فإذا ثبتَ أنُّو زيد من الناس فيه معه - مثلًا - - لا سمح الله - مرض السل ، وشرب في كأس ؛ لك أن تبتعد عن هذا ، لكن تكون على علم أنُّو هذا حقيقةً مصاب بمرض السل ، أما الوسوسة لعله ولعله ؛ هذا لا يجوز ؛ لأنُّو هذا أوَّلًا إساءة ظن بأخيك المسلم ، وثانيًا فيه قطع الصلات الأخوية بينك وبين أخيك المسلم .
السائل : ... .
الشيخ : أما .
احفظ سؤالك .
أما إذا ثبت صحِّيًّا أن هذا مصاب فلك أن تحتاط لنفسك وتبتعد عن شرب سؤره ، بل وعن مصافحته = -- اشرب بيدك اليمنى يا أخي -- = وليس هذا من باب الوسوسة ، ولا من باب عدم الاتِّكال على الله - عز وجل - كما يروي بعض الناس - وهذه أيضًا تنبيه على حديث غير صحيح - ، يروي بعض الناس من المحدثين كالترمذي في " سننه " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جلس يأكل الطعام مع رجل مجذوم ؛ مصاب بداء الجذام في يده ، وكأنه تحرَّج من أن يُشارك النبي - صلى الله عليه وسلم - في طعامه بيده ، فقال له - عليه السلام - : "كُلْ بسم الله ؛ ثقةً بالله وتوكُّلًا عليه" ، فأكل - عليه السلام - مع المجذوم ، هذا حديث غير صحيح .
السائل : ضعيف يعني ؟
الشيخ : نعم .
السائل : ... عليه .
الشيخ : قلت : رواه الترمذي ، نعم .
"كل بسم الله ؛ ثقةً بالله وتوكُّلًا عليه" ، هذا حديث إسناده ضعيف ، وقد جاء في " الصحيح " ما يخالفه في " صحيح مسلم " ؛ أن رجلًا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ليبابعه ، فمدَّ يده وإذا بها داء الجذام ، فقال له - عليه السلام - : "ارجع ؛ فإنا قد بايعناك" .
السائل : أستاذ ، ما هو داء الجذام ؟
الشيخ : ما أظنه داء خبيث يعني .
سائل آخر : يأكل اللحم .
الشيخ : اللحم نعم ، يتشقَّق ويتمزَّق ، وهكذا .
السائل : مرض عادي ... .
الشيخ : نعم ؟ معدي ، المهم أنُّو معدي .
سائل آخر : ... .
الشيخ : فإذًا إذا كان هناك رجل مريض بمرض معدي يجوز إسلاميًّا أن تتحاشى مخالطته وقربانه ، وهذا لا ينافي التوكل ؛ لأن التوكل نفسه لا ينافي الأخذ بالأسباب ؛ إن الله - عز وجل - يقول : { فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ } ، أما الحديث المشهور : "لا عدوى ولا طيرة" إلى آخر الحديث ؛ هذا الحديث صحيح متفق عليه بين الشَّيخين .
السائل : هذا سؤالي كان !
الشيخ : إي ، ما تصدقوا أنتم أنُّو الشَّيخ يبقى مُكاشف !! [ الجميع يضحك ! ] .
سائل آخر : ... .
الشيخ : ... .
سائل آخر : "ففرَّ من المجذوم فرارك من الأسد" كمالة الحديث ؟
الشيخ : إي نعم .
