تم نسخ النصتم نسخ العنوان
تتمة باب وجوب صوم رمضان وبيان فضل الصيام وما... - ابن عثيمينالشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :سبق الكلام على هذه الآية الكريمة : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّ...
العالم
طريقة البحث
تتمة باب وجوب صوم رمضان وبيان فضل الصيام وما يتعلق به: قال الله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم )) إلى قوله تعالى: (( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه، ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر )).
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
سبق الكلام على هذه الآية الكريمة : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } .
وقسم العلماء -رحمهم الله- المرض إلى ثلاثة أقسام : قسم مرض لا يرجى بُرؤه بل هو مستمر ، فهذا لا صيام على المريض ، ولكن عليه أن يطعن عن كل يوم مسكينا ، لأنه من جنس الكبير العاجز عن الصوم ، الذي لا يرجى زوال عجزه .
والثاني : المريض مرضًا يضره الصوم ، ويُخشى عليه أن يتلف به كمريض لا يصبر عن الماء ، مثل بعض أنواع مرض السكري أو ما أشبه ذلك ، فهذا يحرم عليه الصوم لقول الله تعالى : { ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيمًا } .
والقسم الثالث : مرض يشق معه الصوم لكن لا ضرر فيه ، فهنا الأفضل أن يفطر ولا يصوم ويقضي بعد ذلك ، وأما المرض الذي لا يؤثر فيه الصيام شيئًا كمرض العين اليسير ، ومرض السن وما أشبه ذلك فإنه لا يجوز فيه الفطر ، لأن الحكمة من الرخصة هو إزالة المشقة ، وهذا لا مشقة عليه إطلاقا ، فلا يحل له الفطر ، والأصل وجوب الصوم في وقته إلا بدليل بين واضح يبيح للإنسان أن يفطر ثم يقضي بعد ذلك .
وأما السفر فإن السفر ينقسم فيه الصوم أيضا إلى ثلاثة أقسام :
قسم يضره الصوم ويشق عليه مشقة شديدة بسبب سفره ، مثل أن يسافر في أيام الحر والأيام الطويلة ، ويُعلم أنه لو صام لتضرر به وشق عليه مشقة غير محتملة ، فهذا يكون عاصيا إذا صام ، والدليل لذلك "أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم شكي إليه أن الناس قد شق عليهم الصيام ، وهو في سفر فدعا بماء وشربه والناس ينظرون إليه" : حتى لا يكون في صدورهم حرج إذا أفطروا وكان ذلك بعد العصر- ، ولكن بعض الصحابة رضي الله عنهم بقوا على صومهم فجيء إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقالوا وقيل له : "إن بعض الناس قد صام فقال : أولئك العصاة أولئك العصاة" : فوصفهم بالعصيان ، لأنهم لم يقبلوا رخصة الله مع مشقة ذلك عليهم مشقة شديدة .
والقسم الثاني : من يشق عليه مشقة لكنها محتملة ، فهذا يكره له الصوم ، وليس من البر أن يصوم ، ودليل ذلك : "أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان في سفر فرأى زِحامًا ورجلا قد ظلل عليه فقال : ما هذا ؟ قالوا : صائم قال : ليس من البر الصيام في السفر" .
والقسم الثالث : من لا يتأثر بالسفر إطلاقا ، يعني هو صائم ولا يتأثر ، لأن النهار قصير والوقت بارد ولا يهمه ، فهذا اختلف العلماء أيهما أفضل أن يفطر أو يصوم أو يُخير ؟ والصحيح أن الأفضل أن يصوم ، لأن ذلك أشد اتباعًا لسنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، ولأنه أيسر على المكلف ، فإن الصيام مع الناس أيسر من القضاء كما هو معروف ، ولأنه أسرع في المبادرة إلى إبراء الذمة ، ولأنه يصادف الزمن الذي يكون الصوم فيه أفضل وهو شهر رمضان ، فمن أجل هذه الوجوه الأربعة صار الصوم أفضل .
قال أبو الدرداء رضي الله عنه : "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان في حرٍ شديد ، حتى إن أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر ، وكان الصيام في السفر ، وأكثرنا ظِلا صاحب الكساء ، وما فينا صائم إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعبد الله بن رواحة" : هذا حكم الصوم في السفر ، والسفر عامٌّ فيمن يسافر للعمرة ، أو يسافر لغير ذلك ، وفيمن سفره دائم وسفره عارض ، وعلى هذا فأهل التكاسي وأهل سيارات الحمولة يفطرون ولو كان سفرهم مستمرًا ، لأن لهم وَطنًا يأوون إليه ، فإذا فارقوا هذا الوطن فهم مسافرون .
فإذا قال قائل : متى يصومون ؟ قلنا : يصومون في أيام الشتاء أيسر لهم وأسهل ، أو إذا قدموا إلى بلدهم في رمضان يلزمهم الصوم ، لأنه زال عنهم السفر ، والله الموفق .

Webiste