شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن حذيفة وأبي هريرة رضي الله عنه قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يجمع الله تبارك وتعالى الناس فيقوم المؤمنون حتى تزلف لهم الجنة فيأتون آدم صلوات الله عليه فيقولون يا أبانا استفتح لنا الجنة فيقول وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم لست بصاحب ذلك اذهبوا إلي ابنى إبراهيم خليل الله قال فيأتون إبراهيم فبقول إبراهيم لست بصاحب ذلك إنما كنت خليلا من وراء وراء اعمدوا إلى موسى الذي كلمه الله تكليما فيأتون موسى فيقول إبراهيم لست بصاحب ذلك اذهبوا إلى عيسى كلمة الله وروحه فيقول عيسى لست بصاحب ذلك فيأتون محمد صلى الله عليه وسلم فيقوم فيؤذن له وترسل الأمانة والرحم فيقومان جنبتى الصراط يمينا وشمالا فيمر أولكم كالبرق قلت بأبي وأمي أي شيء كمر البرق قال ألم تروا كيف يمر ويرجع في طرفة عين ثم كمر الريح ثم كمر الطير وأشد الرجال تجري بهم أعمالهم ونبيكم قائم على الصراط يقول رب سلم سلم حتى تعجز أعمال العباد حتى يجئ الرجل لا يستطيع السير إلا زحفا وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة بأخذ من أمرت به فمخدوش ناج ومكردس في النار ) والذي نفس أبي هريرة بيده إن قعر جهنم لسبعون خريفا رواه مسلم ... " .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم .
قال المؤلف رحمه الله فيما نقله عن حذيفة وأبي هريرة رضي الله عنهما في حديث الشفاعة وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم وعده ربه جل وعلا أن يبعثه مقامًا محمودًا فقال جل وعلا: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً وإذا جاءت عسى من الله فهي واجبة بخلاف عسى من الخلق فإنها للترجي، فإذا قلت: عسى الله أن يهديني، عسى الله أن يغفر لي، عسى الله أن يرحمني فهذا رجاء، أما إذا قال الله: عسى فهذا وعد، ولهذا قالوا: " عسى من الله واجبة " مثل قوله تعالى: فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِه وما أشبه ذلك، فالله عز وجل وعد نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبعثه مقامًا محمودًا أي مقامًا يحمده فيه الأولون والآخرون، وذلك من عدة أوجه منها: حديث الشفاعة، فإن الناس يبعثون يوم القيامة حفاة عراة غرلًا، حفاة ليس عليهم نعال، وعراة ليس عليهم ثياب، وغرلًا ليس فيهم ختان، يعني أن الجلدة التي تقطع في الختان يعني في الطهار هذه تعود يوم القيامة، كما قال تعالى: كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ فيجتمع الخلائق والشمس فوقهم قدر مِيل، والأمر أهوال عظيمة يشاهدون الجبال تمر مر السحاب تكون هباء منثورًا، فيلحقهم من الهمِّ والغمِّ ما لا يطيقون، فيقول بعضهم لبعض: ألا تطلبون من يشفع لنا عند الله؟ فيذهبون إلى آدم ويطلبونه للشفاعة فيذكر خطيئته التي وقعت منه، والخطيئة التي وقعت منه هي أن الله سبحانه وتعالى قال لهما حين أسكنهما الجنة: كُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا يخاطبه ويخاطب زوجته حواء وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ شجرة عينها الله عز وجل وليس لنا في معرفة نوعها كبير فائدة، ولهذا نحن لا نعرف هذه الشجرة هل هي زيتونة؟ هل هي حنطة؟ هل هي عنب؟ هل هي نخل؟ الله أعلم نبهمها كما أبهمها الله عز وجل، ولو كان لنا في تعيينها فائدة لعينها الله عز وجل، قال: كلا من هذه الشجرة كُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ فأتاهما الشيطان فوسوس لهما ودلاهما بغرور وقاسمهما إني لكما من الناصحين، وهكذا يفعل في بنيهم في بنيهما بني آدم يغرهم ويغريهم ويوسوس لهم ويقسم لهم أنه ناصح وهو كذوب، فيذكر خطيئته أنه أكل هو وزوجته من هذه الشجرة فأمرهما الله عز وجل أن يهبط من الجنة إلى الأرض فهبطا إلى الأرض، وكانت منهما هذه الذرية التي منها الأنبياء والرسل والشهداء والصالحون ثم يعتذر بهذا العذر، وفي هذا الحديث أعني في حديث الشفاعة أن آدم يعتذر بأكله من الشجرة دليل على أن القصة التي رويت عن ابن عباس أن حواء حملت فجاءهما الشيطان فقال: سميا الولد عبد الحارث فأبى أو لنجعل له قرني أيل فيخرج من بطنك فيشقه فأبيا أن يطيعاه، وجاءهم في المرة الثانية فأبيا أن يطيعاه، وفي المرة الثالثة أدركهما حب الولد فسمياه عبد الحارث وجُعل ذلك تفسيرًا لقوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ فإن هذه القصة قصة مكذوبة ليست بصحيحة، وحتى لو صحت عن ابن عباس رضي الله عنها فإن ابن عباس ممن عرف بالأخذ عن بني إسرائيل، فيكون هذا مما أخذه عن بني إسرائيل عن الإسرائيليات، لكننا نعلم بحديث الشفاعة وعصمة الأنبياء من الشرك أنها لا تصح إلى آدم، لأن هذا لو وقع من آدم لكان أعظم من معصية بأكل من شجرة، لأنه شرك والشرك أعظم من الذنوب، المهم أن آدم يعتذر فيأتون إلى نوح وهو أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض ويتوسلون له بهذه المنقبة ويقولون له -يعني الناس-: أنت أول رسول الله بعثه الله إلى أهل الأرض فيعتذر، يعتذر بأنه سأل ما ليس له به علم، وذلك حين قال: رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ وكان له ولد كافر به، ولد رسول كفر بالرسول والعياذ بالله، لأن النسب لا ينفع الإنسان ابن العالم لا يأتي عالمًا قد يكون جاهلًا، ابن العابد لا يأتي عابدًا قد يكون فاسقًا فاجرًا، ابن الرسول لا يكون مؤمنًا، بل إن ابن نوح أحد أبنائه كان كافرًا وكان أبوه يقول: يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ قال سَآوي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ غرق الولد مع الكافرين والعياذ بالله، وكان نوح قد قال: رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ فيعتذر نوح بأنه سأل ما ليس له به علم، والشافع لا بد ألا يكون بينه وبين المشفوع إليه جفوة، لأن الشافع إذا كان بينه وبين المشفوع إليه جفوة فكيف يكون شافعًا؟ الشافع لا بد أن يكون بينه وبين المشفوع إليه صلة قوية لا يخدشها شيء، مع أن نوحًا عليه الصلاة والسلام غفر الله له، وآدم غفر الله له اجتباه ربه فتاب عليه وهدى، ولكن لكمال مرتبتهم وعلو مقامهم جعلوا هذا الذنب الذي غفر لهم جعلوه مانعًا من الشفاعة، كل هذا تعظيمًا لله عز وجل وحياء منه وخجلًا منه، ويأتي إن شاء الله بقية الكلام على الحديث.
القارئ : " فمخدوش ناج ومكردس في النار، والذي نفس أبي هريرة بيده إن قعر جهنم لسبعون خريفًا رواه مسلم ".
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم .
قال المؤلف رحمه الله في بقية ما نقله من حديث حذيفة وأبي هريرة رضي الله عنهما في الشفاعة، وقد سبق لنا أن الناس يأتون إلى آدم ثم إلى نوح ثم يأتون إلى إبراهيم خليل الله عز وجل فيعتذر ويقول: إنه كذب في ذات الله ثلاث كذبات وهذه الكذبات التي كذبها ليست كذبًا في الواقع، لأنه عليه الصلاة والسلام قد تأول فيها، والمتأول ليس بكاذب لكن لشدة تعظيمه لله عز وجل رأى أن هذا مانع من الشفاعة من أن يتقدم للشفاعة لأحد، ثم يأتون موسى ويكلمونه ويقولون: إن الله كلمك وكتب لك التوراة بيده، فيعتذر بأنه قتل نفسًا لم يؤمر بقتلها، وذلك أن موسى عليه الصلاة والسلام كان من أشد الرجال وأقواهم فمر ذات يوم برجلين يقتتلان هذا من شيعته -يعني: من بني إسرائيل- وهذا من عدوه -يعني: من آل فرعون- من القبط، فاستغاثه الذي من شيعته على الذي عدوه، يعني: طلب منه أن يغيثه وأن يعينه على هذا الرجل، فوكزه موسى أي: وكز الذي من عدوه فقضى عليه هلك مات بوكزة واحدة، لأنه كان قويًّا شديدًا عليه الصلاة والسلام، قال: هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ وفي الصباح وجد صاحبه بالأمس يتنازع مع شخص آخر فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ يعني: بالأمس كنت تنازع، واليوم تنازع، فهمَّ موسى أن يبطش بالذي هو عدو لهما، فقال له الإسرائيلي: أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ وكان الناس يتحسسون من الذي قتل الرجل بالأمس؟ ففطن لذلك الفرعوني فأخبر الناس، فهذا موسى يعتذر بأنه قتل نفسًا لم يؤمر بقتلها، ثم يذهبون إلى عيسى ويقولون له: أنت كلمة الله وروحه، كلمته يعني إنك خلقت بكلمة الله، وروحه يعني أنك روح من أرواح الله عز وجل التي خلقها، فيعتذر ولكنه لا يذكر ذنبًا أو لا يذكر شيئًا يعتذر به، ولكنه يحيلهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: اذهبوا إلى محمد عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتون إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيشفع فيؤذن له فيشفع يشفع في الناس حتى يقضى بينهم وفي هذا الحديث الذي ذكره المؤلف رحمه الله أن الأمانة والرحم تقفان على جنبتي الصراط، والصراط جسر ممدود على جهنم، واختلف العلماء في هذا الجسر هل هو جسر واسع أو أنه جسر ضيق؟ ففي بعض الروايات: أنه أدق من الشعر وأحد من السيف ولكن الناس يعبرون عليه والله على كل شيء قدير، وفي بعض الروايات ما يدل على أنه طريق دحض ومزلة وعليه كلاليب تخطف الناس بأعمالهم، فمن الناس من يخطف ويلقى في النار، ومنهم من يمر سريعًا كلمح البرق، ومنهم من يمر كركاب الإبل أو كالريح على حسب درجاتهم وأعمالهم، تجري بهم أعمالهم كل من كان في هذه الدنيا أسرع إلى التزام صراط الله عز وجل واتباع شريعته كان في هذا الصراط أسرع، ومن كان متباطئًا عن الشرع في الدنيا كان سيره هناك بطيئًا، ودعاء الرسل يومئذ اللهم سلم اللهم سلم كل أحد يخاف، لأن الأمر ليس بالهين، الأمر شديد الأمر هائل، فالناس في أشد ما يكونون حتى يعبر المسلمون من هذا الصراط إلى الجنة، ومن الناس من يكردس في نار جهنم ويعذب على حسب عمله، أما الكفار الخلص فإنهم لا يصعدون على الصراط ولا يحومون حوله، لأنهم يذهب بهم والعياذ بالله يساقون إلى النار في عرصات القيامة قبل أن يصعدوا على هذا الصراط، يذهب بهم يحشرون يساقون إلى جهنم وردا والعياذ بالله، ولا يصعدون الصراط إنما يصعده المؤمنون، لكن من كانت له ذنوب لم تغفر فإنه قد يقع في نار جهنم ويعذب بحسب أعماله، والله أعلم.