فقوله - عليه السلام - : "لا عدوى" حديث صحيح ، لكن ليس معناه إبطال الحقيقة السابقة التي أثبَتَها الرسول - عليه السلام - بقوله للمجذوم : "ارجع ؛ فإنا قد بايعناك" ، فهذه الحقيقة التي أثبتها الطب - أيضًا - وهي العدوى ؛ فليس معنى قوله - عليه السلام - : "لا عدوى" إبطال هذه الحقيقة الشرعية والطِّبِّيَّة في آنٍ واحد ، وإنما أراد الرسول - عليه السلام - بهذا النفي "لا عدوى" نفي خرافة أخرى كان عليها أهل الجاهلية الأولى ، هذه الخرافة عليها اليوم أهل الجاهلية الأخرى في أوروبا وفي بلاد الكفر قاطبة إلا من كان مؤمنًا بالله - عز وجل - ، تلك الخرافة السابقة واللاحقة هي الإيمان بأن العدوى شيء طبيعي ، مثل ما يقولوا : الطبيعة الطبيعة ، أن العدوى تنتقل بطبعها ؛ أي : أن صاحب هذا الاعتقاد لا يستحضر في ذهنه إرادة الله - تبارك وتعالى - ، وأنه هو المقدِّر ، وأنه هو المدبِّر ، وأنه هو المتصرِّف في الكون ، وأنه هو الذي يسمح للعدوى أن تنتقل من المصاب بها إلى السليم .
فالأطباء اليوم لا يفكِّرون في هذا المعنى الروحي الإسلامي بتاتًا ، يقول لك : العدوى العدوى ، كذلك أهل الشرك والكفر في الجاهلية كانوا يعتقدون في العدوى ، لا يقولون : إن العدوى تعدي مَن يشاء الله أن يعدِيَه بهذا الداء ، لا يستحضرون في أذهانهم الله - تبارك وتعالى - ، هذا المعنى هو الذي أراد الرسول - عليه السلام - إبطالَه بقوله : "لا عدوى" أي : لا عدوى جاهلية ، أما عدوى طبِّيَّة حقيقية واقعية فهذه ثابتة بدليل : "ارجع ؛ فإنا قد بايعناك" .
من أين جئت - يا أستاذ - بهذا المعنى "لا عدوى" ؛ أي : لا عدوى جاهلية ، أي : لا عدوى مقرون بها عقيدة جاهلية ؟!
جئنا - يا إخوان - بهذا المعنى من تمام الحديث ؛ ألا وهو أن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد أن أتمَّ هذا الحديث قام رجل بدوي أعرابي من أصحاب الإبل ومن أصحاب التجارب قال له : يا رسول الله ، إنا نرى الجمال السليمة يدخل بينها الجمل الأجرب فيعديها ، وأنت عم تقول : "لا عدوى" ؟ هذا البدوي فَهِمَ من حديثه - عليه السلام - : "لا عدوى" كما يفهم اليوم كثير من المشايخ ما فيه عدوى إطلاقًا ، ويصدمون بذلك التجارب العلمية ... قوله - عليه السلام - : "لا عدوى" يعني ما فيه عدوى ، يعني الإبرة ضد الكوليرا وأمثالها اللي أصبحت ... نقل جرثوم معدي إلى إيش ؟ سليم لحمايته من العدوى ، هذا من أكبر التجارب على أنُّو فيه عدوى .
هذه الحقيقة أثبتها الشرع والطب في آن واحد ، وأنكرها أهل الجهل بالشرع كما أنكرها ذلك البدوي ؛ قال له معترضًا أو مستفهمًا : أنت تقول : يا رسول الله "لا عدوى" ، نحن شايفين العدوى بعيننا ، عم نشوف عشرة جمال سليمة مئة جمل سليم ما فيه مثل الضباء مثل الغزلان يدخل بينها جمل أجرب فيعديها ، شلون تقول : "لا عدوى" ؟ فنرى الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما كذَّبَ ولا خطَّأَ هذا البدوي ، وإنما أقرَّه على مشاهدته التي حكاها لنبيِّه - صلى الله عليه وسلم - ، ولكنه - عليه السلام - لفَتَ نظره إلى الحقيقة التي أرادَها بذلك النفي "لا عدوى" ؛ حيث قال له - عليه السلام - : "فمَن أعدى الأول ؟" . الجمل الأجرب الأول أول واحد مَن اللي عداه ؟ هو الله - عز وجل - ؛ إذًا أراد الرسول - عليه السلام - بهذا الحديث أن يُلفِتَ النظر إلى أن المسبِّب الأول - كما يقول الفلاسفة - هو الله - تبارك وتعالى - ، لكن هذا لا ينفي أن يكون الجمل الأجرب سببًا لنقل عدواه مرضه للجمل السليم ، لكن هذا بمشيئة الله - عز وجل - وتقديره .
