ما أظن أعجميًّا مثلي يفقه هذا الفقه ، ويفهم هذا الفهم ؛ لذلك ينبغي أن تُحمل الأحاديث المكفِّرة ؛ سواء ما كان منها متعلقًا بالصلاة ، أو ما كان منها متعلقًا بالحج على تكفير كلِّ الذنوب ، سواء ما كان منها من الكبائر أو الصغائر ، كذلك مثلًا يشبه هذا الحديث تمامًا ونحن قادمون على الحجِّ - إن شاء الله - قوله - عليه السلام - : "من حجَّ فلم يرفث ولم يفسق ؛ خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه" ، أترون الوليد حينما تلده أمه يلد محمَّلًا بالأوزار و الكبائر ؟! طبعًا لا ؛ إذًا المكفرات تشمل الكبائر والصغائر ، ولكن الذي يجب الانتباه له وهو يزيل المشكلة أو الشبهة التي قد تخطر في بال الناس ، فإذًا كل واحد مصلي مهما كان عامل - كما يقولون في بلاد الشام - " التسعة وتسعين " ، فمجرَّد ما يصلِّي غُفرت ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر ، فأنا أريد أن ألفت النظر أن هذه الصلاة التي من شأنها أنَّها تكفر الكبائر فضلًا عن الصغائر ليست هي صلاتنا ، حسبنا من صلاتنا أن يُكتب لنا نصفها ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد قال في الحديث الصحيح : "إن الرجل لَيُصلِّي الصلاة ما يكتب له منها إلا عشرها ، تسعها ، ثمنها ، سبعها ، سدسها ، خمسها ، ربعها ، نصفها" أي : هذا النصف الذي وقف عنده الرسول - عليه السلام - ، وهذا يعني أنه أحسن صلاة يصليها الناس أن يُكتب لهم نصفها ، فما بالك بمن لا يُكتب له حتى ولا عشرها ؟! فالذي كُتبت له من الصلاة نصفها ؛ أهي التي تكفر الذنوب الكبائر ؟ هذه واحدة .
ثم لما قال - عليه الصلاة والسلام - في حديث الحج : "رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه" ؛ أهي حجُّنا نحن في هذا الزمان الذي أكثرهم لا يحجُّون - من الناحية العملية الشكلية الظاهرة - لا يحجُّون كما حجَّ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ؟! بل تراهم يعني يحاولون التَّفلُّت بأتفه الأسباب بالقيام من الكثير من الواجبات ، واليوم كنا نناقش فردًا نظنُّه من المسلمين الصالحين - إن شاء الله - على شيء من الضعف فيما نعلم منه ، كان يريد أن يأخذ منِّي فتوى بأنه يجوز له أن يوكِّل في الرمي في اليوم الثاني من أيام التشريق ، يعني أن يتعجَّل قبل التعجُّل المشروع يوكِّل أحدًا يرمي عنه ، ومثل هذا كثير وكثير جدًّا ، يحاولون أن يخفِّفوا مناسك الحج حتى يصبح الحجُّ أمر شكلي محض ، فأقول : هل الفضيلة هذه - "كيوم ولدته أمه" - يستحقُّه غالبية الحجاج وهم لا يؤدُّون الحج على شكله الظاهر ؟! أمَّا لوازم الحج هذا المكفِّر الذي نصَّ الرسول - عليه السلام - عليها في الحديث السابق : "فلم يفسق ولم يرفث خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه" ؛ هل هذه الصفات هي تلازم الحجَّاج اليوم حتى يقال والله حج فلان هنيئًا له ، غفرت له ذنوبه كلها ، لا ! بالكاد كثير من الناس أن يقال لهم حجُّك مقبول ، وهذا الآخر القسم الآخر من الحجاج وقد سمعنا من يسبُّ الدين ! ويسبُّ رب العالمين !! وهو يزعم أنه خرج حاجًّا في سبيل الله !! أمثال هؤلاء نقول لهم بلسان ذلك الشاعر العربي القديم :
" وما حججت ، ولكن حجَّت الإبلُ "
لذلك إذا استحضرنا هذه الحقائق ، وخلاصتها أن المصلي لا نستطيع أن نقول كلَّ مصلٍّ صلى صلاة كاملة ، كل حاجٍّ حجَّ حجة كاملة ، إذا كان الأمر كذلك ، ولذلك فالحصول على الصلاة التي تُخرج صاحبها من الذنوب كلِّها والحصول على - أيضًا - حجَّة تخرج صاحبها من الذنوب كلها ؛ هذا كما قيل قديمًا : " أندر من الكبريت الأحمر ! " .
فإذًا تبقى هذه الأحاديث من الأحاديث - كما هو معلوم من الترغيب والترهيب - تحضُّ المصلي على أن يحاول أن يُحسن الصلاة ، وأن يتقنَها ، لعله يحظى بتلك المغفرة ، أما أن يجزم بأنه حصل المغفرة ؛ هذا أمر أبعد ما يكون منالًا ، كذلك الحجُّ يحاول الإنسان أن يتقنَ الحج إلى بيت الله الحرام ، ويتجنَّب الفسق والرَّفث والكلام المؤذي والجدل كما قال - تعالى - : { الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث و لا فسوق ولا جدال في الحج } ، فالذي يحاول أن يتقنَ حجَّته على هذا المنوال مما جاء في الآية ؛ فلعله يرجع كما ولدته أمه نظيفًا من كل الذنوب .
خلاصة الكلام : يُرجى أن يُكفَّر كل الذنوب من صلَّى وأتقنها ، ومن حجَّ حجَّة وأتقنها .
السائل : طيب ، الاستثناء الذي في الحديث : "الجمعة إلى الجمعة و رمضان إلى رمضان" الحديث "إذا اجتُنبت الكبائر" ألا يطرد على بقية الأحاديث ؟!
الشيخ : هذا قيد يشبه قيد "صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس" ثم جاء "بسبع" ؛ فالله يتفضَّل على عباده بما يشاء ، كان هذا قبل أن يقول : "رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه" ، أو "لم يبق من دَرَنه على بدنه شيء" .