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المؤلف رحمه الله فيما نقله عن حذيفة وأبي هريرة رضي الله عنهما في حديث الشفاعة وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم وعده ربه جل وعلا أن يبعثه مقامًا محمودًا فقال جل وعلا: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً وإذا جاءت عسى من الله فهي واجبة بخلاف عسى من الخلق فإنها للترجي، فإذا قلت: عسى الله أن يهديني، عسى الله أن يغفر لي، عسى الله أن يرحمني فهذا رجاء، أما إذا قال الله: عسى فهذا وعد، ولهذا قالوا: " عسى من الله واجبة " مثل قوله تعالى: فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِه وما أشبه ذلك، فالله عز وجل وعد نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبعثه مقامًا محمودًا أي مقامًا يحمده فيه الأولون والآخرون، وذلك من عدة أوجه منها: حديث الشفاعة، فإن الناس يبعثون يوم القيامة حفاة عراة غرلًا، حفاة ليس عليهم نعال، وعراة ليس عليهم ثياب، وغرلًا ليس فيهم ختان، يعني أن الجلدة التي تقطع في الختان يعني في الطهار هذه تعود يوم القيامة، كما قال تعالى: كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ فيجتمع الخلائق والشمس فوقهم قدر مِيل، والأمر أهوال عظيمة يشاهدون الجبال تمر مر السحاب تكون هباء منثورًا، فيلحقهم من الهمِّ والغمِّ ما لا يطيقون، فيقول بعضهم لبعض: ألا تطلبون من يشفع لنا عند الله؟ فيذهبون إلى آدم ويطلبونه للشفاعة فيذكر خطيئته التي وقعت منه، والخطيئة التي وقعت منه هي أن الله سبحانه وتعالى قال لهما حين أسكنهما الجنة: كُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا يخاطبه ويخاطب زوجته حواء وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ شجرة عينها الله عز وجل وليس لنا في معرفة نوعها كبير فائدة، ولهذا نحن لا نعرف هذه الشجرة هل هي زيتونة؟ هل هي حنطة؟ هل هي عنب؟ هل هي نخل؟ الله أعلم نبهمها كما أبهمها الله عز وجل، ولو كان لنا في تعيينها فائدة لعينها الله عز وجل، قال: كلا من هذه الشجرة كُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ فأتاهما الشيطان فوسوس لهما ودلاهما بغرور وقاسمهما إني لكما من الناصحين، وهكذا يفعل في بنيهم في بنيهما بني آدم يغرهم ويغريهم ويوسوس لهم ويقسم لهم أنه ناصح وهو كذوب، فيذكر خطيئته أنه أكل هو وزوجته من هذه الشجرة فأمرهما الله عز وجل أن يهبط من الجنة إلى الأرض فهبطا إلى الأرض، وكانت منهما هذه الذرية التي منها الأنبياء والرسل والشهداء والصالحون ثم يعتذر بهذا العذر، وفي هذا الحديث أعني في حديث الشفاعة أن آدم يعتذر بأكله من الشجرة دليل على أن القصة التي رويت عن ابن عباس أن حواء حملت فجاءهما الشيطان فقال: سميا الولد عبد الحارث فأبى أو لنجعل له قرني أيل فيخرج من بطنك فيشقه فأبيا أن يطيعاه، وجاءهم في المرة الثانية فأبيا أن يطيعاه، وفي المرة الثالثة أدركهما حب الولد فسمياه عبد الحارث وجُعل ذلك تفسيرًا لقوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ فإن