تم نسخ النصتم نسخ العنوان
تفسير آية الكرسي وفضلها - ابن بازالسؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلى البرنامج من المستمع مستور حامد عبدالله السواط من طريق الجنوب، أخونا مستور بعث بجمع كبير من الأسئلة، في أحد ...
العالم
طريقة البحث
تفسير آية الكرسي وفضلها
الشيخ عبدالعزيز ابن باز
السؤال:
أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلى البرنامج من المستمع مستور حامد عبدالله السواط من طريق الجنوب، أخونا مستور بعث بجمع كبير من الأسئلة، في أحد أسئلته يسأل عن تفسير آية الكرسي، فلو سمحتم سماحة الشيخ تتفضلون بتفسيرها له؟

الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد.
فآية الكرسي هي أعظم آية في كتاب الله بنص الرسول -عليه الصلاة والسلام- وهي قوله : اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة:255] هذه آية الكرسي، وهي آية طويلة، وهي أعظم آية في كتاب الله، قد اشتملت على معاني عظيمة من جهة توحيد الله، وإثبات أسمائه وصفاته، وعموم علمه وقدرته -جل وعلا- فقوله سبحانه: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255] هذه معنى كلمة التوحيد: لا إله إلا الله، فإن معناها: الله لا إله إلا هو، يعني: لا معبود حق إلا هو، الله لا معبود حق سواه، والإله هو المعبود، والتأله هو التعبد.
فمعنى لا إله أي: لا مألوه، والمألوه معناه المعبود، أي: لا معبود حق إلا الله، وهو الحي القيوم  الحي الذي لا يموت، ولا يعتريه سنة وهي النعاس، ولا نوم وهو ما فوق النعاس، لكمال حياته، فلا نوم ولا موت ولا نعاس ولا غفلة، بل هو في غاية من العلم والقدرة والبصيرة بأحوال العباد : اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255] فهو حي حياة كاملة، لا يعتريها نقص، ولا ضعف، ولا غفلة، ولا نوم، ولا نعاس، ولا موت، ولا غير ذلك من الآفات.
وهو القيوم القائم على أمر عباده، والمقيم لهم سبحانه، وهو المقيم لمخلوقاته، وهو الحافظ لمخلوقاته، فلا قوام للعباد، ولا للمخلوقات إلا به  فهو الذي أقام السماوات، وأقام الأرض، وأقام كل شيء، كما قال سبحانه: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ [الروم:25] وهو المقيم للخلائق، والحافظ لها، والموجد لها، والمعدم لها؛ فهو على كل شيء قدير  ولهذا قال بعدها: لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ [البقرة:255] يعني: لا تصيبه، ولا تعتريه سنة، وهي النعاس، وهي النوم الخفيف، ولا نوم وهو النوم الثقيل، فلا يعتريه غفلة، ولا نعاس، ولا نوم، ولا موت، بل حياته كاملة .
ثم قال : لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [البقرة:255] يعني: هو المالك لكل شيء، هو المالك للسماء وما فيها، والأرض وما فيها، كما قال -جل وعلا- في آخر سورة المائدة: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [المائدة:120] وقال في آية أخرى لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الشورى:49] فهو سبحانه المالك للسماوات والمالك للأرض، والمالك لما فيهما، والمالك لكل شيء، جل وعلا.
