تم نسخ النصتم نسخ العنوان
تتمة شرح حديث ( يا أبا المنذر أتدري أي آية م... - ابن عثيمينالشيخ : ولكننا نعود إلى شرح آية الكرسي كما بدأناها بالأمس حيث وقفنا على قوله تعالى :  لا تأخذه سنة ولا نوم  والسِنة النعاس والنوم معروف.  له ما في السما...
العالم
طريقة البحث
تتمة شرح حديث ( يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم ... ).
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : ولكننا نعود إلى شرح آية الكرسي كما بدأناها بالأمس حيث وقفنا على قوله تعالى : لا تأخذه سنة ولا نوم والسِنة النعاس والنوم معروف. له ما في السماوات وما في الأرض : هذه جملة تفيد عموم ملك الله عز وجل ، وأنه منفرد بالملك سبحانه وتعالى له ما في السماوات وما في والأرض ، والدليل على عموم ملكه أن : ما في قوله : ما في السماوات اسم موصول : يعني له الذي ، واسم الموصول يفيد العموم ، والدليل على انفراده بالملك أنه قدم فيها الخبر ، الخبر له ما في السماوات وتقديم الخبر يدل على الحصر ، فلا أحد يملك شيئا في السموات ولا في الأرض إلا الله ، وملكي لثوبي الذي عليّ ولِمشلحي وملكي لبيتي هذا ملك مقيد ، لا أستطيع أن أتصرف فيه كما أشاء ، لو أراد إنسان أن يُحرق ثيابه منع ولا يمكن أن يحرق ثيابه ما هو حر ليس حراً في ماله يتصرف فيه كما شاء ، إذًا فملكي الذي هو ملكي لست حرا في تصرفي فيه ، لا أتصرف فيه إلا على حسب الشرع ، ولهذا لا يجوز لنا أن نرابي في أموالنا مع أنه ربما يكون الذي أعطى الربا راضيا بذلك لكن لا يجوز ، لأننا لسنا أحرارا في أملاكنا ، لا نملكها إلا ملكا مقيدا ، الملك التام المطلق الذي يفعل فيه المالك ما شاء هو ملك الله عز وجل : له ما في السماوات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه مَن : اسم استفهام بمعنى النفي يعني : لا أحد يشفع عند الله إلا بإذن الله ، والشفاعة معروفة ، يا فلان اشفع لي عند فلان يعني توسط لي إليه ، فالشفاعة هي : " التوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة " ، هذه الشفاعة .
من المعلوم أن ملوك الدنيا مهما عظم ملكهم يأتي الإنسان ويشفع عندهم بدون أي استئذان ، حتى إن الملك الكبير الملك تشفع عنده زوجته ولا تستأذن منه ، لكن الرب عز وجل لا أحد يشفع عنده إلا بإذنه ، أكرم عباده عنده لا يشفع إلا بإذن الله ، وهذا دليل على كمال سلطانه عز وجل ، وأنه لكمال سلطانه لا أحد يستطيع يتكلم عنده ولا بالشفاعة التي هي خير إلا بإذنه .
مَن أكرم الخلق من بني آدم عند الله ؟ محمد عليه الصلاة والسلام ، ويوم القيامة لا يمكن يشفع إلا بعد أن يستأذن من الله ، ثم يسجد سجودًا طويلا يفتح الله عليه من المحامد ما لم يفتحه عليه من قبل ثم يشفع ، ومَن دونه من باب أولى ، لا أحد يشفع إلا بإذن الله ، لماذا ؟ لكمال ؟ أجيبوا ! لكمال سلطانه ، لكمال سلطانه عز وجل ، لا أحد يشفع إلا بإذنه .
يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم يعلم الله عز وجل ، ما بين أيديهم : كل الأمور المستقبلة ، وما خلفهم : كل الأمور الماضية ، وهذا دليل على كمال علمه عز وجل وأنه محيط بكل شيء ماضيا وحاضرا ومستقبلا ، فما بين يديك ما تستقبله ولو بلحظة ، وما خلفك ما خلفته ولو بلحظة فمثلا الآن سلامنا من صلاتنا هذه العصر من بين أيدينا ولا من خلفنا ؟
الطالب : من خلفنا .