ومما يدل على ذلك من ناحية التجربة أننا نرى كثيرًا من الأصحَّاء يخالطون غير قليل من المرضى المصابين بأمراض معدية ، فلا يصيبهم سوء بتاتًا ، بينما نرى آخرين أصابتهم العدوى ، وربَّما أودت بحياتهم وقتلتهم .
فإذًا قوله - عليه السلام - : "لا عدوى" لم يرد نفي العدوى الثابتة علمًا وتجربةً ، إنما أراد أن ينفي بذلك خرافة جاهلية ؛ وهي اعتقادهم أن العدوى تعدي بنفسها وذاتها ، ويؤيد هذا المعنى أنَّ في بعض الروايات في " صحيح مسلم " في آخر الحديث : "وفرَّ من المجذوم فرارَك من الأسد" .
السائل : صحيحة هَيْ ؟
الشيخ : صحيحة ، نعم .
"وفرَّ من المجذوم فرارَك من الأسد" ؛ إذًا هذا أثبت العدوى ، وأول الحديث نفاها ، فالتوفيق بين النفي والإثبات هو أن المنفي شيء والمثبت شيء آخر ، المنفي خرافة الجاهلية أنَّ العدوى تعدي بنفسها ، والمثبَت للعدوى بمشيئة الله - تبارك وتعالى - .
السائل : ... .
الشيخ : إي ، ما أظن أنها صحت .
السائل : ... .
الشيخ : ما ستسمعه .
السائل : ... .
الشيخ : "لا عدوى" الحديث ، و "فرَّ من المجذوم فرارك من الأسد" .
سائل آخر : السلام عليكم .
الشيخ : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
نقل الشَّيخ الطنطاوي الجوهري = -- أهلًا ... تفضل -- = نقل الشَّيخ الطنطاوي الجوهري في تفسيره المسمَّى بـ " الجواهر " ، والذي جَمَعَ فيه كل شيء إلا التفسير ! نقل أن أحد الأطباء الألمان لما طرق سمعَه قوله - عليه الصلاة والسلام - : "وفرَّ من المجذوم فرارك من الأسد" . قال : عهدُنا نحن - أي : العلماء المجرِّبين والبحَّاثين النَّقَّابين - أن نبيَّ الإسلام محمدًا - عليه الصلاة والسلام - رجل بليغ فصيح يعرف يتكلَّم ، فهو يضع الكلمة في محلِّها ، ولحكمة بالغة ؛ فلماذا قال في هذا الحديث : "فرَّ من المجذوم فرارك من الأسد" ولم يقل - مثلًا - من الهدم أو الغرق أو ما شابه ذلك ؟ لماذا خصَّ لفظة الأسد ؟ لا بد من حكمة ، فأودى به هذا التفسير وهذه المناقشة إلى أن أخذ يد رجل شخص مصاب بداء الجذام ، فوضع ميكروب هذا الداء تحت المجهر المكبِّر جدًّا ، وإذا به يرى جرثومة الجذام على صورة الأسد ، فقال : هذا هو السِّرُّ في قول نبيِّ الإسلام : "فرَّ من المجذوم فرارك من الأسد" ، هذا في الواقع ممكن يكون كذلك ، لكن أنا ما رأيت هذ الخبر في كتاب من الكتب الأخرى التي قرأتها إلا في " تفسير الطنطاوي الجوهري " ، وهو كما قلت لكم صاحب غرائب وعجائب ، فيه كلُّ شيء إلا التفسير .
طيب .
السائل : "فرارك من الأسد" ؟
الشيخ : بجميع أشكاله وأنواعه من الإنسان مؤمنًا أو كافرًا ، طاهرًا أو جنبًا أو حائضًا ، كلُّ هذا طاهر ليس في استعماله شيء .
تصلي يا أستاذ ... .