تم نسخ النصتم نسخ العنوان
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما ن... - ابن عثيمينالشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :سبق لنا عدة آيات في بيان تعظيم حرمات المسلمين والرفق بهم والإحسان إليهم ، ومن جملة الآيات التي فيها بيان تعظيم حرمة المس...
العالم
طريقة البحث
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وقال تعالى: (( من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا )) ... " .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
سبق لنا عدة آيات في بيان تعظيم حرمات المسلمين والرفق بهم والإحسان إليهم ، ومن جملة الآيات التي فيها بيان تعظيم حرمة المسلم قوله تعالى : مَن قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً : بيَن الله في هذه الآية أن مَن قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ، لأن حرمة المسلمين واحدة ، ومن انتهك حرمة شخص من المسلمين فكأنما انتهك حرمة جميع المسلمين ، كما أن مَن كذب رسولاً واحداً من الرسل فكأنما كذب جميع الرسل ، ولهذا اقرأ قوله تعالى : كذبت قوم نوح إيش؟ المرسلين ، مع أنهم لم يكذبوا إلا واحدا ، لم يبعث رسول قبل نوح ، وما بعد نوح ما أدركه قومه ، لكن من كذب رسولاً فكأنما كذب جميع الرسل ، ومن قتل نفساً محرمة فكأنما قتل الناس جميعاً ، لأن حرمة المسلمين واحدة ، ومن أحياها أي : سعى في إحيائها وإنقاذها من الهلكة ، فكأنما أحيا الناس جميعاً : وإحياؤها وإنقاذها من الهلكة تارة يكون من هلكة لا قِبَل للإنسان بها من الله ، مثل أن يشب حريق في بيت رجل فتحاول إنقاذه فتنقذه ، هذا إحياء للنفس .
وأما القسم الثاني : فهو ما للإنسان به قِبَل مثل أن يحاول رجل العدوان على شخص ليقتله فتحول بينه وبينه وتحميه من القتل ، فأنت الآن أحييت نفساً فكأنما أحيا الناس جميعاً ، لأن إحياء شخص مسلم كإحياء جميع الناس
وقوله عز وجل: بغير نفس : يُستفاد منه أن مَن قتل نفساً بنفس فهو معذور ولا حرج عليه ، قال الله تعالى : وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ، فإذا قتل شخصٌ نفساً بحق أي : بنفس أخرى فلا لوم عليه ولا إثم عليه ويرث مِن المقتول ، يرث القاتل من المقتول إذا قتله بحق ، ولا يرث القاتل من المقتول إذا قتله بغير حق ، ولنضرب لهذا مثلاً بثلاثة أخوة ، قتل الكبير منهم الصغير عمداً ، فمن الذي يرث الصغير ؟ يرثه أخوه الأوسط ، وأخوه الكبير لا يرث منه ، لماذا ؟ لأنه قتله بغير حق ، ثم طالب الأوسط بدم أخيه الصغير ، فقتل أخاه الكبير قصاصاً ، هل يرث منه الأوسط ؟ يرث من أخيه الكبير ؟ يرث ، ليش وهو قاتله ؟ لأنه قتله بحق ، والأول الكبير الذي قتل الصغير لا يرث لأنه قتل بغير حق .
فالقتل بحق لا لوم فيه وليس له أثر ، قصاص ، ولكم في القصاص حياة يا ألي الألباب لعكم تتقون .
وقوله عز وجل : أو فسادٍ في الأرض : الفساد في الأرض ليس معناه أن يسلط الإنسان التراكتر فيهدم البيت ، ولو عدواناً هذا ليس فساداً وإن كان فساداً لكن لا يحل به دم المسلم ، الفساد في الأرض : بنشر الأفكار السيئة ، أو العقائد الخبيثة ، أو قطع الطريق ، أو ترويج المخدرات ، أو ما أشبه ذلك هذا فساد في الأرض ، فمن أفسد في الأرض على هذا الوجه فدمه هدر حلال يُقتل لأنه ساعٍ في الأرض بالفساد ، بل إن الله قال في سورة المائدة ، في نفس السورة قال : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتَّلوا أو يصلَّبوا أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض : على حسب جريمتهم ، إن كانت كبيرة فبالقتل ، إن كانت دونها فبالصلب ، إن كانت دونها فأن تقطع أديهم وأرجلهم من خلاف ، تقطع اليد واليمنى والرجل اليسرى ، إن كان دون ذلك فأن ينفوا من الأرض : إما بالحبس مدى الحياة كما قاله بعض أهل العلم ، وإما بالطرد عن المدن كما قاله آخرون ، لكن إذا كان لا يندفع شرهم بطردهم من المدن حبسوا ، حبسوا إلى الموت .
فالحاصل أن مَن قتل نفساً للإفساد في الأرض فلا لوم عليه ، بل إن قتل النفس للإفساد في الأرض واجب ، وقتل النفس بالنفس مباح إلا على رأي الإمام مالك رحمه الله وشيخ الإسلام ابن تيمية فإن قتل الغيلة واجب ، واجب به القصاص ، يعني من قتل شخصاً غيلة ، يعني تغافله حتى قتله ، فإنه يقتل ولو سمح أولياء المقتول ، لأن الغيلة شر وفساد لا يمكن التخلص منها ، مثلاً يجي إنسان لشخص في منامه فيقتله هذا يقتل على كل حال حتى لو قال أولياء المقتول : عفونا ولا نبي شيء ، يُقتل هذا رأي الإمام مالك وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو حق ، هذا القول هو الحق : أنه إذا قتل غيلة فلابد من قتله ولا خيار لأولياء المقتول في ذلك .
فالحاص أن الله بين في هذه الآية أن قتل نفس واحدة بغير نفس أو فسادٍ في الأرض كقتل جميع الناس ، وإحياء نفس واحدة كإحياء جميع الناس ، وهذا يدل على عِظم القتل ، ولو أن إنساناً أحصى كم قُتل من بني آدم بغير حق يقدر ؟ نعم ؟
الطالب : لا يقدر .