ثم قال سبحانه: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255] أي: لا أحد يستطيع يشفع إلا بإذنه سبحانه، يعني: يوم القيامة لا يتقدم أحد يشفع حتى النبي محمد ﷺ إلا بإذنه، حتى يأذن له، وما ذاك إلا لعظم مقامه وجبروته، وكونه سبحانه المستحق لأن يعظم ويجل، وألا يتقدم بين يديه إلا بإذنه : فإذا اشتد الكرب يوم القيامة بالناس؛ فزع المؤمنون إلى أبيهم آدم؛ ليشفع لهم إلى الله حتى يقضي بينهم، فيعتذر آدم، ثم يحيلهم على نوح ، فيأتون نوحًا؛ فيعتذر -عليه الصلاة والسلام- ويقول: اذهبوا إلى إبراهيم ، فيأتون إبراهيم فيعتذر ويقول: اذهبوا إلى موسى، فيأتون موسى؛ فيعتذر، وكل واحد يقول: نفسي نفسي، فيقول لهم موسى: اذهبوا إلى عيسى ، فيأتون عيسى فيقول: نفسي نفسي، اذهبوا إلى محمد -عليه الصلاة والسلام- فيأتون محمدًا -عليه الصلاة والسلام- فيقول: أنا لها -عليه الصلاة والسلام- ثم يتقدم، فيسجد بين يدي ربه، ويحمد بمحامد عظيمه، ويثني عليه سبحانه بمحامد يفتحها عليه، ثم يقال له: يا محمد! ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تعط، واشفع تشفع، فعند ذلك يشفع -عليه الصلاة والسلام- في الناس أن يقضي الله بينه.
فيقضي الله بين عباده بشفاعته، ثم بعد القضاء يصير أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [الشورى:7] ويوقف أهل الجنة، لا يدخلونها حتى يشفع فيهم -عليه الصلاة والسلام- فيشفع لأهل الجنة حتى يفتح لهم أبوابها بشفاعته -عليه الصلاة والسلام- أما في الدنيا فكل إنسان يدعو ربه، مأمور بالدعاء كما قال تعالى: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60] كونه يدعو ربه، ويسأل ربه أن يغفر له، ويدخله الجنة، وينجيه من النار، ويطلب من إخوانه أن يدعو له، أن الله يغفر له، لا بأس بهذا، لكن يوم القيامة، لا أحد يتقدم إلا بإذنه  الأنبياء وغيرهم لا أحد يشفع إلا بإذنه : مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255] قال تعالى: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى [النجم:26]  وقال تعالى: وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى [الأنبياء:28].
فالشفاعة لا تكون إلا لمن رضي الله قوله وعمله، وهم أهل التوحيد والإيمان، هم الذين يشفع فيهم الأنبياء، أما أهل الشرك فلا شفاعة لهم، كما قال تعالى: فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ [المدثر:48] قال تعالى: مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ [غافر:18] الظالمين: يعني: المشركين، معنى الظالمين، يعني: المشركين، الظلم إذا أطلق هو الشرك: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] فمعنى قوله سبحانه: مَا لِلظَّالِمِينَ [غافر:18] يعني: ما للمشركين مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ [غافر:18] فالمشرك لا تنفعه الشفاعة، ولا يشفع فيه الرسول ﷺ ولا المؤمنون، بل ليس له إلا النار يوم القيامة -نعوذ بالله من ذلك- وإنما الشفاعة لأهل التوحيد والإيمان، ولعصاة الموحدين، أما الشفاعة في أهل الموقف فهي عامة لأهل الموقف كلهم من الكفار وغيرهم في أن يقضى بينهم، فهذه شفاعة عامة في القضاء بين الناس، يشفع فيهم النبي ﷺ للقضاء بينهم، فيقضي الله بينهم سبحانه بحكمه العدل -جل وعلا- كما تقدم.
ثم قال سبحانه: يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ [البقرة:255] يعني: هو العالم بأحوال عباده، لا يخفى عليه خافية -جل وعلا- يعلم ما بين أيديهم، وما خلفهم، ما مضى، وما يأتي، ويعلم أحوال عباده الماضين والآخرين، ويعلم كل شيء : إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الأنفال:75] وقال تعالى: ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء فهم لا يحيطون بشيء من علمه، إلا بما أطلعهم عليه  أما هو فهو العالم بأحوال عباده كلهم ماضيها ولاحقها، يعلم أحوالهم، وما صدر منهم، وما ماتوا عليه، وما لهم في الآخرة، يعلم كل شيء  قال تعالى: لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [الطلاق:12] وقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الأنفال:75] ويقول هنا: يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ [البقرة:255] فهم لا يعلمون ما عنده إلا بتعليمه  بإطلاعه لهم على يد الرسل -عليهم الصلاة والسلام- أو بما يجري الله لهم في الدنيا من مخلوقات، وأرزاق، وأشياء يطلعهم عليها .