الشيخ : من خلفنا ، كلماتي الآن أنا أقول : الآن ما بعد الآن فهو مستقبل والآن حاضر وما مضى ماضي من خلف ، فالله عز وجل يعلم كل ما يكون بين أيدينا الحاضر والمستقبل وما خلفنا وهذا يدل على كمال علمه جل وعلا لأن علم غيره ناقص ،
أولا : نجهل كثيرا من الأمور ثم يتجدد لنا العلم .
ثانيا : إذا علمنا الشيء هناك آفة لعلمنا وهي النسيان ، أما علم الله عز وجل فليس فيه نسيان ولا جهل سابق ، كما قال موسى صلى الله عليه وسلم لما قال له فرعون : فما بال القرون الأولى : يعني خبرنا عنها ويش شأنها ؟ قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى : لا يضل : يعني لا يجهل ، ولا ينسى ما مضى ، فعلمنا نحن محفوف بآفتين : آفة سابقة وهي الجهل ، وآفة لاحقة وهي النسيان ، وعلم الله عز وجل خال من ذلك كله . يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ، ويأتي إن شاء الله بقية الكلام على هذه الآية .
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- في سياق الأحاديث في باب الحث على سور وآيات مخصوصة : " عن أُبي بن كعب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا المنذر أتدري أيُّ آية من كتاب الله معك أعظم ؟ قلت : الله لا إله إلا هو الحي القيوم ، فضرب في صدري وقال : لِيهنك العلم أبا المنذر رواه مسلم " .

الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
هذا الحديث ذكره النووي -رحمه الله- في كتابه * رياض الصالحين * في باب استحباب سور وآيات معينة :
وهو ما دل عليه هذا الحديث مِن فضل آية الكرسي ، أنها أعظم آية في كتاب الله ، وقد سبق الكلام على أكثرها إلى قوله تعالى : من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء : يعني أن الخلق لا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ، والعلم هنا بمعنى المعلوم ، يعني أننا لا نحيط بشيء مما يعلمه الله إلا بما شاء الله عز وجل ، وهذا كقوله : عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدًا * إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدًا .
كذلك أيضا لا نحيط بشيء من علمه أي : من علم ذاته وصفاته إلا بما شاء ، فلا نعلم ما يتعلق بذات الله وأسمائه وصفاته إلا بما شاء ، ولهذا قال العلماء -رحمهم الله- : " إن الأسماء والصفات توقيفية " ، بمعنى أنه يتوقف إثباتها أو نفيها على ما جاء به الشرع ، لأننا لا نعلم من صفات ربنا إلا ما علمنا ولا من أسمائه إلا ما علمنا ولا في ذاته إلا ما علمنا عز وجل .
وفي هذه الجملة دليل على افتقار الإنسان إلى علم الله عز وجل ، وأنه ينبغي للإنسان أن يسأل الله تعالى أن يعلمه ما لم يكن يعلم مما فيه مصلحة دينه ودنياه .
وسع كرسيه السماوات والأرض : الكرسي : قال ابن عباس رضي الله عنهما : هو موضع قدمي الله عز وجل ، وهو دون العرش ، والعرش أعظم منه ، وفي الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال : ما السماوات السبع ، والأرض السبعون في الكرسي إلا كحلقة ألقيت في فلاة مِن الأرض حلقة الدرع الصغيرة إذا ألقيتها في فلاة من الأرض يعني : في أرض واسعة لم تكن شيئا ، فهذا السماوات السبع والأرضون بالنسبة للكرسي كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض ، وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على هذه الحلقة : فالعرش أعظم بكثير من الكرسي ، وخالق العرش جل وعلا أعظم وأعظم سبحانه وتعالى .
فإذا كان هذا شأن الكرسي أنه واسع ومحيط بالسموات والأرض ، فالعرش أعظم والرب أعظم جل وعلا من كل شيء ، وأكبر من كل شيء .
ولا يؤده حفظهما يعني : لا يُثقل الله عز وجل أن يحفظ السموات والأرض على ما فيهما من الخلائق وعلى كبرهما واتساعهما وعلى علوه عز وجل فوق كل شيء فهو لا يغيب عنه شيء ، لا يثقله أن يحفظ السموات والأرض ، لا يثقله أن يحفظ ما في السموات والأرض ، له معقبات من بين يديه يحفظونه من أمر الله ، فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين ، فالله عز وجل مع علوه تبارك وتعالى فوق كل شيء : لا يؤده أي : لا يثقله أن يحفظ السموات والأرض .
وهو العلي العظيم هو العلي جل وعلا فوق كل شيء ، وهو العظيم على كل شيء ، قال أهل العلم : " والعلو نوعان : علو ذاته عز وجل فهو فوق كل شيء . وعلو صفاته : فصفاته فوق كل شيء " .
والعظيم يعني ذو العظمة والكبرياء والعزة والجلال وبهذه المعاني القليلة بالنسبة لهذه الآية العظيمة يتبين أنها أعظم آية في كتاب الله ، والله الموفق .

Webiste