هذه الأحاديث التي ذكرها المؤلف في باب النفقة على الأهل، كلها تدل على فضيلة الإنفاق على الأهل، وأنه أفضل من الإنفاق في سبيل الله، وأفضل من الإنفاق في الرقاب، وأفضل من الإنفاق على المساكين، وذلك لأن الأهل ممن ألزمك الله بهم، وأوجب عليك نفقتهم، فالإنفاق عليهم فرضُ عين، والإنفاق على من سواهم فرض كفاية، وفرض العين أفضل من فرض الكفاية.
وقد يكون الإنفاق على من سواهم على وجه التطوع، والفرض أفضل من التطوع، لقول الله تعالى في الحديث القدسي : "ما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه" .
لكن الشيطان يرغب الإنسان في التطوع ويقلل رغبته في الواجب، فتجده مثلاً يحرص على الصدقة ويدع الواجب، يتصدق على مسكين أو ما أشبه ذلك ويدع الواجب لأهله، يتصدق على مسكين أو نحوه ويدع الواجب لنفسه كقضاء الدين مثلاً، تجده مَديناً يطالبه صاحب الدين بدينه وهو لا يوفي، ويذهب يتصدق على المساكين، وربما يذهب للعمرة أو لحج التطوع وما أشبه ذلك ويدع الواجب، وهذا خلاف الشرع، وخلاف الحكمة، فهو سفه في العقل، وضلالٌ في الشرع.
والواجب على أن تبدأ بالواجب، الواجب الذي هو محتم عليك، يجب أن تبدأ به، ثم بعد ذلك بما أردت من التطوع، بشرط ألا تكون مُسرفاً ولا مُقتِّراً، فتخرج عن سبيل الاعتدال، لقول الله تعالى في وصف عباد الرحمن : { وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً } : يعني لا إقتار ولا إسراف، بل قَوَاماً، ولم يقل بين ذلك فقط، بل بين ذلك قواماً .