ثم قال: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ [البقرة:255] الكرسي: مخلوق عظيم فوق السماء السابعة غير العرش، قال ابن عباس: هو موضع القدمين قدمي الرب  وقال بعض أهل العلم: إنه العرش؛ لأن العرش يسمى كرسيًا، والمشهور الأول: أنه مخلوق عظيم فوق السماء السابعة، غير العرش الذي هو عرش الله  يعني فوقه الله  المذكور في قوله سبحانه: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] وفي قوله -جل وعلا-: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف:54] في سبعة مواضع من كتاب الله، ذكر فيها استواءه على العرش  وهو مخلوق عظيم، قد أحاط بالمخلوقات، وهو سقفها، قال فيه -جل وعلا-: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ [الحاقة:17] يعني: يوم القيامة.
وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا [البقرة:255] يعني: لا يكرث الرب، ولا يثقله، ولا يشق عليه حفظ المخلوقات  هو الحافظ للسماوات، وهو الحافظ للأرض وما فيهما، ولا يشق عليه ذلك، ولا يكرثه، ولا يثقله  لأنه القادر على كل شيء، ولهذا قال سبحانه: وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا [البقرة:255] يعني: لا يكرثه، ولا يثقله، ولا يشق عليه، بل هو القادر على كل شيء .
وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة:255] له العلو المطلق، علو الذات فوق العرش، وعلو القهر والسلطان، وعلو الشرف والقدر  فله العلو الكامل  فهو العالي فوق جميع خلقه -جل وعلا- فوق العرش، وهو العالي من جهة كمال أسمائه وصفاته وسلطانه وقدرته -جل وعلا- وله الشرف والفضل، فهو أفضل شيء، وأشرفه  فله علو القهر والسلطان وعلو الشرف والقدر وعلو المكان  فوق العرش، قال تعالى: فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ [غافر:12] وقال تعالى هنا: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة:255] فهو العلي فوق جميع خلقه، القادر على كل شيء، العظيم السلطان، المتصرف في عباده كيف يشاء، وهو العظيم الذي لا أعظم منه، فله العظمة الكاملة  فلا أعظم منه، ولا أكبر، ولا أعلم، ولا أقدر .
فهذه الآية العظيمة فيها هذه الصفات العظيمة، ولهذا صارت أفضل آية في كتاب الله، وأعظم آية في كتاب الله؛ لكونها اشتملت على هذه المعاني العظيمة، والأوصاف العظيمة للرب  وأنه الحي القيوم، وأنه لا معبود بحق سواه، وأنه كامل الحياة، لا تعتريه سنة ولا نوم، وأنه المالك لكل شيء، وأنه العالم بكل شيء، وأنه لا يؤوده حفظ مخلوقاته، ولا يشق عليه ذلك، بل هو القادر على كل شيء  وأن كرسيه قد وسع السماوات والأرض  وأنه لا يشفع أحد عنده إلا بإذنه لكمال قدرته وكمال عظمته، وأنه العلي العلو المطلق، كعلو الذات، وعلو القهر والسلطان، وعلو الشرف والقدر، وهو العظيم الذي لا أعظم منه  عظيم في ذاته، عظيم في أسمائه وصفاته وأفعاله، قاهر فوق عباده كما قال -جل وعلا-: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ [الأنعام:18] وهو القائل -جل وعلا-: إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:20] وقال سبحانه: وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا [الكهف:45].
وبهذا يعلم كل مؤمن، وكل مؤمنة عظم شأن هذه الآية، وأنها آية عظيمة مشتملة على صفات عظيمة، ولهذا صارت بحق أعظم آية في كتاب الله  بنص المصطفى محمد -عليه الصلاة والسلام- والله ولي التوفيق.

المقدم: الله ولي التوفيق، جزاكم الله خيرًا.

Webiste