفّف عن الناس يعني لو خُيّرنا بين قولينـ قول يَثقل على الناس وقول يَخف عليهم لاخترنا ما يخُفّ عليهم إلا إذا خالف الدليل، نعم؟

Webiste