الشيخ : ما يقدر ، كل نفسٍ تقتل فعلى ابن آدم الأول الذي قتل آخاه عليه كفل منها ، عليه إثم ، ابن آدم الذي قتل آخاه قتله حسداً ، قربا قرباناً اثنين من بني آدم ، أول ما جاء آدم من الأبناء ، يعني أول بطن ، قربا قرباناً قربة إلى الله فتقبل الله من واحد ولم يتقبل من الآخر ، فقال الثاني الذي لم يتقبل الله منه لأخيه : لأقتلنك ، ليش إن الله يتقبل منك ولا يتقبل مني ؟ حسد ولا بحق ؟ حسد ، القبول عند الله ، فقال له أخوه : إنما يتقبل الله من المتقين ، يعني : إتق الله يتقبل الله منك ، لكن الذي يتوعد أخاه بالقتل هل هو متق الله ؟ لا ، في النهاية قتله والعياذ بالله ، طوَّعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين خسر والعياذ بالله ، ويقال : إنه بقي يحمل أخاه الذي قتله أربعين يوماً على ظهره ما يدري ويش يسويه به ، لأن القبور ما شُرعت ذاك الوقت ، فأرسل الله غراباً ، بعث الله غراباً يبحث في الأرض يعني بأظفاره ، ليريه كيف يواري سوءة أخيه ، وقيل : إن غرابين اقتتلا فقتل أحدهما الآخر فحفر أحدهما للثاني فدفنه ، فاقتدى به هذا القاتل ودفن أخاه ، وهذا من العجائب أن يكون الذي علمنا الدفن مَن ؟
الطالب : الغربان .

الشيخ : الغربان ، الغربان هي التي علمتنا الدفن ، على كل حال أقول : إن هذا الرجل الذي قتل أخاه كل نفس تقتل بغير حق فعليه من إثمها ، على القاتل الأول والعياذ بالله ، وهكذا أيضاً من سنَّ القتل بعد أمن الناس وصار يغتال الناس وما أشبه ذلك ، وتجرأ الناس على هذا من أجل فعله فإن عليه من إثمهم نصيباً ، لأنه هو الذي كان سبباً في انتهاك هذا ، فمثلاً الذين كانوا فيما سبق يختطفون الطائرات ، مرَّ علينا سنوات يكثر اختطاف الطائرات ، يُخطتف السنة مرتين أو ثلاثة ، لكن الحمد لله الآن خفت ، أول من اختطف الطائرات كل إثم حصل في اختطاف الطائرات يكون عليه منه نصيب ، لأنه هو الذي سن ذلك : ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من دعاة الخير وفاعليه إنه جواد كريم .

Webiste