والواجب أن تبدأ بالواجب، الواجب الذي هو محتم عليك يجب أن تبدأ به، ثم بعد ذلك بما أردت من التطوع بشرط ألا تكون مُسرفاً ولا مُقتِّراً، فتخرج عن سبيل الاعتدال، لقول الله تعالى في وصف عباد الرحمن : { وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً } : يعني لا إقتار ولا إسراف، بل قَوام، ولم يقل بين ذلك فقط، بل بين ذلك قواماً، قد يكون الأفضل أن تزيد أو أن تنقص أو بين ذلك بالوسط.
على كل حال هذه الأحاديث كلها تدل على أنه يجب على الإنسان أن ينفق على مَن عليه نفقته، وأن إنفاقه على مَن عليه نفقته أفضل من الإنفاق على الغير.
وفي هذه الأحاديث أيضاً التهديد والوعيد على من ضيع عمن يملك قوتَه، وهو شامل للإنسان وغير الإنسان، فالإنسان يملك الأرقاء مثلاً، ويملك المواشي من إبل أو بقر أو غنم ، فهو آثم إذا ضيع من يلزمه قوته من آدميين أو غير آدميين، "كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمن يملك قوته"، واللفظ الثاني في غير مسلم : "كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت" : وفي هذا دليل على وجوب رعاية مَن ألزمك الله بالإنفاق عليه وأنه لا يحل لك التقصير في شيء، والله الموفق.