هذه القصة قصة مكذوبة ليست بصحيحة، وحتى لو صحت عن ابن عباس رضي الله عنها فإن ابن عباس ممن عرف بالأخذ عن بني إسرائيل، فيكون هذا مما أخذه عن بني إسرائيل عن الإسرائيليات، لكننا نعلم بحديث الشفاعة وعصمة الأنبياء من الشرك أنها لا تصح إلى آدم، لأن هذا لو وقع من آدم لكان أعظم من معصية بأكل من شجرة، لأنه شرك والشرك أعظم من الذنوب، المهم أن آدم يعتذر فيأتون إلى نوح وهو أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض ويتوسلون له بهذه المنقبة ويقولون له -يعني الناس-: أنت أول رسول الله بعثه الله إلى أهل الأرض فيعتذر، يعتذر بأنه سأل ما ليس له به علم، وذلك حين قال: رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ وكان له ولد كافر به، ولد رسول كفر بالرسول والعياذ بالله، لأن النسب لا ينفع الإنسان ابن العالم لا يأتي عالمًا قد يكون جاهلًا، ابن العابد لا يأتي عابدًا قد يكون فاسقًا فاجرًا، ابن الرسول لا يكون مؤمنًا، بل إن ابن نوح أحد أبنائه كان كافرًا وكان أبوه يقول: يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ قال سَآوي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ غرق الولد مع الكافرين والعياذ بالله، وكان نوح قد قال: رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ فيعتذر نوح بأنه سأل ما ليس له به علم، والشافع لا بد ألا يكون بينه وبين المشفوع إليه جفوة، لأن الشافع إذا كان بينه وبين المشفوع إليه جفوة فكيف يكون شافعًا؟ الشافع لا بد أن يكون بينه وبين المشفوع إليه صلة قوية لا يخدشها شيء، مع أن نوحًا عليه الصلاة والسلام غفر الله له، وآدم غفر الله له اجتباه ربه فتاب عليه وهدى، ولكن لكمال مرتبتهم وعلو مقامهم جعلوا هذا الذنب الذي غفر لهم جعلوه مانعًا من الشفاعة، كل هذا تعظيمًا لله عز وجل وحياء منه وخجلًا منه، ويأتي إن شاء الله بقية الكلام على الحديث.
القارئ : " فمخدوش ناج ومكردس في النار، والذي نفس أبي هريرة بيده إن قعر جهنم لسبعون خريفًا رواه مسلم ".
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم .
قال المؤلف رحمه الله في بقية ما نقله من حديث حذيفة وأبي هريرة رضي الله عنهما في الشفاعة، وقد سبق لنا أن الناس يأتون إلى آدم ثم إلى نوح ثم يأتون إلى إبراهيم خليل الله عز وجل فيعتذر ويقول: إنه كذب في ذات الله ثلاث كذبات وهذه الكذبات التي كذبها ليست كذبًا في الواقع، لأنه عليه الصلاة والسلام قد تأول فيها، والمتأول ليس بكاذب لكن لشدة تعظيمه لله عز وجل رأى أن هذا مانع من الشفاعة من أن يتقدم للشفاعة لأحد، ثم يأتون موسى ويكلمونه ويقولون: إن الله كلمك وكتب لك التوراة بيده، فيعتذر بأنه قتل نفسًا لم يؤمر بقتلها، وذلك أن موسى عليه الصلاة والسلام كان من أشد الرجال وأقواهم فمر ذات يوم برجلين يقتتلان هذا من شيعته -يعني: من بني إسرائيل- وهذا من عدوه -يعني: من آل فرعون- من القبط، فاستغاثه الذي من شيعته على الذي عدوه، يعني: طلب منه أن يغيثه وأن يعينه على هذا الرجل، فوكزه موسى أي: وكز الذي من عدوه فقضى عليه هلك مات بوكزة واحدة، لأنه كان قويًّا شديدًا عليه الصلاة والسلام، قال: هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ وفي الصباح وجد صاحبه بالأمس يتنازع مع شخص آخر فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ يعني: بالأمس كنت تنازع، واليوم تنازع، فهمَّ موسى أن يبطش بالذي هو عدو لهما، فقال له الإسرائيلي: أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ وكان الناس يتحسسون من الذي قتل الرجل بالأمس؟ ففطن لذلك الفرعوني فأخبر الناس، فهذا موسى يعتذر بأنه قتل نفسًا لم يؤمر بقتلها، ثم يذهبون إلى عيسى ويقولون له: أنت كلمة الله وروحه، كلمته يعني إنك خلقت بكلمة الله، وروحه يعني أنك روح من أرواح الله عز وجل التي خلقها، فيعتذر ولكنه لا يذكر ذنبًا أو لا يذكر شيئًا يعتذر به، ولكنه يحيلهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: اذهبوا إلى محمد عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتون إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيشفع فيؤذن له فيشفع يشفع في الناس حتى يقضى بينهم وفي هذا الحديث الذي ذكره المؤلف رحمه الله أن الأمانة والرحم تقفان على جنبتي الصراط، والصراط جسر ممدود على جهنم، واختلف العلماء في هذا الجسر هل هو جسر واسع أو أنه جسر ضيق؟ ففي بعض الروايات: أنه أدق من الشعر وأحد من السيف ولكن الناس يعبرون عليه والله على كل شيء قدير، وفي بعض الروايات ما يدل على أنه طريق دحض ومزلة وعليه كلاليب تخطف الناس بأعمالهم، فمن الناس من يخطف ويلقى في النار، ومنهم من يمر سريعًا كلمح البرق، ومنهم من يمر كركاب الإبل أو كالريح على حسب درجاتهم وأعمالهم، تجري بهم أعمالهم كل من كان في هذه الدنيا أسرع إلى التزام صراط الله عز وجل واتباع شريعته كان في هذا الصراط أسرع، ومن كان متباطئًا عن الشرع في الدنيا كان سيره هناك بطيئًا، ودعاء الرسل يومئذ اللهم سلم اللهم سلم كل أحد يخاف، لأن الأمر ليس بالهين، الأمر شديد الأمر هائل، فالناس في أشد ما يكونون حتى يعبر المسلمون من هذا الصراط إلى الجنة، ومن الناس من يكردس في نار جهنم ويعذب على حسب عمله، أما الكفار الخلص فإنهم لا يصعدون على الصراط ولا يحومون حوله، لأنهم يذهب بهم والعياذ بالله يساقون إلى النار في عرصات القيامة قبل أن يصعدوا على هذا الصراط، يذهب بهم يحشرون يساقون إلى جهنم وردا والعياذ بالله، ولا يصعدون الصراط إنما يصعده المؤمنون، لكن من كانت له ذنوب لم تغفر فإنه قد يقع في نار جهنم ويعذب بحسب أعماله، والله أعلم.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الفتاوى المشابهة
- تتمة شرح قول المصنف : بعد أن يتراجع الأنبياء... - ابن عثيمين
- الكلام على الصراط وأن أول من يمر عليه هو الن... - ابن عثيمين
- شرح حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا... - ابن عثيمين
- شرح قول المصنف : والصراط منصوب على متن جهنم... - ابن عثيمين
- تتمة شرح حديث : فيقول نوح : ( ... اذهبوا إلى... - ابن عثيمين
- تتمة شرح الحديث : حدثني معاذ بن فضالة حدثنا... - ابن عثيمين
- قال المصنف رحمه الله تعالى : ونؤمن بالصراط ا... - ابن عثيمين
- قال المصنف رحمه الله تعالى : ونؤمن بالشفاعة... - ابن عثيمين
- حدثني معاذ بن فضالة حدثنا هشام عن قتادة عن أ... - ابن عثيمين
- قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما... - ابن عثيمين
- شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما ن... - ابن عثيمين