تم نسخ النصتم نسخ العنوان
تتمة شرح حديث (... قال: ألا أدلكم على ما يمح... - ابن عثيمينالشيخ : أما ما ذكره -رحمه الله- من الأحاديث الباقية فهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال :  ألا أنبئكم ، أو ألا أخ...
العالم
طريقة البحث
تتمة شرح حديث (... قال: ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ... ).
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : أما ما ذكره -رحمه الله- من الأحاديث الباقية فهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ألا أنبئكم ، أو ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ؟ : وإنما ساق الحديث عليه الصلاة والسلام على سبيل الاستفهام من أجل أن ينتبه السامع لما يلقى إليه لأن الأمر مهم ، فقال : ألا أنبئكم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ؟ قالوا : بلى يا رسول الله نبئنا ، قال : إسباغ الوضوء على المكاره ، وكثرة الخطا إلى المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، فذلكم الرباط ، فذلكم الرباط .
إسباغ الوضوء على المكاره : يعني أن الإنسان يتوضأ ويُسبغ وضوءه على كره منه : إما لكونه فيه حُمى ينفر من الماء ، فيتوضأ على كره ، وإما أن يكون الجو باردًا وليس عنده ما يسخن به الماء ، ويكون الماء باردًا فيتوضأ على كره ، أو تكون هناك أمطار تحول بينه وبين الوصول إلى مكان الوضوء فيتوضأ على كره ، المهم أنه يتوضأ على كره ومشقة ، لكن بدون ضرر ، أما مع الضرر فلا يتوضأ بل يتيمم ، لكن يتأذى ويتوضأ على كره ، هذا مما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ، ولكن هذا لا يعني أن الإنسان يتقصد ويذهب يتوضأ بالبارد ويترك الساخن ، أو يكون عنده ما يسخن به ويقول : أنا لا ، لا أسخن أريد أن أتوضأ بالماء البارد ، لأنال هذا ، هذا غير مشروع لأن الله يقول : ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم ، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا واقفا في الشمس قال : ما هذا ؟ قالوا : نذر أن يقف في الشمس فنهاه عن ذلك وأمره أن يستظل ، فالإنسان ليس مأمورا ولا مندوبا إلى أن يفعل ما يشق عليه ويضره ، بل كلما سهلت عليه العبادة فهو أفضل ، لكن إذا كان لا بد من الأذى والكُره فإنه يؤجر على ذلك ، لأن هذا بغير اختياره .
كذلك كثرة الخطا إلى المساجد : فيه دليل على أن الجماعة تكون في المسجد ولا تكون في البيت ، وأن الإنسان إذا كثرت خطاه إلى المساجد ، فإنه يؤجر ويرفع الله به له الدرجات ، ويمحو عنه الخطيئات ، وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام : أن الرجل إذا توضأ في بيته فأسبغ الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة ، لم يخط خطوة إلا رفع الله له بها درجة ، وحط عنه بها خطيئة : وهذه نعمة عظيمة ، فإذا وصل المسجد وصلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه ، تقول : اللهم صل عليه ، اللهم اغفر له ، اللهم ارحمه ، ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة .
وكثرة الخطا يعني معناه أن يأتي الإنسان إلى المسجد ولو من بعد ، وليس المعنى أن يتقصد الطريق البعيد ، أو المعنى أن يقارب الخطا ، لا ، هذا غير مشروع ، يمشي على عادته ولا يتقصد البعد ، يعني مثلا لو كان بينه وبين المسجد طريق قريب وطريق بعيد لا يتقصد أن يذهب من البعيد ، لكن إذا كان بعيدا ولا بد أن يمشي للمسجد فإن كثرة الخطا إلى المساجد مما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات .
وأما الثالث فانتظار الصلاة بعد الصلاة : بمعنى أن الإنسان إذا فرغ من هذه الصلاة يتشوف إلى الصلاة الأخرى ، فرغ من صلاة العصر ينتظر بقلبه صلاة المغرب ، فرغ من صلاة المغرب ينتظر بقلبه صلاة العشاء ، وهكذا يكون قلبه معلقا بالمساجد ، كلما فرغ من صلاة إذا هو ينتظر الصلاة الأخرى ، هذا أيضا مما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات .
قال : فذلكم الرباط ، فذلكم الرباط : يعني المرابطة على الخير وهو داخل في قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون .
ثم ذكر المؤلف حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : الطُّهور شطر الإيمان ، الطُّهور شطر الإيمان يشمل طهور الماء وطهور التيمم وطهارة القلب من الشرك والشك والغل والحقد على المسلمين وغير ذلك مما يجب التطهر منه ، فهو يشمل الطهارة الحسية والطهارة المعنوية .
شطر الإيمان : نصفه ، والنصف الثاني : هو التحلي بالأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة ، لأن كل شيء لا يتم إلا بتنقيته من الشوائب وتكميله بالفضائل ، فالتكميل بالفضائل نصف ، والتنقية من الرذائل نصف آخر ، ولهذا قال : الطُّهور شطر الإيمان ، وأما شطره الثاني فهو التكميل بالأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة .
ثم ذكر المؤلف آخر ما ختم به الباب حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أن الرجل إذا أسبغ الوضوء ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، فإنها تفتح له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ، وكذا وزاد الترمذي رحمه الله : اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين : هذه الأحاديث في فضائل الوضوء ، والمؤلف لم يستوعب كل حديث ورد في ذلك لكن لو لم يكن من فضائله إلا حديث واحد لكفى به دعوة إلى الوضوء وإحسانه وإسباغه ، وفق الله الجميع لما فيه الخير والصلاح .

Webiste